|
نصف الحقيقة هو كذب يا سيد نصر الله
علاء الدين الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4295 - 2013 / 12 / 4 - 20:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقاء نصرالله مع تلفزيون الOTV يوم 3 كانون الاول استمر حوالي الساعتين وكما يبدو أن المقصود منه ليس فقط أن ترفع المحطة التلفزيونية من عدد مشاهديها باستقبال اسم مهم في لعبة الحرب السياسية في المنطقة. بل كان قرارا حسنيا لبث البعض من الرسائل الهامة في نهاية العام لبنانيا وعربيا. والمقابلة تستحق الوقوف عندها ليس فقط لأن المتكلم هو حسن نصر الله بل لأنها من الواضح أنها حملت رسائل من صناع القرار الإيراني والسوري، ومن البلاهة أن يتابع بعض نجوم التحليل الإعلامي العرب والسوريين منهج الصريخ والزعيق في مناقشة كلام نصر الله أمام الشعب السوري واللبناني والعربي. في هذا المقال سنركز على منهج نصر الله المفضل في مخاطبة الرأي العام المتميّز بقوة تأثيره حتى على أعدائه، والمرتكز أساسا على نبرة صوتية هادئة مع ابتسامة ودية للمشاهد بالإضافة لصدق المعلومة التي يذكرها التي جعلت حتى الإسرائيليين لا يستطيعون تكذيبه. وبهذا اللقاء اتبع نفس المنهج، فنصر الله لم يكذب بالمعلومات التي قدمها للمشاهد بكل هدوء. لكن الكذب ليس فقط هو ذكر معلومات خاطئة، بل أيضا الكذب الأشد إثما هو ذكر نصف المعلومات الحقيقية تماما كالمثال الشهير "لا تقربوا الصلاة". يعترف نصر الله بشكل غير مباشر أن النظام السوري كان مرتكبا لكثير من الأخطاء في قيادة البلد السوري لأن رأس هذا النظام كما قال نصر الله وافق أن يقوم بحزمة كبيرة من الإصلاحات تناولت أساسيات مكونات الدولة السورية، وليس مجرد إصلاحات لبعض التفاصيل. وهنا فإن زعيم حزب الله يفرق بكل وضوح -ضمنيا- بين العام والتفاصيل، بين النظام ككل ومكوناته، بين الجماعة وبين أفرادها. كيف هذا؟ طبعا نصر الله لم يقل هذه الأشياء بهذا الوضوح لكنه قصدها بالتأكيد: 1- أخطاء النظام برأي نصر الله مغفورة طالما أنه أعلن استعداده لإجراء إصلاحات جذرية بعد 11 عاما من حكم بشار الأسد، رغم أن الإصلاحات التي أعلنها بشار هي إصلاحات جذرية وليس تفصيلية بمعنى أن الأخطاء ليست أخطاء بل خطايا بالنظام السوري. ولم يسأل نصرالله السؤال المنطقي: 11 عاما من حكم بشار لم يقدم فيه تغييرات جذرية في سورية ثم في شهر واحد يعلن إصلاحات تطال أصول الدستور والحرية السياسية، بل إن بشار لم يبادر بهذه الإعلانات عند وصول إشارات ثورة تونس ومصر بنهايات 2010 بل أعلنها يوم وصل عدد المتظاهرين لعشرات الآلاف، وأصر خلال هذه الشهور القليلة على أن سورية ليست بهذا الموقع الحرج، أليس هذا التأخير أكبر دليل على أن هذا النظام -بافتراض حسن النوايا- كان جاهلا بمشاكل البلد بعد 41 سنة من الحكم وبالتالي لا يستحق موقعه، أو أنه كان مدركا لها لكنه ما كان مستعدا للتنازل ما لم تظهر ملامح الخطر على سلطته؟ مع ذلك أصر نصر الله على منطق أن "الأخطاء" في النظام السوري لا تمثل أساسيات بنية هذا النظام. 2- أثناء كلامه عن قوات النظام ذكر عدة مرات بالإضافة للجيش العربي السوري، قوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية التي شكلها النظام في سورية. ذكرها بحيادية مطلقة ووضعها بنفس الخانة مع الجيش النظامي بأنها "تدافع عن البلد السوري". وطبعا لا يمكن لنا أن نصدق أن نصر الله الذي يقول أنه يعلم تفاصيل التفاصيل في سورية لا يعلم أن غالبية الأعمال القذرة التي قام بها النظام من قتل جماعي وسرقات واغتصابات وكوابيس يومية على حركة السوريين كانت من نصيب هذه المجموعات بالإضافة لعدد من كتائب وفصائل الجيش النظامي. وهو يعلم أن هذه المجموعات هي مليشيا بالواقع مركبة من شباب عاطل عن العمل مرتزق موجود بسورية مثل أي بلد بالعالم ينتظر من يدفع له وقد تكفل النظام عبر مخلوف الدفع لهم. وهو هنا لو افترضنا أنك سألته: من الثابت أن قوات النظام هي التي قامت بالمذبحة الفلانية وهي التي اعتقلت غالبية المعتقلين وهي في مواقع الاختلاط مع الجيش النظامي تحتقر العسكري النظامي. سيقول -وضوحا من منهجه- أنها مجرد أخطاء أفراد، لكنها تبقى بالهدف والاسم "قوات دفاع وطنية". 3- أثناء كلامه يصر نصر الله على مخاطبة الشعوب ويوحي للمستمع بالتزامه باحترام الشعب السوري واللبناني والعربي والإيراني وأن منهجه ومن يحالفهم نصر الله يسير وفق إرادة غالبية الشعب. فيدعي أن للنظام السوري قاعدة شعبية ضخمة لولاها لانهار النظام، ويدعي أن موقفه لها شعبية كبيرة لبنانيا، وطبعا أن للنظام الإيراني شعبية كبيرة إيرانية. الآن لنرى منهج نصر الله في تحليله للثورة السورية خاصة في بداياتها. في هذا التحليل الذي يقدمه للمشاهد بصورة تبدو شكليا منطقية ومقنعة يستخدم قواعد منطق تناقض ما سبق ذكره عن اسلوب تحليله لمواقف النظام السوري وحزبه وإيرانه. 1- رغم اعترافه "بأخطاء" النظام الجوهرية إلا أنه لا يراها تستحق ثورة أو انتفاضة شعبية، أو على الأقل يراها إن استحقت فهي يجب أن تسير عبر النظام المرتكب لهذه "الأخطاء" خلال 41 عاما. وهو هنا يعود لتهميش الإرادة الشعبية التي يدعي احترامها، ويقبل أن ما لم يستطع حتى رسول الله حيازته من ولاء الناس له خلال عشر سنين من المرحلة المدنية فارتدت الغالبية بعد موته رغم فروق العدد والزمن والوعي، يقبل أن النظام السوري يمتلكها وأن القاعدة الشعبية صابرة مصابرة تثق بالنظام. ويتناسى عشرات الآلاف من المتظاهرين السوريين ضد النظام ببدايات الثورة (نقول عشرات وليس مئات كي لا ندخل النقاش العقيم حول العدد). رغم أن شخصا مثقفا مثله يعلم أنه ببلد فيه أكثر من 60 مليون إنسان يملكون حرية التظاهر بدون أي تهديد عندما يريدون الاحتجاج على سياسة الحكومة فإن عشرة آلاف فرنسي في باريس تكفي لتقمع الحكومة الفرنسية عن المضي بقرارات قوانين العمل، فكيف هو الحال ببلد تحكمه مخابرات دموية شديدة القسوة؟ بل إنه يعلم كمسلم تقيّ كما يدعي، أن رسول الإسلام وعندما واجه فقط نوعا من الاحتجاج من قبل الأنصار بعد معركة حنين خاطبهم بكل لين وراضاهم بأن يكون هو نفسه حصتهم بالمدينة ولم يقل لهم "ثقوا بي واطيعوا" ونفس المثال كان على علي بن أبي طالب. لكنه هنا يتجاهل الخطاب الإعلامي والرسمي من لسان بشار الأسد في تحقير وتخوين المحتجين في الشهور الأولى. 2- يدعي نصر الله أنه حاور مباشرة أو بشكل غير مباشر بعض المعارضة السورية خاصة الإخوان المسلمين وربما بعض اليساريين وأنهم رفضوا كل العروض بالحلول الوسط. هذا صحيح تماما ولا ننكره. لكن من قال لنصر الله أن هؤلاء هم الشعب السوري وأنهم مفجروا الثورة السورية؟ هل هنا أصبح نصر الله ساذجا ليصدق أن للإخوان ولبعض اليساريين السوريين هذا الثقل الشعبي بسورية؟ أم أنه يتبنى مقولة النظام أن المتظاهرين مجرد "مرتشين" بمال النفط العربي؟ لماذا لم تكن "أخطاء" وتصرفات "مجموعات" النظام ممثلة للنظام نفسه، والآن بعض المعارضة المفصولة عن الشعب السوري وخاصة الإخوان هم ممثلوا المعارضة الشعبية المنتفضة ضد النظام؟ لماذا يكون -بفرض صحة رواية النظام- بضعة مسلحين هم الممثلون للجزء من الشعب السوري المنتفض ولا تكون قيادة المخابرات في درعا ممثلة للنظام؟ 3- "البحصة تسند الخابية" قياس فاسد استخدمه نصر الله لتبرير دخوله لسورية بالإضافة لحجة حماية اللبنانيين في قرى القصير. وهو يقدمه ضمن منظور أخلاقي وطني بحت أقل ما يوصف بالمراوغ. فلو سألنا نصر الله فلماذا قبلت الهدنة بحرب 2006 مع إسرائيل لقال بالمختصر الميزان العسكري واللبناني والإقليمي لا يسمح واقعيا ونحن لسنا خياليين، عظيم هذا الكلام ومقبول. لكن بالنتيجة أن الميزان العسكري واللبناني والإقليمي هو الذي رجح لديك التدخل العسكري المباشر في سورية وليس الهدف "الأخلاقي والوطني" كما تدعي. من ناحية ثانية، من الواضح أن نصرالله متأكد من تورط جماعة 14 آذار -التي أراها أنا أيضا متاجرة بالدم السوري واللبناني- في الكارثة السورية، وهو متأكد بالتالي أن السيارات المفخخة والتفجيرات التي طالت وستطال اللبنانيين هي من صنعهم مباشرة أو بشكل غير مباشر. طيب يا سيد حسن، لماذا لا تستخدم تفوقك العسكري الكاسح في لبنان و"الحق الوطني" الذي تدعي انحيازك له باكتساح عسكري لمناطق هذه الجماعة لردعها عن إيذاء اللبنانيين؟ سيقول أن ذلك وبسبب "الأشرار" حول وداخل لبنان سيتحول لفتنة طائفية وحرب أهلية تهدم البلد، أيضا كلام صحيح وجميل. إذا لماذا لم ترى أن تدخلك على التراب السوري لن يؤدي لفتنة طائفية وحرب أهلية لبنانية سورية شيعية سنية؟ نعود لقصة البحصة والخابية، يدعي نصر الله أن عدد جنوده لا يتجاوز المئات أو الآلاف حتى، أي فعلا من حيث العدد "بحصة" مقارنة بالجيش السوري وما سماها قوات الدفاع الوطني التي تصل معا لعدة مئات من الألوف. فهل لك أن تذكرنا بالتاريخ العسكري متى انهار جيش بسبب افتقاره لبضع مئات من الجنود على ثغر صغير ضمن جبهة هائلة الطول؟ وما هي عدد المرات التي خسر بها النظام مناطق عسكرية ثم عاد واستعادها؟ أي أن دخولك لم يكن "إنقاذا مصيريا" لجيش حليف من الناحية العسكرية. أن تدخلك يا سيد نصر الله كان رسالة إعلامية وسياسية بالدرجة الأولى موجهة من طهران للمحيط الإقليمي حول جدية دعمها للنظام السوري واستعدادها للقتال حتى أخر قطرة دم بحزب الله والنظام السوري. لقد كان المذيع المستضيف لنصر الله يكرر كلمة "واضح" على الكثير من مقولات الضيف. لكن هذا الوضوح بالواقع هو وضوح شكلي سطحي يخفي وراءه عقلية عسكرية حربية انتفاعية تعمل في حقل صراع سياسي إقتصادي دموي تستغل الدين والوطن لمصلحة زعمائها. الملاحظة الأخيرة، أن هروب نصر الله لاستغلال آثام وخطايا المرتزقة قادات داعش والنصرة وجيش الاسلام وغيرهم ممن اقتحموا الوطن السوري أساسا بسبب سياسة النظام حليف نصر الله والذين كان معظمهم من خريجي سجون مخابراته هو هروب مخزي يهمل آلام وطموحات الشعب السوري. واصراره على توصيف الجميع بكلمة "المعارضة" شاملا بها هؤلاء القادة وقادات المجلس والائتلاف والهيئة وغيرهم هو منهج ظالم ومخادع أمام منهجه بالتمييز بين النظام السوري الذي يدعمه وبين أفراده ومجموعاته والاخطاء بينها. باختصار يا سيد نصر الله أكمل الآية الكريمة فقل "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" ثم تعال وتفاخر علينا بالمباديء الأخلاقية والوطنية والإسلامية.
#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الفرات للنيل، من الشريان للوريد
-
إيران وأمريكا والسعودية، الكوميديا السوداء
-
نصر الله بعاشوراء- باع الحسين واشترى خامنئي
-
النظام السوري إلى أين؟
-
جنيف2 للوصول لحل أم لتطبيع الواقع؟
-
الكلمة الممنوعة في جنيف2
-
الخليفة والمهدي المنتظر، ما الفرق؟
-
سورية على طاولة القمار الدولية، إلى أين؟
-
سورية وقانون التاريخ إلى أين؟
-
لماذا هم مترددون بتوجيه الضربة لسورية؟
-
أمريكا تربح البوكر، فلماذا تلوث قفازاتها
-
بين دجلة والنيل، أين هو الله وأين الشيطان؟
-
بشار الأسد: خطف أهداف الثورة السورية
-
المؤامرة الكونية على سورية، هل هي حقيقة؟
-
مآسي المصريين، ببلايين الدولارات أم بملائكة وبشياطين
-
من سورية لمصر، حبل الوريد
-
الجزيرة وشرف المهنة، -لا تقربوا الصلاة-
-
الإخوان والبعثيون والوطني، أشقاء الوهم
-
لماذا سقط الأخوان سريعا؟
-
هل سورية بلد اصطناعي؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|