|
نجم حيدر.. وعراقية التصميم في المسرح
فاضل خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 22:12
المحور:
الادب والفن
من اجل ان ادخل إلى عالم نجم حيدر المسرحي، وليس التشكيلي او الباحث في الفلسفة، لابد لي من تحديد مصطلح التأويل أولا، كمفهوم قد لا يختلف عليه ما يعنيه أغلب المعنين في معناه. رغم أن معناه قد تجاوز الفهم الضيق إلى عمومية شكلت فيه رأيا عاما بل اتفاقا شبه جمعي. فمغزى التأويل لا يقف عند حدود معينه لأنه يجول في التراث مثلما يناقش الواقع المعاصر المعاش. أما النصوص فمهما كان انتسابها، اجتماعي أو ديني أو مختلفا غير ذلك، انما هو واقع ثابت له ما يحدده في الحياة الواقعية التي نعيشها، أو في عموم الثقافة التي نعرفها. وعليه فان دراسة الموضوعات وفق فلسفة التأويل كفيلة بأن تكشف لنا عن أصول الأشياء وانتساباتها حين تكتشفها التفسيرات التي تساعدنا في فك رموزها النصية. تلك التفسيرات التي تبحث عن إجابات يطرحها النص نيابة عن الحياة. حين يتجه في البحث عما يخلص الإنسان من مخاوفه اتجاه الكون وما يطرحه من ضرورات من شانها تخليص الإنسان من مخاوف الوجود في أن يكون أو لا يكون. من هذا الفهم المتفق عليه ـ حسب اعتقادي ـ ينطلق نجم حيدر في تجسيد الفهم التصميمي لغالبية المناظر التي اشتغل عليها قراءة وخطابا. تماما كما المخرج المختص المتفرد. وهو بذلك يحذو حذو مثله الأعلى ( كاظم حيدر ) الرائد المتفرد في تصميم المناظر المسرحية التي اشتغل عليها، لقد تجاوز كاظم المنظر المجرد، وذهب إلى مناطق الاشتغال عليها فكرا، شكلا، وصناعة. فانتقل بذلك من المصمم المبدع إلى (السينوغراف) المهنة المتاخمة لمهنة الاخراج، بل يكاد يكون السينوغراف هو المخرج في الكثير من البلدان المتقدمة في المسرح، المهنة الأكثر اقترابا من منطقة الإخراج، وبذلك يكون المبدع كاظم حيدر الجندي المجهول في نجاح أعمال العديد من المخرجين الذين اشتغل لهم. لقد قدم أعمالا كثيرة يصعب تعدادها لاسباب اعتبارية، شكلت انعطافات هامة في مسيرة المسرح العراقي حسبت لآخرين جلهم جهات هامة في المسرح العراقي. لكن ظل كاظم حيدر شامخا يؤشر بوضوح إلى بصاماته المحفورة في ذاكرة التوثيق للمسرح. ومثلما كان كاظم حيدر، كان نجم حيدر ذلك المارد ـ المخبوء في كاظم فكرا وفنا وذاكرة ـ ومثلما كان [الحيدران] المسكونان ببغداد والعراق القديم منه والمعاصر، يؤكد ذلك لمساتهما العراقية الممتدة الى جذور بابل وآشور وأكد وما جاورهما من حضارات قديمة وما نتج عنها من حضارات عراقية متتالية حسب حقبها. للديكور من خلال فهمه للبيئة البغدادية التي لم يكتف بما يختزنه لها من معرفيات عاش الكثير منها مثلما درس البعض الأكثر عنها، وبالتالي قام على تدريسها ضمنا من خلال انتسابه الى بغداد. ولذلك من وجهة نظري لم كثير صعوبة في التعامل مع النصين [الشريعة، وخيط البريسم] الا بمقدار ما يخرج فيها عن المألوفية المقيته التي لا يرتضي لها المبدعون، مما يجعلهم يربون من التجسيد الواقعي المنقول حرفيا وايقونيا من الواقع. لذلك كان في اختياره للخامة المستخدمة في كلتا المسرحيتين اختيار راق تسامى بالعرض فنيا فوق التصور. ان المتتبع لانجازات نجم حيدر في تصميم وصناعة ديكوراته يلمس التفرد الذي يميزه عن غيره من اقرانه، فمن مسرحية [تموز يقرع الناقوس] و[كلكامش] و[مصرع كليوباترا] نماذج لتأكيد مذهبنا، فالأنموذجان الأول والثاني لـ [كاظم حيدر] والأنموذج الثالث لـ [نجم حيدر]. أنا ونجم حيدر، وتجربتنا المشتركة في أربعة أعمال هي: خيط البريسم، الشريعة، مائة عام من المحبة، وفي أعالي الحب. وسأبدأ من مسرحية [في أعالي الحب] التي خضعت لأكثر من مقترح، ابتدأ من سجن على شكل مكعب، وانطلقنا بحكم تعلقنا معا ـ أنا وهو ـ بكاظم حيدر، ذهبنا الى لوحة شهيرة لكاظم حيدر، وبعد أن تجاوزنا فكرة المكعب في التصميم، ظلت الصورة اللوحة عالقة بذهنينا الأمر الذي جعل منها صورة لغلاف [البروشور brushier] أو ما نطلق علية محليا [البروكرام program] وهو البرنامج، أو الكتيب الذي يضم أسماء العاملين في العرض جميعا. وحين انتهى مقترح الديكور إلى قمقم من الملابس الكثيرة والمتنوعة. وللملابس حكايتها التي ابتدأت في أن لون العراق منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي وحتى أيام العمل على المسرحية هو [الخاكي] وهو لون ملابس المقاتلين من الجنود الذاهبين للحرب، في جبهات القتال. و[الأسود] لون الحزن على ضحايا الحروب التي لم تنتهي حتى بعد انتهاء المسرحية، وكميات تلك الملابس الكثيرة، تعبيرا عن كثرة ما استخدم الناس الذاهبين إلى الحرب واللابسين للسواد حزنا على الضحايا. وللقصة حكايا اقرب بالطرفة، وهو عند التفكير بالملابس ونحن قدمنا العرض الأول في الأردن(**)، لم نجلب معنا من الملابس القديمة ما يكفي لصناعته. وفي لحظة تجل كنا وقتها في الفندق، انطلق صوت نجم حيدر الجهوري الذي يتمناه أغلب الممثلين بالنداء: حيدر: ياشباب كل واحد منكم يجلب حقيبة ملابسه للمسرح. وجوم بان على وجوه العاملين في المسرحية، وكانت عيونهم تتساءل: لماذا الحقائب؟ وما دخل الملابس في الموضوع ؟ هل سنسافر دون ان نقدم العرض ؟ أو أننا سنسافر بعد العرض ؟ وكانت أكثر التساؤلات تفاؤلا هي: أننا ربما سنغير الفندق. وظلت الأسئلة الحائرة حتى وصلنا المسرح الذي سنقدم عليه المسرحية، وعندها طلب حيدر أن تفرغ الحقائب من ملابسها ليتم نصب الديكور بواسطتها. عندها ضحك الجميع، وكان ديكورا من ملابسنا، فكانت جوارب يوسف العاني، وكيلوت تميم فاضل، زائدا دشداشة نوم آسيا كمال، ويلك هيثم عبد الرزاق، وتراكسوت هادي كاظم، وحذاء نجم حيدر(2)، جميعها شكلت ديكور مسرحية [في أعالي الحب](3).
هوامش 1) قدم العرض في مهرجان عمان للفرق المسرحية المستقلة الذي تقيمه فرقة مسرح فوانيس. 2) وهم فريق العمل الذي قدمته فرقة المسرح الفني الحديث. 3) مسرحية (في أعالي الحب) تأليف: فلاح شاكر.
#فاضل_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التأليف المسرحي صنيع الاخراج
-
لا.. للهوية الواحدة في المسرح
-
دزدمونة ... والعنف ضد المرأة في المسرح
-
تاريخ البذاءة في لمسرح العربي !!
-
المداخل العكسية في المسرح
-
التجريب ..هو التلقي ( المثير ) في المسرح
-
تكنلوجيا المسرح
-
الجمهور...وتطور المسرح
-
جوزيف شاينا
-
جوزيف شاينا، كاظم حيدر ... وتماثل التصميم السينوغرافي
-
أهمية الأسلوب في الثقافة وألفن
-
انا ويوسف العاني ... ومسرحية [خيط البريسم]
-
المغالاة في المسرح
-
مسرحية [ منعطف على الدانوب ]
-
فرقة المسرح الفني الحديث سفيرة الفن العراقي
-
المرونة صنو الممثل المجتهد
-
على المخرجين أن يظلوا الطريق الى الهدف
-
المسرحية الجيدة.. الممثل الجيد
-
التأليف... المهنة الأسهل في المسرح
-
عودة المسرح الضال
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|