|
سر القاضي الذي صار أديباً
صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 4280 - 2013 / 11 / 19 - 10:26
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة حدثت بالفعل في سلطنة عسكران . -- ( تليفون من القاضي شرف. لزميل له ) شرف : آلو . شريف بيك .. كيف الحال . هل سنراك الليلة في الاحتفال بعيد ميلاد زميلنا أشرف بك ؟ القاضي شريف : نعم . ذكرتني . لقد دعاني للحضور . توا صاحي من النوم . لكني لم أعرف أين سيكون اللقاء ؟ عنده في البيت ؟ القاضي شرف : لا بل في النادي . نشوفك هناك .. القاضي شريف : نشوفك أكيد . نذهب مبكراً ولو ساعة . ليس بالضرورة الساعة 7 مساء بالضبط . نتقابل الساعة 6 مساءً . معقول ؟ شريف : معقول . نراك هناك . سلام شرف : سلام .... في النادي .. التقوا في السادسة مساء . حول مائدة بصالة الكافيتريا . خمسة من القضاة – شرف . شريف . مشرف . مشرفي . عشم الله شريف ( يسأل ) : أشرف بيك لم يأت بعد !؟ شرف : الميعاد الساعة 7 مشرف – مخاطباً شريف : مرة تانية عندما تتكلم عن أشرف بيك . تقول الأديب الكبير ( الجميع يضحكون ) - عامل البوفيه يحضر , حاملاً المشروبات التي أوصوا بها عند دخولهم -
مشرفي ( يتساءل ) صحيح أهو أديب ؟ شرف – نعم .. ألا تعرف !؟ له رواية مرشحة لنيل جائزة هامة مشرف : ماشاء الله ما شاء الله . ولكن كيف له ذلك !؟ شريف : بل قل من أين له ذلك !؟ شرف : - في شبه استنكار لما يقال – موهبة يا أخي . عنده موهبة الأدب .. شريف ( يضحك ) : عمره ما كان له علاقة بالأدب . كان زميلي في الكلية . وقبلها كنا زملاء في الثانوية مشرف : فكيف جاءته له تلك الحالة .. أتراه هو نابغة بني ذبيان !؟ شريف : لا نابغة بني ذبيان ولا بني عبس شرف – هناك سر .؟ اذا تعرف السر قل لنا عليه شريف : السر بسيط خالص : كان قد اشتغل في البداية بنيابة أمن الدولة - وكيل نيابة . شرف : وما علاقة عمل نيابة أمن الدولة . بقاضي صار أديباً !؟ شريف : هو حكي لي . بس لا تقولوا له . حتي لا يزعل مشرف : ايه السر ؟ شريف : في نيابة أمن الدولة كان له نشاط كبير لصالح عصر الحاكم الديكتاتور . شرف : أنا عارف انه كوكيل بنيابة أمن الدولة العليا , أبلي بلاء حسناً لصالح نظام الحاكم الديكتاتور السابق . في تدبير وتخطيط عمليات تقجير الأحزاب المعارضة للنظام . من داخلها . باثارة الفتن بين قيادات تلك الأحزاب . بواسطة عملاء الأمن بداخلها . بما ينتهي باغلاقها واغلاق صحفها واحالتهم للتوهان بين ردهات المحاكم ..
شريف : وكان له نشاط كبيرلصالح النظام . ضد الحريات وحقوق الانسان . والنشطاء السياسين – لخدمة النظام مشرف : وكان يطالب القاضي دائما – كوكيل نيابة – بتوقيع أقصي عقوبة . علي متهمي ممارسة المعارضة السياسية وأصحاب الفكر والرأي من الأدباء والشعراء . شريف ( وهو يضحك ) ثم صار أديباً ..! مشرف : وأعرف كاتباً . استأنف أشرف بك . ضد
حكم المحكمة عليه ب 6 شهور مع الايقاف عام 2000 . وخرج أشرف بك من الجلسة ليقول للاعلام " سأستأنف ضد الحكم " وطلب اعادة محاكمته . وواصل ضده حتي حكم علي الكاتب ب 3 سنوات سجن ! مشرف ( ضاحكاً ) ثم صار حضرته : القاضي الأديب ! شريف : هذا الكاتب واحد .. من كثيرين شرف : أعرف قصة ذاك الكاتب . ومن افتراء أخينا أشرف بيك. مع الأسف . أن ذاك الكاتب . عندما خرج من السجن . كانت له أمانات . سلمتها المباحث لأشرف بيك . كوكيل للنيابة . وقام بأطللاع الكاتب علي الحرز الذي به الأمانة المالية وقال له . هذه أمانتك المالية . وبعد خروجك من السجن . سوف تجدها محفوظة باسمك في المحكمة وتصرفها . وعندما خرج الكاتب بعد 3 سنوات من السجن . كان في حاجة ماسه لنقوده . بحث عنها باالمحكمة فلم يجدها ذهب من يسأل أشرف بك عن أمانات الكاتب .. أنكر علمه بالأمانات . واحالهم لضابط مباحث أمن الدولة . الذي أرسله له ورقة تؤكد تسليم النقود الأمانة لأشرف بيك . في حرز بتاريخ محدد . هنا زاغ أشرف بيك . وقال : ايه يعني 3 أو 4 آلاف جنيه !؟ ( الجميع يضحكون ) مشرف : وهل هذا رد قانوني , يرد به وكيل نيابة عند كلب تسليم أمانات طرفه !؟ شرف ( يواصل ) : طلب الكاتب من المحامي التدخل لصرف نقوده . حاول المحامي ولم يفلح .
فقال للكاتب : هذا المبلغ استعوضه عند الله لأنه عند ناس لا نقدر علي الوقوف أمامهم - نيابة أمن الدولة -
شريف : هذه حالة عرفناها . أكيد هناك حالات أخري شرف ( مخاطباً شريف ) ولكنك لم تقل لنا كيف صار أديباً . هذا هو الموضوع شريف : أقول لك .. مباحث أمن الدولة عندما يهجمون علي مسكن أديب . لمصادرة كتاب مبلغ عنه . لا يبحثون عن الكتاب المبلغ عنه فقط . بل ينزحون كل ما في بيته من كتب وأية أوراق ولو مستندات خاصة به .. وبعد ذلك يسلمون كل شيء لوكيل نيابة أمن الدولة . مشرف : وماذا بعد ؟ شريف - كثيرا ما يكون ضمن أوراق الأديب . مخطوط لرواية أو روايات لم تنشر بعد ..
شرف ( يضحك ) فهمت .. ممكن لوكيل النيابة . أن يأخذ الرواية وينشرها باسمه . ويعمل نفسه أديب ( يضحك ) هكذا وضحت
مشرفي - ولكن هناك طرقا أخري . شراء روايات من الأدباء الخونة - عملاء جهاز أمن الدولة
شرف : كيف يشتري وكيل النيابة رواية من أديب ؟! يدفع له ثمنها من جيبه . تقصد ؟
شريف : لا .. لا يدفع من جيبه . بل علي حساب الدولة
شرف : كيف يشتري وكيل نيابة رواية من أديب عميل للأمن . والدولة تدفع الثمن !؟
مشرفي : اتفاق اذعاني صامت بين الطرفين - وكيل النيابة والأديب - صاحب الرواية - ..
مشرفي ( يستطرد ) : أو ممكن يأمر بطباعة رواية أخري لنفس الأديب . لدي احدي الجهات الحكومية . متخطياً الدور . . وبمكافأة عالية مجزية . تعويضاً عن الرواية التي لطشها سعادة وكيل نيابة أمن الدولة .
شريف : أو يأمر مخرج مسلسلات ولو تافهة . بان يكلف الأديب الخائن بكتابة سيناريو مسلسل وبمكافأة مجزية جداً . أو يخرج له قصة .. كلها علي حساب الدولة . ولكن ووكيل تيابة الأمن . لا يدفع من جيبه ثمن الرواية التي لهفها لنفسه
مشرف : هل الأديب يكون عارفاً ان سعادة وكيل النيابة سيستولي علي الرواية !؟
شريف : لا طبعاً . في البداية . باعتبار الأديب عميلاً للأمن . عشمان في مساعدة . فيقول لوكيل النيابة " يا باشا . عندي رواية أريد أنشرها تبع الدولة . لكن أخشي أن تمضي في الأدراج لمدة عشر سنوات . انتظاراً للدور . وأتعشم مساعدتي في نشرها بسرعة .ومنحي مكافأة جيدة علها تساعدني " . هنا تظهر شهامة وكيل النيابة . وبرحب بتقديم الخدمة للأديب عميل الأمن . ويطلب منه احضارالرواية .. ثم يمضي الوقت شهراً وراء شهر . والأديب يسأل عن روايته . ووكيل النيابةم يقول له سأبحث عنها . وبعدما يتأكد انها النسخة الوحيدة لدي المؤلف . ويكون قد عرضها علي ناقد أدبي عميل للأمن وأخذ رأيه في الرواية وتأكد من انها رواية تستحق أن يغتنمها لنفسه . ويلمح للأديب المغدور به . بانه لا يزال يبحث عن الرواية عنده .. فان لم يجدها فسوف يعوضه عنها خيرعوض .. بأن يوظفه باحدي الوزارات . ان كان بحاجة لوظيفة .. أو ينشر له رواية أخري بسرعة وبعائد ضخم .
شرف : أو يعينه اعلامياً يقدم برنامج باحدي الفضائيات , فيحصل عل أجر بالآلاف المؤلفة , وربما بالملايين . مشرف : وأحياناً .. جهاز الأمن يمنح الأدباء والنقاد الخونة عملاء الأمن , جوائز الدولة التقديرية أو التشجيعية . دون من هم أحق وأولي منهم بالجوائز . مكافأة لهم عن عمالتهم . أو تعويضاً عن رواية سرقها وكيل نيابة أمن الدولة لنفسه . ليضع اسمه عليها ويصير أديباً .
شريف : نعم نعم .. وأحيانا يوعز الأمن للسلطات الثقافية بعمل مسابقات , خصيصاً ليفوز فيها أحد أو بعض الأدباء أو الشعراء عملاء الأمن . كمكافأة عن عمالتهم , أو كتعويض لهم عن شيء من ذاك النوع , يعني رواية سرقها وكيل نيابة لنفسه أو لأحد أقاربه .
شرف : أوليس العيب هنا في الأدباء الذين يقبلون أن يكونوا عملاء لجهاز الأمن ؟
شريف : بعضهم خونة . وبعضهم بدفعهم الأمن ارغاماً علي هذا العمل . وغالبية المرغمين . هم من فقراء الأدباء . ويصل الأمر لحد تهديدهم عن طريق ضباط مباحث أمن الدولة . ان لم يتعاونوا معهم . فيخافوا وينصاعوا , لعلمهم بقدرة جهاز الأمن علي تدمير مستقبلهم الأدبي . تدميراً تاماً . ولكن هؤلاء في الأصل ليسوا خونة بالطبيعة كغيرهم . ( ثم يضيف وهو يضحك قائلاً ) : مجبر أخوك لا عميل ..
شرف : ( موجها حديثه لمشرف ) أتذكر يا مشرف بك . انك قد عملت من قبل بنيابة أمن الدولة ..
مشرف : نعم . زمان في بداية عملي في سلك نيابة .
شرف : لماذا لم تصبح أنت أيضا : القاضي الأديب . كأخينا أشرف بيك ؟
مشرف : ( بابتسامة ممتعضة ) لا يارجل . أعوذ بالله . ( بصوت هامس . ولكنه مسموع ) : هذه اسمها سرقة واحتيال ونصب . وتبديد , وعبث بأموال دولة, واستغلال نفوذ , وافساد للحياة الثقافية - والسياسية - للوطن - مع احترامي لزميلي وحبيبي " أشرف بيك " فهو زميل عزيز - .
شريف : معلوم يا مشرف بيك . انت لا تفعل تلك الأشياء . انها سرقة .
مشرف : زمان كان عندنا بالأرياف من يسرق ذكر بط . كان يتفضح ويتجرس . ويزفوه حول البلدة راكباً حماراً بالمقلوب .
( الجميع يضحكون )
شريف : كل ذلك لأجل سرقة ذكر بط .. !؟ .. أنا لم أعش بالريف ..
مشرف : نعم هكذا كانت عقوبة سارق ذكر البط . فما فوق .. . بالريف ذكر البط , هو جزء من ثروة وممتلكات البسطاء الفقراء. ومطمع للصوص من أبناء تلك الطبقة
شريف : ان سرقة عرق سواعد الناس . أسهل وأهون شأناً من سرقة عصارة عقولهم .. ان الرواية والشعر والفكر .. أشياء هي عرق وعصارة عقول .. أغلي بكثير من عرق السواعد والأبدان
مشرف : أنا ملاحظ ان زميلنا عشم الله بك . لم يشارك في الحديث البتة .
شريف :عشم الله بيك , وأشرف بيك أصدقاء جداً جداً ..
عشم الله : أنا فضلت الاستماع لخبايا . من الواضح انكم أدري مني بها .
شريف : نحن لم نقل شيئاً في حق الرجل . كلها حقائق وأوضاع عامة وأحوال أجهزة وأوضاع دولة بحالها . لكن أشرف بيك صديق وزميلي وأنا أحبه
شرف : وأنا والله أحبه جداً . وهو زميل قديم من الزملاء الذين أعتز بهم . لكن كما قلت . ان حديثنا في شأن عام . أكثر بكثير من أن يكون خاصاً
مشرف : أشرف بيك . صديق عزيز وشهم ومجامل , وأخ فاضل .
- عامل الكافيتريا يحضر , ويتناول الأكواب الفارغة التي أمامهم فوق المنضدة -
( الجميع يصيحون في نفس واحد مهللين ) : وصل أشرف بيك . وصل ..
مشرف : أهلا سعادة القاضي الأديب
شرف : أهلا بالأديب الكبير
شريف : أهلا بأديب القضاة , وقاضي الأدباء .
( يتوالي وصول عدد آخر من القضاة الزملاء .. ويبدأ الاحتفال بالمناسبة ) .
***********************
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار في السياسة
-
حكاية السيسي
-
معاملة الخدم ببلاد الكفار
-
الفرحة بالدستور
-
هل الأديان تزرع حباً ؟
-
الهوية والزهايمر - شعوب فقدت هويتها
-
سفراء جهنم
-
عشاق الحكم العسكري يرقصون كما الشياطين
-
لمنع التدخل الأجنبي المسلح 2-2
-
الضربة الأمريكية لمن في سوريا ..؟
-
لمنع التدخل الأجنبي في البلاد 1 -2
-
أبو تريكة.. رياضة وإرهاب !
-
الديموقراطية والخلافة الاسلامية
-
دائما قولوا لو .
-
جيش مصر يستأصل الارهاب .. أخيراً ..
-
عسكر واخوان = ريا وسكينة / كلاكيت
-
إبادة الأرانب البرية بمصر تهديد للبيئة
-
في ليلة القدر
-
ما هكذا الثورات والثوار - 4
-
نحو النور والحرية
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|