|
اجنحة الرغبة 1987(للمخرج الألماني فيم فندر): السينما التي تتحدث عن جوهر الأشياء وليس عن ذراها
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 4294 - 2013 / 12 / 3 - 22:54
المحور:
الادب والفن
اجنحة الرغبة 1987(للمخرج الألماني فيم فندر): السينما التي تتحدث عن جوهر الأشياء وليس عن ذراها بدأ فيم فندر مشواره الفني رساما في الستينات عندما كان يقيم في باريس ولكنه سرعان ما تحول إلى عالم الفن السابع،ولعبت الصورة دورا في تشكيل وتكنيك أعماله نظرا لاهتمامه بفن التصوير الفوتوغرافي حيث عرف في أوساط المخرجين الألمان بالمصور... ابهر بالصورة وكان عالم الصور يجذبه اكثر من الصور والروايات ومع ذلك لايجوز الحكم أو القول بأن افلامه لا تروي حكايات.. ولد في مدينة دوسلدروف الألمانية،وتخرج من المدرسة الثانوية ومن ثم درس الطب عام 63-64 ومن ثم الفلسفة من عام 1964-1965... حصل على السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي عن فيلمه باريس-تكساس عام 1984 مع جائزة افضل مخرج،كما حصل عام 2000 على جائزة لجنة التحكيم(الدب الفضي) في مهرجان برلين السينمائي الدولي عن فيلمه فندق المليون دولار....
لنتابع هذا الاقتباس من كتاب منطق الشخصيات لفيم فندر في ترجمة واقتباس عن مجلة الحياة السينمائية... ياسوجيرو أوزو(1903-1963) مخرج ياباني ترك تاثيرا كبير على فندر،يقول فندر: لقد تعلمت من أوزو انه بوسعك أن تعمل فيلما من دون أن تروي حكاية...لماذا صورت الأشياء بالأبيض والأسود: الأسود والأبيض بالنسبة لي يستدعيان الحقيقة في السينما،هذه هي السينما التي تتحدث عن جوهر الأشياء وليس عن ذراها... بعد هذا الاقتباس الكامل عن مجلة الحياة السينمائية عن فندر بشكل عام،لنتوقف عند فيلم اجنحة الرغبة الذي يعتبر اشهر فيلم لهذا المخرج في فيلموجرافيا طويلة وجميلة ومليئة بالانجازات...يبدأ الفيلم مع هذه الجملة: عندما كان الطفل طفلا مشى مع ذراعيه يتأرجح طلب التيار ليصبح نهرا...نهرا جارفا،وهذه البركة الصغيرة ارادت أن تكون بحرا... عندما كان الطفل طفلا،لم يكن يعرف بأنه طفل،كان كل شيء مليء بالحياة،وكل الحياة كانت واحدة عندما كان الطفل طفلا لم يكن يملك رأيا حول أي شيء...لم يكن يملك أية عادات هل هذه المقدمة التي سوف تستمر كترنيمة دائمة للفيلم تذكر في احيان كثيرة،من الممكن ان تعتبر كرغبة للبساطة الفكرية وجنوح نحو البدائية الكونية الطفولية وفي نفس الوقت ابتعاد عن اي اعتبار معقد... فيلك ناطق باللعة الألمانية مظلم كئيب،بالأبيض والأسود سوى من لقطات قليلة جدا ونادرة في الفيلم،سوداوي ولايقاس بأكثر من تأمل ووقفة فكرية تجريدية-لاتخلو من التعقيد-للعالم الذي نعيش فيه،لمخرج يعشق المخرج الألماني أوزو وتعامل مع الكبير الأشهر أنتونيوني فهو ليس من ذلك النوع من المخرجين الذين يقدمون فيلما للمتعة فقط ويعتبر اشهر مخرج في ألمانيا بعد فاسبندر وهيرزورغ وهو اشهر مخرج في الموجة الجديدة الألمانية... وما نقوله عن الاقتباس الأمريكي لهذا الفيلم في مدينة الملائكة الذي قام ببطولته كل من ميغ ريان ونيكولاس كيج بان هناك فرق شاسع في المستوى الفني بين الفيلمين لصالح فندر طبعا الذي كتب هذا الفيلم بالتعاون مع كاتب المسرحيات الألماني بيتر هانديك. اللغة المستخدمة في الفيلم شعرية...هجاء..وكأن فندر يحاول أن يجعل للملاك (demiel) راوي القصة صياغة خاصة،لكنة حزينة كئيبة،وكأن هذا الراوي يقدم مرثية عن هذا العالم وعن النفس البشرية... حيث نستمع إلى هواجس داخلية لفرديات مختلفة لهموم روتينية ليست غريبة على هذا العالم ابدا،والملاك يرى العالم الحقيقي...يرى الجوهر فهو يرى اللون المعبر عن ذلك عند فندر ألا وهو الأبيض والأسود... ثم تعود الترنيمة ومن نفس الراوي: حين كان الطفل طفلا حان وقت تلك الأسئلة...لماذا أنا أنا ولماذا لست هناك؟! هذه الترنيمة الفلسفية تتساءل بشكل تجريدي عن حقيقة الحياة...عن الكينونة،عن اللازم الحقيقي في الحياة،والملائكة في الفيلم(Demiel) ورفيقه (Cassiel) عبارة عن شهود عيان يتواجدون في كل مكان وفي كل اللحظات محاولين التخفيف عن البشر في اللحظات الحرجة مثل الولادة أو الانتحار ولكنهم لا يمتلكون أي قدرة على تغيير الواقع،والفيلم في النهاية على شاكلة أفلام أنتونيوني لا يسير نحو أي شيء سوى تأمل شعري فلسفي كل حبكة بجانبه تبقى هامشية،على شاكلة أنه يتمنى من الملاك دومييل بطل الفيلم الأوحد الخلاص من دونيته وحتى ابديته وان يعود إلى الأرض،متضمنا الوجود الحقيقي المادي...الوجود البشري بصفاته وكل معطياته...باختصار هو يتمنى الصفات البشرية لأنه معدوم الاحساس كليا ولا زال مسكونا خلال تأملاته بالرغبة... لازال يمشي...يركب القطار ويستمع الى الهموم البشرية الطبيعية الروتينية احدهم يسأل نفسه:لماذا أعيش؟!...ما الغاية من حياتي واخرى تسأل نفسها متى سوف تصلي،والسؤال:لماذا هو معجب بكل هذا؟! يبدأ اهتمامه بلاعبة الاكروبات في السيرك.... امرأة شقراء بريئة جميلة...سطحية اختيارا وتشغلها حقيقة اسئلة كبيرة قسريا...يسمع همومها..أمانيها وكل الرغبات تبدو شعرية رومانسية تتجه نحو سعادة مجردة على شاكلة حب سامي أو الحياة وحيدة في جزيرة... أنا لا اعرف من اكون ولكني اعرف باني لا اريد أن اكون ارجوحة بهلوان لماذا يستخدم فندر الأبيض والأسود في الفيلم...؟! لتأكيد شيء ما...سوداوية مطلقة لحالة وجودية...عودة الى التجريد...الخواء على الرغم من وجود الحبكة ولكن فندر يحاول الرجوع إلى الأصل...إلى الحالة التكوينية الخاصة بالحالة البشرية (الاساس التجريدي للموضوع) السيرك افلس،وهمومها بانها من الممكن أن تعمل كنادلة ولكن للمونولوج دور كبير في الفيلم..وهي تقول في نفسها في هذه اللحظات:فقط جزء مني قلق والآخر لا يصدق ذلك حتى هذه الكلمات النابعة من أقاصي النفس والتي لا يسمعها سوى الملاك تؤكد مقدار التساؤل البشري حول حقيقة وقيمة وجوده،ولا يمكن فصل الكلمتين عن بعضهما البعض(حقيقة وقيمة) ونرى بأنه يصدق بأنه في سراب أكثر من حقيقة مادية فيزيائية...هل تعرى المرأة يعني شيئا لهذا الملاك؟! هو يحاول لمس جسد المرأة العاري...يمرر يديه عليه ولكنه في الحقيقة القائم عليها القصة لايلمسه.. هذه الحركة تفشي بشيء كبير(الرغبة في الحب-Desire Of Love) بينما هي تكمل وتنطق (Desire To live)...تنطق بهذا الكلام وهي عارية تجلس على السرير ثم تغطي كامل اللقطة الألوان عندما تنطق بكلمة (live).... الابيض والأسود ليس فقط من خلال عيني الملاك بل ايضا هو لحياة تأملية من الممكن أن يراها أي شخص من وراء هذا الكوكب...من وراء ستارة العالم.... هي عن لحظات نهائية ليست خاصة بقدر ما هي حاسمة...هي عن اهم القرارات وان لم تكن قرارات فهي هواجس اولى في حياة الفرد،والذي ينظر من وراء العالم يهتم فقط بالسؤال عن سبب وجود هذه الهواجس والقرارات حتى لو أن الحياة استمرت شكليا ولكن تبقى في مجملها على الحافة... ودوران الفيلم من حول هذا الموضوع الى درجة التكثيف والتركيز جعل من الحبكة المركزية ان كانت موجودة فعليا شيئا هامشيا وهذا التركيز لم ينقص من قيمة الفيلم الفنية بل جعله اكثر جمالا وتركيزا وتماسكا وقربا من كيسلوفسكي ففندر يستخدم السينما كاسلوب رائع للتعبير الذي على مايبدو ليس الا عبارة عن خليط محبوك بدقة من عدة مخرجين كبار احدهم تاركوفسكي أيضا. هذا الرجل لا يرغب بالأبدية،لأن الأبدية وعدم الاحساس المادي يكسبان المرء عدم القدرة على الاحساس بالوجود،على ان فندر يصوره على انه يمتلك احساسا عاطفيا عاليا ويمتلك خاصية الوقوع بالحب،فهو يجلس في السيرك الآن لأنه مهتم بتلك المرأة. فيلم فندر هذا ليس تقليديا ابدا...كبير من كل النواحي يعود بنا الى افلا كبيرة افتقدناها ذات مرة مع غروب كبار مخرجي السينما،وتجد دائما اقلام النقد متعاطفة معه لأنه موجه اصلا إلى فئة معينة من الجمهور يقرر أن يمارس الانغمار...التحول إلى مخلوق بشري تقول تلك افلتاة في داخلها-مونولوجها الداخلي-: أنا لا استطيع القول من اكون،أنا لا املك فكرة وضيعة...أنا شخص لا يمتلك أي جذور...أي قصة..أي مدينة وانا احبها بتلك الطريقة...أنا هنا...أنا حرة...وأنا استطيع تخيل اي شيء...كل شيء ممكن إذا اردنا التركيز على المرأة فهي غير موجودة فعليا بعكس الملاك الذي طلب الوجود من اجل يشعر بها،وقد عرف ما لاتعرفه الملائكة...عرف أن يكون ملكا لشخص ما...وان يمتلك شخصا ما...
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة طوكيو1953(ياسسوجيرو أوزو): أليست الحياة مخيبة للآمال...؟
...
-
التمساح 1996(للمخرج الكوري كيم كي دك):بازوليني السينما الكور
...
-
ليلة عربية1974 (بيير باولو بازوليني):توظيف لعالم الف ليلة يب
...
-
حكايات كانتربري 1972(بيير باولو بازوليني): قصص لاتستدعي ابدا
...
-
ديكاميرون1971(بيير باول بازوليني) :عن الف ليلة وليلة الايطال
...
-
حظيرة الخنازير 1969(بيير باولو بازوليني): قصة لاداعي لها وخا
...
-
ميديا 1969(بيير باولو بازوليني): قصة عن الفروسية وعن الملك و
...
-
الحب والكره 1969(فيلم لخمسة مخرجين):عن اللامبالاة وعن الألم
...
-
توريما 1968(بيير باولو بازوليني): تشريح انتقادي خفي وغامض لل
...
-
مانوخوليا 2011 لارسن فون تراير:الحياة ليست ضمن مسارها الطبيع
...
-
1963 RO GO PA G بازوليني صنع فضيحة من فيلم متدني المستوى الف
...
-
عقدة اوديب 1967(بيير باولو بازولييني): البداية الابداعية الس
...
-
يوميات قس قي الارياف 1951(روبرت بيرسون): هل على الانسان اليأ
...
-
ماما روما 1962:التزام بازوليني بقواعد في لعبة لم يتقنها بحذا
...
-
فيلم الخريج للمخرج البريطاني ميك نيكولاس:التبشير بسينما طليع
...
-
الحياة المزدوجة لفرونيكا 1991(كريستوف كيسلوفسكي):من هي فيرون
...
-
كيسلوفسكي وتأكيد الحالة الذهنية:فيلم قصير حول الحب
-
أكاتوني 1959(بيير باولو بازوليني):عن بازوليني و تصوير قسوة ا
...
-
الخطايا العشرة(كريستوف كيسلوفسكي) 1988: كيسلوفسكي يضع الحقائ
...
-
الصدف العمياء 1987(كريستوف كيسلوفسكي):نزعة قوية لسمات مخرج ك
...
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|