|
انحسارُ الثقافة في العراق
جواد كاظم غلوم
الحوار المتمدن-العدد: 4291 - 2013 / 11 / 30 - 23:57
المحور:
الادب والفن
انحسارُ الثقافة في العراق
طوال كل العصور التي عاشتها بلاد وادي الرافدين ؛ ماضيها وحاضرها لم يشهد العراق تردّيا في آدابه وفنونه كالتي نراها اليوم فحتى العصور المتأخرة التي سميت بالفترة المظلمة التي تلت اواخر العصر العباسي وتعاقب دويلات الاعاجم والقبائل غير العربية الغازية التي حكمت بلادنا الى ماقبل العصر الحديث لم تكن بالمستوى المتدني الذي نلحظه الان حيث ظهرت في تلك الفترة السالفة بعض علاماتٍ مضيئة وإشارات ابداعية ضمن ذاك الخضم الهائل من الغثّ في النتاج الادبي . ففي بلدٍ عريق موغل في القدم مثل وادي الرافدين ؛ انجب ملحمة كلكامش والاناشيد السومرية وولدت فيه أقدم مكتبة في ربوع آشور وأكّد وهي الآثار الادبية الخالدة الذي علّمت العالم القديم أصول الرقيّ في التفكير واستهدى الاغريق والرومان بنتاجه الثرّ الواسع الافق وخطَت الإلياذة والاوديسا خطى ملحمة كلكامش وفي ثراه الغنيّ ولدت الكتابة المسمارية في معابده وصروحه فمن الصعب جدا ان نصدّق ان يؤول حال الثقافة الواهن والضعف والهزال الذي اصاب عقل الانسان العراقي وريث بابل وسومر وآشور وأكّد ويحزّ في النفس ان يغرق الكثير من العراقيين في مستنقعات الجهل وهشاشة الفكر وتزداد الاميّة بهذه النسبة المخيفة وينحدر التعليم الى مستويات مفزعة ومثلما يتدهور الوضع السياسي وهو الانعكاس الدقيق للوضع الثقافي العراقي فهناك شرائح سياسية من غلاة الدين التي تحكم الان مؤسساتنا الثقافية لاتريد ان يرقى الفن الى مدارج عالية باعتباره " حراما " ويظنون بخطلٍ واضح ان السينما مبعث للفساد الاخلاقي وان المسرح يلهي الانسان عن ممارسة عباداته بحيث ينسى المرء خالقه ويلهو بسحر الفن ويضيع في متاهات ابداعه وكذا الامر في اللوحات التشكيلية باعتبارها خربشات شيطانية تعمي بصر الانسان وتفقده بصيرته وكذا الامر في التماثيل والاعمال النحتية لأن الاعمال النحتية وفق وجهة نظرهم المسطحة الفارغة انها تنافس الله في مخلوقاته وهذه كلها تخرّصات غير سليمة وتنمّ عن جهل فاضح بدور الفن والادب في تغذية عقل الانسان وصقل مشاعره وتطهير روحه من شوائب الجهل وادراك الجمال والانصات الى الموسيقى والغناء الراقي لازالة ماتراكم من كدَر الحياة وابعادها عن المنغصات التي تؤذي الانسان وتجعله حجرا صوانا فيما لو ابتعد عن الفن والادب ومراميه التي تهدف الى خلق المتعة والفائدة والارتقاء بالبشر الى صفاء الإنسانية وسموّها الاخلاقي والثقافة عموما تعمل على توثيق الجمال وتبرز حلاوته وبهجته وفي سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي كانت الحركات التجديدية الثقافية تبدأ من العراق وتنطلق الى بقية العالم العربي كحركة التجديد الذي تزعمها السياب ونازك الملائكة والبياتي في الشعر العربي وولادة الشعر الحرّ وفي نفس الفترة انطلقت ايضا الحركة التجديدية في الفن التشكيلي وكان رائدها جواد ونزار سليم مع بقاء العمود الشعري منتصبا شامخا بيد شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وقبله الرصافي والزهاوي ولو عدنا الى الوراء ايام زهو العراق كان زمام الشعر بيد ابي الطيب المتنبي ابن الكوفة المعطاء ، والبصرة ابنة العراق النجيب أول من ابتكرت علم اوزان الشعر العربي على يد الخليل الفراهيدي . فما الذي تغيّر ونحن نرى اليوم التراجع الكبير لبلاد مابين القهرين حتى نكون في اسفل السلالم بل في اعمق اعماق القيعان ؟؟!! لسنا نصدّق إن الانحدار والتدهور الثقافي سببهُ العولمة فكل اقطار العالم واقعة تحت تأثيرها ولكنها حافظت على موروثها الثقافي وبقيت تصون هويتها وتحدد معالمها بشعرها ونثرها وفنّها وعاداتها وتقاليدها وإرثها الحضاري نحن من وأدْنا ثقافتنا وقتلنا ابداعنا حين خضعت ثقافتنا لسنوات حكم دكتاتوري صارخ وكُمّمت افواهنا وضيّق الخناق على نتاجنا الادبي والفني وحوربت حرية التعبير وجاء الاحتلال الاميركي في العام/ 2003 ليزيد الطين بلّة فانفلت حبل الثقافة وانكفأ المبدعون في بيوتهم وانعزلوا عن الساحة الفنية والادبية وأتيح لكل من يمتلك ثقافة مسطّحة بسيطة مسؤولا ثقافيا كبيرا يجرّ وراءهُ زمرةً من المتثاقفين ويمنحهم كل بضعة شهور منحا مالية من خزائن شعبنا المتعب وفتحنا ابواب مؤسساتنا الفنية والادبية على مصراعيها لهذا وذاك من بغاث الوعي وضعاف الكلمة وصارت المؤسسات الثقافية والفنية مرتعا للصغار وضيّقي الافق والمحسوبين على الابداع حشرا ومعظمهم ممن تربّى وتعلمَ في احضان سلطة الحزب الواحد وتسلّطوا بغمضة عين وصاروا اسيادا للابداع وقادةً للفكر الذي خبا بسبب وجودهم بعدما كان زاهيا مشرقا طوال العصور الماضية وكان لامعا معطاءً حتى وقت قريب في سنوات الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من القرن العشرين ومن المؤكد ان شمسه ستسطع حتما ويبزغ فجر آخر جديد مادام في العراق تاريخ حافل بالابداع وحضارة عريقة خضراء من جنائن بابل ومن صحائف وكتب آشور التي كتبت بالرقُم المسمارية التي علّمت العالم الكتابة
جواد غلوم [email protected]
#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالم بغدادية ثقافية لاتنسى/ الجزء السادس
-
كيف تفوز بالانتخابات النيابيّة ؟
-
منظمات المجتمع المدني في العراق /مالها وماعليها
-
قصيدة بعنوان - كأنّ السعْد أغمضَ ناظرَيه -
-
معالم بغدادية فنية ثقافية لاتنسى/الجزء الخامس
-
فذكّرْ إن نفعت الذكرى
-
ليتنا لانشمُّ زناخة النفط
-
ليتنا بلا زناخة النفط
-
معالم ثقافية بغدادية لاتنسى/ الجزء الرابع/فرقة المسرح الفني
...
-
معالم فنيّة بغدادية لاتنسى/ الجزء الثالث ( اسطوانات جقماقجي
...
-
معالم ثقافيّة بغدادية لاتنسى/ الجزء الثاني (سينما غرناطة )
-
عبقرية نطاسيّة عراقية في اليابان
-
عندما تتأزمُ الشعوب
-
غودو آتٍ لامحالة
-
ثلاث قصائد : 1) حوادث مرورية ،2) صدْرٌ منشرح 3) كلماتٌ برفقة
...
-
إنهم يشتمون الديمقراطية
-
قصيدة بعنوان - غيضٌ من فيض -
-
اغتيال العلمانية في تونس/ مَن الضحية بعد بلعيد والبراهمي ؟؟
-
قصيدة بعنوان: لِمَن تحت قدميها الجنان
-
تهميش النتاج الذهني وتهشيم العقل
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|