قد تأتي الثورة ، ملتفة بعباءة بــدوي
– فاضل العزاوي -
في غابر تلك المقاهي ، ومجالس الصعود الى القمر ، حيث اللماظة المتبقية لإيواء بذور الوعي الإنساني ومكامن القصيدة الثائرة واستماع القرار المغلف بالنيلوفر المحظور ، تلك المقاهي والأمكنة والمجالس التي قيل انها اوــى المدارس والتي انبتت قولة البدء في جوارح وضمائر شعراء وكتاب الكلمة المراقة ، والفكرة المطاردة ، كانت السلطة كلها تتجسد مثل كابوس مطلق الإنقضاض ، في حكم الدرك المتلبسون بعباءات المماليك ، وجند القمع البربري ، انهم ثلة يقفون الى الجانب المعتم من تصورات وجودنا وكوامن صدورنا ألأكثر رحابة من كل شروحات وتقمصات خطابات وادبيات فكر المنظرين .
لقد كنا نتطلع الى الأسماء التي قهرت ولا زالت تقهر بمواقعيتها ( خارج الوطن الأم ) صورة وروح الإستلاب في الداخل ، ولقد كانت أسماء مثل محمد الجواهري وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف ومظفر النواب وفاضل العزاوي وغيرهم ... / تمثل الضفة الأخرى التي تحيل النقائض الى حقائق والحقائق الى موروثات والموروثات الى رؤية حقة ، كنا نتطلع الى هذه الأسماء على انها البديل للخوار الذي دبَّ على حين غرة في بنية وجودنا الفكري والأرضي .
ومن عقد الى آخر راحت الأسماء الفضية والذهبية تتكاثر في صورة الوطن الواحد ، الوطن غير المفتعل من أدباء يحملون قضية إنسانية لتنوء في حملها الجبال ، انه قضية الوطن المسجى على دكة قرويين ، يقطعون اوتاده انى شاؤوا ، ويحتجزون عنه وعن شرايينا المكان والزمان والروح والهواء النقي أنّـى أرادوا .
لقد كانت الأسماء ولا زالت خطى وطنية قومية إديولوجية ، وهي لا تزال في كل المضامير وان احتجت نرجسية بعض السابقين على حظوة المنشئين الأوائل ، وهي قضية لا سابقة لها في تواريخ أدبيات الأمم والشعوب كافة .
ان ما أقدم عليه شاكر اللعيبي من مغالطات ومداخلات مقطعة الصلات إبتدأت بالناقد حاتم الصكر ، ولم تنتهي عند كمال سبتي ، قديس ديواني ( ظل شيء ما ) و ( وردة البحر ) ، ولا ندري الى اي الأسماء ستتجه دائرة الإضطهاد الشعري ، كما وصف ذلك الشاعر أدونيس بقوله : ( الشاعر قمعيا ) ، في تعريجه على مسلمات البحث عن خطاب ( أنا السلطة ) و ( السلطة المضادة ) .
في مقالتين متتاليتين هاجم شاكر اللعيبي من هاجم ، مدعيا ان الشعر ملكا وصوتا لمن خرجوا في دثار الأيام الهانئة ، وقد اعقبه الشاعر باسم المرعبي المقيم في السويد بمقالة عن تهافت الشعراء ، وقد اسماهم ( بشعراء العظمة ) بتسكين الظاد ، هزءا من رفاق ، تنفق الأمم والشعوب ، والشعراء والفلاسفة والمنظرين السابقين أوقاتا وعطايا جساما بغية الحصول على نفس شعري واحد ليكون لاحقين في أممهم وانتمائاتهم ، لقد كان من مخاطر امتداد خطابات هواجس الأنا اللا متوازنة تلك ان راح الشاعر والكاتب : محمد غازي الأغرس الى البحث في تواريخ شعراء السلطة في العراق وممن هم الى الجوار من هذا المسار النقدي السلطوي ومن هم الى البعيد عن ذاك القرار ....حتى لا تكاد تختم قائمة التشبيه والإتهام ، لقد طال قرار البحث هذا نقادا وادباءا ـ نحن أعلم بحالهم ومواقفهم وحقيقية انتمائهم الوطني والقومي ، ومنطلقهم الإنساني ، لقد تناسى أغلب كتاب الإثارة ، ونساج السندس الدافيء في بطون العواصم الهادئة ، ان القصيدة في العراق تكتب الآن بديلا عن المنشور السري ولقمة العيش المصادرة ، وان الأغنية تغنى لتلوح بها الحناجر الى حرية أخرى ، مصادرة ومجهضة . لقد اخفتنا حقا يا شاكر اللعيبي ، ايها الناثر الثر والأديب والشاعر النابه ، الى ان الغد البغدادي ، غد القادمين الحقيقيين الكبار سيكون مليئا بالجراج والقراح الإجتراح .
لقد ولدنا هكذا على هاجس هذا الدم المبكر ، ولقد الغينا عن الصحف وادبيات الوطن الواحد قسرا في عنيف الجهات ، ولك ان تدرك انني وبمعية ثلاث سنوات من عملي في جريدة الثورة لم اطأ بقمي قاعة التحرير ، ولم أسأل من محرر الصفحة القافية ، مع علمي انه محمد تركي النصار ، الذي يقرأ قصائد خارج ارضية الجريدة في الخفاء ـ ليهمـس في أذني مستفها بلغة النصح : " هل من الإنصاف نشر هذه القصائد الناضجة في جريدة الثــ.." لقد كنا نكبت اشعارا ومشاعرا لك في العرين الآخر ، وهو صوتكم المتلقي وصورتكم المبصرة وكلماتكم القارئة ، نثركم الذي استظلت به رسائل الحب من النفي الى الوطن – والى ذلك يروي الممثل الكبير يوسف العاني في مذكرات الشاعر محمد مهدي الجواهري ، قصة تلك المظاهرة التي قاموا بها ابان العهود الماضية، وحيث انهال شَرَطة اجهاض التظاهرة الوطنية بالضرب على رأس يوسف العاني ولميعة عباس عمارة وغيرهم ولكنهم توقفوا كثيرا عند الشاعر محمد مهدي الجواهري ، ويذكر العاني : ان الجواهري قال للضابط المسؤول حينها : " أضرب ، هل تخشى ان اكون شيوعياً ؟؟" فأجابه الضابط : " المشكلة اننا لا ندري ما تكون ؟؟؟" .
فما سر هذا الإنتماء الجارف الى تيارات المعرفة المتحزبة ؟؟ وما سر هذه الشيوعية ؟؟
التي لا تعادل مقدار فكرة في قصيدة عراقية شامخة أو أغنية ثائر ينثر خلاياه عبر شرانق الأقصى . ولا أحسب ان الروس قد قرأوا بالقدر الذي قرأه بسطاء وعمال ومثقفوا الجنوب العراقي والشبيبة العربية ، ومن تحليقات ماركس وتنظيرات لينين وهواجس سارتر وعزوف كولن ويلسون ، انه الغياب القسري ، أو لنقل الخطاب الهوية المغيب من قبل السلطات المطلقة ، على حساب سلطة التفكير الإنساني الحق ، وهو ما أدركه ميشيل فوكو وعبر عنه جليا في أركيولوجيا المعرفة من انه : " لن يذهب الى التأريخ خوف ان يكون مشخصا " ، وهذا هو العزوف الجسيم للروح العراقية والعربية التي تتبنى أنساق الفكر الخارجة عنها بدموية طافحة ، دون الإتكاء على يطلق عليه الفيلسوف الألماني هوسرل " ظاهراتية الروح " ، في ضرورية التحليق بعيدا عن الجوهر المدلول للنظر في حقيقة الجوهر الدال والمؤسس ، ان الكلمة تأسيس ، وانا أضم صوتي اليك في مقالتك الأخيرة في القدس العربي " شاكر اللعيبي ضد شاكر اللعيبي " تهافت التهافت ، فكرة أيضا ، فمن الرفض تبدأ رحلة الكائن ، ومن التعويض تبدأ رحلة الأبداع ، فلا ترفع دون بديل ، وانا انظر الى أدونيس الى انه المثال الناجح في البحث الشعري ، وقد احال مأساة أمته الى واقع شعري نقدي تاريخي ترجمي بالغ الأثر ، وها هي الأجيال المكبوتة في العراق تنتظر منا ونحن نحتسي الإيطاليان كاباشينو كل التنظير الذي حرمت منه ، والقصيدة التي منعت عنهم ، والموال الذي صودر عنوة من بين حناجرهم ، انهم شركائنا في الوجود القادم ، فكم الشعراء وقد ولدوا هناك ، حقيقيون ، مأسايون ، كونيون ، لا قبل لنا بالغائهم ، انهم يتكاثرون ، مع الألم وعميق الجرح ورواسب الدهور ، فهل من معترض يقف على الضد من ولادة شاعـر ، شاعر وحسب ؟!! ، شاعر وهذا كل شيء ؟!!،
وهل من صيرورة ملزمة لتحديد سلوك شاعر ما !!؟ ولكانت عبقرية المتنبي حددت سلوكه المتمثل بقوله :
أي عظيم اتقي
أي مكان أرتقي
، وهل الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، مزيفا حين يصفه أدونيس بصفته أثرى الشعراء العرب لغة على الإطلاق . ما لكم كيف تحكمون ؟؟ مع الحب للجميع .
الشاعر : عباس الحسيني – أميركا