|
فن أحيدوس بالمغرب: دلالات الإبداع ورمزية الحركات
محمد قروق كركيش
الحوار المتمدن-العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 23:47
المحور:
الادب والفن
فن أحيدوس بالمغرب: دلالات الإبداع ورمزية الحركات بقلم: محمد قروق كركيش
يعتبر الفن أي فن مقوم من مقومات الحياة الإنسانية ، لذلك فإن الظروف العامة التي يعيشها هذا الإنسان ، تجعله يعبر بمجموعة من الحركات و الإشارات و الأقوال ، قصد تفريغ اليومي و الترفيه عن الذات ، وكذلك التعبير المتميز لكافة المعاناة و أشكال الفرح بمجموع تنويعاتها ، ولما كانت طبيعة المجتمع هي الحنين للسلام و الحرية و الخروج من القهر الإجتماعي ، كان لابد للأفراد من أن يبتكروا طرقا جذابة في التعبير عن هذا الفن ، لذلك نجد كل مجتمع من مجتمعات المعمورة يزخر بكثير من الدلالات الإبداعية و الفنية التي تدخل في إطار الشعر الشعبي و الرقصات الشعبية ، ويعتبر المغرب بهذا الصدد بلدا يحفل بكثير من الأنماط الاحتفالية على اختلاف مكوناته و روافده المتعددة ، العربية و الأمازيغية و الحسانية و اليهودية المغربية ، لذلك نجد تنوعا صارخا يجمع ما بين الأصــــــــــــــــالة و المعاصرة ، وسوف نركز في هذه الورقة على الرافد الأمازيغي كمكون أساسي في بنية المجتمع المغربي . ونجد الثقافة الأمازيغية بهذا الصدد من أغنى الثقافات ثراءا وتنوعا في الجانب الإبداعي الفني ، بحيث نجد الإنسان الأمازيغي قد ابتكر و طور كثيرا من فنونه الدلالية و الرمزية للتعبير عن نكهة الحياة ، مرها وحلوها ، ومن بين أبرز ما نجده في فنون الثقافة الأمازيغية ، فن أحواش و أحيدوس المعروفان منذ غابر الأزمان حيث يمتزج الرقص بالغناء و الإيقاع وتشكل الأغاني الشعبية شكلا من أشكال التعبير الفني في أوعية إيقاعية متجانسة تضمن لها إمكانية التداول و الانتشار ، كما تشكل هذه الأغاني وسيلة من وسائل التعبير عن الذات والجماعة والتفاعل مع الطبيعة والناس والأحداث التاريخية ، لذلك تقدم الأغاني الشعبية كافة الأغراض الموحية بالأفراح و الأقراح من غزل ورثاء وهجاء ، فبالإضافة إلى التسلية و المتعة ، تطرح الأغاني الشعبية كافة أنواع الطموحات و أشكال المعاناة التي يشكو منها المجتمع . ويعد فن أحيدوس من بين الفنون الشعبية الرائعة التي تمرر لنا معاني ودلالات لا ينبغي أن نغفلها ، لأنها في النهاية تستبطن مجموعة من المقاصد التي تطورت عبر مرور التاريخ و تغير المجتمع ، يعبر عنها في العادة بالغناء و الرقص و الإيقاع المرتبطين بنكهة المجتمع و برمزيته المقدسة ، لذلك فاستخلاص الدلالات المتنوعة لهذا الفن يحتم علينا الغوص في دراستها دراسة أكاديمية ترقى إلى المستوى المطلوب ، وقبل أن نبدأ بتشريح فن أحيدوس نــــطرح مجموعة من الأسئلة توضيح للمقصد و تنويعا للمعنى من قبيل : -;---;-- فكيف يمكن أن نعرف فن أحيدوس من حيث الشكل و البنية ؟ -;---;-- وما هي العناصر الرئيسية التي تكون هذا الفن و تعطيه تميزه عن باقي الأنماط الغنائية و الفنية الشعبية الأخرى ؟ -;---;-- وهل لأحيدوس وظائف يؤديها في المجتمع الأمازيغي ، أم أنه مجرد عنصر للترفيه و التسلية ؟ -;---;-- ومن أين تنبع خصوصية أحيدوس داخل البناء الإجتماعي الأمازيغي ، هل من قداسته أم من أشياء أخرى ؟ -;---;-- وما هو الهيكل العام الذي يتكون منه إيقاع أحيدوس كـــــــــــــطقس مرتبط بالمرتع و الخشبة ؟ 1- أحيدوس : البنية و الشكل إن رقصة أحيدوس ذات طابع جماعي ، تعرف في مناطق الأطلس المتوسط و الكبير ، كما تعرف حتى في بعض مناطق الأطلس الصغير ، أحيدوس جمعه أحيداس وهو الاسم الأصلي العام لدى أمازيغ المغرب الأوسط ، وكما هو معروف فإن هذه الرقصة الغنائية تشتمل على حركات وأشعار مغناة على إيقاع آلات نقر تختلف من منطقة إلى أخرى ، وغالبا ما تؤدى أحيدوس على شكل دائري أو على شكل صفين متقابلين يشملان راقصين من كلا الجنسين أو على صف واحد في بعض الأحيان ، يحلقون حول قائد يسير الراقصين ويعرف " بالرايس rrajs " أو " wann issurara " أو " بو والون " أي الذي يسير الراقصين يستعمل آلة إيقاع " طارات أو ألون " لتسيير الفرقة وضبط إيقاع الرقصة وحركاتها ، ويعرف أحيدوس أيضا لدى سكان أزمور بــ " rrar " أي اللعب ، ويختلف معناه من مكان إلى أخر حسب اللهجة المستعملة في المناطق . ويستعمل الرايس مجموعة من الإشارات التي تمكنه من ضبط المجموعة ، بحيث تعتبر تلك الحركات و الإشارات بمثابة مقوم رئيسي في تنظيم شكل الرقص و إيقاع الغناء بتناغم و تناسق عجيبين ، بحيث يتفاعل الراقصون و الراقصات مع هذه الحركات التي يمتثلون لها و يعرفون مغزاها تفاديا لفساد الرقص و الغناء أو انزياحه عن الدلالات المطلوبة التي يحددها فن أحيدوس داخل القبيلة أو الأسرة الاميزيغية ، وأي خروج عن المألوف في الرقصة يعتبر خروجا عن الأعراف و التقاليد المعهودة ، وتختلف أحيدوس عن مثيلتها أحواش بسوس ، فهي أكبر من هذه الأخيرة وأعمق منها و أغلظ رنة . ويتميز إيقاع أحيدوس بالمقارنة مع إيقاع أحواش بالبطء الذي ينعكس على حركات الراقصين الذين تتموج أجسادهم في حركة متناسقة هادئة ، وتتمثل هذه الحركات في اهتزاز خفيف للكتفين مما يجعل حركات الراقصين تدور حول نفسها بشكل خفيف و بطيء من اليسار إلى اليمين ، بحيث لا تكاد تدرك حركات أقدام الراقصين ، وتبدأ الحلقة في الأول بالتدرج لتتسع بتوافد الراقصين بعد أن كانوا من بين المتفرجين ، ودائرة الرقص في أحيدوس تستقبل كل الراغبين في الرقص من نساء و رجال ، وليست حكرا فقط على المحترفين . ويبغي أن نشير إلى أن الجماعة المتفرجة يحق لها أن تتبع الرقص خطوة خطوة و حركة حركة ، كما يحق لها أن تتبع الإيقاع رنة رنة ، لأن المتفرجين في أحيدوس لهم الحق في تشجيع الراقصين إذا أحسنوا أو تهجينهم إذا خالفوا أعرافها و تقاليدها ، وبالتالي يحق للجماعة من ان تتبع الرقص بكل حرفية و تبدي رأيها بكامل الــــحرية سواء بالاستحسان أو بالاستهجان ، لان الرقصة في النهاية ترتبط بالحياة الإجتماعية لأهل القبيلة ، ذلك أن رقصة أحيدوس تنظم تلقائيا ، وبالضرورة أثناء حفلات الأعراس و الختان و المـــــــواسم و غيرها من المناسبات ، كما ترافق مراسيم تأبين شاب أو شابة وافته المـــنية قبيل الزواج ، وذلك بدون إنشاد و وبدون آلة إيقاعية . 2- خصوصيات وأصناف فن أحيدوس أ- خصوصية رقصة أحيدوس الرقصة كجنس فني وكنوع متميز بخصائصه الجوهرية و الشكلية من المعالم و المؤشرات التي يمكن أن يقوم عليها تصنيف ثقافة أو مجموعة بشرية ، وتمكن من التعرف على انتمائها الجغرافي و اللغوي و الثقافي ، من ذلك على وجه المثال أنه بمجرد مشاهدة أحيدوس ، يتبادر إلى الذهن فضاء أمازيغن أو شلوح الأطلس حسب الشائع من الـــتسميات ، وهي في غالبها تعميمية وليست دائما في تطابق تام مع النظريات الســــــــــــوسيولغوية و السوسيوثقافية في المغرب ، و الجمع في كل هذا أن الرقصة في حد ذاتها واجهة ظاهرية للثقافة المحلية التي تنتمي إليها و التي أنتجتها و نمارسها ، وبالتالي يكون العامل الجغرافي من جهة ، والعامل اللغوي من جهة ثانية ، من بين أهم الخصوصيات التي تميز الــــرقص و الغناء الشعبي الأمازيغي ، وعلى وجه الخصوص في رقصة أحيدوس التي تمتزج فيها الطبيعة بالإنسان . ترتبط الرقصات الجماعية المعروفة عادة بالرقصات " الشعبية " بمجموعة من العناصر المتنوعة المستمدة من الأدب و الثقافة الشفويين ، من قبيل الغناء و الشعر و المــــــوسيقى و الحركات والطقوس والعادات ، وغير ذلك مما يصدر عن الذاكرة الجماعية والتي تدخل في عداد الممارسات الجماعية العريقة في القدم و المتشعبة في عمقها بما تراكم من طقوس ثقافية واجتماعية ، وتقريبا كل الرقصات مرتبطة بطقوس الاحتفال إن عائليا ( الزفاف و الإعذار و العقيقة ...) أو دينيا ( المولد النبوي ...) أو وطنيا أو اجتماعيا ( المواسم ... ) وكذا بالأنشطة الفلاحية و القروية الفصلية ( الحصاد... ) وهي من تم تعبير عن الفـــــرح و التضامن و المشترك ، مما يعني أن الثقافة ممثلة في العادات و التقاليد و الأعراف تشكل خصوصية مهمة يتميز بها الفن الأمازيغي بشكل عام ، بل أن هذه الثقافة تميز كل البنيات الموجودة في أي مجتمع من المجتمعات . لذلك فإن الرقص و الغناء الأمازيغي يبقى له خصوصياته و مقوماته التي تميزه عن باقي الرقص الغنائي العربي أو الحساني ، ولا غرابة حينما يقول فيه روني باصي " ليس ثمة لدى برابرة المغرب من ترفيه يلقى أوج التفوق وأشمله وأهمه غير الرقصات الغنائية أو السهرات الغنائية ، وهي وإن كانت لها بعض الاختلافات من منطقة إلى أخرى ، تبقى ميزتها الجوهرية في تماثلها وتوحدها " ، وهذه خاصية من بين خصائصها ، أي ان الرقص الغنائي الأمازيغي يتميز بالبعد التضامني الجامعي ، إذ لا يمكن أن ينجح إلا في إطار التوحد و التجمع . وتجسد رقصة أحيدوس التي تقام في تناغم وتكامل على الكلام الموزون والحركة والرقص باستعمال آلة " البندير " انصهار الفرد داخل الجماعة وامتثاله لأحكام وأوامر القبيلة أو العشيرة ، حيث يجد الأب نفسه مضطرا للتخلي عن سلطة التوجيه والأمر لشـــــخص أخر ، وهي مظاهر تكتنفها الرقصة عبر خضوع جميع أعضاء الفرقة لتوجيهات رئيسها المايسترو ضابط إيقاعها . ب- أصناف و أشكال أحيدوس تعرف رقصة أحيدوس اختلافات بسيطة في التسمية حسب المناطق ، لكن لا توجد هناك اختلافات مهمة فيما يخص الحركات و الغناء ، لذلك فإنها تنقسم إلى صنفين متعارف عليهما في الثقافة الأمازيغية ، أحدهما يسمى " أحيدوس الكبير " ويعرف بـ " أحيدوس أكسوات / أخاتار ؛ وتؤديه مجموعة بعدد أوفر من الراقصين في شكل دائرة واسعة أو في صفوف كبيرة العدد من النساء و الرجال حسب الجهات والمناسبات ، ولهذا الصنف إيقاع بطيء يحدد سرعة حركات الراقصين والراقصات ، وغالبا ما يخصص للمناسبات الكبرى التي تجتمع لها القبيلة ، وخاصة في فترات المواسم أو الأعياد الوطنية . أما الصنف الثاني وهو الأصغر فيرتبط عادة بالحفلات العائلية أو القروية ، في مناسبات مثل الزفاف أو العقيقة أو الختان ، ويتميز باقاعاته و حركاته المبسطة السريعة ، وعلى عكس الصنف الأكبر ، فإنه لا يستلزم عددا كبيرا من المشاركين ، ولا يشترط فيهم التمكن من الرقص ، إذ من الممكن ممارسته من قبل هواة شباب ، وقد يكون بذلك بمثابة مجال التمرن والتعلم استعدادا في أحيدوس الأكبر التي لا تؤديه عادة إلا ذوو و ذوات الخبرة في مجال الرقص الجماعي . وعلى الرغم من أن أحيدوس كبيرا كان أم صغيرا ، يؤدى من قبل الرجال و النساء معا ، فإن الرجال وحدهم من يتولى استعمال آلة النقر " ألون " أو " طارت " دون النساء اللائي يكتفين بالرقص والترديد الصوتي ، ويتم انتقاء رئيس الفرقة دائما ممن له باع في مجال التسيير والأداء و الإيقاع و الغناء ، وبإمكانه تأمين السير السليم والموفق للرقصة حتى لا تتكسر قبل نهايتها ، ضمانا لاستحسان الجمهور ، ولا تمارس النسوة اللعب بالطارة إلا إذا كن في محفل نسوي لممارسة تاحيدوست ( الصنف الأصغر ) دون أن يكون بينهن رجال يشاركونهن الرقص ، كما أن رئاسة الرقص لا تستند أبدا لامرأة ، لكون العزف حكرا على الرجال وحدهم دون النساء .
3- العناصر المكونة لفن أحيدوس يتكون أحيدوس من مكونات رئيسية لا يمكن أن يستقيم بدونها ، إذ تلعب الدور الاساس في هذا الفن وهي الحركات المتمثلة في الرقص و الشعر الشعبي المغنى " إزلان " ، وسنشرح كل واحد من هذين العنصرين للفهم . أ- الحركات : عند معاينة رقصة أحيدوس بدقة ، يمكن أن نعتبرها وحدة عامة قابلة لأن تقسم و تجزأ إلى فواصل حركية صغرى ، وكل فاصل منها يشكل مجموعة من الحركات التي تتردد ويقوم بإنجازها الراقصون بانسجام وتوافق على نغمات وإيقاع الإزلي المختار أثناء الـــــــرقص و الغناء ، بحيث يتم الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى بإشارات من الرايس الذي ينقر على بنديره نغمة سريعة وحادة ، بعد ذلك تأتي سلسلة أخرى من الحركات ، وهكذا دوليـك ، مما يعني أن أحيدوس هو سلسلة من الحركات المتناغمة و المتكاملة التي تحدد مسار الفرجة و الفن ، وإن اختلت هذه الحركات ضاع هذا الفن ولم يبقى له معنى ، إذا تعتبر الحركات المكونة للرقص أهم العناصر المكونة لفن أحيدوس . ب- الشعر " إيزلان " : في بداية كل رقصة من رقصات أحيدوس يتولى إنشاد إيزلي شخص أو شخصين ممن لهم باع في غرض الشعر أو حفظه ، وإتقان إلقائه ، ويتكون إيزلي ( جمع إيزلان ) عادة من بيتين تختلف مفاهيمهما حسب المناسبات ، وتكون لغتهما بليغة حافلة بالرموز والصـــــور و الأخيلة التي تميز أي شعر عن الكلام العادي ، ويكون ترديد البيتين بعد الإنشاد الفردي أو التنائي يتم ترديدهما بصوت المجموعة على إيقاع واحد حتى نهاية الفقرة ، وقد يتم الغناء بالتناوب بين مجموعة الرجال و النساء حسب نوعية أحيدوس و حسب المناسبة ؛ وذلك بالتعاقب فريق بعد أخر ، وهكذا يتكرر الغناء الجماعي لإزلي طيلة الرقصة حيث يعمل بمثابة لازمة غنائية تؤطر الرقصة من بدايتها إلى نهايتها . وعلى مستوى اللحن فإن أغلب أغاني أحيدوس تلتزم نفس النغمة المتواترة برتابة غير مملة ، ويثبت لحن الأغنية منذ البداية بواسطة لازمة صوتية مجردة من الكلام و المعنى ، ونذكر هنا بما يعرف في عروض تشلحيت بـ " تدلايت أو تالالايت أو تانانيت " إذ تتكرر في إزلان متوالية من المقاطع الصوتية وهي : أ،أوا،أواوا ( a.awa.awawa) و التي يــــــستهل بها في أغلب الأبيات المغناة في أحيدوس ، وهي بمثابة قالب إيقاعي لهذه الأبيات . 4- الهيكل العام لفن أحيدوس نقصد بالهيكل العام لفن أحيدوس ، مختلف الإيقاعات التي تكون معيارا للغناء فيه ، ويتضمن الهيكل الإيقاعي أحيدوس من أربع عناصر هي : - النداء : هو غناء ارتجالي منفرد يسمى عادة " تماويت " و نجد هذا الهيكل بمثابة مقام " الصبا " ويؤديه مغني ذو صوت حاد وقوي . - الإيقاع الرباعي : وهو شبيه بإيقاع طائفة حمادشة ، بحيث لا يختلفان إلا في الطابع و الشكل الغنائي . - الإيقاع الخماسي : وهذا الإيقاع معتدل بعض الشيء . - الإيقاعات الثنائية و الثلاثية . وبخصوص مقامات أحيدوس يمكن أن نصادف أنغاما تستمد تركيبتها غالبا من مقامات شرقية كالصبا و البياتي ، لكن استعمالها في الموسيقى الأمازيغية يعطيها طابعا محليا خاصا ، حيث يتكون أحيدوس غالبا من دائرة تتماسك فيها الأكتاف تارة و الأيادي تارة أخرى ، ويختلط فيها الرجال و النساء ليرددوا مع الإيقاع الرقصة بالأرجل و الأيــــــــدي و الجسد كله و يرددوا الغناء وهم يتبادلون الأدوار ، وتبقى حركات أحيدوس رغم قلتها معبرة و غنية بالرموز . 5- الوظائف العامة لفن أحيدوس يعتبر كثير من الناس أن الغناء و الرقص مجرد وسائل للترفيه ، لكنهم لا يعرفون أن هذا الغناء و الرقص ناتج عن توالد مجموعة من الظروف داخل المجتمع الواحد ، أي أنه ليس مجرد شيئ غابر دون معنى ، بل بالعكس له دلالات مقدسة تنبع من الحياة و الممارسات اليومية ، لذلك فإننا نجد داخل ممارسة أحيدوس مجموعة من الوظائف المهمة ، نعتر عليها لـــــنبين كـــيف يمتزج المجتمع في صيغة الرقص و اللهو و الغناء بالمقدس من جــــــــهة ، وبالطقوس الممارسة فيه و التي تعبر عن الوجدان الجماعي الدفين من جهة ثانية ، وربما حتى من الأشياء الخفية و التي تنبع من رمزية المعاني التي يتميز بها فن أحيدوس من جانب ثالث ، لذلك فإن هذه الفنون الغنائية التي ترتبط بالشعب تحمل في طياتها الكثير من العبر ومن أهم هذه الواظائف ما يلي : أ- وظيفة التواصل : ويقصد بها المفهوم السيميائي للتواصل ، أي العلاقة الرابطة بين المرسل و المرسل إليه والتي تكون بينهما إرسالية ذات مضمون يستمد دلالاته و تأويلاته من سياق معين ، ويكون محمولا عبر لغة أو نظام من العلامات المشتركة بين المرسل و المتلقي ، وتتجلى وظيفة التواصل ما بين الرايس من جهة و مجموع الراقصين من جهة ثانية ، حيث يكون فيها الأول باعتا للإشارات الفنية ذات معنى بالنسبة للراقصين في المجموعة ، لذلك تكون لغة الإيقاع و الرقص و الغناء و الحــــركة هي القناة التي تمـــر عبرها الرسالة لتصل الراقصين .
ب- الوظيفة التفاعلية وتظهر هذه الوظيفة بشكل جلي بين مجموعة الرقص و الجماعة المتفرجة ، فإن كان الجمهور راض على أداء الفرقة فإن مستواها يرتفع ، و إذا كان العكس فإن الجمهور يؤثر على أداء الفرقة نحو الأسوأ ، لذلك نقول بأن التفاعل بين الراقصين و الجمهور تستتبعه عمليات التصفيق و الاستحسان أو التهجين ، وتشكر الإشارات و الإيماءات و الرموز التي يرسلها الجمهور لغة هذا التفاعل ، أي أن اللغة المنطوقة كلغة للتواصل لا تشكل في هذه العملية عائقا ، لأن هذه الأخيرة تفرض لغة أخرى هي اللغة غير الملفوظة . ج- الوظيفة الإجتماعية تشكل رقصة أحيدوس من الناحية الإجتماعية عمود الأفراح و الأحزان في مجتمع الأطلس الكبير و الصغير ، لذلك يشكل هذا الشكل الغنائي الحركي الشعبي وثيقة تاريخية تسجل أحداث هذا المجتمع المتنوع ، حلوها ومرها ، ولا غرابة من القول أن أحيدوس من هذه الناحية يلعب وظائف اجتماعية شتى من أهمها أنه يمنح قيمة التسامح و التضامن و التوحد للفئات الإجتماعية داخل المجتمع ، بحيث نجد في أحيدوس لا فرق بين الغني و الفـــــــقير و العالم و الأمي ، وهو بذلك يشجع الكل على العمل الجاد داخل الأسرة أو القبيلة ، زد على ذلك انه يرسخ قيم الولاء للجماعة ، إذ لا يمكن للفرد في هذا المجتمع أن يخرج عن الضمير الجمعي لأنه مصدر النجاح العام ، ويشكل أحيدوس من جانب أخر لبنة للتماسك الإجتماعي بين الناس ، إذ لا يمكن أن تخلو مناسبة منه ، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أهمية هذا الرقص الغنائي في هذه الثقافة .
مراجع :
1- المصطفى شادلي ، مقال " شذرات من الشعر الشفاهي المغربي : البنية والدلالة " ضمن كتاب " الشعر الشفاهي بالمغرب مقاربات ونصوص " تنسيق المصطفى الشادلي ، مطبعة النجاح الجديدة ، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 136 ، الطبعة الأولى 2006 ، الدار البيضاء-المغرب ، ص37 .
2-فاطمة بوخريص " الرقص الشعبي وقيمته الثقافية : نموذج أحيدوس " ، ضمن كتاب " الثقافة الشعبية بين المحلي و الوطني " ، منشورات عكاظ ، جمعية الجامعة الصيفية بآكادير ، أعمال الدورة الثالثة من 1 إلى 6 غشت 1988 ، الطبعة الأولى 1990 . ص 216 .
3-بوخريص فاطمة " أحـــــيدوس " معلمة المغرب ، الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النشر ، مطابع سلا ، الطبعة الأولى 1989 ، ص 195 – 198 .
4-فاطمة بوخريص " رقصة أحيدوس : بين المحلية و دينامية التحول " ، مجلة أسناك ، عدد مزدوج رقم 4 – 5 ، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، سنة 2010 ، ص 58 – 59 .
5-Jauad , Hasan et Lortat-Jacob , Bernard « la saison des fêtes dans une volée du Hout Atlas , paris , éd seuil , 1978 , pp 50 .
6- Peyron , Mchael « une forme dynamique de poésie orale : les izlans et les timawayin du Moyen Atlas ( MAROC ) , langues et littératures , N°5 , faculté des lettres , rabat , pp 161-180 .
7-Basset , H. « Essai sur la littérature des Berbères , paris , Ibis Press Awal , 1er édition en 1920 , pp 46 .
8-« Aspecto de la culture oral au Maroc » coordination LIALA Messaoudi --;-- Réseau National des cultures et littératures orales --;-- université IBN-TOFAIL – Kenitra --;-- 1er édition 2005 --;-- pp 126 .
#محمد_قروق_كركيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|