|
قيمة الفرد في ثورات الربيع العربي ( الماس و التنك)
راميا محجازي
الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 23:59
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
من المؤسف أنه عندما تعلن انتصارات العرب و يحتفى بها يُتجاهل في تقييم الانتصارات عن غير قصد أو عن عمد عدد من الحقائق أهمها بأنها لا تأخذعدد الخسائر البشرية كعنصر في المعادلة التي تعتمدها مقياسا. و ما زالت العرب إلى الآن تغضالطرف عن خسائرها البشرية في كل معركة و في كل مرحلة مغلفة هذا التجاهل بعناوين البطولة و الشهادة و الخلود و التضحية ، أغلبنا و إن لم أبالغ في ذلك يثور بكلمات و عبارات مليئة بالغضب و الاستنكار عندما يكون التعامي العالمي والتجاهل الآدمي عن دم المواطن العربي المهدور في مجازر لا إنسانية تلتهم الآلاف من المواطنين العرب والهوة الشاسعة في ردة الفعل حين يصاب مواطن غربي و كأن العربي خلق من تنك و الغربي خلق من ماس . ما استهجنه حقاً بأننا نستنكر و نغضب و نثور دون أن تقودنا ثوراتنا إلى تعديل المعادلة و العمل الجاد لإيجاد حل لهذه العنصرية غيرالإنسانية و غير المنصفة ، وهنا و في هذا الصدد أود الإشارة إلى المنظومة النفسية و المجتمعية ومفهوم الفرد عند المواطن العربي بشكل مبسط علّنا نصل إلى توضيح لأكثر المشاكل التي تؤثر فيه سلباً و تساهم في تعميق مفهوم تفوق الآخر لديه . عزيزي القارئ : تعتمد المنظومة النفسية و المجتمعية عند الفرد على ثلاثة أسس متوازنة : أولا :مرتكزات ثقافية مورثة . ثانيا :عقائد إيمانية راسخة . ثالثا: تجارب فردية و جماعية . في المجتمعات العربية تتواجد هذه الأسس و لكن بطريقة غير متوازنة و على شكل دوائر حلزونية فمعظمنا يعاني من هذه الدوائر التي تحد من طاقته و إبداعه و تهمش فرديته و احتياجاته بشكل كبير و أغلبنا أيضاً عندما يستطيع الخروج من نطاق هذا الدوران الحلزوني ما أن يخرج لنراه يصنع قوقعته و يرسم دوائره بنفس الآلية و لكن بمقاييس مختلفة حسب تجربته و صيرورتها فقد تتسع دائرة المكتسبات الثقافية المورثة عند الفرد و التي يكتسبها من المجتمعات التي تغذي كافة حواسه و مفاهيمه منذ صرخته الأولى لتضيق المفاهيم العقائدية و الإيمانية عنده و ذلك كحتمية طبيعية لاختلاطها مع المفهوم الموروث و كذلك تتقلص عنده دائرة التجارب الفردية و المجتمعية و تتقلص معها فرصة خوض تجارب حقيقية و قد نجد البعض يوسع في دائرة المفاهيم العقائدية و الإيمانية لتأخذ من حجم دائرته الثقافية الموروثة مما قد يخلق لديه خللاً في التوافق الطبيعي وبالتالي يقلص من دائرة تجاربه الفردية أوالجماعية كنتيجة لاختلاف قناعته مع الثقافة المجتمعية السائدة و بذلك يُخلق لدى الفردمعطى جديد ومفهوم مختلف بالنسبة لمن حوله لكنه يراه طريقاً أكثر نجاعة للتواصل مع الآخر المختلف أحياناً و المتناقض أحياناً أخرى مع تركيبته التى تكونت حسب الحيّز الذي احتلته كل دائرة في منظومته التكوينيه على حساب الأخرى . و يبقى الخيار الثالث عندما يوسع الفرد من دائرة تجاربه الفردية و الاجتماعية بحيث تكون الدائرة الأكثر أهمية بالنسبة له و يأخذ منها منطلقاً لقناعاته العقائدية و الإيمانية لتكون الدائرة الأضيق للمرتكزات الثقافية التي غالباً ما يتمرد عليها أصحاب هذا النوع من الدوائر كونها تضيق بالمرتكزات الثقافية الموروثة . و لكن بالعودة الى النتائج فأي من الحلقات الحلزونية لم تحقق توازن في المرتكزات الأساسية و لا أدنى تناسق فكل مرتكز يتطور لدى الفرد على حساب المرتكزات الأخرى في حين أنه من المطلوب تناسق و توازن و تقارب هذه المرتكزات إلى أقصى حد حتى يتمكن الفرد من الوصول إلى التطور النفسي و الإيديولوجي المعافى والمنتج وهنا لوفرضنا بأن المجتمعات العربية هي تجمعات حلزونية ضمن معايير مختلفة بحيث نجدها مختلفة المقاييس ضمن الدولة الواحدة و متفردة بحسب ظروف تكوين صيرورتها و معطياتها التي قد تتسع عند مرتكز و تضيق عند آخرو لو نظرنا إلى المعطيات الثلاثة والأهم والتي تكون اللبنة الأساسية لكل صيرورة نجدها تندرج كالآتي : أولا: متسع الحرية الذي تتيحه النظم الحاكمة لشعوبها . ثانيا: مدى الانفتاح الحضاري على المجتمعات الأخرى . ثالثا : حركة التواصل داخل مكونات المجتمع الواحد . و بالعودة إلى الموروث الثقافي في المجتمعات العربية و الذي كما ذكرت آنفاً يتشكل ضمن المعطيات السابقة نجد أن الفرد في المجتمع العربي يعيش ما بين مستويين من الحرية التي تتيحها له النظم الحاكمة، مستوى محدود بدائرته الحلزونية و آخر ضيق بسبب القوانين العربية الحاكمة و التي مهما بلغت دساتيرها من اعتدال و وسطية لن ترقى إلى مستوى تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية مقارنة بالمجتمعات الأكثر تحرراً وعدالة فقد لا يخلو قانون واحد في الدول العربية إلى يومنا هذا من بنود هدفها تكوين هالة من الحماية للسلطة الحاكمة و منحها استثناءات تلعب دوراً بالغ الأهمية في خلق وتشكيل الديكتاتوريات و تهميش حق المساواة الانسانية و بالتالي تحول دون تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية بين الأفراد . و عندما نكمل السير ضمن نفس القوقعة ندخل بالدائرة الأوسط في المخطط الحلزوني و التي هي مدى الانفتاح الحضاري على المجتمعات الأخرى و الذي يعتبر من أهم العوامل التي تساعد في نقد الواقع و تقييمه بصورة أكثر عقلانية. قد لا تنفصل هذه الدائرة إطلاقاً عن الدائرة الأولى "متسع الحرية الممنوحة للفرد ضمن إطاره الزماني و المكاني من قبل السلطه الدستورية" و لا تقل قيمةعنها فعند العمل على تغيير مفهوم الفرد عن ذاته و تطوير إمكاناته العقلية و توسيع آفاقه الفكرية لا بد له من هذا المعطى فهو الذي يمكن الفرد من استيعاب الحداثة و نقد الواقع نقد عقلاني إيجابي متوازن في الوقت الذي يصعب تحقيق هذا التوازن فيما اذا لم يتحقق للفرد الخوض في منابع فكرية مختلفة و من باب آخر فكيف للفرد أن يقيّم مفاهيمه و يثبتها كقناعات راسخة و يحقق التوازن النفسي و الفكري فيما لو كان منغلقاً على نفسه و على ثقافته و كيف للفرد أن يقدم لنفسه ولمجتمعه طرقاً مبتكرة و مفاهيم أكثر تطور و منطقية و هو عاجز عن تحقيق التوازن الفكري و النفسي ل فرده. لذلك يمكننا أن نقيس مدى تقدم المجتمعات بمستوى ما يحققه الفرد من توازن وقناعة و تآلف مع مفاهيمه الثقافية و بمدى مرونته و احتوائه لثقافة الآخر المختلف و عندها يمكن أن نتوقع أو نقيم بشكل واقعي مدى سرعة النمو و التقدم الثقافي داخل مجتمعه ، وانطلاقا من الفرد بحيث يعتبر بحد ذاته المسؤول الأول عن هذه الطبيعه و هذه السرعة تبعاً لاستجابته و انطلاقاً من تآلفه و مرونته في استيعاب الآخر بشكل كلي و كامل و ليس بشكل جزئي و متقاطع لذلك فكلما زاد انفتاح و اطلاع الفرد على ثقافات أخرى و مجتمعات مختلفه كلما اكتسب مرونة أكبر في تحليل و إدراك و نقد الواقع الثقافي الذي يعيشه و تمكن بالتالي من تكوين معرفة أكثر يقينية بمفاهيمه ليصل بذلك إلى التوازن النفسي و الاجتماعي و الثقافي و عندها يمتلك القدرة على انتاج جديد ببنية أكثر مرونه و صلابه و الأهم بثقة أكبر . إلا أن أي نتاج يحققه الفرد لا يمكن أن يثمر في المجتمع فيما لو تم حصره في شخصه و هنا نتحرك لننتقل إلى الدائرة الداخلية و هي مدى تواصل الأفراد داخل المجتمع الواحد و أيضاً لا يمكن النظر إلى هذه المرحلة إلا بعين الاهتمام بل و الاهتمام البالغ أيضاً فلو استطعنا التحرك من الدائرة الأولى إلى الثانيه و توقفنا عندها سيكون الجسم الثقافي داخل المجتمع مشوه و مليء بالتناقضات التي قد تتضارب فيما بينها لتشل حركته نهائياً ، فلانفتاح على المجتمعات المختلفة إن لم يكسبنا قدرة على إدراك وعي و ثقافة الآخر و إن لم يُهذّب جيداً قبل تعميمه و يخلق الفرد نواقل ذكية للمفهوم المستحدث لديه لن يكون انفتاحه انفتاحاً مجدياًبل على العكس سيخلق المزيد من التناقضات ضمن إطار المجتمع الواحد و حتى ضمن إطار الخلية الاساسية في المجتمع و هي الأسرة و ستزيد الهوة بين الفرد و مجتمعه لتعود إلى التأثير من جديد في توازنه النفسي و الاجتماعي و تعيده إلى فرد مضطرب و غير متوازن ليبدأ معركته من جديد. عزيزي القارئ : انطلاقاً من الفرد و لأنه الأساس و لأنه اللبنة المكونة للمجتمع لابد من تصحيح مفهومنا لخصوصيته و فرديته و آدميته ولنتاجه الفكري و الحضاري و لدوره الأساسي في أي منعطف حضاري و هذا بدوره لن يُفَعّل إلاّ إذا عملنا بكل جهد و جدية لتحقيق ذاتيه و الإيمان بتفرده و قدراته اللامحدودة على الإبداع و العطاء و التغيير إلى الأفضل . فإذا ما سعينا للحرية و العدالة و المساواة الانسانيه فإنما نسعى إليها لكل فرد في هذا المجتمع وإذا ما أردنا بناء مستقبل مزهر و مشرق لابد من أن نحسن تقييم الفرد و إمكاناته و هذا لن يكون متاحاً إذا لم نعالج مفهوم الفرد في مجتمعاتنا العربية أولاً و قبل أي شيء . عزيزي القارئ: قيمةالمجتمعات الغربية تكتسب من دورها في تحقيق التوازن النفسي لأفرادها و التوازن الاجتماعي بين أفرادها و تأخذ الحكومات الغربية على عاتقها العناية بالفرد وصحته النفسية و الاجتماعية بشكل متكامل مع صحته الجسدية و يأخذ الفرد الأولوية من إهتماماتها و يعتبر الأداة و المقياس لتحقيق نجاحاتها في دورتها القيادية فيها الدستور يطبق بإنصاف على جميع المواطنين فيقف الفرد أمام القضاء بصفته الانسانية الخالصة وأما الربح و النصر من الناحية العسكرية فمقياسه الأول هو حجم الخسائر البشرية و متى تحقق هذا الشرط يبحثون في المكتسبات الأخرى و التي تعتبر ثانوية مهما بلغت قيمتها الربحية التطور المنشود لمجتمعاتنا لايمكن أن يكون إلا في ظل دوله تعتني بصحه و سلامة أفرادها كأولويه تبدأ بالفرد كأداة لعملها و تنتهي بنتائج تعود بالنفع على الفرد ومقياس تقدمها و تطورها هو ما تحققه للفرد فيها و لن تشرق شمسنا على الغرب مجددا و لن نحقق الكرامة و العزة لأولادنا و أرضنا ما دمنا نتجاهل بشكل محزن و مخزي خسائرنا من الأفراد في كل نصر نحققه ما دمنا لا نعتبر الفرد أداة و هدف و مقياس . لنحقق سويا الحلم لابد لنا من الحفاظ على سلامة مجتمعاتنا انطلاقا من أفرادها . دمتم
#راميا_محجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبء الزواج المدني فيما لو تم فرضه على المجتمع السوري
-
أنا رايان
-
ربيع الطفولة
-
متى يا أيها العرب ؟
-
وطني المفدّى بالدمِ
-
بلدي محموم القصيدة
-
غربة و حنين
-
النظام الأسدي يريدها طائفية في سوريا .
-
تساؤلات حول ثقافة ما بعد الثورة في سوريا
-
أنشوده لأطفالي و أطفال سوريا
-
حيوا معي سوريا
-
أجيال قادمة ستروي ... ..أساطيرعن سوريا الأمس
-
المرأة العربية ........ إلى أين ؟
-
جامعة النظم العربية لماذا تقتلنا ؟
-
الثورة السورية ما بين أساطير المعارضة و أبضيات البلد
-
أساطير المعارضة وأبضايات البلد
-
الناتو ........بين النعم و ال لا
-
حديدان بلميدان إذا فتعقل يا خدام
-
موائد المعارضة ولائم و غنائم , حقائب و عمائم .
-
جامعة الدول العربية تشارك في قتل شعب سوريا و هدم دور عبادته
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|