|
مارجريت
محمد هشام الثاني
الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 16:13
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
جلست مارجريت كعادتها أمام زوجها تضع قدمها اليمني علي اليسري .. مُشْعِلةً غليونها، متأملةً حلقات الدخان المتشابكة التي تبثها من فهما في أرجاء المكان، فما أن انتهت من التدخين حتي رمقت زوجها بنظرة اعتيادية توحي بأنها لا تشعر بوجوده، وكأنه قطعة أثاث تُكمِل ديكور الحجرة التي يجلسون بها .. فهي ليس لديها وقت لتضيعه معه، فلديها دخانها وأفكارها اللذان يختلطا ويتيهؤون لها في خِلقة شخصٍ ثالثٍ يملأ عليها المكان .. ويعوض فراغ الرجل الذي ملته ويجلس أماها فقط ليُحَدِق في عينيها؛ كارهاً تصرفاتِها والتي يظن بأنها –هذه التصرفات- ذكورية .. فمارجريت ليس لديها وقت لتضيعه مع زوجها في نقاشاتٍ غير مجدية جافة لا تأتي دوماً بجديد اللهم إلا اتهاماتٍ له برجعيته وذكوريته التي لا يستطيع أن يمارسها عليها –ونقصد هنا بالذكورية تسلطات وتحكمات الرجل الشرقي- واتهامتٍ لها بالسُفُور وبخرق طبيعة المرأة المحتشمة العفيفة علي حد تعبيره الدائم.
فزوجها بالنسبة لها ما هو إلا ثلاثُ فتراتٍ متعاقبة كل يوم: فترة الصباح والتي تضطر للنظر إلي عينيه قائلة له: صباح الخير، وبالطبع هي كلمة اعتيادية لا تقصد معناها: فهي لا تقصد معني الخير، ولا تشعر بقيمة الصباح، ويذهبا معاً ليعدا طعام الإفطار –كما اعتادا منذ بداية هذا الزواج المستمر لعامين علي أن يقتسما مهام المنزل ويفترقا أثناء العمل فقد ظن منذ البداية هذا الزوج أن هذه الأشياء التي طلبتها منه زوجته لا يمكن أن تتعدي أهازيج ودلع امرأة – والفترة الثانية - فترة غروب ما تبقي من أشعة الشمس لتذوب في سهام الليل البازغة المتدلية من السماء- حين يعود كلاهما من العمل ليُعِدا طعام الغداء، وبعد انتهائها من طعامها يذهب هو ليغسل الأطباق، ويعِد الشاي بالقرنفل الذي تستلذ به زوجته –وعادة ما تقوم هي بنفس المهام بعد الفراغ من وجبة العشاء "الخفيفة"- وتشعل هي غليونها –الذي ربما لا يطيقه زوجها فقط عندما يكون غاضباً عليها- من جديد، وتقلب في نفس الوقت الجرائد والصحف والمجلات لدقائقٍ ليست بالقليلة ربما تمتد لساعات؛ فهي اعتادت علي تصفح صفحاتٍ عدة كل يوم لتكون عَصَباً لمقالها اليومي؛ حيث تعمل مارجريت صحفيةً بإحدي الجرائد الصغيرة التي تهتم بحقوق المرأة والطفل.
وعلي الرغم من موهبتها الأدبية الواضحة التي شهد بها كبار المُفَكِرين والأدباء – حيث أنها قامت بإرسال الكثير من المقالات والقصص القصيرة لبعض الجرائد الكبري لتنشرها في باب القُراء- فحدث كثيراً وأن أثني أدباءٌ كُثُرٌ في أعمدتهم –التي تفردها لهم الدولة للتسبيح بحمد الحاكم والتزلُف لرجال الأعمال وكبار شخصيات الدولة- علي موهبتها المميزة؛ متنبئين لها بأنها ستكون بذرةً لشجرةٍ وارفة الظلال في سماء الأدب والثقافة، إلا أن أفكارها الجريئة – التي تكتبها بحريةٍ في جريدتها الصغري- لا تأتي علي هوي رؤساء التحرير ومديرو دور النشر الذين يرون أفكارها هدامة .. خارقةً لقيم وأفكار المجتمع، فهم لا يقتنعون بجدوي أعمدة صحفية تتفرغ للدفاع عن حقوق المرأة ومعاناة الطفل في هذه المجتمعات السوداوية العقيم..
وهناك فترة ثالثة –هي فترة الليل- التي يجمع فيها مارجريت بزوجها سريرٌ واحد؛ فهي الفترة التي ينتظرها زوجها كل يومٍ بشغفٍ وربما إصرار في بعض الأوقات ليشعر فيها برجولته التي يفتقدها طوال اليوم –كما يعتقد- مع أن مارجريت لا تري حياتها الزوجية الصحيحة إلا في التفاهم والتوزيع المتبادل للأدوار والواجبات بين الزوجين؛ ولكنها تراه غير آبهاً لهذا التوزيع الموضوعي المنطقي، فهو نشأ في مُجْتَمعٍ لا يريد الرجل فيه إلا أن يكون سي السيد طوال اليوم، فيهين .. ويزجر .. ويسب امرأته، ولا يجب إلا أن يري منها استسلاماً وخضوعاً، فهي تعي وتعرف أن معظم الرجال مازوخ، لا يجدون لذتهم إلا في انحناءة وخضوع المرأة لهم، ولكن زوج مارجريت لا يري منها أمام هذه الأفكار -التي تستشفها دوماً من حديثه- إلا جفاءاً وعناداً وأشعةً بارقةً من عينيها تخترق حدقات عينيه وكأنها تريد أن تقول له: اذهب أنت ونجيبك –إشارةً إلي نجيب محفوظ الذي فهمه الأزواج علي سبيل الخطأ في رصده الروائي لشخصية سي السيد- واجلسا مع سيدكم الذي تنحني له المرأة في مجتمعكم الأحمق الواهن المريض!
فلقد أتعبت مارجريت زوجها، وفي نفس الوقت لا يستطيع هو التخلص منها؛ فالعصمة قد استحوذتها في يدها .. وقد وافق علي شرط العصمة قبل الزواج حباً لها وهياماً بها .. ولكنه لم يكن يتوقع أن يؤدي ذلك إلي الوبال الذي وصل إلي رفضها أن تنجب منه أولاداً؛ خشية أن يتطبعوا بطبعه الذكوري المقيت لها، حتي لا تؤذي نساءاً أخريات عند زواجهم منهن عند كبرهم، وكانت تقول له دوماً: أتريد لنا طفلةً ترغمها علي الحجاب، وتتسلط علي شخصيتها؛ مُنتقياً لها ما ترديه من ثيابٍ فضفاضة حتي لا ينظر إليها المارة كما تحدثني بذلك؟! أتريد وَلَداً مُعَقَداً مُنغَلِقاً علي نفسه لا يعرف حريةً ولا اختلاطاً مع الفتيات التي يقربونه في العُمُر؟! أتريده نُسخة منك مُحتقِراً لكائن اسمه المرأة ولأي أنثي؟!
وهكذا تجد عزيزي القارئ أن القصة لم تُفْرَد إلا لمارجريت .. دون ذكرٍ لاسم زوجها .. دون الإشارة لوظيفته .. ودون معرفة القصة حتي لنهاية ليعرف القارئ علي من سيتغلب الآخر .. ولمن سيكون النصر في امبراطورية آدم وحواء؟! لمن ستكون الغَلَبة والمنطق لامبراطورية "ن" أم لامبراطورية سي السيد؟! وأحسب أن النتيجة معروفة ومحسومة .. يستشفها القارئ –وان اختلف شكل هذه النهاية- من خلال تتبعه الموضوعي لخيط القصة –رغم قصر هذه الخيوط في بعض الأحيان- وبالطبع سيأخُذُ كُلٌ التفاصيل علي حسب الوعاء الذي يصب فيه ويستمد أفكاره .. فهناك بالطبع من يري أن زوجها مريضاً نفسياً أو فاقِداً لمعاني الرجولة أو شخصاً سلبياً لا يستطيع التحكم في زوجته منذ البداية ..أو متخاذلاً وحدث كما تشاء!
وهناك من يري أنها نتيجة طبيعية ومنطقية لمن يتعامل مع حواء علي أنها وعاء يَصُب فيها مَنِيَه، أو لا يري منها إلا ما يقع أسفلها، أو بين فخذيها .. وسيقول وقتها عاشت مارجريت وصانعها!
#محمد_هشام_الثاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|