|
-في العائدون إلي الأرض -الموت حياة قراءة نقدية لخواطر د. سامية الساعاتي
أماني فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 4290 - 2013 / 11 / 29 - 16:52
المحور:
الادب والفن
تعالت د. سامية الساعاتى بمفهوم "الموت" فى فانتازيا “العائدون إلى الأرض" من وحى يوسف شاهين ، آخر العمالقة الراحلين على عدة مستويات ، فلقد قفزت فوق الألم والفقد والذهاب ، فوق أقسى ما فى الموت ، لتحيا حياة أخرى يسودها الإبداع والحب والجمال والهدوء، لم ترتفع سامية الساعاتى إلى السماء صعوداً إليها ، لكنها ظلت على الأرض شأن أجدادنا الفراعنة وتصوراتهم عن الخلود والحياة الأخرى. شكَّـلت المبدعة الموتَ حياةً، وتغاضت عن المجهول والخوف والحساب والعقاب، عن المعانى المصاحبة للانتقال، والقابعة فى تصوراتنا عن الموت، ورسختها المعتقدات الموروثة والأديان السماوية، وقدمت هذه الحياة الأخرى وقد غُـربلت فيها الضغائن ،الأحقاد وتقول على لسان يوسف السباعى: "على العموم مجتمع أرضنا إللى أحنا عايشين فيها دلوقتى ما فيهوش زعل ولا عصبية ولا غضب .. فيه حوار وفهم متبادل .. فيه تسامح ، وتقدير " ص 2 شكلت المبدعة الحياة الأخرى حياة حياة نشطة وفاعلة يستمر بها العمل أساس وجود وإضافة ، لكن فى أجواء أكثر حباً وتحققاً، وهنا أشير إلى تصورها المجاوز إلى الموروثات التى تكرس للحياة بالجنةِ ، الحياةُ التى يغرق فيها الإنسان فى المتع المادية التى هى أمتداد لكل تصوراته واحتياجاته الأرضية الواقعية والتى يعانى من عدم تحققها ، الزواج بحور العين، أنهار من الخمور التى لا تسكر ، والجنان والقصور والمأكولات وما عداها. هنا خلَّـقـت سامية الساعاتى جنتها الخاصة التى تحقق رؤيتها للسعادة والوجود، فلقد أهدى العمالقةالمبدعون "يوسف شاهين" أستوديو تصوير بمجرد انتقاله إليهم، كما تكمل أم كلثوم إبداعاتها الغنائية فى هذه الحياة الأخرى ، العمل والحب والإبداع والجمال هم القيم العليا التى ترى فيهم المؤلفة أسباب السعادة والتجدد والخلود، وتذكرنى هذه الرؤية الجميلة للكاتبة بأحدى المقابسات التى أوردها أبو حيان التوحيدى فى كتابه المقابسات والتى يتساءل فيها بعض الفلاسفة عن طبيعة الحياة بالجنة وهل يمكن أن يصاب الإنسان فيها بالملل مهما تكدست حوله وسائل التمتع ، واجتهاد الفلاسفة فى تصور تلك الحياة . انتقت سامية الساعاتى الخالدين فى جنتها وكلهم من العمالقة المبدعين الذين أضافوا إلى الحياة وغيروا النظرة إليها، أو عمقوها أوجعلوها أجمل وأكثر واحتمالاً، عمالقة المبدعة هم من زلزلوا ركود المتواتر والمعهود، هم من خلخلوا الثابت والقبيح، وأضافوا مسحة جمال أو علم أو فن إلى هذه الحياة الأرضية التى نلمس وجودها المتعين، وأتصور أن الكاتبة باختيارها لهؤلاء العمالقة تنحاز فى جمال وصدق إلى الإبداع والإبتكار والتنوير ، كما ترى أن الإنسان الذى يحقق هذه القيم هو ما يستحق هذه الحياة الأخرى الخالدة والجميلة ، وهو الذى يفقد معه الموت طبيعته الأليمة. تظل سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع تتراوح بين هذا البعد الصوفى الروحانى وبين اهتمامها الإنسانى والأكاديمى فنجد فى هذه "اللوحة الحوارية" الجميلة تلك المزاوجة بين الأرضى والمفارق ، بين المشكلات المجتمعية الراهنة التى يكتوى بها الإنسان المصرى المعاصر وهذه الفكرة الفنتازية التى تخيلتها المبدعة، وتشير إلى قضية العبارة الغرقى ، وقضية الجوائز والتلاعب الذى يحدث بها ، لتشير إلى بؤر الضعف والفساد فى هذا المجتمع، وتعد هذه القضايا غير مقحمة على العمل، بل امتزجت به وداخلته فى رشاقة عندما اشارت إلى رواية أرض النفاق ص 2. تميزت لغة فانتازيا "العائدون إلى الأرض" بالرشاقة والحيوية واليسر، فالمؤلفة تمزج بين اللغة الفصحى الجميلة وبين اللهجة العامية الراقية التى لا ابتذال فيها، كما أنها توشى الجمل الحوارية ببعض المفردات الأجنبية مما يتواتر على ألسنة المتحاورين، وتضيف أيضاً بعض السمات اللغوية للشخوص مثل "اللثغة" التى اشتهر بها محمد عبد الوهاب فى جمله الحوارية مما أضاف حيوية الحوار وتلقائيته، كما امتازت الجمل الحوارية بالعمل بالتلون طبعاً لثقافة الشخوص وطبيعة تخصصاتهم الفنية . لطبيعة العمل الفنتازى وقربه إلى اللوح الحوارية لم يحتمل سوى الاستعراض السريع للشخوص ولم تعط أبعاد متضايفة للشخوص، حتى أنه قد تظهر اسم "يوسف إدريس" ولم تعرض له المؤلفة وأتصور أنها انتقت البعد عن كل الخلافات فى هذه الحياة الأخرى. العمل يمكن تميزه تحت تداخل الأنواع الأدبية فله بعض طبائع المسرحية والأوبريت واللوحة الحوارية والفكرة الفنتازية المبدعة. وتركز سامية الساعاتى على مفهوم الأستاذية عند يوسف شاهين وتستبطن نفسيته وتصنع نوعاً من مراجعته لذاته فى هذه الحياة الأخرى فى أشارتها للأعمال التى قدم فيها سيرته الذاتية فى قوله "خلاص No more سيرة ذاتية بَطـَلـْتـَها. ويتهيأ لى لما فكرت كويس أن كان فيها كثير من النرجسية" ص 11. وتتحدث عن تطويره ومراجعته لمفاهيمه الخاصة بالذات والأخر وإيمانه بأن الحب هو جوهر الحياة ومعنى الخلود والامتداد الذى ركن إليه أحيراً فى تلاميذه، والقيم التى ركز عليها مثل الحرية والإبداع وصوت الموسيقى ، ويستمر جمال الإستاذية فى هذه الحياة الأخرى من خلال الحدب على الآخرين واحتوائهم وتعليمهم ودفعهم إلى التطور والعطاء. لقد ابتكرت المبدعة رؤيتها الخاصة للموت والحياة الأخرى، وجعلتنا لا نخافها ، وفارقت فيها ما صورته الأعمال الأدبية السابقة التى قاربت هذا المعنى بتجلياته المختلفة، مثل رؤيا يوحنا فى العهد القديم أو رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى أو الجحيم لدانتى والفردوس المفقود لميلتون لكنها أضافت أجمل ما فى هذا العمل، جعلتنا نلمس هذه الروح الشفافة المحبة المتفائلة التى ابدعته، روح نقية قادرة على الحب، وتخيل هذا العالم الآخر الذى يتحول فيه الموت إلى حياة لا يخشاها الإنسان بل ينتظرها ، تطل سامية الساعاتى فى هذا العمل بوجهها الجميل وروحها الذكية لتضفى لمساتها المحبة على الموت فيستحيل حياة، وتضفى هذا الدفء والأمل الذى ينشده الإنسان فى هذه الحياة، الحياة القاسية التى نحياها الآن. د. أمانى فؤاد
#أماني_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة لكتاب - النقد الأدبي بين القديم والحديث -
-
في أقل من دقيقة.. -قصة قصيرة -
-
بنية الانفصالات في سردية -قسمة الغرماء -للروائي يوسف القعيد
-
تداخل النصوص في القصيدة المعاصرة ..ديوان -الشاعر والشيخ - لل
...
-
شعرية الأشياء في ديوان -الفجوة في شكلها الأخير- للشاعر عاطف
...
-
ثورة مصر .. رؤية يسارية لثورة 25 يناير يقدمها - سمير أمين -
-
-المنطقة العمياء- سرد نسوي متحرر -مجموعة قصصية- للقصاصة أسما
...
-
التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخر
...
-
أنا ..أنت ..وهو ..مناورة الضمائر في سردية -الأنثي في مناورة
...
-
التقنيات السردية المتجاورة في رواية -حرمتان ومحرم- للروائي -
...
-
تكسر الدلالات اليقينية في ديوان - هو تقريبا متأكد - للشاعر أ
...
-
الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي
-
هل النقد الأدبي علم ؟
-
- بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس
...
-
دعوة من اللا تاريخ ..- قصة قصيرة -
-
تقاطعات قصيدة النثر في ديوان -الكتابة فوق الجدران- للشاعر -ع
...
-
الشعرية والألعاب السردية في ديوان -تفكيك السعادة- للشاعر -مؤ
...
-
جدلية الانفصال والاتصال في المجموعة القصصية -سوق الجمعة - لل
...
-
ومضات ثقافية ..2013 م
-
كفى ..شهر زاد!؟
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|