|
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين )النقد - (Money
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 18:22
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين )النقد - (Money
مقالتي الأخيرة (مانيفيستو القرن الحادي والعشرين/ عبور مختلف إلى الإشتراكية) لم تُقرأ كما يجب ولم تجرِ مناقشتها بصورة علمية ماركسية من قبل القلائل الذين شاركوا في المناقشة . قال ماركس بانهيار النظام الرأسمالي بفعل التناقض الرئيسي فيه المتجسد أخيراً بفائض القيمة أو فائض الإنتاج. وهذا هو ما كان فعلاً حين فقدت كل مراكز الرأسمالية في العالم كل محيطاتها بفعل ثورة التحرر الوطني في العام 1972 ولم تعد تلك المراكز قادرة على التخلص من فائض الإنتاج فيها، فانهار نظامها الرأسمالي في الحال . الدلالة القاطعة التي تؤكد انهيار النظام الرأسمالي في العالم لأولئك الذين يعتقدون أن النظام الرأسمالي ما زال حيّاً يعمل، هي ذلك القرار الذي اتخذه رؤساء الدول الرأسمالية الخمس الأغنى في العالم في إعلان رامبوييه 1975 والذي يقول في البند (11) .. ستبذل السلطات النقدية [في الدول الخمس المشتركة بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر] كل جهودها لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات . هل يعني هذا غير أن حكومات هذه الدول الرأسمالية الست الأغنى في العالم قد سحبت كل غطاء عن نقدها مقابل تعهد لفظي لا قيمة إبرائية له فغدت هي من يحدد قيمة عملاتها وليس معادلتها بالبضائع في الأسواق كما يقضي نظام النقد والقانون الأساس للنظام الرأسمالي كما يتجلى ذلك في دورته الحيوية (نقد – بضاعة – نقد) وهو ما يعني أن النقد يتحول إلى بضاعة والبضاعة تتحول إلى نقد حيث جوهر الطرفين واحد وهو القيمة التبادلية التي تسمح بالتحول بين الطرفين ؟ رأى ماركس أن النقد إنما هو بضاعة تتحدد قيمته في السوق لدى مبادلته بالبضائع الأخرى ؛ وهو بذاته لا قيمة تبادلية له بعد الذهب طالما أنه لا يكتنز شغلاً يذكر غير أن كل قيمته التبادلية تنبثق من توقيع سلطة النقد المصدّرة له على السندات المالية متعهدة بالإيفاء بقيمتها التبادلية مها كانت عند الطلب . لكنه ذو قيمة استعمالية أساسية في التبادل السلعي تتمثل باستعماله معايراً للقيمة فلا تجري مبادلة بضاعة ببضاعة أخرى إلا من خلال تحويل قيمة كليهما للنقد . أن تحدد تلك الدول الرأسمالية الست الأغنى قيمة نقودها خارج السوق ذلك يعني أن تلك الدول تنكر القيمة البضاعية لنقودها وهي مجموعة النقود الصعبة . القيمة البضاعية للنقود هي قيمتها الحقيقية أما أن تقوم الدولة بتحديد قيمة نقودها قبل دخولها السوق لتصبح قيمتها مضمرة وفقاً لسياسة الدولة فذلك يعني حتماً فقدان تلك النقود قيمتها البضاعية وهي قيمتها الحقيقية ولا تعود معياراً لساعة/عمل خام وهي القيمة الحقيقية والوحيدة للنقود التي غدت بعد ذلك القرار الفيصل في التاريخ مثل ريشة سابحة في الهواء، في تيارات السياسة المتقلبة . كانت النقود قبل إعلان رامبوييه ذات قيمة حقيقية تتجلى بحدود مبادلتها بمختلف البضائع ولم تعد تمتلك مثل هذه القيمة بعد القرار وأصبحت قيمتها مضمرة في بطن الدولة صاحبتها وفقدت كل ارتباط لها مع القيمة الحقيقية . ما يدهش المرء حقاً هو أن عامة المحللين السياسيين والإقتصاديين يتجاهلون ذلك القرار الحدي والفاصل في تنظيم المجتعات البشرية .
لهذا السبب اقترحنا مانيفيستو جديد مختلف بل ومعاكس لمانيفيستو القرن التاسع عشر، مانيفيستو النظام الرأسمالي لماركس وإنجلز، الذي انطلق معتمداً على فائض القيمة معايَرَة بالنقد السوقي ذي القيمة الحقيقية . المانيفيستو الذي نقترحه اليوم هو مانيفيستو ما بعد الرأسمالية، مانيفيستو الاستهلاكية (Consumerism) المناقضة للرأسمالية والمتأسسة أصلاً على النقد فاقد القيمه الحقيقية وفي الغياب التام لكل فائض للقيمة وللإنتاج بل في قصور الانتاج . جميع الذين عارضوا مقترحنا لمانيفيستو جديد مختلف عارضوه لسببين، أولهما هو اعتقادهم أن النظام الرأسمالي لم ينهر بل ما زال يعمل وازداد حيوية، ولعلهم يعتقدون أيضاً أن مانيفيستو 1848 ما زال نافذاً أو أنه كان أصلاً خاطئاً يعبر عن رغائب لدى ماركس وإنجلز وليس عن واقع الرأسمالية، وأما السبب الثاني فهو أن البروليتاريا بعد إنهاكها بامتصاص البورجوازية الوضيعة لمعظم دمائها لا تستطيع النهوض لاستلام السلطة . لم يفطن أحد من المعترضين إلى متانة الأساس الذي قام فوقه المانيفيستو الجديد المقترح . لم يناقش أحد منهم مسألة فقدان النقود قيمتها البضاعية وتداعيات ذلك في البنى الاقتصادية والسياسية الجديدة . لم يناقشوا الاستغناء عن قانون القيمة الرأسمالية المعبَّر عنها بالنقود الذي وحده ينظّم علاقات الإنتاج وهيكلة المجتمع ويقرر بالتالي طبيعة النظام الإجتماعي السائد . ما كانت "الإستهلاكية" لتنجح وتأخذ عمرها كاملاً في 30/40 عاماً في ظل نقود ذات قيمة بضاعية حقيقية . المعنى المباشر للاستهلاك هو هدر القيمة وعليه كانت نقود فترة الاستهلاكية، فيما بعد الرأسمالية، بلا قيمة حقيقية . فقدت النقود قيمتها البضاعية وما زال الكثيرون، حتى من الشيوعيين أنصاف الماركسيين، يناقشون أن النظام الرأسمالي ما زال يعمل وازداد حيويةً !! شيوعيون ولا يعلمون أن الهدف الوحيد للنظام الرأسمالي هو تركيم النقود بقيمتها الحقيقية البضاعية طبعاً . اليوم تلاشت القيمة الحقيقية البضاعية للنقود وما زال هؤلاء القوم يقولون أن الرأسمالية لم تنهر بل ازدادت تغوّلاً !! المؤتمر العام للحزب الشيوعي السوفياتي بحضور ستالين في العام 1952 بحث في انتهاء الامبريالية في وقت قريب لكن شيوعيي ما بعد الانهيار وفي العام 2013 ما زالوا يجادلون أن الرأسمالية ما زالت قوية !! حجتهم الوحيدة في ذلك هي أنه لطالما الرأسمالية لا تحيا بدون محيطات فقد رحلت الشركات الرأسمالية من المراكز إلى المحيطات حالما انسلخت هذه المحيطات عن المراكز . بمثل هذه السطحية يناقش هؤلاء مصائر الشعوب والأمم . البنية الخلوية ذات المركز والمحيط لم تقررها قوى من خارج الخلية بل تقسيم العمل والتخصص الوظيفي للمركز وللمحيط هو ما قرر الشكل الخلوي للنظام الرأسمالي . لطالما أن النظام الرأسمالي يقوم بداية من أجل الربح وتحصيل فائض القيمة فإن البنية الخلوية تصبح من الضرورات الحيوية . وهل بعد أن انتقلت الشركات الرأسمالية من المركز إلى الطرف يمكن اعادة اعتبار المركز طرفاً والطرف مركزاً خاصة وأن عهد الاستعمار قد ولّى وانقضى قبل أربعين عاماً !؟ مفهوم العولمة يقضي بأن يكون العالم بدوله المختلفة في مستوىً واحد من التطور وهو ما يحول دون أن تكون جميع هذه الدول، وهي تأخذ بنظام الإنتاج الرأسمالي، جميعها رابحة وليس هناك من خاسر ؛ هذا هو محض هراء . العولمة ليست إلا ظاهرة مرافقة لانهيار الرأسمالية، إنهيارها نحو اللانظام، نحو الاستهلاكية، وما كان ذلك ليكون إلا هروباً من الإشتراكية. مواكب البشرية المتقدمة نحوالاشتراكية تشتت شملها أمام غول الاستهلاكية الذي لن يعمّر طويلاً ليحول دون الوصول إلى الإشتراكية . لذا فإن الإسم الحقيقي لغول الاستهلاكية هو الهروب من الاشتراكية . نعم، هربت البورجوازية الوضيعة السوفياتية من الاشتراكية بحجة خادعة وهي تحصين الاتحاد السوفياتي بالمزيد من الأسلحة ؛ وهرب الرأسماليون في الغرب الرأسمالي باتجاه نهب الشعوب من خلال بيعها سندات مالية غير مكفولة ولا قيمة لها . طباعة الأوراق المالية وبيعها إلى الشعوب الأخرى بقيمتها الإسمية ليست من أعمال الرأسمالية بل هي معاكسة تماماً لها حيث أن النقد الحقيقي الثقيل هو قدس أقداس الرأسمالية وهدفها النهائي والأخير . الدول التي مارست خديعة رامبوييه وأخذت تتاجر بالآوراق المالية وليس بقوى العمل هبط فيها الرأسماليون إلى طبقة البورجوازية الوضيعة وأخذوا ينتجون الخدمات ويبيعونها على البروليتاريا بأضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية ؛ ونحن لا نبالغ إذا افترضنا أن البورجوازية الوضيعة في بلد مثل الولايات المتحدة تستولي على 90% من إنتاج البروليتاريا مقابل 10% فقط من إنتاجها من الخدمات . تلك المبادلة الجائرة جداً بين البورجوازية الوضيعة من جهة والبروليتاريا من جهة أخرى تشكل التناقض الرئيس في فترة الاستهلاكية أو الهروب من الاشتراكية . التناقض الرئيس في النظام الرأسمالي إنبثق من داخل عملية الإنتاج أما التناقض الرئيس الحالي فهو من خارج عملية الإنتاج حيث البورجوازية الوضيعة لا تشارك البروليتاريا في عملية الإنتاج . بقي أن نقول أن الهروب من الاشتراكية لن يكون بلا نهاية، بل يبدو أن نهايته وشيكة بدلالة إفلاس البنوك في الولايات المتحدة حصن البورجوازية الوضيعة المتقدم . سينتهي بانهيار "إقتصاد" الإستهلاكية عندما لا تعود علقة البورجوازية الوضيعة تجد دماً أكثر تمتصه من جسم البروليناريا فتذوي سغباً وتموت سريعاً . بعد أن تموت طبقة البورجوازية الوضيعة وهي آخر الأعداء وأكثرهم دهاء ومقاومة لن يبقى هناك في المجتمع أي جماعة من الناس منتظمة في أحد أساليب الإنتاج غير البروليتاريا التي تؤول إليها السلطة دون غيرها، ويذكر في مثل هذا الحال قول الشاعر أبو العتاهية للخليفة المهدي لدى تنصيبه .. أتته الخلافة منقادة إليه تجرجر أذيالها
www.fuadnimri.yolasite.com
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين ( عبور مختلف إلى الإشتراكية
...
-
رسالة إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإقتصاد)
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإشتراكية)
-
الرأسمالية انهارت لكن على أعينهم غشاوة
-
تخلّف الخطاب السياسي ( وحدة اليسار )
-
تخلّف الخطاب السياسي (سور برلين)
-
تخلف الخطاب السياسي
-
الإخلاص للثورة الإشتراكية لا يتحقق إلا بالوعي
-
الطبقة الوسطى تختطف السياسة وتذوِّتُها
-
المادية الديالكتيكية والدولة الخدماتية
-
الماركسية ليست بحاجة لشهود
-
إشتراكيون لا يدركون ماهيّة الإشتراكية
-
الرفيق وليد مهدي يراجع الماركسية
-
معوقات العمل الشيوعي
-
ماذا عن يسار أميركا اللاتينية ؟
-
تلكم هي الشيوعية فليخرس أعداؤها
-
لماذا البطالة في العالم العربي وغير العالم العربي !؟
-
ما زالوا يجادلون في انهيار النظام الرأسمالي !!
-
المؤتمر الأخير للشيوعيين
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|