|
ميادين العربان ومياديان الخيام
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 22:59
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
سألني أحدُ الصحفيين: هل أثَّرتْ الاحداثُ العربيةُ في الساحة الإسرائيلية، ولا سيما ثورة ثلاثين يناير في مصر؟ نعم أثَّرَتْ في البدايات، ولكنها لم تؤثِّر في النهايات، فقد أقدم ثلاثة إسرائيليين على حرق أنفسهم، كما فعل البويزدي في تونس، واقتبس الإسرائيليون نموذج ميدان التحرير، وصنعوا مثيلا له يتمثل في ميادين الخيام، في أكبر مدن إسرائيل، وشارك في ميادين الخيام مئات آلاف الإسرائيليين، ومعهم فلسطينيون كثيرون، وأنشد ثائرو الخيام النشيدَ نفسَه، الذي كان يردده ثائرو التحرير، وإن كان يختلف في المضمون:" الشعب يريد عدالة اجتماعية" ثم توقَّف كلُّ شيء في إسرائيل، لماذا توقفت انتفاضة الخيام في إسرائيل، والتي اشتعلت في شهر يوليو 2011 ؟ هل تحقَّقتْ مطالبُ المحتجين؟! وهل اقتنعت جماهير الخيام بالخطوات التي جدولها نتنياهو لتخفيفَ ضائقة السكن، والحدَّ من ارتفاع أسعار الشقق السكنية للشبان الأزواج،وخفض أسعار المياه والكهرباء والوقود؟! الحقيقة: إن الإجابة هي لا، فحكومة إسرائيل أقنعت ثوار الخيام، بأن ثورتهم تمسُّ بأمن إسرائيل، ولاسيما عندما انضم إلى الثائرين الإسرائيليين عددٌ من الفلسطينيين، وأشيعَ في الخيام بأن استمرارهم في الثورة سيشجع مطلقي الصواريخ في غزة، ليقصفوا المستوطنات والبلدات في إسرائيل؟ كما أن انحراف الثورة في كثير من دول العرب عن مسارها الصحيح، أحبط ثائري الخيام في إسرائيل، ودفعهم للتراجع عن تصعيد خطواتهم. وكان للانتخابات الإسرائيلية التي جرتْ في 22/1/2013 دخلٌ كذلك في وأد ثورة ميادين الخيام. فقد تحوَّل ثائرو الخيام في إسرائيل إلى سياسيين من الدرجة الأولى، ولم يحدث هذا في دول العرب، ولعل حزب[ ييش عتيد] أو هناك مستقبل، الذي يتزعمه يائير لبيد، هو حزب ثوار الخيام، الحزب الذي فاجأ الإسرائيليين والعالم، بحصوله على تسعة عشر مقعدا في الكنيست، وهو الحزبُ الثاني بعد حزب الليكود بيتنا، وهو بهذه الانتفاضة قد قلب الساحة الحزبية رأسا على عقب، وتفوَّق على أعتى الأحزاب المؤسِّسَة لإسرائيل، وهو حزب العمل، الذي حصل فقط، على خمسة عشر صوتا في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة. إن ميادين الخيام في إسرائيل، تختلف عن ميادين (الخُيَّاب) في بلاد العربان، وأن المسافة بينهما، لا تُقاس بالجغرافيا، بل تُقاس بحجم التجربة السياسية. فثورات بلاد العربان كان هدفها فقط، الإطاحة بأنظمة الحاكمين المستبدين، انتقاما منهم فقط لا غير، أي أنها إشفاءٌ لغلٍّ وغضبٍ مخزون على الأنظمة الديكتاتورية العربية. فثورات بلاد العربان ثورات عشوائية، ليست لها قيادةٌ أو أهدافٌ محددة، وليست لها برامجُ سياسية منظمة تنظيما دقيقا. فهل وجهة نظر عاشقي نظرية المؤامرة صحيحةٌ؟ أي أن ثورات بلاد العربان، هي صناعة مؤامراتية أجنبية ،تقضي بتفكيك بلاد العرب إلى كيانات وكنتونات، وترمي المؤامرةُ إلى نزع أظافر القوة منها، واغتيال تاريخها وجغرافيتها، لحساب إسرائيل القوية عسكريا واقتصاديا؟ الحقيقة هي أنَّ إسرائيل هي الوحيدة بين دول المنطقة التي تمكنتْ من توجيه ميادين الخيام، إلى الطريق الصحيح، طريق الانتخابات الشعبية الحرة، وهذا ما فشل فيه كلُّ العربان، فإشعالُ الثورات، سهلٌ ميسور، وهذا ما يتفوَّق فيه العُربان ، ولكنَّ الأهم هو إدارة الثورات، هو ما يفشل فيه العربان دائما!!! أما السؤال الثاني فهو: هل تأثرت إسرائيل بأحداث ثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر، والتي أسفرتْ عن الإطاحة بحكم نظام الإخوان المسلمين؟ نعم، ولكن بصورة أخرى؛ وهي صورة منظمة أيضا، تمثلتْ في انتفاضة أبرزِ أحزاب اليسار وأقواها، حزبُ العمل، على قيادته التقليدية، التي صانعتْ اليمين، وحاولت التحالف مع الأحزاب الحريدية، وحاول حزبُ العمل استرضاء حزب اليمين الاستيطاني (البيت اليهودي)عقب الانتخابات الأخيرة، وحاولت زعيمة الحزب شيلي يحيومفتش، أن تُفرِّغَ حزب العمل من مضامينه السياسية، وتحرفه عن مسيرته السياسية الطويلة، وأن تصوغ منه حزبا اجتماعيا واقتصاديا، وكان من نتيجة ذلك؛ هروب عدد من أبرز سياسيي الحزب لأحزاب أخرى، كما هرب عمير بيرتس إلى أحضان حزب الحركة، كلُّ الأحداث السابقة أدتْ، إلى فوز رئيس الحزب الجديد، يتسحاق هوتزوغ بالرئاسة بنسبة 59% تقريبا، يوم 22/11/2013، قائد جديد أعاد شعارات حزب العمل إلى أصوليته التقليدية، فهو يدعو بعد انتفاضته على رئاسة شيلي، إلى أن تُعيدَ حكومة نتنياهو المركزَ الأول، لملف الحلول السياسية، وهذا من أبرز أسباب فوزه، هذا بالإضافة إلى نفور كثيرين من أعضاء الحزب، من استعلاء وديكتاتورية رئيسة الحزب السابقة. وحدث انقلاب صامت في حزب العمل، وظهرتْ بوادر تعزيز حزب العمل بانضمام ابن رئيس هيئة الأركان بني غانتس، وهو ضابط رفيع في الجيش( ناداف)، إلى صفوف الحزب بقيادته الجديدة. فهل ستنجح إسرائيل فيما فشلت فيه بلاد العربان، بأن تثور ديمقراطيا، على اليمين الحريدي المتطرف، الذي يرفض الخدمة العسكرية في الجيش، ويحيا على نقود دافعي الضرائب، ويُكدر حياة العلمانيين؛ فتشكل جبهة يسارية جديدة، تضم حزب العمل، برئاسة يتسحاق هرتزوغ، ومعها حزب هناك مستقبل، برعامة يائير لبيد، ومعها كتلة ميرتس، بزعامة السيدة زهافا غالؤون، ويضاف إليهم حزب الحركة، لتسبي ليفني، ومعهم كاديما شاؤول موفاز، وآخرون، ليعود اليسارُ إلى مركز الصدارة من جديد، في انقلابٍ سياسيٍّ أبيض، على هيمنة المتزمتين المتدينين(الحارديم)؟!!!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالتان عن عرفات بين مانديلا وفريدمان
-
سلاح الحفريات والآثار
-
كيف تتجنبون الاختطاف؟
-
إشارة البسمة الإلكترونية
-
غضب إسرائيل من اتفاقية جنيف
-
نهب الآثار في وضح النهار
-
موتوا لتخلدوا
-
تهويل أسطوري لإسرائيل
-
براءة ليبرمان فيها نظر
-
المجاعة الديمقراطية عند العرب
-
أكبر بطالة شعبية في العالم
-
في هجاء الوعد المشؤوم
-
دولة المتابعة والرصد
-
هل بلغ التيار الإسلامي ذروته؟
-
اجتنبوا مرض الغرور
-
فلافل السفير الأمريكي في إسرائيل
-
تكتيك جديد لمخابرات إسرائيل
-
الافتخار بهجرة المبدعين العرب
-
حاخام سوبر عنصري
-
سقوط الهيكل الثالث في حرب أكتوبر
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|