أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الكيلومتر الثلاثون














المزيد.....

الكيلومتر الثلاثون


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4303 - 2013 / 12 / 12 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


الكيلومتر الثلاثون
خيري حمدان

أتماهى مع الطريق السريع العابر للفضاء الشاسع أمامي، أشعر بنبض العجلات كأنّها قد توحّدت مع نبضات قلبي، لا شيء يحول دون دورانها وتسلّل خيوط الشمس الدافئة إلى فضاء عربتي الصغيرة. تتكرّر هذه التجربة كلّ يوم جيئة وذهابًا في ساعات محدّدة، أكاد أغفو على رتابة الموسيقى والأغاني المنبعثة من إذاعة "إف إم" المحليّة المفضّلة، وفجأة أدوس الكوابح لتخفيف السرعة عند أحد المنعطفات بطريقة تلقائية. يُهيّأ لي في كلّ مرّة أقترب فيها من المنحنى بأن لي حكاية لم تنته مع هذا المربّع الأسود من الطريق السريع، وأتسبّب أحيانًا بتوتّر في حركة السير لردّة فعلي غير الواعية. لم أتوانَ في كلّ مرّة عن ركن السيارة بعيدًا عن المسارات الثلاث الكالحة، كي أتمالك ذاتي ثانية قبل الانطلاق لوجهتي المعلومة.

غادرت السيارة بحذر وتمعّنت في الفراغ المعتم تحت أقدامي، مشيت خطوات ونفذت من الجهة الأخرى للمنحنى، لا شيء، لا صوت سوى أصوات المحرّكات الهادرة، وفي الوادي السحيق في الأسفل بالكاد يُسمعُ صوت خرير نهر صغير يجري إلى جهة ما، لا تهمّني، كلّ هذه التفاصيل لا تستدعي فضول أحد. حين عُدتُ لعربتي نظرت إلى عدّاد الكيلومترات، فوجدت بأنّني قد قطعت قرابة ثلاثين كيلومتر خارج حدود المدينة، وبقي ثلاثون أخرى كي أصل إلى مقرّ الجامعة لألقي بمحاضراتي، ثمّ أتوجّه في الطريق نفسه عائدًا إلى بيتي.

قد أذهب يومًا ما إلى طبيب نفسي متخصّص لأجد بعض الحلول الممكنة للكيلومتر الثلاثين، سأذهب حتّى وإن اعتبرني البعض قد أصبت بلوثة. بعد أيام، اضطررت للذهاب إلى الجامعة، بعد أن اضطرّ زميلي الأستاذ نصري المحاضر في قسم الفلسفة لمغادرة البلاد في رحلة عاجلة، وطلب منّي العميد إنجاز بعض مهامه. لا أخفي عليكم، سعدت بهذه الثقة المفاجئة وسارعت بإدارة محرّك السيارة والتوجّه إلى معقل العقول الواعدة. المقطع ذاته، هذه المرّة صرخت امرأة من الغيب "قَفْ"، تسمّرت السيارة في مكانها المألوف، ولم أجرؤ على الانطلاق ثانية قبل مضيّ دقائق. في طريق العودة ونكاية بهذا العناد الجغرافي أطلقت العنان للسيارة بقطع هذا المربّع بسرعة جنونية لا تليق بأستاذ جامعيّ ولكن دون عواقب تُذكر.
انقضت خمس سنوات كاملة على هذا الرهاب، دون أيّ تحسّن يذكر. قابلت بالطبع الطبيب النفسي الذي أوصاني به أحد الزملاء، لكنّه لم يقدّم لي أيّة حلول، وبعد الجلسة الرابعة أو الخامسة، طلب منّي مغادرة عيادته وعدم العودة ثانية، صائحًا: يلعن حرم الثلاثين كيلومتر، فكّ عنّا يا رجل.

قد يظنّ البعض بأنّ تلك الطريق حُبلى بكنز ثمين في ذلك المربّع، وربّما تحاول الأصوات والأشباح مساعدتي بتجنّب حادث سير مفجع. أنا بالطبع، ما زلتُ ملتزمًا بهذا التقليد، وسأتوقّفُ كلّما بلغت الكيلومتر الثلاثين في طريقي نحو الجامعة.

القصة من المجموعة القصصية "تقويم الزمن الضائع".



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة
- ذاكرة معطوبة
- الخطاب ما قبل الأخير
- البصطار
- يوم قُتلت كارولينا
- الشاعرة البلغارية المعاصرة سيلفيا تشوليفا
- بوحٌ في أعلى السلّم
- الشاعر البلغاري داتشو غوسبودينوف
- غرغرينا
- خيري حمدان ونصيرة تختوخ ونصّ مشترك - هواجس خريفية
- ألا ترى بأنّ صلاحيتهنّ قد استنفذت - مانويل فيلاس
- تانغو في عمان
- على شفا رحيل
- إشادة وتعريف بالحوار المتمدن في أخبار الأدب البلغارية
- فلاديسلاف خريستوف شاعر يكتب بتؤدة وجموح


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - الكيلومتر الثلاثون