|
في أعالي الحب ...(*) للمبدع (فاضل خليل)
فاتن جمعة
الحوار المتمدن-العدد: 4279 - 2013 / 11 / 18 - 01:01
المحور:
الادب والفن
كتب المؤلف فلاح شاكر عدة نصوص، امتازت بالحوارات الداخلية الطويلة ذات لغة شاعرية، مما يجعل جميع الشخصيات تتحدث باللغة نفسها . والميزة او الخاصية الثانية هي ان انبثاق الشخصيات من بعضها. كما انه يعتمد بشكل واضح على المحاورات الثنائية، وان عموم الاحداث تكون عائمة في فضاء غير محدد الهوية . وهذا ينطبق باشده على نص مسرحية (في اعالي الحب) وهذه المميزات تواجدت ايضا في العرض اذ انها خصائص اصيلة في النص. وان استبعادها يتطلب تفكيك النص واعادة كتابته ربما بغير اسلوب النص / المؤلف. علما ان النص قد خضع للكثير من التعديلات بما يتوافق مع رؤية المخرج واسلوبه. ان محور احداث النص والعرض هي الحرب ، وفقدان الحبيب وفتح افق امام استعادة الذكريات (الماضي) وتمثيل الامنيات (الاتي) ، وعليه يكون الان (الحاضر) مفقودا ، وان كانت ملامحه هي السائدة حيث مأساة الحرب وفواجعها هي العيان الحقيقي الملموس فهي الدافع الاساس للذهاب الى الذكرى او استقدام المتخيل . وهذا الامر جعل من الحرب هي الخلفية التي تجري امامها الاحداث والتي هي ليست احداثا بالمفهوم التقليدي ، لانها احداث داخلية هي نفسية (حيث انفعالات المرأة وتداعياتها الشعورية) التي تقود المتلقي الى المشاركة في الاحزان. ابتعد المصمم في انشاء المنظر عن كل ما هو تقليدي ومألوف فقد استخدم الحبال والخشب والملابس (الاقمشة) والكراسي ، ولكنه وظفها بطريقة جعلتها بعيدة عن ما يماثلها في الحياة ، فقد وضع ثلاثة كراسي ، في وسط اليمين ، واحد في المقدمة والاخر لليسار . وفي وسط اليسار ارتفعت كومة من الملابس المعاصرة حتى طالت سقف المسرح ، وقد وضعت بشكل مثلث (موشوري الشكل ) قاعدة عريضة ، وكلما صعد النظر للاعلى تضيق، وعلقت الملابس على حبال تمتد من الارض الى سقف المسرح. فالمخرج ارتأى وبالتنسيق مع المصمم " ان يكون (القبر) هو (كوم) من الذكريات تحتوي الكثير من اشياء (المرأة) و(الشهيد) المشتركة طيلة فترة معرفتهما ، واياام خطوبتهما التي لم تكتمل بالزواج"( ). ان القبر والقمقم والبيت وموضع (ملجأ) الحرب هي الفضاءات التي انطلقت منها المحاورات ، ودارت فيها الافعال وكل من هذه الفضاءات لا يمكن عدها موجودة فعليا على خشبة المسرح اذ لا يوجد لها مماثل واقعي ولم يعتني المخرج – المصمم بانشاء دوالها على وفق تماثلاتها الواقعية بل كان السعي واضحا نحو فعل – اداء الممثل وما يمكن ان يقدمه من تعاملات مع الموجودات وبما يدلل على هذا الفضاء او ذاك . فقد تحولت الكراسي الثلاثة الموجودة في وسط يمين المسرح الى بيت وموضع قتالي (ملجأ المعركة) بفعل تعامل الجني – الرجل – الحبيب مع الموجودات . وكذلك الحال مع كومة الملابس التي ارتفعت بما يعادل اكثر من ضعف قامة الممثل الى قمقم خرج منه الجني ، ولا نكاد لاول وهلة ان نعرف بانه جني من مجرد النظر اليه انما امتلك دلالته الغيبية وقدراته الخارقة من خلال حوار المؤلف بالدرجة الاولى .ثم جاء الفعل الدرامي ليعضد معطيات الحوار لتكون النتيجة انه ليس جنيا تقليديا، بل انه كتلة من المشاعر والانفعالات الخارقة لأنه يمتلك القدرة على التحول والتكيف مع ما يحول في دخيلة المرأة فهو الذي يحقق لها حضور الغائب (الشهيد الحبيب المفقود ، فارس احلام المراهقة) لتكون اللعبة المسرحية بين الذكريات والتمني. ان التداخل والتشابك بين تحولات الشخصيات انعكس على المنظر ، او مجموعة المناظر في المسرحية مما جعلها ايضا تخضع للتحولات بحسب الفعل الدرامي. لقد كشف شكل المنظر (الكراسي في وسط اليمين وكومة الملابس في وسط اليسار) عن جو العرض حيث اللا تناسق وغياب تنظيم القطع المستخدمة بشكل تناظري او وضعيات مألوفة. هذا كله كشف عن مدلولات الفعل الدرامي (مضمونه) بشكل واضح ، اذ عكس الوضع النفسي للشخصية الرئيسية (المرأة) . وان تأرجح الشخصيات بين الكتلة الموجودة في وسط اليمين ، والكتلة الموجودة في وسط اليسار ، جعلها تتعامل وتتفاعل معها بحسب لحظة الاداء الآنية . فالانتقال من القمقم الى البيت لا يتطلب سوى ثلاث خطوات او اربع ، بالاضافة الى رفع ربطة الراس بالنسبة للمرأة والجلوس على كرسي. كما ان الانتقال والتحول من البيت الى الخندق القتالي لا يتطلب سوى الركوع خلف احد الكراسي وارتداء القميص العسكري . وقد ساعدت الاضاءة على هذه التحولات من فضاء الى اخر باستخدام البقع الملونة التي تتبع خطوات الممثلين وانتقالاتهم مما حقق توافقا بين عمل الاضاءة وكتل المنظر من جهة والوانه من جهة اخرى ، اذ سادت الالوان القاتمة (الاحمر والازرق) . ان غرائبية الفعل الدرامي – بحسب تعبير المخرج - وانتماءه الى الواقعية السحرية جعلت فضاء العرض مفتوحا امام مخيلة المتلقي ، اذ لم يسعى المخرج – المصمم لتماثل الاشياء الموجودة على المسرح مع الواقع الحياتي ، بل تكرست الجهود الفنية وتظافرت مع الاداء من اجل توظيف الموجودات واعطائها ابعادا لا تتناسب مع بعدها الاصلي (الحياتي او الواقعي). اما الجانب الجمالي فقد عمد مصمم المنظر الى تحقيقه عبر الفضاء المفتوح الذي تغلقه الظلمة الممتدة باتجاهات خشبة المسرح المختلفة ، عدا البقع الضوئية الملونة.
الهوامش : (*) مسرحية ( في أعالي الحب ) تأليف : فلاح شاكر، إخراج : فاضل خليل، إنتاج : الفرقة القومية للتمثيل. تاريخ العرض : 1996. - مقابلة أجرتها الباحثة مع مخرج العمل (الدكتور فاضل خليل ) في الساعة العاشرة صباحا في قسم الفنون المسرحية بتاريخ 9/7/2005.
#فاتن_جمعة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|