|
السينما الرقمية بين الصدمة والإبهار
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 09:53
المحور:
الادب والفن
لا يمكن الحديث عن السينما الرقمية بشكل تفصيلي في مقالٍ قصير، لذلك سنركز في هذه الدراسة على تقنيتي التصوير والمونتاج الرقميتين لأنهما العصب النابض في السينما الرقمية. وقبل الولوج في تفاصيل هذا الموضوع لا بد من الإشارة إلى أن البداية الحقيقية للسينما تعود إلى الأخوين لوميير فقد "سُجّل اختراعهما لأول جهاز يُمكِّن من عرض الصور المتحركة على الشاشة" في 13 فبراير 1895. وقد ظلت السينما صامتة حتى عام 1927 حينما دخل الصوت أول مرة وسُمعت أصوات الممثلين في فلم "مغنّي الجاز"، بطولة أل جولسون، وإخراج ألان كروسلاند حيث نال هذا الفلم على جائزة الأوسكار الخاصة بوصفه "أول فلم ناطق أحدثَ ثورة في هذه الصناعة" طاوياً صفحة السينما الصامتة إلى الأبد. ثم تغيرت سرعة التقاط الكاميرا من "16" إلى "24" كادر أو "صورة" في الثانية لتجاري سرعة الصوت الناطق. وفي ثلاثينات القرن الماضي دخلت الألوان على الفلم السينمائي مُحدثة نقلة أخرى جديدة غيّرت إلى حد كبير ملامح الفلم السينمائي الذي كان يظهر باللونين الأسود والأبيض اللذين لم يختفيا كلياً، بل أصبحا يستعملان في تقنية "الفلاش باك" أو الاستعادة الذهنية التي تسترجع أحداثاً ومواقف من الماضي البعيد أو القريب. لم تقتصر هذه التغيّرات الجذرية على الصوت واللون، وإنما شملت كل المؤثرات الصوتية والبصرية، هذا إضافة إلى التطور الهائل الذي كان يحصل على صعيد الأداء التمثيلي السينمائي الذي كُرست له فروع خاصة في أكاديميات السينما في العالم. وعلى الرغم من أنَّ تاريخ الكاميرا الرقمية يعود إلى تسعينات القرن الماضي إلاّ أنَّ السينما الرقمية قد اقترنت بفلم "حرب النجوم" للمخرج الأميركي الشهير جورج لوكاس الذي أنجزه عام 2002. وجدير ذكره في هذا السياق أن هناك مخرجين سينمائيين قد تعاملوا مع الكاميرا الرقمية قبل جورج لوكاس أمثال ستيف سودربرغ وروبرت رودرغز، لكن يظل "حرب النجوم" للوكاس هو أول فلم روائي طويل ذي موازنة كبيرة يُنجز كلياً بكاميرات رقمية ويُمنتَج بالحاسوب من دون الاعتماد على شريط سينمائي واحد. ربّ سائل يسأل عن الفروقات الجوهرية بين الكاميرا الرقمية وكاميرا التصوير التقليدية التي لا تلتقط صوراً إلاّ بوجود "لُفافة الفلم" في تجويف الكاميرا. فلكي تظهر الصورة في الكاميرا التقليدية تحتاج لأن تُلتقط وتحمّض ثم تطبع على ورق التصوير. أما في آلة التصوير الرقمية فإن المعالجة تتم إليكترونياً، ثم يتم تخزينها في ذاكرة داخل الكاميرا على شكل صور رقمية مؤلفة من وحدات تسمّى "البيكسل"، كما يمكن القيام بعمليات التدوير والحذف بواسطة المعالج الإليكتروني الموجود في الكاميرا الرقمية نفسها بينما لا تتم هذه العمليات في الكاميرا الفلمية إلا بواسطة ذراع ميكانيكي. يحدد المعنيون بالسينما الرقمية عدة مزايا للكاميرا الرقمية منها "السرعة في التصوير، وقلّة التكلفة المادية، وسهولة الاستعمال" هذا إضافة إلى مزايا أخر أصبحت معروفة لعامة الناس، إذ يندر أن تجد بيتاً في المدن الكبيرة والصغيرة يخلو من كاميرا رقمية. وميزة السرعة التي أشرنا إليها قبل قليل هي أنك تستطيع أن تلتقط صورة بكاميرتك الرقمية وتخزّنها على الحاسوب، بل ويمكن طباعتها على ورق تقليدي ونشرها على الإنترنيت في أقل من خمس دقائق، بينما لا تستطيع أن تفعل ذلك في الكاميرا التقليدية أو السينمائية التي تحتاج إلى تحميض وعمليات أخرى معروفة. أما قلّة التكلفة فيمكن الاستدلال عليها بواسطة الشراء المستمر للأفلام، وكلفة التحميض اللازم لإظهار الصور، هذا ناهيك عن الأخطاء التي تُرتكب في أثناء التصوير أو التحميض، بينما لا تحتاج في الكاميرا الرقمية سوى ضغطة زر لحذف الصورة، كما يمكنك تخزين آلاف المرات إن شئت في ذاكرة تخزين الصور من دون مشاكل تُذكر على الصعيدين التقني والمادي، كما يمكنك إفراغ هذه الذاكرة بضغطة زر واحدة لا غير. تتميز الكاميرا الرقمية بسهولة استعمالها وذلك لتوفر الإعدادات اللازمة لالتقاط صورة جيدة، كما يمكن مشاهدة الصورة الملتقَطة وتطبيق بعض المؤثرات عليها كالتدوير أو العكس أو الحذف التي تعتبر مستحيلة في الكاميرا التقليدية. لا شك في أن القارئ الكريم يعرف بأن مَنْتجَة الفلم التقليدي هي عملية شاقة ومكلفة مادية وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير وذلك للأسباب التي أشرنا إليها سلفاً فأنت تحتاج لأن تصوّر الفلم وتحمّضه وتحول الصور المحمضة إلى شريط ثم تبدأ عملية المونتاج بما يتخللها من عمليات قصّ ولصق وبناء للقطة أو المشهد كي تصل بالنتيجة إلى الفلم الذي نراه يُعرَض على الشاشة الكبيرة، بينما لا نحتاج في مونتاج الفلم الرقمي إلاّ إلى نقل هذا الفلم المًصوَّر بكاميرا رقمية إلى الحاسوب لإجراء عمليات المَنتجة المتعارف عليها لكي يصبح الفلم متاحاً للعرض في صالات خاصة تمتلك أجهزة عرض رقمية حديثة. وعلى الرغم من أهمية الأفلام الرقمية التي أُنجزت في هذا المضمار إلاّ أن استقبال التقنيات الجديدة يحتاج دائماً إلى بعض الوقت لتقبّل هذه "الصدمة التكنولوجية" التي تزيحك عمّا اعتدت عليه، وتنقلك إلى فضاء جديد وصادم بكل تقنياته الحديثة والمدهشة في آنٍ معا.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المهاجرون في مجتمع متعدد الثقافات
-
الملتقى الأول للرواية العراقية المغتربة بلندن
-
الصناعي والناشر عبد الصاحب الشاكري:أصدرتُ مجلة -الحذاء- التي
...
-
اللغة العربية بين هاجسَيّ البقاء الفناء
-
جودي الكناني: حلمي الكبير أن أحقق فيلماً عن المتنبي
-
جودي الكناي:أهتم كثيراً بالبورتريت الذي يتناول دواخل الشخصية
...
-
السينما فن تعبيري أكثر تعقيداً من الفنون الإبداعية الأخرى
-
الواقعية التعبيرية في لوحات الفنان إبراهيم العبدلي
-
-الصمت حين يلهو- لخولة الرومي
-
الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي
-
قصيدة للشاعر صلاح نيازي في العدد التاسع من مجلة -Long Poem-
...
-
المعيار المنهجي للناقد عبد الرضا علي في النقد والتقويم
-
تقنيات الخط العربي وأشكاله الجمالية
-
قراءة نقدية في المجموعة الشعرية الثالثة لسلام سرحان
-
مدينة كاردِف تحتضن أمسية ثقافية عراقية منوعة
-
بدايات المنهج العلمي ومراحلة منذ عصر النهضة وحتى الوقت الراه
...
-
الطاقة في جسم الإنسان
-
بغداد عاصمة الثقافية العربية بعيون أبنائها المغتربين
-
البصمة الذاتية والصوت الخاص للفنان أمين شاتي
-
أمل بورتر في ندوة في -بيت السلام- بلندن
المزيد.....
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|