|
تناصات توراتية.. ملحمة كلكامش (الجزء الثاني)
عبد الجبار خضير عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4289 - 2013 / 11 / 28 - 20:43
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الحلم .. قراءة المستقبل و قبل ان تأتي من الصحراء سيراك جلجامش في الرؤيا و هو في "أوروك" (17) وفعلاً استيقظ جلجامش في تلك اللحظة و اخذ يقص على أمه (67) رؤياه قائلاً لها(18) "يا أمي لقد رأيت الليلة الماضية حلماً رأيت أني أسير مختالاً بين الابطال فظهرت كواكب السماء وقد سقط أحدها إلي وكأنه شهاب السماء "آنو" أردت أن أزحزحه فلم استطع أن أحركه تجمع حوله أهل بلاد "أوروك" ازدحم الناس حوله وتدافعوا عليه واجتمع عليه الابطال وقبل اصحابي قدميه .... احببته وانحنيت عليه كما انحني على امرأة ورفعته ووضعته عند قدميك فجعلته نظيراً لي " . والذي سقط اليك وكأنه شهاب السماء (آنو) والذي أردت أن ترفعه فثقل عليك والذي أردت أن تزحزحه فلم تستطع و احببته وانحنيت عليه كما تنحني على امرأة والذي وضعته عند قدمي فجعلته أنا نظيراً لكَ إنه صاحب قوي يعين الصديق (عند الضيق) سيأتي إليك إنه أقوى من في البلاد وذو عزم شديد وعزمه مثل عزم (آنو) وذو بأس شديد وأما إنك أحببته وانحنيت عليه كما تنحني على امرأة فمعناه انه سيلازمك ولن يتخلى عنك وهذا هو تفسير رؤياك" . ثم قص جلجامش على أمه حلماً ثانياً وقال : " يا أمي رأيت رؤيا ثانية في " أوروك " ذات الاسوار رأيت فأساً مطروحاً تجمع أهل اوروك عندها وازدحم الناس حولها أحببتها و انحنيت عليها كأنها امرأة ثم وضعتها عندك قدميك فجعلتها انت نظيراً لي " فقالت أم جلجامش الحكيمة المحبوبة لابنها قالت ننسون الحكيمة البصيرة لجلجامش :- "إن الفأس التي رأيت رجل و أما انك أحببتها و انحنيت عليها كما تنحني على امرأة والتي سأجعلها أنا نظيراً لك رؤيا جلجامش النبؤية هذه والتي تفسر المستقبل بوصفه عالماً قد قدرته الآلهة مسبقاً على البشر، وثمة قلة من الناس أو من الآلهة تمتلك القدرة على فك شفرات الرؤيا وهذه الهبة لا يتمتع بها بقية البشر .. قوي يعين الصديق سيأتي إليك إنه أقوى من في البلاد و ذو عزم شديد ............. الحلم هنا نبؤي يرسل إشارات ما سيحصل في المستقبل، إذ هنا الملحمة تسجل أول قراءة، وأول تفسير لمهمة الحلم في التاريخ، ترد مكتوبة في نص أدبي، وهي عينها استخدمت في معظم النصوص الأدبية والدينية، وما زال بعض العراقيين يردد عبارات لتفسير ظاهرة طبيعية، أو كارثة، أو حدث سياسي بالقول: إنها "مذكوره في الكتب" وهناك الكثير من المشاكل نؤجل إيجاد الحلول لها في المستقبلية الافتراضي الذي هو من يحدد ساعة حضوره، وليس المستقبل الذي نحن من يضع سقفه الزمني. مثل الخطط الخمسية أو العشرية ...، كذلك هو الحال في أدبيات الأديان إذ ثمة أمور ستحدث في المستقبل حاملة معها الحلول لمشاكل الإنسان المستعصية، لتسهم في جعله خانعاً خاضعاً لمؤسسات السلطة بوصفها غير مسؤولة عن تدهور وضعه الاقتصادي والاجتماعي ...والحلول جاهزة حتي يحين أوانها. عموما ما زالت هذه الرؤية فعالة اجتماعياً.
ثيمة خزن الحبوب
تقنية خزن الحبوب في العراق سبقت الآخرين بنحو ألف عام تقع غالبية الدراسات التاريخية المتخصصة في حقل حفريات حضارة وادي الرافدين ووادي النيل والحضارات الحافة بهما تحت ضغط النزعات القومية والنزعة الوطنية والهويات الحضارية للمجتمعات الوارثة لتلك الحضارات،.... وتعد تقنية خزن الحبوب مثالاً على واحدة من تلك الدراسات، إذ يعدها العبرانيون من تراثهم وأبتكار النبي يوسف، وهذه الفكرة تحظى بانتشار واسع، أما المصريون فهي تندرج ضمن نتاجهم الحضاري، لكن الحقيقة وعبر الدراسات "الآركولوجية" الأحفورية تثبت أن تقنية خزن الحبوب ولمدة سبع سنين هي تقنية عراقية تسبق الآخرين بأكثر من ألف عام.
((تجاوزنا بعض الأبيات للاختصار حتى يقول جلجامش)) : فإذا احببتيني ستجعلين مصيري مثل هؤلاء ولما سمعت عشتار هذا استشاطت غيظاً و عرجت إلى السماء صعدت عشتار و بكت أمام أبيها " آنو " و بحضرة أمها " آنتُم " جرت دموعها و قالت: يا أبي ان جلجامش سبني وأهانني لقد عدد جلجمش مثالبي وعاري وفحشائي ففتح آنو فاه وقال لعشتار الجليلة: أنتِ التي تحرشتِ فجنيتِ الثمرة ........... اخلق لي يا أبت ثوراً سماوياً ليغلب جلجامش و يهلكه و إذا لم تعطني الثور السماوي فلأحطمن باب العالم الأسفل وافتحه على مصراعيه و ادع الموتى يقومون فيأكلون كالأحياء ويصبح الأموات أكثر عدداً من الاحياء ففتح " آنو" فاه وأجاب عشتار الجليلة و قال: - لو فعلت ما تريدينه مني و زودتك بالثور السماوي لحلت في أرض " أوروك " سبع سنين عجاف فهل جمعت غلالاً لهذه السنين العجاف و هل خزنت العلف للماشية ؟ فتحت عشتار فاها وأجابت أباها "آنو" قائلة : - لقد جمعت بيادر الحبوب للناس وخزنت العلف للماشية فلو حلت سبع سنين عجاف فقد خزنت غلالاً وعلفاً تكفي الناس والحيوان تطابق التناص التوراتي بشأن تقنية خزن الحبوب هنا لا يحتاج لتوضيح أو تعليق، بشأن تعالقه من حيث المفردات والرقم 7 والخطاب ودلالاته وعلاماته السيميائية إلا في جزئية هو أغفال النص التوراتي لثيمة خزن العلف للحيوانات. يقول شفيق مقار في كتابه قراءة سياسية للتوراة، "الفرق بين ما قالته: عشتار، وما قاله يوسف: يتعلق بالعلف للماشية . فأما أن عشتار وآنو كانا أحكم من يوسف، ففكرا في أن "الجوع" عندما يأتي يحل بالماشية أيضا. فتحدثت الأسطورة السومرية عن تخزين العلف بجانب القمح، وأما أن من استعار الأسطورة السومرية لينسب ما فعلته فيها عشتار إلى يوسف رأى أن يفتعل اختلافا ما بين الحكايتين لئلا تصبح المسألة مكشوفة، فأسقط العلف وركز على القمح ..." طبعاً نحن هنا غير معنيين بأسلوب الكاتب وطريقة بحثه التي تشعر بتحامله السياسي ولا غرابة هنا فأن عنوان الكتاب يشير الى انه قراءة سياسية وليس أدبية وقراءتنا تختلف من حيث قراءة التناص بين نصين من دون الربط بالخلفيات العرقية أوالدينية...
قدسية الرقم 7
ولبث " انكيدو " يجامع البغي ستة أيام وسبع ليال (19) وتستمر مقاربات الرقم 7 في الملحمة وشرب من الشراب القوي سبعة اقداح(20) تجمع الناس في شوارع " اوروك " ازاء الباب ذي المزاريج السبعة (21) ولكنك حفرت(للايقاع به) سبع وسبع وجرات .... (22) وحكمت عليه بالعدو شوط سبع ساعات مضاعفة لحلت في أرض أوروك سبعة سنين عجاف(23) فلو حلت سبعة سنين عجاف ومقدار ستة " كرات " من السمن سعة كليهما(24) ومن اجلك ستهجر الزوجة ولو كانت أم سبعة (25) ندبته ستة ايام وسبع ليالي ............. ابقيته ستة ايام وسبع ليال فبكيته في ستة أيام و سبع ليالٍ (26) فبكيته ستة أيام وسبع ليالي ولم اسلمه للقبر(27) وبهذا فرزتها (قسمتها) الى سبعة طوابق(28) وتم بناء السفينة في اليوم السابع(29) ومضت ستة أيام و سبع امسيات(30) ولما حل اليوم السابع خفت وطأة زوابع الطوفان في شدتها ونصبت سبعة و سبعة قدور للقرابين (31) تعال (أمتحنك) ! لاتنم ستة ايام وسبع امسيات"(32) ولما كان الرغيف السابع لا يزال على الجمر لمسه فاستيقظ(33)
نكتفي بهذه الاشارات إلى الرقم سبعة لضرورة عقد المقارنات، لمن لم يطلع على الجذور التاريخية لقداسة الرقم 7 أو على كتاب المعموري(34) الذي اشرنا إليه آنفا، إذ إنه خصص مبحثاً خاصاً في ص88 تحت عنوان "المنظومة الرمزية للرقم 7 " يمكن الركون إليه والاطلاع على ما بذله من جهد في رصد الرقم 7 في الأساطير الرافدينية منذ تاريخ التدوين وما جاء ذكره في العهد القديم والجديد ومن تناول مدلول الرقم سبعة واسرار قداسته....وقد همش المعموري اعتماده على بحث للاستاذ حكمت بشير الاسود في مجلة بين النهرين في حين حكمت بشير الأسود الأكاديمي في جامعة الموصل له كتاب بعنوان " الرقم سبعة في حضارة بلاد الرافدين – الدلالات والرموز" وكتاب آخر مدلولية الرقم سبعة في التوراة، وهناك إشارة إلى كتاب د. أنيس فريحة / اسماء الأشهر والعدد والأيام وتفسير معانيها، ويشير المعموري إلى أن الاستاذ عصام الدين حنفي ناصيف في كتابه (موسى وفرعون بين الاسطورة والتاريخية) تكرر استعمال الكتاب المقدس للرقم 7 مفرداً ومركباً 17 أو معقوداً 70 أو معطوفاً أو مئوياً 700 أو مؤلفاً 7000 أو 70000 زهاء 500 مرة فيما اشار أنيس فريحة الى ذكر السبعات أكثر من ستمائة مرة في الكتاب المقدس..
جذر قداسة الرقم 7
يقول المعموري (تكمن أسباب عديدة وراء قدسيته، منها اكتشاف البابليين لكواكب المجموعة الشمسية المكونة من، المشتري / الزهرة / زحل / عطارد / المريخ / الشمس / القمر، ذلك الاكتشاف الذي ادى من خلاله الى تقديس هذا العدد، إذ اعتقد سكان العراق القديم ان الكائنات النورانية إلهة تستحق التوقير فقرنوها بمجامع الهتهم وخصصوا لكل واحد منها يوماً من أيام الأسبوع لعبادتها. ونظر اليه البعض بمزيج من التقدير والاستغراب في الوقت نفسه إذ إنه يلاحق احداث جنسية للمرأة منذ بداية خلقها في الرحم حتى أواخر عمرها، فربط بذلك بعض العلاقة بين العدد سبعة وطبيعة المرأة، كما كان للعراقيين القدماء تصور خاص بشأن خلق الانسان، والذي ابتدأ بخلق أول سبع ذكور وسبعة اناث لتكوين بداية الانسان . وكان البابليون الساميون يطلقون كلمة واحد على العدد (سبعة) وعلى كلمة "كل" وهو تعبير عن كمال العدد. وربما يعود تقديس العدد (سبعة) لأنه لا يقسم الا على ذاته او لانه يتألف من مجموع أيضاً ... أو أن الله عز وجل خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وباركه وتقديسه "تك 2 : 1-3" ) هنا ينتهي الاقتباس من كتاب المعموري وتفسيره لقدسية الرقم 7. مقاربة تفسيرية لقداسة الرقم 7 ومقاربة تفسيرنا بهذا الشأن أن ذلك يعود لمراقبة الهلال ومتابعته سبعة أيام بعد سبعة ليصبح الهلال بدراً ومن ثم يتآكل البدر سبعة بعد أخرى لينتهي محاقاً. حيث امضى الانسان 99 % من تاريخه في الغابة أي امضى ملايين السنيين وكان فيها البقاء الأكثر رسوخاً هو الخوف من الظلام بوصفه يحتوي على العديد من المفاجآت المميتة سواءً كانت بشرية، أو حيوانية، أو من الزواحف مثل الأفاعي، لذلك يلاحظ رمزية (الأفعى) في الميثولوجيا، لذلك كان حضورها يحتل مساحة واسعة في تفكيره، إذ كانت تشكل تهدياً غاية في الخطورة، وضغطها في اللاشعور يتبدى قصصاً، ورموزاً، وتلميحاً، وتصريحاً، ومازال الخوف متوارثاً جينياً من الأسلاف الذين عاشوا تلك الحقب التي يعبر عنها الظلام بوصفه الحقيقة السائدة، فهو يشكل مصدر هلع وخوف ورعب. (هنا أشير إلى تفسير الدكتور في الطب النفسي محمد جمعة -لديه العديد من البحوث والدراسات التي تعتمد على النظرية الدارونية في التحليل السايكولوجي والتي تحظى باهتمام في انكلترا- قال في حوار شخصي معه: حتى الآن الإنسان ما زال يخاف ويهلع ويرعب من الأفعى في حين لا يخاف من الكهرباء التي تشكل تهديداً مميتاً)، فضلاً عن أن الإنسان في الغابة كان يعيش ضمن مجموعة قرابية زهاء 150 شخصاً وفي احتراب دائم مع المجاميع القرابية الأخرى، حيث يتقاتلون من أجل الطعام في ظلام الغابة الدامس، والذي يحمل مفاجآت مرعبة ومميتة، لذا ارتبط الإنسان البدائي بالقمر وانشد إليه وجعل منه إلهاً .... ومن عاش في القرى لا سيما النائية منها التي لا يوجد فيها أي بصيص للضوء، يطلع على كم كبير من الخرافات والحكايات التي تتحدث عن مخلوقات غرائبية مخيفة حتى أن بعض علماء الآثار من العاملين في العراق إبان القرن التاسع عشر، أشاروا إلى أن الشرطة العراقية الذين يحرسوهم يشعرون بالخوف حين يحل الظلام، ويطالبون بالإسراع في الانتهاء خشيةً من الشياطين! إذاً في هذه الأجواء يوفر ضوء القمر ولا سيما حين يكون بدراً مساحة من الأمن والطمأنينة للإنسان، وهناك كثير من الأغاني والأشعار والقصص القديمة جداً تتغنى بالبدر والهلال ... فأنه يحيل المكان إلى نهار على وفق تعاملهم البصري مع المكان واحساسهم بالأمن مما دعا الإنسان القديم إلى مراقبة الهلال بوصفه يشكل مصدر سلام وطمأنينة. كم من ملايين السنيين أمضاها الإنسان وهو يراقب هذه الظاهرة حتى خرج من الغابة؟. إذاً من الطبيعي أن متابعة البدر كانت قد سبقت اكتشاف الكواكب السبعة، ربما قبل آلاف السنيين حتى تمكن من الاهتداء إليها، ومتابعة حركة دوران الشمس والكواكب، فانه حين بدأ يكتشف حركتها، تمكن في البدء من تحديد الشهر ومن ثم السنة (12) شهراً فلو لاحظنا في ملحمة كلكامش يظهر الرقم (12) من اللوح السابع في الملحمة، أي أنه يظهر بشكل متأخر إذا ما علمنا ان الملحمة السومرية قد سبقت تاريخيا بزمن قبل تدوينها . فليس من المعقول الاهتداء إلى السنة قبل معرفة الأسبوع ومن ثم الشهر، ويلاحظ للمرة الأولى ورد ذكر الشهر في الملحمة عبر قصة الطوفان (وركب جلجامش و " أور- شنابي " في السفينة انزلا السفينة في الامواج وهما على ظهرها وفي اليوم الثالث قطعا في سفرهما ما يعادل شهراً وخمسة عشر يوماً من السفر العادي وبلغ" اور- شنابي " مياه الموت )
قداسة الرقم 12
تكوين 36و37 الاصحاح السابع والثلاثون فقال إني قد حلمت حلماً أيضاً وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدة لي. تكوين 5و6 "...هو بشر وتكون أيامه مئة وعشرين سنة" تكوين 14 "اثنتي عشرة سنة استعبدوا لكدرلعومر..." خروج 15و16 "ثم جاءوا إلى إيليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة." تبرز قدسية الرقم (12) في التوراة ويظهر الرقم (12) في قصة يوسف بعد أن أسرفت التوراة في الإشارة إلى الرقم (7) وليس من المنطق أن يصل الإنسان إلى معرفة الكواكب وحركتها وتحديد السنة من دون أن ينتهي من معرفة آلية حدوث الشهر بعد فاصلة زمنية طويلة، ربما استغرقت حقب عديدة من السنيين حتى أخذ الرقم (12) استحقاقه من القداسة. ويظهر الرقم (12) شأنه شأن الرقم (7) معقوداً أو يظهر كمضاعفات مثل (24 أو 144) كما مبين من ابيات الشعر المأخوذ من الملحمة. ولما انقضى اليوم الذي رأى فيه " انكيدو " الرؤيا اشتد به المرض فظل ملازماً فراشه يوماً وثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً وسابعاً وثامناً وعاشراً وثقل المرض على " انكيدو " ومضى اليوم الحادي عشر والثاني عشر … " وركب جلجامش و " أور- شنابي " في السفينة انزلا السفينة في الامواج وهما على ظهرها وفي اليوم الثالث قطعا في سفرهما ما يعادل شهراً وخمسة عشر يوماً من السفر العادي وبلغ" اور- شنابي " مياه الموت ولقد رأى صديقي رؤيا " تنذر بالشر" (35) ولما انقضى اليوم الأول الذي رأى فيه " انكيدو" الرؤيا اشتد به المرض فضل ملازماً فراشه يوماً وثانياً وثالثاً ....... وثقل المرض على انكيدو ومضى اليوم الحادي عشر والثاني عشر هو لا يزال راقداً على فراش المرض ............. طول كل منها ستون ذراعاً إن داخلها يمتد اثنتي عشرة ساعة مضاعفة............(36) ثم سار عشرة ساعات مضاعفة وبعد احدى عشرة ساعة بزغ الفجر(37) وبعد ان قطع اثنتي عشرة ساعة مضاعفة عم النور(38) وعندئذ نادى " أور- شنابي " جلجامش وقال له : " هيا يا جلجامش أسرع وخذ " مرديا " وادفع به وحذار ان تمس يدك مياه الموت اسرع يا جلجامش وتناول " مرديا " ثانيا وثاثا ورابعا يا جلجامش " مرديا " ثامنا وتاسعا وعاشرا خذ مرديا حادي عشر وثاني عشر وبمائة وعشرين دفعة وانحدر الى الغابة واقتطع منها مائة وعشرون " مرديا"(39)
جلب الى الصغار منهم القير وحمل الكبار كل الحاجات الاخرى(40) وفي اليوم الخامس اقمت بنيتها " هيكلها " وكان سطح ارضها " ايكو " واحدا وعلو جدرانها مائة وعشرين وطول كل جانب من جوانب سطحها الاربعة مائة وعشرون ذراعا حددت شكلها الخارجي وبنيتها هكذا " لاحظ هنا الرقم ستون جاء من مضاعفة الرقم12 خمس مرات والرقم120 جاء من مضاعفة الرقم 12 لـ 10 مرات. كذلك الرقم 420 جاء من مضاعفة الرقم 12 لـ 35 مرة فرأيت جزيرة وهي تعلو مائة وأربعة واربعين ذراعا(41) هنا الرقم جاء من ضرب 12 × 12.. كما رمزوا الى تقديس الرقم 3 إذ الإشارة إلى الشمس والقمر والنجم ..وجميع هذه الرموز تتناولها جميع الكتب الدينية فضلاً عن تضمينها، إذ ما من شعيرة وطقس في معظم الميثولوجيا والاساطير والقصص والحكايات للشعوب الا ووجدت لها نموذجها الاول في الديانات السومرية .... عرف السومريون نظام المجموعة الشمسية وشكل الأرض وتقسيم الدائرة إلى 360 درجة، كما قسموا السماء إلى 12 برجاً، وكانوا أول من قسم اليوم إلى 24 ساعة. منذ العام 2008 توصل الفلكيون إلى قناعة بان النظام الشمسي يتألف من 12 كوكباً وليس 9، بينما السومريون قد اثبتوا ذلك، حيث كشفت ذلك رسومهم الجدارية والأختام الأسطوانية. وهذا يفسر تقديس العراقيين القدماء لرقم 12 وهم الذين أبدعوا الأبراج الـ (12) التي يعتقدون أنها تتحكم بمصير الإنسان. وورد في كتاب عظمة بابل تأليف د.هاري ساكز "فان أقدم الوثائق الفلكية المتوفرة من بلاد ما بين النهرين هي ما يدعي بالاسطرلابية وهي عبارة عن رقم منقوشة بثلاث دوائر ذات مركز واحد ومقسمة بوساطة اثني عشر نصف قطر. وفي كل قسم من الأقسام الستة والثلاثين المؤلفة لذلك يوجد اسم برج مع بعض الأرقام...وفي نسخ يعود تاريخها إلى حوالي 700 ق.م." (42) لذا كان الأسباط 12 ومن ثم في المسيحية الحواريون 12....
طه باقر والمقارنة بين قصة النبي يوسف وملحمة كلكامش
وأخذ يقص على أمه رؤياه قائلاً لها: يا أمي لقد رأيت الليلة الماضية حلماً رأيت أني أسير مختالا بين الأبطال فظهرت كواكب السماء وقد سقط احداها إلي وكأنه شهاب السماء"آنو" (هنا الإشارة إلى انكيدو... ثم تفسر أمه ننسون العارفة بكل شيء لجلجامش: ان رؤيتك نظيرك كوكب السماء) (68)
يهمش طه باقر في الصفحة 66 من كتابه ملحمة كلكامش (68) " قارن رؤيا يوسف في القرآن الكريم وتفسير رؤياه لكوكبي الشمس والقمر ساجدين له بأبيه وأمه"
لم يشر الاستاذ ناجح المعموري في كتابه ملحمة كلكامش والتوراة إلى أن عالم الآثار طه باقر قد أكد على أوجه المقاربة (التناص) بين قصة النبي يوسف وملحمة كلكامش، كما جاء في كتاب ملحمة كلكامش طبعة دار الحرية العام 1975 وبما أن النسخة التي اعتمدها المعموري هي ترجمة الاستاذ د.سامي سعيد الأحمد لذلك لم يرد فيها الاشارة إلى أن طه باقر له قصب السبق، على علماء الآثار، والباحثين، والكتاب العرب الذين ترجموا الملحمة الى العربية، علماً أن المعموري قال في احدى مقابلته:"إطلعتُ على أكثر من 15نصاً مترجماً...والجميع يعرف بأن ترجمة طه باقر أكثر أدبية وفيها إهتمام باللغة والتكتم على الدلالة".
مصارعة النبي يعقوب.. مصارعة الثور السماوي تكوين 32و33 "23 أخذهم وأجازهم الوادي وأجاز ما كان له*24 فبقى يعقوب وحده. وصارعهُ إنسانٌ حتى طلوعِ الفجرِ*25 ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حُقَّ فخذه. فانخلعَ حُقُّ فَخذ يعقوب في مصارعتهِ معهُ*26 وقال أطلقني لأنهُ قد طلعَ الفجرُ. فقال لا أطلقكَ إنْ لم تُباركني ... " هبط الثور السماوي وأخذ ينشر الرعب والفزع(43) وقضى في أول خوار له على مائة رجل ثم مائتين وثلثمائة وقتل في خواره الثاني مائة ومائتين وثلثمائة وفي خواره الثالث هجم على "انكيدو" ولكن "انكيدو" صد هجومه قفز"انكيدو" وضبط (مسك) الثور السماوي من قرنيه فرشق الثور السماوي وجهه بزبده ورغائه وقذفه بالروث بذيله ففتح "انكيدو" فاه، وقال لجلجامش: لقد تبجحنا ياصاحبي.... فكيف سنجيب.... "الويل لجلجامش" الذي دنسني واهانني لانه قتل ثور السماء ولما أن سمع "انكيدو" هذا القول من عشتار قطع فخذ الثور السماوي وقذفه بوجهها وقال:- .... الوحدات البنائية لثيمة مصارعة النبي يعقوب المتناصة مع مصارعة الثور السماوي من قبل انكيدو وكلكامش: هي أولاً، مصارعته لكائن سماوي يمثل الرب، كذلك الثور السماوي هو كائن غير أرضي، الكائن السماوي خلع حُقَّ فخذ يعقوب، في حين انكيدو قطع فخذ الثور السماوي هنا التناص مقلوب، يعقوب الكائن البشري ينتصر على الكائن السماوي كذلك ينتصران كلكامش وانكيدو على الثور السماوي..
17-ملحمة جلجامش طه باقر ص65 18- المصدر نفسه 19- المصدر نفسه ص67 20- المصدر نفسه ص69 21- المصدر نفسه ص78 22- المصدر نفسه ص92 23- المصدر نفسه ص94 24- المصدر نفسه ص97 25- المصدر نفسه ص103 26- المصدر نفسه ص123 27- المصدر نفسه ص127 28- المصدر نفسه ص136 29- المصدر نفسه ص137 30- المصدر نفسه ص140 31- المصدر نفسه ص142 32- المصدر نفسه ص145 33- المصدر نفسه ص146 34- ناجح المعموري ص88 35- ملحمة كلكامش ص106 36- المصدر نفسه ص113 37- المصدر نفسه ص114 38- المصدر نفسه ص117 39- المصدر نفسه ص124 40- المصدر نفسه ص135 41- المصدر نفسه ص140 42- عظمة بابل تأليف د.هاري ساكز ص525 دار الكتب للطباعة والنشر 43-ملحمة كلكامش ص95
#عبد_الجبار_خضير_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تناصات توراتية ..ملحمة كلكامش (الجزء الأول) عشتا
...
-
الآخر .. المختلف .. الغير مقاربة مفاهيمية
-
خنزير غسيل الأموال .. منْ يعلق الجرس في رقبته؟!
-
علي الوردي ..ذم صبغة الحزن في الاغنية
-
تفاحة انيوتن
-
قراءة في كتاب الفيليون
-
سردية عراقية أم صناعة ذاكرة؟
-
تصحيح السرد .. خلل السردية الكبرى
-
فاجعة الاربعاء
-
قرة العين..
-
مكانية التغيير سردية زمانية مفارقة
-
ازمة حلم
-
التعديلات المرتقبة مقاربة معرفية في كتابة الدستور
-
العراقيون الأصليون يتآكلون
-
ارث الخوف
-
بصرياثا
-
قراءة في المادة 41
-
اعادة انتاج العنف
-
يهرف بما لايعرف
-
المرأة والقرار
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|