|
يناير وتجديد مصر ( الفصل الثاني )
إبراهيم الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 17:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الفصل الثاني
الديمقراطية والملكية والدين والدولة
" إذا كانت الديمقراطية لا تقوم من دون الحرية ، فهي أيضا لا تقوم من دون المساواة " جورج بيردو
في الفصل الأول أشرت إشارة سريعة إلى الديمقراطية كمنظومة اجتماعية ، ديمقراطية التعدد والتباين والتداول ، تمتد إلى أبنية وأنساق وهياكل المجتمع وشراينه ، ثم أحلت الأمر إلى فصل لاحق ، وها هي محاولة للبحث والتنقيب في تاريخ الاستبداد والديمقراطية ، تاريخ الحرية ، حرية الوطن وحرية المواطنين ، ودائما ما ينصرف الذهن عند الحديث أو الكتابة عن الاستبداد والديكتاتورية إلى استبداد الدولة وشموليتها وديكتاتورية طغاتها ـ وهو صحيح ـ استبداد يحيل المواطنين إلى كائنات مشوهة وممسوخة ، قتل للحرية والكرامة الإنسانية ، ولكن نادرا ما يشغل أحد ذهنه بالاستبداد المجتمعي في نمط الإنتاج وثلاثية الملكية والدين والدولة ، استبداد تاريخي تصوغه ثقافة مجتمعية وأداة للمؤسسة الحاكمة ، العسكرية والدينية ، من الغزاة أو الوطنيين الطغاة ، منظومة من القهر تعوق وتشوه الحرية ومجمل العملية الديمقراطية والإبداعية والعلمية والتنموية ، وهذا المبحث ، ليس بحثا تاريخيا ، بقدر ما هو بحث يتكأ على التاريخ ، يلجأ إليه ، محاولا اقتفاء أثر وتتبع جذور الطغيان ، في نمط الإنتاج ، وثلاثية الملكية والدين والدولة ، للكشف عن جوهر وعلل الاستبداد ، الذي يضرب أوتاده في البلاد ، يعوق تنميتها وازدهارها ، يعمق الفجوة بين القوى والهيئات الاجتماعية المتباينة ، الحاكم ومعاونيه : قادة مؤسسة القوة وكهنة المعابد ـ الشيوخ والقساوسة ـ وكبار موظفي الدولة ، يشكلون الهيئات الاجتماعية العليا ، ويلتحق بهم ويتطلع إليهم متوسطي وصغار البيروقراطية ، ثم يأتي الفلاحون طبقة عريضة في قاع البناء الاجتماعي ، إنه الهرم ولكن ليس من الحجارة ، تشكيلة اجتماعية ، بناء شبه هندسي ، من لحم ودم وأبدان البشر ، قاعدة عريضة تضيق كلما ارتفع ، يعوق حرية مواطنيها ، الحرية هي مبتغانا وموضوعنا الأثير ، الانعتاق من الضرورة ، من الخرافة ، من الشمولية والاستبداد والطغيان ، للانتقال إلى ملكوت الحرية والعقل والعلم والإبداع . لقد امتلكت قضية الاستقلال بمصر وجدان حكامها وولاتها ، لما فيها من خيرات ونعم وثروات وحضارات وإمكانات ، لما في موقعها من أبعاد إستراتيجية ، حربية ودفاعية ، سلمية وقتالية ، بحرية وصحراوية ، تجارية ومرورية ، تتقدم خطوة ، وتتراجع خطوة ، منذ انهارت أخر دولة للأسرات الفرعونية بالغزو الفارسي ، تتقدم مع الدولة الهلينية والبطلمية ، وتتراجع مع الدولة الرومانية والمسيحية ، تتقدم مع الدولة الأيوبية والدولة الطولونية والمملوكية في ظل الخلافة العباسية ، ومع علي بك الكبير في ظل الخلافة العثمانية ، إلى محاولة الشيخ همام أمير الصعيد ومحاولته ، شبه الجمهورية ، ( 1 ) الاستقلال بجنوب مصر ، حتى جاء محمد علي ، وأدخل المصريين الجيش " مؤسسة القوة " أول مرة ، منذ الغزو الفارسي والدولة البطلمية والرومانية ودول الخلافة الإسلامية ، وتصدى للغزو البريطاني في رشيد ، وحقق قدرا من الاستقلال عن الخلافة العثمانية ، بعد سلسلة من الحروب والمناوشات ، أفضت إلى غل يد الخلافة العثمانية ، في تعيين الولاة ، إلا من أسرة محمد علي ، ولم يدخل المصريون هذه المعركة إلا مع الثورة العرابية وثورة 1919، وكان الخديوي سعيد قد قلص حق الانتفاع وملكية الأرض للدولة ، وأباح للمصريين ملكية الأرض الزراعية ، أول مرة في التاريخ ، وأباحت لائحته السعيدية لهم تداول وتبادل الأرض بالبيع والشراء والرهونات ( 2 ) ، ونشأت طبقة مصرية جديدة من كبار ملاك الأراضي الزراعيين ، رأسمالية زراعية دخلت السوق الدولي بالقطن مادة أولية وسلعة إستراتيجية للتصدير ، وتحولت القضية من الاستقلال بمصر إلى استقلال مصر عن الخلافة العثمانية ، والاحتلال البريطاني السافر 1882 ، والذي حل ـ رسميا ـ محل الخلافة العثمانية 1914 ، وليس من المجازفة أو المخاطرة الآن القول : أن الإقطاع المصري يتباين عن الإقطاع الأوربي ، فهو يتجسد في الدولة ، وليس في الأمراء ، واحتكارها لملكية الأرض ، فالدولة لم تكن مالكا كبيرا فحسب بل ووحيدا ، وهذه الدولة فوق القانون !! وفوق الحقوق !! وهي كائن أدبي معنوي إخطبوطي مهيمن ، تتجسد في حاكم فرعون ملك خليفة سلطان والي خديوي رئيس ، تتعدد الأسماء ، والجوهر ثابت ، حيازة صلاحيات ألوهية وسلطات مطلقة تصل لحد الربوبية ، يملك المياه والأرض والقوة ، يملك حتى حق الحياة ، وليس من المجازفة القول أيضا : أن الرأسمالية المصرية ولدت زراعية برعاية خديوية ومرتبطة عضويا بالسوق العالمي ، وهو ما يلازمها إلى الآن ، الحداثة والتبعية ، وكان هذا بمثابة خروج مصر على آلية التراكم التاريخية ، إلى تغير نوعي وكيفي ، بدخول كبار الملاك العقاريين ومشاركة الرأسمالية الأجنبية والبرجوازية المصرية الصاعدة ساحة الحياة السياسية ، وصحب هذا التغير الكيفي ، توسع في إحقاق الحقوق ، وتقييد في ممارسة السلطة ، أتت بها ثورة شعبية 1919 ، ولأول مرة ، تطرح وتربط قضية الاستقلال والتحرر الوطني بقضية الديمقراطية والدستور ودولة القانون " السيادة تكمن في القوانين لا في البشر ( 3 ) وتشكلت الدولة شبه ليبرالية ، عصفت بها ثورة يوليو 1952 ، وفصلت الديمقراطية عن الوطنية ، وأعادت إنتاج دورة ملكية الدولة والاستبداد والطغيان الشرقي " الطاغية إذ يصل للسلطة ، ويسود دون أن يكون معينا بالولادة أو ألقوانين ، فقد استولى على السلطة بالقوة ، ويمارسها دون الاهتمام بالشرعية ، ويخلط الحق الذي يعلنه بالقوة التي يفرضها ، ويذوب المواطنين فيما يشبه القطيع( 4 ) ويعيد الاستعمار إنتاج نفسه بحرب خاطفة ، تكشف عورات الاستبداد وطغيان الحكام ، باحتلال سيناء 5 يونيه 1967 ، " لقد فقد الشعب رجولته وكرامته يوم أصبح لا يملك من مقاديره شيئا , وأصبح كل فرد مهددا في يومه وغده , في عمله وأسرته .. فقد حرية الكلمة وحرية الرأي وحرية العمل وحرية الحركة خوفا من الخوف , لقد تحول الشعب والجيش إلى قطيع من الأغنام ، هذه نص عبارات أحمد طعيمة في رسالته إلى عبد الناصر بعد هزيمة يونيو " ومن خلال عقد اتفاقات ترسخ تبعية اقتصادية وذيليه سياسية ووهن إقليمي ، حتى أن الإدارة المصرية المباركية صارت تخشى منظمات إرهابية هامشية ، فتساهم مع الصهيونية في حصار الشعب الفلسطيني ، فلا مصر تحررت لشعبها ولا استقلت لحكامها . ولندع مشروع ما بعد الحداثة ـ الذي أنجزته وتنجزه أمم وشعوب عديدة ـ جانبا ، فما زالت مصر ، القوى والنخب السياسية والهيئات الاجتماعية والثقافية ، تتعثر في إنجاز مشروع الحداثة ، مشروع العقل والديمقراطية والدولة الجديدة ، مشروع الانعتاق من جحيم الطغيان والاستبداد الشرقي ، إلى واحة الحرية وفضاء التعددية والتباين والتداول ، منذ اختراق الرأسمالية الدولية الأسواق المصرية ، مع قدوم الحملة الفرنسية ، وهبوب رياح الثورة الصناعية ، ثم اعتلاء محمد علي أريكة حكم مصر ، ونشاط الجاليات الأجنبية في مصر والبعثات العلمية إلى أوربا ـ مركز الحداثة والثورة الصناعية ـ وعادت مندهشة بزخم وقيم ومتبنيه أفكار الثورة الفرنسية ، الحرية الإخاء المساواة ، وظل نموذجها الفذ إلى الآن ، الشيخ المعمم رفاعة الطهطاوي ، بقربه من السلطة العلوية ، وسخطه عليها ، يحرر الوقائع ويصدر الكتب والترجمات ، وينقل إعجابه بالنظم الديمقراطية الأوربية في الحكم وتسيير البلاد ، رأس هنا تتطلع إلى الحداثة والاستقلال والمغايرة ، ورأس هنا مغروزة في خدمة الولاة والاستبداد ، ونستطيع بقليل من التأمل ، رؤية أبناء وأحفاد رفاعة على قمة مواقع عديدة في مؤسسات الدولة وبالتحديد الثقافية والبحثية والإعلامية دون السياسية والاقتصادية . وتناول الاستبداد والديمقراطية ، في هذه الدراسة ، يتجاوز النظم والحكام والحكومات المصرية المتعاقبة ، الغزاة والوطنيين ، فهي لا تصدر لتدين هذا الحاكم أو ذاك ، ولا تنحاز لهذا الحاكم أو ذاك ، ولا تصدر أحكام قيمية على هذا المفكر أو ذاك المثقف ، هي تطرح على نفسها سؤال الاستبداد والديمقراطية ، كبنية اجتماعية راسخة في التربة المصرية ، ونسق سائد في هياكل ومؤسسات مجتمعها ؟ بقدر ما تحاول بأقصى جهد وحيادية ، التحلي بموضوعية علمية وتاريخية ، بحث هذه الظاهرة ، طغيان الاستبداد وتأليه الحكام عبر التاريخ ، وفهم وإدراك آليات الشمولية والطغيان والحكم الفردي المطلق بالبحث والتحليل ، والتنقيب في جذور تضرب بعمق في طبقات تاريخ المصريين المتراكمة ، في أبنية وأنساق نمط الإنتاج الزراعي الاحتكاري الريعي الخراجي ، الذي يتسم بالركود وبطء الحركة ( 5 ) ، رأسمالية زراعية ريفية برعاية الدولة ، دون المرور بمرحلة النهضة ، وعلى علاقة وثيقة بالسوق الدولي ، تنتج نخبة ثقافية وفكرية ، حاملة ميكروبات الكاهن المصري القديم ، ميكروبات تقديس الدولة وحاكمها ، إنجازها ومساهمتها في الحضارة الإنسانية ، تقديس المؤسسة ومن على رأسها ، تقديس النظام والشمولية والوظيفية ، نخبة تراوح بين ولائها للدولة وولائها للحداثة ، بين ولائها للأصالة وولائها للمعاصرة ، وفي أبنية وأنساق نمط إنتاج رأسمالية الدولة الاحتكارية عند محمد علي وجمال عبد الناصر ، وفي أبنية وأنساق نمط إنتاج الرأسمالية التابعة للرأسمالية الدولية التوسعية ، في جغرافيا النهر وأمواج البحر وتضاريس الصحراء ، يدفعنا إلى هذه الدراسة ، ويقف وراءنا ، نضال مرير وشاق اضطلعت وتضطلع به قوى سياسية ونخبة فكرية وطبقية ، منذ منتصف القرن التاسع عشر ، تشكل أحزاب علنية ومنظمات سرية ، وتصوغه في برامج ودراسات وأبحاث ، وتعقد له الندوات وتسير في المظاهرات وتشارك في الوقفات الاحتجاجية النخبوية ، دون ما أثر في اجتذاب الطبقات الوسطى والدنيا المشوهة ، ودائما ما صاحبه ويصاحبه عقوبات جسدية وحرمانات اقتصادية " اجري ، الكرابيج والعصي الغليظة لا تترك فرصة للتفكير اركع .. وضربات الشوم ودبشك البندقية لا تكف عن العمل في جسدك .. وعلى الصفين كلاب الحراسة تنهش .. وبدأ الجنرال النازي يمارس هوايته مع الرجال العرايا .. " ( 6 ) . النيـل .. ليس من المجازفة القول : أن النهر .. النيل .. حابي .. رب أرباب النهر ، لعب الدور الأول في حياة المصريين ـ ويكاد يكون الوحيد ـ في صياغة وجدانهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، إيجابا وسلبا ، إيجابا هو مصدر الحياة والخير والزرع والنماء ، وسلبا الدور الرئيسي في مركزية وطغيان الدولة وترسيخ الاستبداد الشرقي ، وتأليه الحكام وصناعة الدين والعبودية ، والتدين القائم على الطاعة والتسليم والتواكل ، لعب النيل هذا الدور ، وتسيد على البحر والصحراء ، تسيد الطين على الرمل ، وافتقدت مصر ، إلا ومضات ، عبر تاريخها ، ثقافة الصيد وبسالة الصياد ، ثقافة الغزو وشجاعة الترحال ، واستكانت عند أقدام الطغاة تتعبد وتسجد لهم ، " طلب الإسكندر من اليونانيين السجود له كعادة الشرقيين ، فلم ينال إلا السخرية والاستهزاء والتهكم ( 7 ) ولم يفكر في تأليه نفسه إلا في الشرق ( 8 ) ، إن تأليه الحكام صناعة شرقية ، ولم تكن ترى غضاضة في طاعة الحكام الوطنيين أو الغزاة ، طالما شبكة الري تعمل وتصل المياه ـ مياه النيل ـ إلى القرى والأرياف ، على العكس اكتسبت ثقافة الخضوع والذل والاستسلام ، واتخذت المقاومة عندهم طابع الحيلة ونفاق الحكام " الخبث الفلاحي وانتظار الأقدار " اصبر على جارك السو ، يا يرحل ، يا تيجي مصيبة تاخده (9 ) مقابل تنظيم الري وإدارة شبكته ، وصارت أطول مستعمرة في التاريخ ، تفرط في استقلالها وحريتها ، مقابل كسرة خبز وجرعة ماء مقابل تأمين الماء والغذاء ، الزراعة علمت المصريين السلام والاستقرار ، والزراع قد يجمعون ثروة ، ولكنهم ينسون فنون الحرب والقتال ، يؤثرون السلامة ، ويتملك منهم الخوف ، فلا يبقى إلا السلام الذي يصل حينذاك حد الاستسلام ، وهنا نقرر مع مونتسكيو : يستحيل وجود الاستبداد ما لم يكن الخوف مهيمنا على أكثرية السكان ، فالخوف يشكل العلة الداخلية للاستبداد ( 10 ) . لقد انتقلت البشرية في الشرق من حكم الحكام الآلهة ، والعبودية للبشر ، إلى حكم الأديان السماوية ، المسيحية والإسلام ، والعبودية لإله افتراضي ، ثم انتقلت في أوربا ، مركز الثورة الصناعية إلى حكم العقل وإعلاء شأن الإنسان وحرية الإفراد ، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، من خلال العقود الاجتماعية ، الدساتير والقوانين الوضعية ، التي تنفي العبودية ، عبر توازن نصوصها مع الأفراد والقوى والهيئات الاجتماعية ، حتى لا تصير القوانين أداة لإعادة إنتاج الطغيان ( 11 ) ، وللأسف ، مازالت مصر تتعثر في حكم الحكام الآلهة ، بما تصبغه على حاكمها من صفات تصل حد القدسية ، وحكم الأديان السماوية ، بما تحيط به رجال دينها المسيحي والإسلامي ، من هالات روحية ربوبية تسلطية ، وحكم القانون المختلط بين ما هو سماوي وما هو وضعي ، الحكم العسكري شبه المدني ، فيأتي مختلا ومشوها ، يكرس الاستبداد وطغيان مؤسسات القوة والسلطة التنفيذية . إن سيادة الطغاة والمستبدين تاريخ مصر بمزاعم أيدلوجية متعددة ومتباينة متواصلة " لكن ما من مستبد إلا ويتخذ لنفسه صفة قدسية يشارك بها الله ( 12 ) ظل ومازال ، ولم يكن خروج مصر على دولة الخلافة العثمانية ، خروج على الدولة الدينية ، لم يكن فصلا للدين عن الدولة ، بقدر ما كان خروجا على الاحتلال المتستر بعباءة الدين ووحدة الأمة الدينية ، فظل التداخل بين الدين والدولة قائما وراسخا ، وما زالت المؤسسة الدينية ( الأزهر والكنيسة الأرزوكسية ) تقتسم السلطة ، تأتي في المرتبة التالية لمؤسسة القوة في النفوذ والسطوة والاستبداد والطغيان ، وعندما يصير الحكم ممثلا للألوهة ، يحق للحكم تدبير الإنسان ، والتلاعب بمصيره !! ( 13 ) . إن الدولة تستمد شكلها من نمط إنتاجها ومن مواطنيها ، والتاريخ شظية من البيولوجيا ، هو اللحظة البشرية في موكب الأنواع ، ووليد الجغرافيا ، لأنه فعل الأرض والبحر والنهر والهواء ( 14 ) ، وأشكالها ونتاجها ، وتأثيرها في رغبة الإنسان ومصيره ، والفلاح في مصر ، الزارع ، كان في مقدمة الجنس البشري ، أنجز بالنيل ثورته التاريخية ، قفز قفزته الكبرى ، من الغابة إلى الغيط ، تحول من الصيد البدائي العشوائي ، إلى تأمين الغذاء والكساء ، من التقاط الثمار إلى إنتاجها ، إلى الزراعة ، لم يعد يطارد وينصب الفخاخ ليصطاد الكواسر ، طور التنظيم الاجتماعي من القبيلة والعشيرة إلى الدولة ، تنظم توزيع ماء النهر ، وتحتكر ملكية الأرض ، وتستبد ، والفلاح ينتظر في مكانه ، ماء النهر ، الذي تأتي به الدولة ، ليرو الأرض ، وينتظر نضج المحصول ليحصده ، يستأنس الحيوانات والطيور الأليفة ، أدوات إنتاج في الزراعة ومنتجات الألبان وتأمين الحد الأدنى من البروتينات ، لم يعد يطارد الفريسة في الغابة ، ولم يتجه للبحر أو الصحراء ، سكن في قريته ، ينتظر المحصول الذي بذره ، ومندوب الدولة الجابي ، ليورد المحصول دون ما اقتطعه وأخفاه خلسة عن عيون الجباه ، وبين الانتظار والانتظار ينتظر ، يومه ممل مكرر معاد راكد بطئ ، يقاوم الفناء والفراغ بالتناسل والتكاثر والليالي الرخيصة ( 15 )، والدولة هذا الكائن الخرافي تملك الأرض ، وتملك النهر بقنواته وترعه ومصارفه وجسوره وسدوده وقناطره ، الدولة تملك الحياة ، ومن يقعد على كرسي الدولة يملك الحياة ، هو إله أو ابن إله ( 16) ، والحرب وراء كل دولة ، والعنف أداة كل دولة ، بالحرب والغزو والعنف أسس مينا الدولة الفرعونية ، بالحرب والغزو والعنف أسس الإسكندر الدولة الهلينية ومن بعدها البطلمية ، بالحرب والغزو والعنف تأسست الدولة الرومانية ، بالحرب والغزو والعنف تأسست وسادت دول الخلافة الإسلامية ، بالحرب والغزو والعنف تأسست الدول القومية في أوربا وتوسعت استعماريا ، بالحرب والغزو والعنف تأسست وتسود دولة الولايات المتحدة الأمريكية ، بالحرب والغزو والعنف وما تزال تأسست دولة إسرائيل ، الحرب وراء كل دولة ، والغزو طريق كل دولة ، والعنف جوهر كل دولة ، لب ألبابها ، يطل من عيون دركي المدينة وخفير القرية ودركي الحدود ، ولكن لا دولة تعيش على العنف فقط ، لا أمة تنمو وتزدهر على العنف فقط ، ولا إن استبعدته واستبعدت مؤسسات القوة ، الأمة تزدهر بالديمقراطية ، وتتقدم بالحقوق المتساوية والتكافؤ ، وتنمو بالعلم والعمل والقوة المنضبطة ، وتتخلف وتتراجع ـ حتى لو ثبتت ـ بالاستبداد والتفاوت وإهدار العلم والعمل والقوة ، " كتب فلايفيوس جوزيفوس مقتبسا عن مانيتون : حلت بنا نقمة الإله ، إذ أن شعبا مجهول الأصل ، قدم إلينا من الشرق ، كانت له من الجرأة ما جعله يقدم على غزو بلادنا ، وساد علينا بالقوة الباطشة بدون صعوبة أو معركة ، وبعد أن تغلب على الرؤساء أقدم بوحشية على حرق المدن ، وهدم معابد الآلهة حتى سويت بالأرض ، وعامل كل السكان المحليين بقوة بالغة ، وأخيرا نصب واحدا من هذا الشعب يدعى سالا تيس ملكا " ( 17 ) ورغم هذا لم يستسلم المصريون وسرعان ما نهضوا من هذه الكبوة ، وظلت المقاومة مسلحة تتعقب الهكسوس حتى تحررت مصر وتحرر المصريون ، وليس من المجازفة القول : لم يستطع الغزاة الهكسوس سلب مصر القوة ، لكن تمكن الغزو الفارسي سلب القوة من مصر ، وظلت تفتقد القوة منذ 525 ق م ، وظلت هذه الأمة ترسف في أغلال القهر والطغيان والاستبداد الشرقي والاحتلال المتعاقب ، تنتقل من محتل إلى محتل .. ومن مغتصب إلى مغتصب .. من بطش إلى بطش .. ومن طاغية إلى طاغية ، حتى جاء محمد على ، وليس من المخاطرة القول : أن محمد على الحاكم الوحيد في التاريخ وإلى الآن الذي اختاره المصريون بإرادتهم الحرة والمستقلة , وفرضوه فرضا على الخليفة العثماني " وطلبت الجماهير المصرية تعينه واليا على مصر مايو 1805 , وصدر الفرمان له بذلك يوليو 1805 ( 18 ) وأدخل المصريين مؤسسة القوة ، خمسة وعشرين قرنا ومصر بلا جيوش إلا جيوش الغزاة ، خمسة وعشرين قرنا ومصر بلا مخالب ، بلا أظافر ، بلا أنياب ، بلا قتال إلا قتال الغزاة ، بعضهم البعض ، اليونان مع الفرس ، الرومان مع اليونان ، العرب مع الرومان .. العرب مع العرب الخ ، قتال الوحوش على الفريسة ، المغلولة المكبلة في قراها ، دون فضاءها ، دون بحارها ، دون صحاريها ، دون علومها ، وفنونها ، دون حضارتها التي اهيل عليها التراب ، ودخلت في غياهب النسيان ، يأتي غزاة ، ويذهب غزاة ، لكن الجميع يشتركون متوحدين على استبعاد المصريين ، من السياسة والحكم والقوة وإدارة شئون البلاد ، متى بدأت مصر هذا التحول ؟ متى فقدت وفقد المصريون حريتها وحريتهم ؟ لا تقاوم الغزاة والحكام ؟ حتى أيقظتها مدافع بونابرت ، وكشوفات الحملة الفرنسية . " لبثت مصر في الظلام , إلى أن قيل : مات الصباح والأضواء " ( 19 ) تمتلك مصر أثنين من عجائب الدنيا السبع ، أهرامات الجيزة ، التي شادها البناءون المصريون العظام ، ومنارة شيدت من الرخام الأبيض ، شادها سستراتس في هذه البقعة قرية فاروس ، قبل الإسكندر والإسكندرية ، قبل الأهرامات والأسرة الرابعة ، تهدي السفن والملاحين إلى الميناء ( 20 ) ، تنبئنا عن تفوق المصريين في علوم البحار : بناء السفن والأساطيل والفلك والتجارة والاتصال ، هنا تتكون أولى الدول والحضارات الإنسانية ، تنبئنا أن الحضارة والدولة المصرية لم تولد زراعية نيلية فقط ، بل بزغت نيلية بحرية ، ولم تكن ثقافة ذلك العهد زراعية نيلية إتكالية ، بدأ المصريون أعمال الري منذ عهود سحيقة ، جففوا المستنقعات ، تغلبوا على تماسيح النهر وأفراسه ( 21 ) ، كانت ثقافة جسورة ، ثقافة وسطا بين الصيد والزراعة ، لم يستهل المصريون تاريخهم بالقهر والبطش والاستبداد والطغيان والشمولية ، تنبئنا الآداب والفنون ، تنبئنا الحضارة والعلوم ، تنبئنا نقوش المعابد والمسلات والتماثيل ، تنبئنا الأساطير وأوراق البردي ، تنبئنا الأهرامات والمنارة ، تنبئنا الآلهة المصرية وكتابهم المقدس : الخروج إلى النهار " كتاب الموتى " ، تنبئنا مكتبة الإسكندرية التي يتفرق دمها بين الدولة الرومانية المسيحية وعرب الجزيرة الفاتحين (22 ) ، تنبئنا الكتب السماوية التوراة والأناجيل والقرآن وسير النبيين : تنبئنا قصة إبراهيم عن نبل وسماحة وكرم حاكمها في ذلك العهد، وتنبئنا قصة يوسف عن قبول الآخر وتقدير الكفاءة ، وتنبئنا قصة موسى عن احترام الفرعون للقانون والحوار وحق الاختلاف ، وقد كان تحوت إله القانون أحد أهم الآلهة ( 23 ) القانون الذي يلاحق أمير البلاد ، أبن الفرعون بالتبني عندما يقتل بغير حق ، ويشرع في القتل بغير حق . ولم تكن مصر أول دولة في التاريخ فحسب ، بل كانت أول دولة تتوحد وتخرج من عزلتها ، وتتوسع جنوبا في أفريقيا حتى كوش عند الشلال الرابع ، وفي الشمال الشرقي حتى نهر الفرات بآسيا ، كانت أول إمبراطورية في التاريخ ، وقد ظلت هذه الإمبراطورية تضئ بجامعاتها ومكتباتها وكهنتها العالم القديم ، إلى أن تقوضت وانهارت بانقلاب إخناتون التوحيدي ، ونستطيع بجرأة وشجاعة القول : أن مصر أول دولة تعرف التعدد ، تعدد الآلهة ، آلهة قومية وآلهة محلية ، آمون رع وإيزيس وأوزوريس وحورس وحابي وتحوت وحتحور وست الخ ، وثنائية التاج ، تاج مينا والحكام من بعده ، نبات البردي رمزا للشمال ، وزهرة اللوتس للجنوب ، الصقر للشمال وللجنوب بن آوى ، اتحدت مصر وتوحدت دون أن تنفي رمزا أو تضطهد دينا أو عبادة ، وتعددية القوى الاجتماعية : الفلاحين البنائين أصحاب الحرف الموظفين العلماء الفنانين العسكر الكهنة والحكام ، هؤلاء المصريون هم بناة الحضارة ، م والمواقيت الولم تكن حضارة مصر حضارة موت كما هو شائع ، بل كانت حضارة عشق الحياة ، الخلود ومقاومة الموت ونفيه بالمخيلة ، والحلم بامتداد الحياة بعده في حياة أخرى أبدية ، يعشقون الحياة طبقات من الفردوس وطبقات من الجحيم ، ستكون حياة خالدة في النعيم لمن تزكيه أعماله ، الأبدية قدرة على التخيل لا تملكها إلا العقول الحرة المتحررة ، التعددية والعمل والخلود ، الخلود في الحجارة والعمارة ـ الأهرامات المعابد المسلات ـ وأوراق البردي والمكتبات ، في الطب والتحنيط ، في علوم الفلك والتقويم الخ متى انسحبت مصر من البحر ، وانكفأت على النهر لا تقاوم الغزاة والحكام الطغاة ؟ ثلاثية ومنظومة فكرية كانت وراء الحضارة الإنسانية الأولى في مصر ، ونستطيع أن نلمح هذه الثلاثية : التعددية والعمل والخلود ، في الحضارات الإنسانية الأخرى ، وقد تراجعت الحضارة المصرية ، هوت إلى القاع ، لقد حاصر الطغاة والغزاة المصريين في مهنة أحادية ، الفلاحة ، دون العلم والقوة والحكم ، طمس التنوع الاجتماعي عماد التعددية ، لوحق الكهنة العلماء .. شردوا وأبيدوا ، " أدى انتصار المسيحية تحت راية الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس إلى القضاء على الكهنة المصريين (24 ) ، وكان انتصار المسيحية نهاية القرن الرابع المرحلة الأخيرة في رحلة تدهورت فيها تقاليد الحضارة المصرية ( 25 ) ، تحول النحت المصري العظيم إلى مساخيط وأوثان ، وصار النحات زنديقا وكافرا ، حرقت الكتب والمكتبات ، سرح الجيش منذ غزو قمبيز ، وحرص الغزاة على استبعاد المصريين من مؤسسة القوة " الجيوش " ولم تكن الدولة اليونانية " الهلينية والبطلمية " في مصر ، دولة نهرية تتجاهل البحر ، بل عظمت من شأن البحر واقتصاده ، ولكن للغزاة وكهنة المعابد ، أقامت الإسكندرية عاصمة للبلاد ، ومنارة تهدي السفن والبحارة ، وامتلكت أسطولا للاتصال والتجارة وتبادل المعارف والثقافات ، وتخفى حكام الغزاة وراء الدين المصري وكهنته ، من الإسكندر إلى أغسطس الذي أعلن مسيحية الإمبراطورية الرومانية ، اعتنق البطالمة الديانة المصرية ، ديانة الإله رع أول ملك سيطر على العالم المصري ( 26 ) أنطونيو أله نفسه ، وأعلن كليوباترا إلهة ( 27 ) ، وظلت الإسكندرية مع انتقال أسر مصر للدولة الرومانية عاصمة للبلاد ألف عام ، ولكن ظل هذا محصورا للغزاة وشعوبهم ، مع استبعاد المصريين إلا الكهنة ورجال الدين وخدم المعابد ، حتى تنصرت الدولة الرومانية ، ولم تتوقف عن رشوة كهنة وخدم الإله رع والحضارة المصرية .. كهنة معابد الدين المصري .. والتقرب إليهم فحسب ، بل لاحقتهم وشردتهم ، اضطهدتهم ونكلت بهم حتى استأصلت شأفتهم من البلاد ، وأحلت محلهم قساوسة ورهبان الكنائس ، التي قامت على أنقاض بعض المعابد الفرعونية . عام 30 ق . م هو العام الذي بدأت فيه الحضارة المصرية العظيمة الأفول والتواري والانهيار ، مع قدوم جيوش أوكتافيوس القيصر الروماني واحتلالها مصر ، وقد جعلت روما مصر مجرد ولاية إقطاعية ، واستنزفت محاصيلها الزراعية ، وأساءت معاملة المعابد المصرية ، وشددت قبضتها على الكهان ، وقد لا حظ الجغرافي الإغريقي " سترابو " بعد خمس سنوات من الغزو الروماني أن عديدا من الآثار تعاني الإهمال ويعوزها الترميم وبعضها طمرته رمال الصحراء ( 28 ) وجاء تمسيح مصر 392 م نهاية للحضارة المصرية ، فقد محا المسيحيون واستأصلوا كل طرق العبادة المصرية بدعوى أن العبادة المصرية كفر وزندقة وهرطقة دينية ، وأصدر الإمبراطور الروماني تيودسيوس أوامره بإغلاق المعابد المصرية ، وفي عام 397 م ، قام البطريرك المتعصب كيريل وجيش الرهبان بتدمير معبد السرابيوم ( معبد الإله سيرا بيس ) في منف وغيره من المعابد المصرية ، واستمر اضطهاد الديانة المصرية ( الوثنية في نظر المسيحية ) على يد الإمبراطور جوستنيان الذي أمر باعتقال آخر الكهنة المصريين في معبد إيزيس بجزيرة فيلة ، وأمر بإسكات طقوس معبد الوحي في سيوه ، وحظر الديانة المصرية ، وأشاع أن رموزها شيطانية شريرة ( 29 )
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث نجد : قاعدة عريضة من الفلاحين في القرى ، والعمال والعاطلين والحرفيين والبرجوازية الصغيرة " المهمشين " ، عمال التراحيل وعمال المياومة والباعة الجائلين ، في قاع البناء الاجتماعي بالمدن ، تضيق كلما ارتفع البناء من المهنيين وصغار البيروقراطيين والتكنوقراط والتجار ، وتستمر في الضيق من قمم ومتوسطي البيروقراطيين والتكنوقراط ورجال الدين ـ الشيوخ والقساوسة ـ والأعمال وقادة مؤسسة القوة حتى رأس أو قمة هذا الهرم حيث يقبع حاكم فرد يحوز سلطة مطلقة عسكرية ومدنية ، لا يأتيه الباطل من أمام أو من خلف !! يسير البلاد وفق هواه ومشيئته !! غير مسئول أمام أية مؤسسة أو هيئة !! يسأل ولا يسأل!! إرادته فوق القوانين ، والقوة أساس سلطته ، يمتلك صفات ربوبية ، تدمج السلطات الثلاث في يده !! تنحدر تاريخيا وثقافيا ـ من هناك ـ من الدولة المصرية القديمة ، ومن نمط إنتاجها الزراعي النهري ، والخضوع للاستبداد هو قبول للعبودية ، وتفريط في إنسانية الإنسان ( 26 ) ، ولا يمكن انجاز أو الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية دون التنظيم ، دون حرية النقد والتعبير ، دون ترسيخ حق الاختلاف ، دون الجماهير ، دون الوعي والتربية ، دون نبذ القوة والعنف والإرهاب ، دون استبدال الغايات بالوسائل ، دون تحرير العمل ، حينذاك سيكون تحرير المقهورين بأيدي المقهورين أنفسهم ( 27 ) ، ومن المستحيل بناء الديمقراطية دون هؤلاء المقهورين تحديدا ، دون المساواة " فإذا كانت الديمقراطية لا تقوم من دون الحرية ، فهي أيضا لا تقوم من دون المساواة " ( 28 ) ، دون تمييز في الجنس والعرق والدين ، ودون دولة مرنة تقوم على القانون والحقوق والحريات ، تمايز بينها وبين السلطة ، وتمايز بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ، تؤمن الإنسان من الخوف " لأنه إذا آمن الإنسان من الخوف : تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء " ( 29 ) تسمح بالتنوع والتغير والتداول ، وتضع نصب أعينها أن الديمقراطية شرط ضروري لا غنى عنه للتقدم وإطلاق الملكات البشرية والنمو والازدهار والتماسك .
خاتمة للفصل الثاني : إن البشر يتجمعون في مناطق العمل واكتساب الرزق ، والدولة المصرية التي يسودها الأجانب المحتلين ، منذ غزو الهكسوس وقمبيز لا تر في مصر إلا مزرعة وسلة غلال ، والعرب ـ أيضا ـ الرعاة الرحل منذ دخلوا مصر طرقوا المدقات العشبية الساحلية المطروقة ، ( 30 ) ولم يقتحموا الصحراء ، تجاهلوا البحر ، ولم يلبوا نداء الصحراء والجبل ، انتصر الغزاة وحتى الحكام الوطنيين دائما للطين دون الرمال والبحار ، حرصوا على تكريس ثقافة الاستقرار والاستبداد الفلاحية ، دون ثقافة الغزو الصحراوية ، وثقافة البحر الديمقراطية . لقد اختنقت المدن والقرى المصرية وحوصرت بأحزمة الفقر والعشوائيات وسكان المقابر والعاطلين ، إن سوء التوزيع السكاني ـ مع سوء توزيع العمل والدخل والثروة ـ يكاد يلتهم كل سياسات التنمية والنمو والإنتاج والادخار ، ويهدد الطبقات الدنيا بانخفاض مستوى المعيشة وندرة العمل وأمراض الفقر والمجاعات ، كثافة السكان تجاوزت كثافة الإنتاج في الوادي والدلتا ، وللخروج من هذا المأزق ـ في تقديري ـ لابد من إعادة توزيع السكان ، وتنظيم الهجرة من الوادي والدلتا إلى الصحراء وساحل البحر الأبيض والأحمر ، لنتجه شرقا في الصحراء الشرقية ، لنتجه غربا في الصحراء الغربية ، لنعظم من شأن ثقافة البحر والصيد والصناعات البحرية ، لنبن أسطولا سلميا للمصايد والصناعات البحرية والمغذية ، لننقل وننشأ الصناعات ـ ولنبدأ بكثيفة التلوث ـ ومن حولها المدن والمحافظات والأقاليم ، لنزرع سيناء والصحراء والساحل بشرا ، لنحفر قناتين أو نمد أنبوبين للمياه في الصحراء الشرقية والغربية ، ولنعيد التقسيم الإداري لمصر ، لنتوسع في محافظات سيناء ، لننشط الهجرة ونقدم الحوافز والإغراءات ، لنبحث عن الثروات الضائعة والمهدرة بتجاهل الإدارة المصرية حقوقنا البحرية طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة " المنطقة الاقتصادية الخالصة " التي تعطي للدول المطلة علي البحار والمحيطات حق الاستغلال الاقتصادي للموارد والثروات الحية , وغير الحية في هذه المسطحات المائية بما يتجاوز حدود مياهها الإقليمية المقرر في القانون الدولي بـ 21,6 كلم إلى 200 كم بالعمق وطول الساحل ، ( 44 ) لنخرج من المناطق المأهولة وحوافها ، وندخل مع الطبيعة البحرية والصحراوية ـ في المناطق المأهولة وغير المأهولة ـ تحدي حضاري جديد ، كما خاض أجدادنا وأسلافنا تحديهم مع الأحراش والنهر .. مع النيل ، مع الزمن والمسافة .. مع الاستبداد والطغيان والشمولية .. ولنعيد تنظيم الثروة ، لنضيق الفجوة بين القوى الاجتماعية المتباينة ، لندمج المهمشين في البناء الاجتماعي ، ولنوظف الطاقات البشرية المعطلة والمهدرة ، في مشروع للسيطرة على البحر والصحراء ، ولنبدأ بإعادة تنظيم وتوزيع السلطة والسكان والعمل .. وقد ينتصر المصريون . .
المراجع 1 ـ لويس عوض تاريخ الفكر المصري الحديث ج 1 2 ـ اللائحة السعيدية 3 ـ أرسطو السياسة 4 ـ السابق 5 ـ د : فتحي عبد الفتاح ثنائية السجن والغربة 6 ـ جمال حمدان شخصية مصر ج3 7 ـ إمام عبد الفتاح إمام الطاغية 8 ـ السابق 9 ـ مثل شعبي 10 ـ مونتسكيو روح القوانين 11 ـ في الطغيان والاستبداد دولة خضر خنافر 12 ـ الكواكبي طبائع الاستبداد 13 ـ أفلاطون الجمهورية 14 ـ وول ديورانت قصة الحضارة 15 ـ يوسف إدريس أرخص ليالي 16 ـ سليم حسن موسوعة مصر القديمة 17 ـ السابق 18 ـ حسين كفافي رجل القلعة 19 ـ الشوقيات 20 ـ سليم حسن مرجع سابق 21 ـ السابق 22 ـ مصطفى العبادي مكتبة الإسكندرية 23 ـ سليم حسن السابق 24 ـ تراث مصر جيه آر . هاريس 24 ـ السابق 25 ـ السابق 27 ـ مصر والمصريون م الأسرة 28 ـ دولة خضر خنافر مرجع سابق 29 ـ مصر والمصريون سابق 30 ـ روزا لوكسمبورج في الثورة 31 ـ جورج بيردو 32 ـ وول ديورانت قصة الحضارة 33 ـ نص اتفاقية الأمم المتحدة " المنطقة الاقتصادية الخالصة .
#إبراهيم_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور للطغيان والشمولية في الإسلام السياسي
-
يناير وتجديد مصر ( الفصل الأول )
-
الحكومة الثورية مهمة ملحة
-
25 يناير وتحرير الدولة
-
أتيليه القاهرة على صفيح ساخن
-
أطياف ماركس وأشباه هتلر
-
قصة قصيرة
-
الفران والكلب - قصة قصيرة -
-
جدي
-
لسان النار
-
غروب - قصة قصيرة -
-
فرح - قصة قصيرة -
-
القوس -قصة قصيرة -
-
سفر - قصة قصيرة -
-
النخلة - قصة قصيرة -
-
العائلة - قصة قصيرة -
-
لهو
-
أفخاخ - نصوص -
-
فالس - قصة قصيرة -
-
النهار الذي غاب
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|