أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - النص القرآني (اول الكتب السماوية)















المزيد.....



النص القرآني (اول الكتب السماوية)


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4304 - 2013 / 12 / 13 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


أول الكتب السماوية
لو رجعنا إلى كتب التاريخ القديم، سنجد أن هناك مجموعة كبيرة من الهجرات حدثت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، باتجاه الشرق والغرب، أي نحو الأنهار، النيل في مصر ودجلة والفرات في العراق، وقد استطاعت أن تحدث انقلاباً قومياً في المنطقة برمتها، ففي العراق إستطاع الأموريون أن يشكلوا أقوى دولة في الهلال الخصيب، وأن يفرضوا سيطرتهم عليه، ومن هنا كانت اللغة البابلية منتشرة في كل المنطقة، كما أنها أصبحت اللغة الرسمية للتخاطب بين دول المنطقة، وهذه اللغة البابلية هي لغة أرض كنعان، حيث أن هؤلاء الأموريين قدموا إلى العراق من الغرب _ بلاد الشام _، ويتحدثون لغة الجزيرة العربية، وفي مصر استطاع ( المورو أو الحبرو ) أن يدخلوا مصر ويحكموها، وفي هذه ألحقبة من الزمن إنتشرت اللغة الأمورية في مصر، وكذلك الديانة التي يعبدونها، من هنا لو رجعنا إلى أسماء ألهه الهكسوس سنجد ( بعل شيف ) وهذا مؤشر على أن بعل كان من ألآلهة التي حملها المهاجرون معهم إلى مصر، وعلى انهم من الهلاليين.
إذن الهجرة والانتقال داخل الهلال الخصيب أو مصر أو الجزيرة العربية، كان ميسراً جداً خلال الفترة ما بين القرن التاسع عشر والخامس عشر قبل الميلاد، حيث كانت تخضع المنطقة للأموريين، وتم انتشار الديانة واللغة الهلالية في الأقاليم الثلاثة، فلم يكن المهاجرون من وإلى هذه الأقاليم يشعرون بالأغتراب القومي أو الديني أو اللغوي، ونستطيع القول إن مسألة الهجرة والتنقل في هذه الحقبة، أصبحت عادة اجتماعية يمارسها الجميع .
أما إذا عدنا إلى القرآن الكريم فأنه يخبرنا أن إبراهيم عليه السلام قد هجر موطنه بعد أن حاول قومه إحراقه في النار، وكانت الهجرة الأولى لإبراهيم ولوط عليهما السلام إلى بلاد الشام، "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)" الأنبياء "فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ-;- وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ-;- رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)" العنكبوت، إن القرآن يعطينا صورة التنقلات في المنطقة، حيث كانت تتوفر وحدة اللغة، فلكي تتم هذه الهجرة لا بد من توفر عنصر التخاطب بين المهاجر والمقيم، لكي يستطيعوا التخاطب بلغة مفهومة من كلا الطرفين، فهذا الأمر يشير إلى أن اللغة كانت في العراق وبلاد الشام لغة واحدة أو لغة يفهمها الجميع، بحيث أن كل من هو داخل هاتين المنطقتين يشكل جزءاً من مجموع موحد قومياً، ولو عدنا إلى الديانة التي كانت تسود العراق وبلاد الشام سنجد التماثل فيها، فبعل يوازي تموزي وعشتار توازي آنا .
ويضيف القرآن الكريم في حديثه عن الهجرة الثانية، التي قام بها كل من إبراهيم ولوط عليهما السلام "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰ-;-ذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ َمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ-;- وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)" إبراهيم، الآية الأولى تعطينا صورة المجتمع القديم الذي هاجر منه إبراهيم علية السلام، مجتمع يعبد الأصنام، من هنا جاءت دعوة إبراهيم "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ" ابراهيم، وهذا يؤكد أن تلك المناطق كانت ذات ثقافة وديانة واحدة، فكلمة (كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) إنما جاءت بعد هجرات متتالية قام بها إبراهيم عليه السلام وتأكيداً على أن هناك مناطق جغرافية متعددة تعبد الاصنام من هنا نجد الأعتزال عن تلك المجتمعات، ومن ثم بناء مجتمع جديد بعيد عن عبادة الأصنام، فكان اختيار إبراهيم عليه السلام لبقعة بعيدة عن ذلك المجتمع "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" ، وهذا الاعتزال متماثل مع الاعتزال الذي حدث بعد طوفان نوح عليه السلام، حيث كان التخلص من كل عبدة الأصنام، وفي حال إبراهيم عليه السلام نجد الأبتعاد عنهم، وكان هذا الاعتزال جزئياً وليس كلياً، لان مهمة الرسل تبليغ الرسالة وهداية الناس، من هنا جاءت الآية (مِنْ ذُرِّيَّتِي) لكي يعطي من سيبقى بذلك الوادي متابعة الرسالة والدعوة إلى الوحدانية .
ونعتقد أن الآية ( أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) تؤكد أن المجتمع الهلالي كانت عبادة الأصنام فيه، مستشرية وعامة وإذا عدنا إلى اللغة التي تخاطب بها إبراهيم ولوط مع المجتمع الجديد الذي تواجدا فيه، سنجد التأكيد من القرآن الكريم بأنها لغة واحدة كانت سائدة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية ، "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ-;- فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ-;- وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) ابراهيم
فرغم التنقل لأكثر من مكان لكل من إبراهيم ولوط عليهما السلام، إلا أنهما كانا يدعوان إلى الوحدانية بلغة تفهمها وتدركها التجمعات السكانية الجديدة، فاللغة هي أهم وسيلة تخاطب بين البشر، خاصة إذا كان هذا التخاطب فكرياً وليس تعارفياً أو تجارياً، ففي حالة التعارف يمكن أن يشير أحد المتخاطبين إلى جهة معينة فيفهم منها الأخر إلى المكان الذي ينتسب إليه، وفي حالة التبادل التجاري يمكن ألإ شارة إلى نوع السلعة والمبلغ الذي يريده، أما في حالة الحوار الفكري والعقائدي فلا بد من وجود لغة، ولغة تصل برقيها إلى المقدرة على إيصال الحوار الفكري والعقائدي إلى غايته، وكذلك على وجود مجتمع موحد لغوياً واجتماعياً، من هنا نجد عصر إبراهيم عليه السلام قد وصلت فيه اللغة الآرامية أوج ازدهارها ورقيها، ولذلك جاء أول كتاب منزل من الله عز وجل، بلغة يفهمها ويقرؤها اكبر عدد ممكن من الشعوب، وإذا ربطنا تطور تلك اللغة في عهد إبراهيم عليه السلام، من خلال الآية "إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ-;- 18 صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ-;- 19 " سورة الاعلى، بتطور اللغة في ذلك العصر، فيمكننا التأكيد على أن اللغة الآرامية بما أنه كتب بها الكتاب المنزل من الله فلا بد أن تكون لغة ( عالمية ) في زمانها، حتى يستطيع أكبر عدد ممكن من المجتمعات من قراءتها وفهمها، وعلى أن معظمهم يتحدثونها ويقرءونها، وهذا ما تحدث عنه علماء الآثار الذين أكدوا على أن اللغة الآرامية هي اللغة الأكثر استعمالاً والأطول عمراً في ذلك العصر، وعلى أنها اللغة التي يتخاطب بها بين الدول .
إن حديث القرآن الكريم عن صحف إبراهيم يعد أسبقية تاريخية، توضح الزمان والمكان الذي تم فيه تطور اللغة الإنسانية بحيث اكتملت جميع عناصرها، وعلى أن الوحدة اللغوية التي سادت في ذلك العصر، وكذلك يخبرنا القرآن عن ( مشاعة المكان ) بحيث أن عملية التنقل بين الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر، كانت منتشرة بكثرة حتى أصبحت وكأنها إقليم واحد، يستطيع أيا كان التنقل فيه، وهذا الأمر يؤكد على أسبقية القرآن في الحديث عن الهجرات الامورية في المنطقة، وعلى أن لغتهم هي اللغة السائدة في الأقاليم الأربعة .
إذن من خلال ما سبق نؤكد أن إبراهيم ولوطا عليهما السلام كانا رسولين من سكان الهلال الخصيب ويتكلمان لغة المنطقة، وقد انزل الله سبحانه وتعالى صحف إبراهيم باللغة التي يتكلم ويكتب بها في ذلك الزمان، ألا وهي اللغة الآرامية، التي خرجت من الإقليمية إلى العالمية _ نسبياً _ ، فلا يمكن أن ينتقل إبراهيم ولوط عليهما السلام اكثر من مرة، والى مناطق متباعدة دون أن يتكلما لغة الأقوام المهاجرين إليها، وأن يكتبوا ويقرأوا لغتها، ومن دون أن يشعرا بالاغتراب القومي أو الاجتماعي، إن القران الكريم حين يخبرنا أن هناك كتاب أنزل إلى إبراهيم علية السلام ، نستنتج من ذلك
أولا : _ أن يكون مكتوباً بلغة يقرؤها ويفهمها كل من هم داخل المناطق الجغرافية التي انتقل إليها إبراهيم عليه السلام .
ثانياً : _ أن عملية الفهم والقراءة تلغي وتنفي عملية الترجمة لتلك الصحف، فلا يمكن أن تترجم تلك الصحف والرسول الذي أنز لت عليه موجوداً وحياً يرزق .
ثالثاً : ـ بما أن هناك إخبار من القران الكريم بإنزال كتاب سماوي من الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يتم تداول هذا الكتاب لفترة طويلة وفي أماكن متعددة
رابعاً_ نستدل من القرآن الكريم أن اللغة التي أنزل بها القرآن، والكتب السماوية الأخرى لغة راقية ومتطورة وعميقة في مفهومها، وواضحة وضوح الشمس في تعاليمها، خاصة ما يتعلق منها بالعبادات والتشريع، فلا يمكن أن ينزل كتاب من الله عز وجل بلغة آيلة إلى الانقراض، أو بلغة إقليمية لا يفهمها إلا جزء صغير من الناس
من هنا نجد لغة إبراهيم عليه السلام لغة متطورة جداً، ولغة يفهمها جميع سكان الأقاليم، الهلال الخصيب والجزيرة العربية ومصر، أي أنها لغة عالمية في زمانها، وسنورد النص القرآني الذي يؤكد على أن إبراهيم عليه السلام أول رسول عالمي، يشترك مع رسولنا الكريم ( ص ) في عالميته، وأنه لم يختص بقوم معين، وإنما كان ضمن أكبر مساحة جغرافية يرسل إليها رسول في ذلك الزمان، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰ-;-كِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ لْمُشْرِكِينَ(67)" أل عمران) هذا أكبر دليل على أنه أول رسول تجاوز الإقليمية والقومية إلى العالمية، وإذا عدنا إلى الآية ( أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)
نجد أن إبراهيم عليه السلام ترك بذوراً في الجزيرة العربية ستستمر في عطائها إلى ما شاء الله، ولا أدل على ذلك من خروج سيد الخلق من البقعة المباركة، فكما أننا لا ننفي عن رسولنا عالمية رسالته "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰ-;-كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)" سبأ، كذلك لا ننفي بأنه عربي المولد، وقد انزل الله كتابه الكريم بلغة قومه "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)" الزخرف وهذا الأمر ينطبق على إبراهيم عليه السلام، فهو الرديف لرسولنا في عالميته وفي مولده، وفي اللغة التي تجاوزت الأقليمية والقومية، وسنورد باقتضاب بعض العناصر المشتركة بينهما، إبراهيم عليه السلام ترك قومه ومسقط رأسه قصراً، وذلك فعل محمد (ص)، إبراهيم أنزل عليه كتاب لأكبر عدد ممكن من الناس وبلغة يفهمونها، وكذلك فعل محمد ( ص )، إبراهيم عراقي المولد
الا انه تجاوز العراق وأصبح ظاهرة عالمية، ومحمد (ص) تجاوز الجزيرة العربية إلى الأرض كافة، إبراهيم ترك إسماعيل في الجزيرة العربية، وإسحاق في الشام ليكملا الدعوة التي بدأها، ومحمد (ص) ترك الصحابه رضوان الله عليهم .
من هنا نجد أن كل من يؤمن بالوحدانية ينسب إلى إبراهيم الخليل، والذي لقب بابي الأنبياء، إذن وضمن السياق السابق نؤكد أن إبراهيم عليه السلام، هلالي المولد عالمي الرسالة، ولا يمكن لأحد أن يدعي انه مختص بقوم أو جماعة بعينها، وهو أول رسول عالمي الرسالة، انتشرت رسالته في اكثر من منطقة، فهو مشاع لكل المؤمنين بوحدانية الله تعالى، أينما كانوا وأينما وجدوا .



أول الكتب السماوية
لو رجعنا إلى كتب التاريخ القديم، سنجد أن هناك مجموعة كبيرة من الهجرات حدثت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، باتجاه الشرق والغرب، أي نحو الأنهار، النيل في مصر ودجلة والفرات في العراق، وقد استطاعت أن تحدث انقلاباً قومياً في المنطقة برمتها، ففي العراق إستطاع الأموريون أن يشكلوا أقوى دولة في الهلال الخصيب، وأن يفرضوا سيطرتهم عليه، ومن هنا كانت اللغة البابلية منتشرة في كل المنطقة، كما أنها أصبحت اللغة الرسمية للتخاطب بين دول المنطقة، وهذه اللغة البابلية هي لغة أرض كنعان، حيث أن هؤلاء الأموريين قدموا إلى العراق من الغرب _ بلاد الشام _، ويتحدثون لغة الجزيرة العربية، وفي مصر استطاع ( المورو أو الحبرو ) أن يدخلوا مصر ويحكموها، وفي هذه ألحقبة من الزمن إنتشرت اللغة الأمورية في مصر، وكذلك الديانة التي يعبدونها، من هنا لو رجعنا إلى أسماء ألهه الهكسوس سنجد ( بعل شيف ) وهذا مؤشر على أن بعل كان من ألآلهة التي حملها المهاجرون معهم إلى مصر، وعلى انهم من الهلاليين.
إذن الهجرة والانتقال داخل الهلال الخصيب أو مصر أو الجزيرة العربية، كان ميسراً جداً خلال الفترة ما بين القرن التاسع عشر والخامس عشر قبل الميلاد، حيث كانت تخضع المنطقة للأموريين، وتم انتشار الديانة واللغة الهلالية في الأقاليم الثلاثة، فلم يكن المهاجرون من وإلى هذه الأقاليم يشعرون بالأغتراب القومي أو الديني أو اللغوي، ونستطيع القول إن مسألة الهجرة والتنقل في هذه الحقبة، أصبحت عادة اجتماعية يمارسها الجميع .
أما إذا عدنا إلى القرآن الكريم فأنه يخبرنا أن إبراهيم عليه السلام قد هجر موطنه بعد أن حاول قومه إحراقه في النار، وكانت الهجرة الأولى لإبراهيم ولوط عليهما السلام إلى بلاد الشام، "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)" الأنبياء "فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ-;- وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ-;- رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)" العنكبوت، إن القرآن يعطينا صورة التنقلات في المنطقة، حيث كانت تتوفر وحدة اللغة، فلكي تتم هذه الهجرة لا بد من توفر عنصر التخاطب بين المهاجر والمقيم، لكي يستطيعوا التخاطب بلغة مفهومة من كلا الطرفين، فهذا الأمر يشير إلى أن اللغة كانت في العراق وبلاد الشام لغة واحدة أو لغة يفهمها الجميع، بحيث أن كل من هو داخل هاتين المنطقتين يشكل جزءاً من مجموع موحد قومياً، ولو عدنا إلى الديانة التي كانت تسود العراق وبلاد الشام سنجد التماثل فيها، فبعل يوازي تموزي وعشتار توازي آنا .
ويضيف القرآن الكريم في حديثه عن الهجرة الثانية، التي قام بها كل من إبراهيم ولوط عليهما السلام "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰ-;-ذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ َمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ-;- وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)" إبراهيم، الآية الأولى تعطينا صورة المجتمع القديم الذي هاجر منه إبراهيم علية السلام، مجتمع يعبد الأصنام، من هنا جاءت دعوة إبراهيم "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ" ابراهيم، وهذا يؤكد أن تلك المناطق كانت ذات ثقافة وديانة واحدة، فكلمة (كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) إنما جاءت بعد هجرات متتالية قام بها إبراهيم عليه السلام وتأكيداً على أن هناك مناطق جغرافية متعددة تعبد الاصنام من هنا نجد الأعتزال عن تلك المجتمعات، ومن ثم بناء مجتمع جديد بعيد عن عبادة الأصنام، فكان اختيار إبراهيم عليه السلام لبقعة بعيدة عن ذلك المجتمع "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" ، وهذا الاعتزال متماثل مع الاعتزال الذي حدث بعد طوفان نوح عليه السلام، حيث كان التخلص من كل عبدة الأصنام، وفي حال إبراهيم عليه السلام نجد الأبتعاد عنهم، وكان هذا الاعتزال جزئياً وليس كلياً، لان مهمة الرسل تبليغ الرسالة وهداية الناس، من هنا جاءت الآية (مِنْ ذُرِّيَّتِي) لكي يعطي من سيبقى بذلك الوادي متابعة الرسالة والدعوة إلى الوحدانية .
ونعتقد أن الآية ( أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) تؤكد أن المجتمع الهلالي كانت عبادة الأصنام فيه، مستشرية وعامة وإذا عدنا إلى اللغة التي تخاطب بها إبراهيم ولوط مع المجتمع الجديد الذي تواجدا فيه، سنجد التأكيد من القرآن الكريم بأنها لغة واحدة كانت سائدة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية ، "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ-;- فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ-;- وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) ابراهيم
فرغم التنقل لأكثر من مكان لكل من إبراهيم ولوط عليهما السلام، إلا أنهما كانا يدعوان إلى الوحدانية بلغة تفهمها وتدركها التجمعات السكانية الجديدة، فاللغة هي أهم وسيلة تخاطب بين البشر، خاصة إذا كان هذا التخاطب فكرياً وليس تعارفياً أو تجارياً، ففي حالة التعارف يمكن أن يشير أحد المتخاطبين إلى جهة معينة فيفهم منها الأخر إلى المكان الذي ينتسب إليه، وفي حالة التبادل التجاري يمكن ألإ شارة إلى نوع السلعة والمبلغ الذي يريده، أما في حالة الحوار الفكري والعقائدي فلا بد من وجود لغة، ولغة تصل برقيها إلى المقدرة على إيصال الحوار الفكري والعقائدي إلى غايته، وكذلك على وجود مجتمع موحد لغوياً واجتماعياً، من هنا نجد عصر إبراهيم عليه السلام قد وصلت فيه اللغة الآرامية أوج ازدهارها ورقيها، ولذلك جاء أول كتاب منزل من الله عز وجل، بلغة يفهمها ويقرؤها اكبر عدد ممكن من الشعوب، وإذا ربطنا تطور تلك اللغة في عهد إبراهيم عليه السلام، من خلال الآية "إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ-;- 18 صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ-;- 19 " سورة الاعلى، بتطور اللغة في ذلك العصر، فيمكننا التأكيد على أن اللغة الآرامية بما أنه كتب بها الكتاب المنزل من الله فلا بد أن تكون لغة ( عالمية ) في زمانها، حتى يستطيع أكبر عدد ممكن من المجتمعات من قراءتها وفهمها، وعلى أن معظمهم يتحدثونها ويقرءونها، وهذا ما تحدث عنه علماء الآثار الذين أكدوا على أن اللغة الآرامية هي اللغة الأكثر استعمالاً والأطول عمراً في ذلك العصر، وعلى أنها اللغة التي يتخاطب بها بين الدول .
إن حديث القرآن الكريم عن صحف إبراهيم يعد أسبقية تاريخية، توضح الزمان والمكان الذي تم فيه تطور اللغة الإنسانية بحيث اكتملت جميع عناصرها، وعلى أن الوحدة اللغوية التي سادت في ذلك العصر، وكذلك يخبرنا القرآن عن ( مشاعة المكان ) بحيث أن عملية التنقل بين الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر، كانت منتشرة بكثرة حتى أصبحت وكأنها إقليم واحد، يستطيع أيا كان التنقل فيه، وهذا الأمر يؤكد على أسبقية القرآن في الحديث عن الهجرات الامورية في المنطقة، وعلى أن لغتهم هي اللغة السائدة في الأقاليم الأربعة .
إذن من خلال ما سبق نؤكد أن إبراهيم ولوطا عليهما السلام كانا رسولين من سكان الهلال الخصيب ويتكلمان لغة المنطقة، وقد انزل الله سبحانه وتعالى صحف إبراهيم باللغة التي يتكلم ويكتب بها في ذلك الزمان، ألا وهي اللغة الآرامية، التي خرجت من الإقليمية إلى العالمية _ نسبياً _ ، فلا يمكن أن ينتقل إبراهيم ولوط عليهما السلام اكثر من مرة، والى مناطق متباعدة دون أن يتكلما لغة الأقوام المهاجرين إليها، وأن يكتبوا ويقرأوا لغتها، ومن دون أن يشعرا بالاغتراب القومي أو الاجتماعي، إن القران الكريم حين يخبرنا أن هناك كتاب أنزل إلى إبراهيم علية السلام ، نستنتج من ذلك
أولا : _ أن يكون مكتوباً بلغة يقرؤها ويفهمها كل من هم داخل المناطق الجغرافية التي انتقل إليها إبراهيم عليه السلام .
ثانياً : _ أن عملية الفهم والقراءة تلغي وتنفي عملية الترجمة لتلك الصحف، فلا يمكن أن تترجم تلك الصحف والرسول الذي أنز لت عليه موجوداً وحياً يرزق .
ثالثاً : ـ بما أن هناك إخبار من القران الكريم بإنزال كتاب سماوي من الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يتم تداول هذا الكتاب لفترة طويلة وفي أماكن متعددة
رابعاً_ نستدل من القرآن الكريم أن اللغة التي أنزل بها القرآن، والكتب السماوية الأخرى لغة راقية ومتطورة وعميقة في مفهومها، وواضحة وضوح الشمس في تعاليمها، خاصة ما يتعلق منها بالعبادات والتشريع، فلا يمكن أن ينزل كتاب من الله عز وجل بلغة آيلة إلى الانقراض، أو بلغة إقليمية لا يفهمها إلا جزء صغير من الناس
من هنا نجد لغة إبراهيم عليه السلام لغة متطورة جداً، ولغة يفهمها جميع سكان الأقاليم، الهلال الخصيب والجزيرة العربية ومصر، أي أنها لغة عالمية في زمانها، وسنورد النص القرآني الذي يؤكد على أن إبراهيم عليه السلام أول رسول عالمي، يشترك مع رسولنا الكريم ( ص ) في عالميته، وأنه لم يختص بقوم معين، وإنما كان ضمن أكبر مساحة جغرافية يرسل إليها رسول في ذلك الزمان، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰ-;-كِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ لْمُشْرِكِينَ(67)" أل عمران) هذا أكبر دليل على أنه أول رسول تجاوز الإقليمية والقومية إلى العالمية، وإذا عدنا إلى الآية ( أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)
نجد أن إبراهيم عليه السلام ترك بذوراً في الجزيرة العربية ستستمر في عطائها إلى ما شاء الله، ولا أدل على ذلك من خروج سيد الخلق من البقعة المباركة، فكما أننا لا ننفي عن رسولنا عالمية رسالته "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰ-;-كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)" سبأ، كذلك لا ننفي بأنه عربي المولد، وقد انزل الله كتابه الكريم بلغة قومه "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)" الزخرف وهذا الأمر ينطبق على إبراهيم عليه السلام، فهو الرديف لرسولنا في عالميته وفي مولده، وفي اللغة التي تجاوزت الأقليمية والقومية، وسنورد باقتضاب بعض العناصر المشتركة بينهما، إبراهيم عليه السلام ترك قومه ومسقط رأسه قصراً، وذلك فعل محمد (ص)، إبراهيم أنزل عليه كتاب لأكبر عدد ممكن من الناس وبلغة يفهمونها، وكذلك فعل محمد ( ص )، إبراهيم عراقي المولد
الا انه تجاوز العراق وأصبح ظاهرة عالمية، ومحمد (ص) تجاوز الجزيرة العربية إلى الأرض كافة، إبراهيم ترك إسماعيل في الجزيرة العربية، وإسحاق في الشام ليكملا الدعوة التي بدأها، ومحمد (ص) ترك الصحابه رضوان الله عليهم .
من هنا نجد أن كل من يؤمن بالوحدانية ينسب إلى إبراهيم الخليل، والذي لقب بابي الأنبياء، إذن وضمن السياق السابق نؤكد أن إبراهيم عليه السلام، هلالي المولد عالمي الرسالة، ولا يمكن لأحد أن يدعي انه مختص بقوم أو جماعة بعينها، وهو أول رسول عالمي الرسالة، انتشرت رسالته في اكثر من منطقة، فهو مشاع لكل المؤمنين بوحدانية الله تعالى، أينما كانوا وأينما وجدوا .




أول الكتب السماوية
لو رجعنا إلى كتب التاريخ القديم، سنجد أن هناك مجموعة كبيرة من الهجرات حدثت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، باتجاه الشرق والغرب، أي نحو الأنهار، النيل في مصر ودجلة والفرات في العراق، وقد استطاعت أن تحدث انقلاباً قومياً في المنطقة برمتها، ففي العراق إستطاع الأموريون أن يشكلوا أقوى دولة في الهلال الخصيب، وأن يفرضوا سيطرتهم عليه، ومن هنا كانت اللغة البابلية منتشرة في كل المنطقة، كما أنها أصبحت اللغة الرسمية للتخاطب بين دول المنطقة، وهذه اللغة البابلية هي لغة أرض كنعان، حيث أن هؤلاء الأموريين قدموا إلى العراق من الغرب _ بلاد الشام _، ويتحدثون لغة الجزيرة العربية، وفي مصر استطاع ( المورو أو الحبرو ) أن يدخلوا مصر ويحكموها، وفي هذه ألحقبة من الزمن إنتشرت اللغة الأمورية في مصر، وكذلك الديانة التي يعبدونها، من هنا لو رجعنا إلى أسماء ألهه الهكسوس سنجد ( بعل شيف ) وهذا مؤشر على أن بعل كان من ألآلهة التي حملها المهاجرون معهم إلى مصر، وعلى انهم من الهلاليين.
إذن الهجرة والانتقال داخل الهلال الخصيب أو مصر أو الجزيرة العربية، كان ميسراً جداً خلال الفترة ما بين القرن التاسع عشر والخامس عشر قبل الميلاد، حيث كانت تخضع المنطقة للأموريين، وتم انتشار الديانة واللغة الهلالية في الأقاليم الثلاثة، فلم يكن المهاجرون من وإلى هذه الأقاليم يشعرون بالأغتراب القومي أو الديني أو اللغوي، ونستطيع القول إن مسألة الهجرة والتنقل في هذه الحقبة، أصبحت عادة اجتماعية يمارسها الجميع .
أما إذا عدنا إلى القرآن الكريم فأنه يخبرنا أن إبراهيم عليه السلام قد هجر موطنه بعد أن حاول قومه إحراقه في النار، وكانت الهجرة الأولى لإبراهيم ولوط عليهما السلام إلى بلاد الشام، "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)" الأنبياء "فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ-;- وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ-;- رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)" العنكبوت، إن القرآن يعطينا صورة التنقلات في المنطقة، حيث كانت تتوفر وحدة اللغة، فلكي تتم هذه الهجرة لا بد من توفر عنصر التخاطب بين المهاجر والمقيم، لكي يستطيعوا التخاطب بلغة مفهومة من كلا الطرفين، فهذا الأمر يشير إلى أن اللغة كانت في العراق وبلاد الشام لغة واحدة أو لغة يفهمها الجميع، بحيث أن كل من هو داخل هاتين المنطقتين يشكل جزءاً من مجموع موحد قومياً، ولو عدنا إلى الديانة التي كانت تسود العراق وبلاد الشام سنجد التماثل فيها، فبعل يوازي تموزي وعشتار توازي آنا .
ويضيف القرآن الكريم في حديثه عن الهجرة الثانية، التي قام بها كل من إبراهيم ولوط عليهما السلام "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰ-;-ذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ َمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ-;- وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)" إبراهيم، الآية الأولى تعطينا صورة المجتمع القديم الذي هاجر منه إبراهيم علية السلام، مجتمع يعبد الأصنام، من هنا جاءت دعوة إبراهيم "وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ" ابراهيم، وهذا يؤكد أن تلك المناطق كانت ذات ثقافة وديانة واحدة، فكلمة (كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) إنما جاءت بعد هجرات متتالية قام بها إبراهيم عليه السلام وتأكيداً على أن هناك مناطق جغرافية متعددة تعبد الاصنام من هنا نجد الأعتزال عن تلك المجتمعات، ومن ثم بناء مجتمع جديد بعيد عن عبادة الأصنام، فكان اختيار إبراهيم عليه السلام لبقعة بعيدة عن ذلك المجتمع "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ" ، وهذا الاعتزال متماثل مع الاعتزال الذي حدث بعد طوفان نوح عليه السلام، حيث كان التخلص من كل عبدة الأصنام، وفي حال إبراهيم عليه السلام نجد الأبتعاد عنهم، وكان هذا الاعتزال جزئياً وليس كلياً، لان مهمة الرسل تبليغ الرسالة وهداية الناس، من هنا جاءت الآية (مِنْ ذُرِّيَّتِي) لكي يعطي من سيبقى بذلك الوادي متابعة الرسالة والدعوة إلى الوحدانية .
ونعتقد أن الآية ( أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ) تؤكد أن المجتمع الهلالي كانت عبادة الأصنام فيه، مستشرية وعامة وإذا عدنا إلى اللغة التي تخاطب بها إبراهيم ولوط مع المجتمع الجديد الذي تواجدا فيه، سنجد التأكيد من القرآن الكريم بأنها لغة واحدة كانت سائدة في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية ، "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ-;- فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ-;- وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) ابراهيم
فرغم التنقل لأكثر من مكان لكل من إبراهيم ولوط عليهما السلام، إلا أنهما كانا يدعوان إلى الوحدانية بلغة تفهمها وتدركها التجمعات السكانية الجديدة، فاللغة هي أهم وسيلة تخاطب بين البشر، خاصة إذا كان هذا التخاطب فكرياً وليس تعارفياً أو تجارياً، ففي حالة التعارف يمكن أن يشير أحد المتخاطبين إلى جهة معينة فيفهم منها الأخر إلى المكان الذي ينتسب إليه، وفي حالة التبادل التجاري يمكن ألإ شارة إلى نوع السلعة والمبلغ الذي يريده، أما في حالة الحوار الفكري والعقائدي فلا بد من وجود لغة، ولغة تصل برقيها إلى المقدرة على إيصال الحوار الفكري والعقائدي إلى غايته، وكذلك على وجود مجتمع موحد لغوياً واجتماعياً، من هنا نجد عصر إبراهيم عليه السلام قد وصلت فيه اللغة الآرامية أوج ازدهارها ورقيها، ولذلك جاء أول كتاب منزل من الله عز وجل، بلغة يفهمها ويقرؤها اكبر عدد ممكن من الشعوب، وإذا ربطنا تطور تلك اللغة في عهد إبراهيم عليه السلام، من خلال الآية "إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ-;- 18 صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ-;- 19 " سورة الاعلى، بتطور اللغة في ذلك العصر، فيمكننا التأكيد على أن اللغة الآرامية بما أنه كتب بها الكتاب المنزل من الله فلا بد أن تكون لغة ( عالمية ) في زمانها، حتى يستطيع أكبر عدد ممكن من المجتمعات من قراءتها وفهمها، وعلى أن معظمهم يتحدثونها ويقرءونها، وهذا ما تحدث عنه علماء الآثار الذين أكدوا على أن اللغة الآرامية هي اللغة الأكثر استعمالاً والأطول عمراً في ذلك العصر، وعلى أنها اللغة التي يتخاطب بها بين الدول .
إن حديث القرآن الكريم عن صحف إبراهيم يعد أسبقية تاريخية، توضح الزمان والمكان الذي تم فيه تطور اللغة الإنسانية بحيث اكتملت جميع عناصرها، وعلى أن الوحدة اللغوية التي سادت في ذلك العصر، وكذلك يخبرنا القرآن عن ( مشاعة المكان ) بحيث أن عملية التنقل بين الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر، كانت منتشرة بكثرة حتى أصبحت وكأنها إقليم واحد، يستطيع أيا كان التنقل فيه، وهذا الأمر يؤكد على أسبقية القرآن في الحديث عن الهجرات الامورية في المنطقة، وعلى أن لغتهم هي اللغة السائدة في الأقاليم الأربعة .
إذن من خلال ما سبق نؤكد أن إبراهيم ولوطا عليهما السلام كانا رسولين من سكان الهلال الخصيب ويتكلمان لغة المنطقة، وقد انزل الله سبحانه وتعالى صحف إبراهيم باللغة التي يتكلم ويكتب بها في ذلك الزمان، ألا وهي اللغة الآرامية، التي خرجت من الإقليمية إلى العالمية _ نسبياً _ ، فلا يمكن أن ينتقل إبراهيم ولوط عليهما السلام اكثر من مرة، والى مناطق متباعدة دون أن يتكلما لغة الأقوام المهاجرين إليها، وأن يكتبوا ويقرأوا لغتها، ومن دون أن يشعرا بالاغتراب القومي أو الاجتماعي، إن القران الكريم حين يخبرنا أن هناك كتاب أنزل إلى إبراهيم علية السلام ، نستنتج من ذلك
أولا : _ أن يكون مكتوباً بلغة يقرؤها ويفهمها كل من هم داخل المناطق الجغرافية التي انتقل إليها إبراهيم عليه السلام .
ثانياً : _ أن عملية الفهم والقراءة تلغي وتنفي عملية الترجمة لتلك الصحف، فلا يمكن أن تترجم تلك الصحف والرسول الذي أنز لت عليه موجوداً وحياً يرزق .
ثالثاً : ـ بما أن هناك إخبار من القران الكريم بإنزال كتاب سماوي من الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يتم تداول هذا الكتاب لفترة طويلة وفي أماكن متعددة
رابعاً_ نستدل من القرآن الكريم أن اللغة التي أنزل بها القرآن، والكتب السماوية الأخرى لغة راقية ومتطورة وعميقة في مفهومها، وواضحة وضوح الشمس في تعاليمها، خاصة ما يتعلق منها بالعبادات والتشريع، فلا يمكن أن ينزل كتاب من الله عز وجل بلغة آيلة إلى الانقراض، أو بلغة إقليمية لا يفهمها إلا جزء صغير من الناس
من هنا نجد لغة إبراهيم عليه السلام لغة متطورة جداً، ولغة يفهمها جميع سكان الأقاليم، الهلال الخصيب والجزيرة العربية ومصر، أي أنها لغة عالمية في زمانها، وسنورد النص القرآني الذي يؤكد على أن إبراهيم عليه السلام أول رسول عالمي، يشترك مع رسولنا الكريم ( ص ) في عالميته، وأنه لم يختص بقوم معين، وإنما كان ضمن أكبر مساحة جغرافية يرسل إليها رسول في ذلك الزمان، "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰ-;-كِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ لْمُشْرِكِينَ(67)" أل عمران) هذا أكبر دليل على أنه أول رسول تجاوز الإقليمية والقومية إلى العالمية، وإذا عدنا إلى الآية ( أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)
نجد أن إبراهيم عليه السلام ترك بذوراً في الجزيرة العربية ستستمر في عطائها إلى ما شاء الله، ولا أدل على ذلك من خروج سيد الخلق من البقعة المباركة، فكما أننا لا ننفي عن رسولنا عالمية رسالته "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰ-;-كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)" سبأ، كذلك لا ننفي بأنه عربي المولد، وقد انزل الله كتابه الكريم بلغة قومه "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)" الزخرف وهذا الأمر ينطبق على إبراهيم عليه السلام، فهو الرديف لرسولنا في عالميته وفي مولده، وفي اللغة التي تجاوزت الأقليمية والقومية، وسنورد باقتضاب بعض العناصر المشتركة بينهما، إبراهيم عليه السلام ترك قومه ومسقط رأسه قصراً، وذلك فعل محمد (ص)، إبراهيم أنزل عليه كتاب لأكبر عدد ممكن من الناس وبلغة يفهمونها، وكذلك فعل محمد ( ص )، إبراهيم عراقي المولد
الا انه تجاوز العراق وأصبح ظاهرة عالمية، ومحمد (ص) تجاوز الجزيرة العربية إلى الأرض كافة، إبراهيم ترك إسماعيل في الجزيرة العربية، وإسحاق في الشام ليكملا الدعوة التي بدأها، ومحمد (ص) ترك الصحابه رضوان الله عليهم .
من هنا نجد أن كل من يؤمن بالوحدانية ينسب إلى إبراهيم الخليل، والذي لقب بابي الأنبياء، إذن وضمن السياق السابق نؤكد أن إبراهيم عليه السلام، هلالي المولد عالمي الرسالة، ولا يمكن لأحد أن يدعي انه مختص بقوم أو جماعة بعينها، وهو أول رسول عالمي الرسالة، انتشرت رسالته في اكثر من منطقة، فهو مشاع لكل المؤمنين بوحدانية الله تعالى، أينما كانوا وأينما وجدوا .



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( النص القرآني ) عدم نضوج علم الكتابة
- مدخل الى النص القرآني
- أيهما خطر الكيماوي العربي أم النووي الإيرني؟
- الدين بين التطور والنزول من السماء
- الماركسية والدين
- الثورة العرابية لرفعت السعيد
- السادات والبحث عن الذات
- غطاء العقل العربي
- الثابت والمتحرك والعقل العربي
- أوراق بعيدة عن دجلة
- المسألة الطائفية في مصر
- الفدائي الصغير بين الشكل الأدبي والمضمون
- ماركو فالدو والتقديم الهادئ
- عمارة يعقوبيان والفساد الطاغي في مصر
- التشدد والتكفير
- استنساخ قرطاج في بغداد ودمشق
- الديانات الثلاث ودخول الجنة
- التخندق القبلي في المجتمع العربي
- أوهام الشيوعيين الفلسطينيين
- رجوع الشيخ والانسجام بين الشكل والمضمون


المزيد.....




- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - النص القرآني (اول الكتب السماوية)