محمد دوير
الحوار المتمدن-العدد: 4280 - 2013 / 11 / 19 - 00:42
المحور:
مقابلات و حوارات
«دوير»: هذه الفرصة الأفضل في التاريخ لـ «يسار موحد».. ولكنه يضيعها
الدكتور "محمد دوير" مؤسس حملة يسار موحد
كتب: أحمد مجدي نوفمبر
قضية تشغل تفكير الكثير من اليساريين المصريين, وهي قضية وحدة اليسار سواء خلال تنظيم واحد كبير يضم كل المؤمنين بقضايا العدالة الاجتماعية, أو عمل جبهوي مؤقت لحين الوصول لصيغة التوحد.
“البديل” التقت الدكتور “محمد دوير” مؤسس حملة يسار موحد، وأجرت معه حوارا حول ما يحدث في مصر ودور اليسار وأهداف وإستراتيجيات الحملة.
وإلى نص الحوار….
* كيف ترى ما تمر به مصر والمنطقة من أحداث ومتغيرات مستمرة؟
ما تمر المنطقة العربية به الآن نتاج تفاعلات اجتماعية وسياسية واقتصادية داخل عملية صراع ممتدة منذ الحملة الفرنسية ومحمد علي نحو التحديث والحداثة.
فالعقل العربي في حالة اشتباك دائمة منذ تلك الفترة مع ماضيه وحاضره، ومع تحديات الواقع الذي يقوم فيه بدور المفعول به, ونحن الآن في مرحلة تحول نوعي كبيرة جدا، بغض النظر عن دور القوى الكبرى في تفعيل أو تعطيل هذا التحول، ولكنه يبقى تحولا من حالة إستاتيكية لمجتمع ساكن إلى وضع أكثر ديناميكية يبحث فيها الجميع عن مخرج للواقع البائس الذي نحياه.
فنلاحظ مثلا أنها مرحلة طرح الأسئلة الكبرى, مثل: ما هي طبيعة الدولة المصرية؟, ماذا نريد لمصر أن تكون؟, أين يقع التوجه الاشتراكي أو الليبرالي أو الإسلامي أو القومي من مصر المستقبل؟, إلى أين تتجه الثورة المصرية والعربية؟
واعتقد أن مثل هذه التساؤلات كانت مطروحة على العقل العربي منذ مائتي عام تقريباً ولم ننجح في تقديم إجابات كافية عليها نظرا لطبيعة النظم الحاكمة في العقود الأخيرة التي سدت شرايين الفعل السياسي بصورة غير مسبوقة, وباختصار يمكننا القول إننا في مرحلة تبحث فيها الأمة العربية عن نفسها من جديد، وهذا ما يفسر حالة الضبابية في رؤية كل شيء وتفسير كل شيء من حولنا.
* ما المخرج من حالة الاستقطاب والعنف, وكيف يتم بناء دولة قوية تقوم على العدالة؟
لن نخرج من حالة الاستقطاب والعنف هذه في الوقت القريب، فلم نزل بعد نقدم تجاربنا في فهم وتفسير الواقع، ولم نزل بعد لم نصل إلى عمق المجتمع المصري بالقدر الكافي، وبالتالي فإن كل فصيل سياسي أو تيار أيديولوجي يحمل مقولات لم تختبر بدرجة مناسبة داخل أروقة المجتمع, والفكر المجرد النظري منفرداً لن يقدم مجتمعاً جديداً.
ولذلك فالقوى السياسية تحتاج لمزيد من الوقت حتى تتعلم كوادرها إقامة العلاقة بين النظريات والواقع, وإلى أن نتمكن من ذلك فسيظل العنف في الحوار والتعصب ونفي الآخر هو لغة الجميع, فكل من يدعي الحقيقة دون أن يستند إلى طبقة أو ظهير اجتماعي بشكل حقيقي سيظل يغرد لسراب ليس له من وجود.
* ما رأيك في دور اليسار المصري على الساحة السياسية, وما الأخطاء التي ارتكبها خلال الفترة الأخيرة ؟
أنا من هؤلاء الذين ينتمون لليسار المصري، بمعني أن كل نقد له هو بالضرورة نقد ذاتي، أوجهه لنفسي قبل أن أواجه به غيري, لقد استنزفنا أنفسنا سنوات طويلة في صراع عقيم وشكلي إلى أبعد الحدود، ففي دهاليز التنظيمات المتعددة كنا نمارس كل أمراض الذاتية المفرطة, وغالباً ما كنا ننظر للعالم من خلف كتاب ونفسر الواقع وفقاً لفهارس الكتب، ونقيّم الأشخاص بناء على تعاليم آباء الاشتراكية, باختصار لقد نحتنا صورنا ووجودنا كالوشم من صور الذين سبقونا في الفكر والتجربة, وباستثناءات قليلة جداً ، بقينا على هذا الحال حتى جاء 25 يناير 2011 واكتشفنا وقتها أن الثورات لا تنتظر أحدا.
هنا وهنا فقط ، تنبه الجميع إلى أن ثمة خطورة تحيق باليسار المصري، خطورة – فيما اعتقد – تهدد وجوده على الساحة السياسية لو أصر على ممارسة ذات الأساليب البالية في التعامل مع الواقع.
وكان ضروري انتفاض الجميع من أجل يسار مصري قوي قادر على استيعاب المتغيرات، فظهرت عدة أحزاب وحركات ذات مرجعية اشتراكية كلها أمل في تلافي عيوب التجارب السابقة، إلا أنها تناست ممارستها لنفس الأخطاء عن طريق التشرذم والتفتت، فبقدر حاجة اليسار إلى رؤية صحيحة في فهم وتفسير الواقع، بقدر حاجته أيضاً إلي وحدة عضوية وتنظيمية من أجل القدرة علي مواجهة التحديات.
* هل الأحزاب اليسارية القائمة قادرة على الفوز بنسبة جيدة في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
لا أعتقد هذا, نسبة جيدة تعني نسبة مؤثرة وهذا غير متوقع أو منظور، فاليسار المصري في حاجة لإعادة إنتاج نفسه من جديد وفق آليات جديدة وبرامج متطورة تعلي من قيمة الفكر التطبيقي أكثر من مجرد الشعارات العامة التي لن تنفذ، فلابد من دراسات كافية عن المجتمع المصري، ليس كوحدة واحدة ولكن كأجزاء مختلفة جغرافيا وطبقيا، وبحاجة أيضا إلى تمكين الشباب من كل شيء بجانب خبرة الأكبر سنا بالتأكيد، كما يحتاج أن يكون واقعيا مع نفسه فليس معقولا أن يظل يردد أنه صاحب أفضل تصور علمي للمجتمع وهو غير قادر على إثبات ذلك عملياً.
اليسار المصري في حاجة إلى الواقعية السياسية ونبذ التعالي على المجتمع أو التنظيمات الحلقية الضيقة التي تدعي أنها وحدها من يملك الحقيقة المطلقة, باختصار اليسار المصري مطالب بأن يعلي من قيمة الجغرافيا على التاريخ.. لأنه يسار تاريخي بامتياز.
* ما آخر التطورات في حملة يسار موحد, وهل هناك تجاوبا بين صفوف الشباب حول الفكرة؟
يسار موحد حملة انطلق في شهر أغسطس الماضي محاولا رفع آذان الوحدة، كيف ومتى ولماذا وأين.
كل هذه تساؤلات مسئول عنها قادة القوى الاشتراكية في مصر، فكل ما يريد أعضاء الحملة أن يوصلوه لليساريين أننا نريد وحدة يسارية وفقط.
إذا هي حملة ضغط أو دعوة من شباب اليسار المصري أو معظم شبابه من أجل عمل يساري مشترك, وأنا أقدر بكل تأكيد مخاوف الكثيرين من وحدة اليسار, ولكن هذا لا يعني أن الفكرة غير موضوعية، ولكن يعني أن طرق الوحدة السابقة كانت غير علمية وتمت من أعلى, وهنا نحن ندعو للوحدة من أسفل وهذا يحدث للأول مرة في تاريخ اليسار المصري.
* كيف تعمل حملة يسار موحد, وما هي خطتها في المرحلة القادمة؟
بدأنا في أول سبتمبر عمل استبيان رأي حول الوحدة من خلال طرح 28 سؤال لمدة 15 يوما على كل أبناء اليسار، في ظل عدم مساندة “متوقع” من الأحزاب الاشتراكية، لدرايتنا بتاريخ تلك الأحزاب وطبيعة قادتها، فليس أسهل لدى اليساري من التهكم والنقد.
ونحن بصدد تشكيل لجان يسار موحد بالمحافظات ولدينا بالفعل لجان في (القاهرة – إسكندرية – المحلة – المنيا – إسماعيلية – كفر الشيخ ـ المنوفية)، وجاري استكمال باقي لجان الحملة في بقية المحافظات.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نستعد لعمل نداء من أجل الوحدة نجمع عليه توقيعات من كل اليساريين المصريين في كل مصر، وفور الانتهاء من هذا النداء سنتوجه به لقادة الأحزاب والحركات الاشتراكية ونضعه بين أيديهم لعلنا نكون بذلك قد أسهمنا في تحريك عجلة الوحدة خطوة واحدة نحو الأمام.
* هل تواصلت مع بعض قادة الأحزاب اليسارية حول توحيد اليسار؟
الحقيقة أنني لم أتواصل بشكل شخصي مع قيادات الأحزاب، وهناك بعض الحركات التي أيدت ودعمت الحملة، واعتبر أن عدم التواصل مع الأحزاب يعد تقصيراً مني أو من الحملة، وعلى كل حال سوف ننجز مهمة النداء من أجل الوحدة ثم نتجه إليهم بنتائج الاستبيان ونتائج حملة نداء من أجل الوحدة مرة واحدة.
ولكن تبقي مشكلة مهمة جدا، وهي أن قطاع كبير من شباب اليسار المصري خارج التنظيمات اليسارية، وهذا ما يطرح سؤالاً مهما حول وجود حزب في مصر الآن يمكنه الادعاء بتمثيل اليسار المصري.
* ما هو مستقبل اليسار المصري في ظل هذه الظروف التي يعيشها الآن؟
اليسار المصري في أسوأ حالاته الآن، ولكن الظروف الموضوعية مواتية جدا لبناء تيار يساري قوي قادر على الضغط السياسي والاجتماعي والتفاف الجماهير حوله، ورغم ذلك يجيد إضاعة الفرص.
وفي اعتقادي أن اليسار لم يمر بفترة في تاريخ مصر الحديث كان خطابه الأيديولوجي قريب من المجتمع بقدر هذه اللحظة التي تبدو أنها تضيع من بين أيدينا بفضل هذا التشرذم اليومي والتفتت المستمر إلى أحزاب وفصائل وحركات تنشأ كل يوم.. وهنا تكمن الخطورة، لأن الجميع سيخسر المعركة.
* تتحرك بين شباب المحافظات لإلقاء محاضرات تثقيفية في موضوعات اشتراكية.. فماذا عن التجربة وكيف رأيت شباب اليسار في الأقاليم؟
فكرة التثقيف داخل المحافظات هي فكرة قديمة لدي كنت دائما أتمنى أن تتاح لي الظروف لكي أنفذها، وقد لاحظت في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورة يناير ميل الكثير من الشباب إلى فكرة الاشتراكية، وهو أمر كان يجب على الأحزاب أن تستعد له جيداً عبر وسائل تواصل كثيرة من بينها التثقيف في قضايا المجتمع والثورة والفكر الاشتراكي.
وبالفعل تحركت إلى أكثر من مكان وما أسعدني كثيرا هو هذا الكم من الشباب المقبل على الفكر الاشتراكي بوعي وحماس ورغبة حقيقية في فعل شيء ما للفكرة وللوطن.
* وكيف رأيت حماس شباب اليسار لحملة يسار موحد؟
الجيل الشاب في اليسار المصري الآن قادر ومؤهل على إنجاز الكثير من المهام لنقل مستوى الفعل الاشتراكي خطوة إلى الأمام، لأنه جيل خرج من رحم حراك شعبي وزخم سياسي وثوري هائل، ما يعني أن الأفق أمامه مفتوحة لانجاز ما عجزنا نحن على تحقيقه، واعتقد أن وحدة اليسار هي إحدى الهموم التي تشغل بال هذا الجيل الشاب الذي آراه الأكثر تعبيراً ووجوداً في الشارع الآن. ولا سيما أن قطاعات كبيرة منهم اختاروا أن ينظموا أنفسهم في حركات ومنظمات بعيدا عن الأحزاب الاشتراكية لاعتقادهم أن لهم تجربتهم الخاصة التي يجب أن يخوضوها.
#محمد_دوير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟