ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 13:56
المحور:
الادب والفن
في غرفة الإنعاش
حضرت فقط كي أقول ما أعرفه في حضرة الموت .. كل شيء كان معداً للموت .. مزفوفاً إليه ..
وأنا ما أتيت لأرفع الموت عن جبهتك .. ما أتيت لأسرقك من الموت .. بل لأقول لك ..
مُت بسلام ..
أتيت لأقول ما يقال عادة في حضرة الموت .. كان بطلاً .. شجاعاً .. فارساً .. مغواراً .. كان ابن أمه ووطنه .. كان فتى الوطن الأول .. وابن تلك البلاد .. وكل ما يقال عادة في حضرة الموت من قصائد الوداع ..
قبل أن أرحل بخطوتين .. وبعد أن تلوت عليه ما بين يديَّ من تعويذات رمادية اللون والبصمة والميعاد .. رفعَ رأسه فجأة .. وألقى إليَّ بالسؤال ..
عقدت الدهشة لساني .. وتبعثرت ملامحي .. وارتجفت العبرات على وجنتيِّ .. لكنّي سارعت بإخفائها حتى لا يتمكن من قراءتها .. وكي لا يلحظ اضطراب ملامحي وتشتتها من جرأة السؤال ..
كيف تسأل وأنت تضع قدميك في سلّة الموت .. كيف يخرج منك السؤال وأنت تخرج شبراً شبراً من هذه الحياة .. كيف لم تتبعثر حروفك وهي في طريقها إليَّ .. وكيف وصلتني سالمة كأنها زنابق نبتت للتو على الشرفات .. فتمايلت تيهاً .. واشرأبت أعناقها نحو سابع سماء ..
لم أجبك .. نعم فأنا لا أعرف الإجابة .. أنا ما أتيت إلا لأقول كلمات الوداع .. فلمَ استوقفتني .. لمَ سألتني .. لمَ جعلتني فريسة الحيرة .. وفارسة الكذبة الأولى في الحياة ..
رحلتَ .. أم لم ترحل .. لا فرق بين الحالين .. فالحياة الآن تشبه الموت .. والموت اليوم وجه آخر من وجوه الحياة .. لا داع كي تنهض من سريرك .. لا تغادر فراش الموت .. خارج هذه الغرفة لا يوجد ما يستحق الحياة .. دع عنك هذه الحياة .. ودع عنك أيضاً هذا السؤال .. ودعني أتلو على مسامعك قصيدة الوداع ..
أنا يا ابن تلك البلاد الغارقة في الفوضى والخراب .. القابضة على جمر القهر والحزن وسلسلة طويلة من خيبات الآمال .. أنا قبل أن آتيك محملة بعبارات جوفاء .. كنتُ على قارعة الطريق .. أحصي خطوات العابرين إلى الحياة .. أرى أقدامهم وهي تُغرس كعشب بريٍّ على أرصفة الطرقات .. فلا يخرج منها سالماً إلا ما شاء الله .. ومع ذلك فهناك أقدام تهرول .. وهناك أقدام تركض عبر القارات .. وهناك أقدام الطواويس تتيه غطرسة و كبراً وخيلاء .. وهناك أقدام تزحف .. نعم أقدام تزحف .. قد تصل إلى غرفتك .. غرفة الإنعاش .. قبل أن تصل إلى هذه الحياة ..
فارقد بسلام ..
ولنقل عنك فيما بعد .. رحل بصمت وسلام ..
كان باراً وتقياً .. ورعاً وصالحاً ..
كان أضحية هذا العيد ..
مات قبل أن ينبس ببنت شفة .. أو يجرؤ على طرح السؤال ..
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟