أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - حتى في الصحراء...؟















المزيد.....

حتى في الصحراء...؟


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 10:22
المحور: كتابات ساخرة
    



وأخيرًا حسم تردده نهائيًا و قرر تنفيذ مشروعه في منطقة قصيّة من هذه الأرض. حيث لا أنس ولا جن..!
في مطلع كل يوم، و قبل قيامه بأيّ من طقوس الصباح، كان يهرع إلى الرزنامة, وينزع منها ورقة البارحة, ويفرك راحتيه مسرورًا لاقتراب أول الشهر.
عندما استلم راتبه من المحاسب، أخبر زوجته بما عزم عليه.. قالت له: " فعلاً إنك مجنون ولا يوجد برأسك ذرة عقل!" لم يأبه لتوبيخها.. معتبرًا أنها هي التي بلا عقل..
استعار من جاره الضابط منظارًا مقربًا ومطرة. وذهب إلى مكتب لتأجير السيارات واختار سيارة جبلية نوع " رانجروفر" وانطلق بها باتجاه البادية.
ما هي إلا ساعات قليلة حتى وصل إلى مشارف الصحراء.. زاد من سرعته متوغلاً, مشكّلاً سحابة من الغبار والرمال خلفه. لم تشغله لهفة الوصول إلى منطقة آمنة، عن مراقبة الأمكنة التي يعبرها وحفْظ معالمها, لكي لا يتوه في طريق العودة.. وعندما بدأت المعالم متشابهة وقليلة في تميزها.. بدأ يخفف من سرعته. وكلما اختار بقعة للتوقف، ينتبه إلى وجود بعض النباتات الصحراوية، أو يلمح طيرًا، أو بعض أنواع الزواحف... فيؤجل التوقف و يتابع المسير.. فقد أراد أن يصل إلى منطقة، تخلو تمامًا من أيّ من الكائنات الحية.. فالحذر والحيطة واجبان في الأحوال العادية, فما بالك بمشروعه الخطير المرتقب (صحيح ما متْنا, لكن شفنا اللي ماتوا..!) قال في نفسه..
هاهي ملامح الكثبان الرملية تبدأ بالظهور أمامه.. ابتهج وأدرك أن هدفه بات وشيك التحقق..! توجه إليها بأقصى ما تملكه السيارة من سرعة.. حتى وصل إلى تخومها. وبدأت عجلات السيارة تنذره من خلال دورانها دون تقدم يذكر، بأن هذا المكان هو المبتغى..
أوقف السيارة و ترجّل منها، وقد تدلى على صدره المنظار المقرّب وعلى خصره المطرة. وراح يستطلع من خلال المنظار عشرات الاتجاهات من حوله.. تأكد بعدها أنه وحيد تمامًا في هذه الصحراء القاحلة..
لم يثق بالمنظار! وضع كفه فوق حاجبيه مشكلاً زاوية حادة مع جبينه ليقي عينيه من أشعة الشمس اللاهبة. وبدأ يتطلّع إلى البعيد البعيد.. وأيضًا وبكافة الاتجاهات. لم يلفت انتباهه أي شيء سوى السراب وسكون الصحراء العظيم.. أيقن عندها أنه في مأمن من أية مخاطر يمكن أن يتعرض لها مستقبلاً من جراء ما سوف يقدم عليه.
وضع كفيه على وجهه بمحاذاة الفم بطريقة " طرزان " و كأنه ينادي شخصًا بعيدًا, وهمّ بتنفيذ ما عزم عليه...! إلا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة..! وأحسّ بضرورة معاودة التأكد من خلو المكان.. فاليقظة والحذر مطلوبان. وكرر ما فعله منذ برهة من مراقبة واستطلاع.. واطمأن أن لا خوف على ما سوف يقدم عليه إطلاقًا.. وضع كفيه بمحاذاة فمه مجددًا وطفق يصرخ بكل ما أوتي من قوة سابّاً شاتمًا الحكومة هاتكاً سرّها بأقذع ما احتوته قواميس العرب من كلمات بذيئة..! حتى بحّ صوته وجفّ ريقه..! ثم تلفّت إلى جميع الجهات إمعاناً بالاطمئنان.. وتنفّس الصعداء.
استلقى على الكثبان الرملية هامداً بسعادة لا مثيل لها, والعرق يتصبب من كافة أنحاء جسده. أسبل جفنيه قليلاً سارحاً مع اللذةً بزوال مخزونه الهائل من التوتر والاحتقان... ثم مدّ يده إلى المطرة, وأفرغ في جوفه عدّة جرعات من الماء البارد, أحس خلالها بنشوة لم يعشها طوال حياته..
وبينما هو كذلك، لفت انتباهه في الجو بغتةً، خط أبيض مستقيم ترسمه طائرة صغيرة تتقدمه كالنملة! جفل واعتكر وجهه وانتفض ملتاعاً! وبالكاد خرج صوته الأبحّ من فمه متلعثماً:
" يا إلهي! إنها طيارة نفاثة!! أيعقل أن تكون قد رصدتني؟!..لا..لا .. ولكن من يدري؟! ربما سمعتْ ما قلتُ وما فعلت! فالتطور الذي يحصل في هذا العالم، لا حدود له..! ما هذه البلوى يا ربي! كيف غلطت هذه الغلطة؟! لعن الله هذا المشروع من أساسه! فعلاً أنا مجنون كما قالت عني زوجتي! ليتني وفّرت قيمة استئجار هذه السيارة, وأنفقتها على وجبة طعام فاخرة بأحد المطاعم مع أسرتي.. أما كان من الأجدى؟ "
ضبّ أمتعته القليلة على عجل وقفز إلى السيارة.
أدار مفتاح التشغيل باستعجال: بررررررر! لم تدرْ...!
أداره ثانيةً: برررررررررر!!.....!
أداره ثالثةً: بررررررررررر!!!....!
" قد تفرغ البطارية وأنا في هذه المنطقة النائية من العالم!... يا ربّي ما العمل؟! "
قال في نفسه وضرب المقود بيده حائراً مرتبكاً...!
تطلّع صوب الطائرة النفاثة...! وجدها تبتعد!... " أبعْدَ أن قامت بتصوير وتسجيل ما اقترفْت... تذهب؟! " دمدم ساخراً وراحت أفكاره تتخبط في رأسه...
" سيقولون لي: وْلاه! لماذا سببْت الحكومة؟! بماذا سأجيب؟!
(سامحوني يا شباب! والله من قهري.. راتبي لا يكفيني لمنتصف الشهر.. الفساد استشرى لدرجة العلن...لا يوجد إنسان في مكانه المناسب... الأغنياء يزدادون غنىً والفقراء الله يعينهم لا حول لهم ولا قوة.... لم نحصد من مسيرة التحديث والتطوير إلاّ مزيداً من الخيبة والإحباط...! لهذا لم أستطع التحمّل, كدت أتمزق غيظاً وكمداً, فاخترت هذا المكان الموحش من الدنيا وعبّرت عن سخطي...!
ثم إنه لم يسمعني أحد! أنا جبان يا شباب! والله لم أنتسب طوال عمري إلى حزب معارض! حتى إن جاري الذي كان معتقلاً وأفرج عنه.. لم أجرؤ على زيارته لأقول له الحمد الله على السلامة...!
ليس هذا فحسب, بل إنني لم أجرؤ على مجرد التفكير بالانتساب إلى أي من أحزاب الجبهة..!!
لست من أصحاب المشاكل يا جماعة! الله وكيلكم عمري ما آذيت صوصاً... وإذا كان تصرّفي اليوم ينمّ عن سوء نية, فإنني أعلن التوبة لكم جهاراً نهاراً ( قبّل سبّابته ووضعها على جبينه ثلاث مرات) "
بسمل ثم حاول تشغيل المحرك من جديد.. لم يفلح!
داهمه ثقل مفاجئ!
نذر خمس دجاجات لوجه الله تعالى.. يطعمهم للدراويش..!
تضرّع لجميع الأنبياء والرسل والديانات السماوية والوثنية... ولكن دون جدوى!
راح يخبط يديه على ساقيه نادباً.
شعر بدنوّ أجله, وأن " عزرائيل " على وشك أن يمدّ يده إليه لينتزع منه روحه!
وضع رأسه بين يديه على المقود بقهر, وانفجر بالبكاء..!
بعد حوالي الساعة, ويبدو أنه أغفى قليلاً.. حاول من جديد, عساه يتخلص من هذا الكابوس المرعب! تمتم مبسملاً متكلاً على الله وأدار المحرك, جأر متقطعاً واشتغل؟!!
لم يصدق!!! دقق بحذر مصغياً ليتأكد من صوته ومن دورانه...! " نعم, إنه يعمل! ياي... يا للروعة! " همس بصوت مكتوم كمن يبوح بسرّ! قبّل التابلو والمقود فرحاً. وفاضت من عينيه دموع الفرح! نظر إلى السماء حامداً شاكراً ربه واعداً تقديم سبع دجاجات مع ديك بلدي... وانطلق عائداً بسرعة وكأنه بحالة سباق مع الضوء...



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملح الحياة
- الرهان
- استراتيجيا... ديماغوجيا
- يوميات معتقل سياسي بعد الإفراج عنه
- الكوز والجرّة
- إلى معلمتي... سابقًا
- إلى من يهمه الأمر
- أنا أسعد منه
- جمهورية الفرح الشعبية
- عزاء مُعتبر
- - عيسى وخديجة -
- ..!تنفيس مسؤول
- الفحل
- تدشين
- عتاب رفاقي
- حرائق وغنائم
- ليلة رأس السنة
- !...سيناريو
- شكراً سيادة الرئيس
- تحرّي وانتقام


المزيد.....




- الفن في مواجهة التطرف.. صناع المسرح يتعرضون لهجوم من اليمين ...
- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...
- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - حتى في الصحراء...؟