أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - إيران: تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد















المزيد.....



إيران: تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 18:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




المحتويات
مدخل ......................................................................................................................3
الجغرافية ................................................................................................................... 5
1- الموقع والتضاريس والسكان ....................................................................................... 5
2- فى الجغرافية الاقتصادية............................................................................................ 8
3- مداخلة: الصراع العالمى على النفط ............................................................................. 10
التاريخ ......................................................................................................................13
1- بلاد فارس ...........................................................................................................13
2- التفاعل الحضارى.....................................................................................................14
3- الدولة الأموية كإمبراطورية عالمية..................................................................................15
4- العصر الذهبى وهيمنة الفرس.......................................................................................18
5- تأسيس دولة التتار فى إيران.......................................................................................19
6- ضبط الإصطلاح....................................................................................................20
7- ملاحظات ختامية..................................................................................................21
الاقتصاد ..................................................................................................................23
تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد ..................................................................................28
الهوامش ................................................................................................................. 30











مدخل
"ليس من المهم أن نجيب على سؤالٍ مطروح، إنما المهم هو الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى إنتاج الإجابة على هذا السؤال المطروح. المهم هو الطريق الذى يسلكه الذهن كى يُنتِج المعرفة، لا المعرفة فى ذاتها". إنطلاقاً من إيماننا بهذا المبدأ، فالسؤال المركزى الذى ننشغل بالإجابة عليه فى هذه الدراسة، الموجزة بطبيعة الحال، هو ما الخط المنهجى الذى يمكن إفتراضه كى نفهم، كعرب، اقتصاد دولة إيران؟ ولأننا نفترض، فى المقام الأول، أن الاقتصاد السياسى علم اجتماعى، فسنبدأ من تلك الفرضية كى نقترح فرضية مترتبة تأخذ فى اعتبارها أن تحليل الاقتصاد لن يأتى صحيحاً إلا بفهم الجغرافية، والوعى بالتطور التاريخى الذى لحق بالمجتمع عبر الزمن، الأمر الذى يعنى أن التوقف عند حدود فحص أرقام الاقتصاد الكلى واعتناق نتائج التحليل وفقاً لمستويات التحليل الجزئية، إنما يفضى، فى الغالب، إلى نتائج مضللة، وأحكام غير صحيحة على صعيد الفكر والواقع معاً. من هنا نحن نفترض أن عناصر الطرح المنهجى لإشكالية فهم وتحليل اقتصاد إيران تتركز فى تكوين الوعى بشأن الجغرافية، والاقتصادية بوجه خاص، ثم الإنتقال خطوة فكرية أكثر تقدماً من أجل تكوين الوعى، فى ضوء الجغرافية، بالتاريخ وتطور المجتمع عبر الزمن وتناقضاته، ثم الإنتقال خطوة فكرية ثالثة، وفيها نحلل الاقتصاد، إنما فى ضوء الجغرافيا، والتاريخ. ومن ثم فهم الحاضر فى ضوء الماضى لفائدة المستقبل.
ولقد حاولنا، قدر الطاقة، الاختصار والعمل على تركيز العناصر المنهجية، وفقاً لمقتضيات الدراسة الموجزة، ويحدونى الأمل أن يثير الطرح، كفكرة، المناقشة الجدية، التى تثرى المكتبة العربية، التى أتصور أنها فى حاجة إلى المزيد من الدراسات والأبحاث ليس بشأن إيران، وإنما بشأن كيف نفهم إيران.
وعلى ذلك فقد قسمنا البحث إلى أربعة فصول على النحو التالى:
الفصل الأول: الجغرافية.
الفصل الثانى: التاريخ.
الفصل الثالث: الاقتصاد.
الفصل الرابع: تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد.
ولنر ذلك بشىء من التفصيل.








خريطة الجمهورية الإسلامية الإيرانية

المصدر: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Iran/03Iran.JPG_cvt.htm









الفصل الأول
الجغرافية
1- الموقع والتضاريس والسكان
حينما ننظر، بتدبر، إلى خريطة العالم الطبيعية، ونركز على تلك البقعة الجغرافية من قارة آسيا التى تبرز فيها جبال زاجروس، وصحراء لوط، وهضبة إيران؛ والصحراء الملحية الكبرى، ثم نُرسّم الحدود السياسية، وفقاً لخريطة المستعمِر، فى المنطقة الواقعة بين بحر قزوين وجبال القوقاز وجبال البورز شمالاً، وهضبة الأناضول ونهر الفرات والخليج العربى غرباً، وجبال هندوكوش ونهر أموداريا وبحر آرال شرقاً، والبحر العربى جنوباً. فإننا سنجد أنفسنا مباشرة أمام عدة دول تتمتع بمواقع استراتيجية مهمة وحساسة، ولكن أكثر تلك الدول تمتعاً بعبقرية الموقع الجغرافى ستكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتى تعرف إختصاراً باسم إيران.
تقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التى تمتد على مساحة تبلغ 1648.195كم2، بين دائرتى عرض 25 و40 شمالاً، وخطى طول 44 و63 شرقاً. وتبلغ جملة حدود إيران نحو4400كم2، نصفها تقريباً حدود بحرية والنصف الآخر حدود برية. وتبلغ المسافة من حدها الشمالى الغربى مع تركيا وتركمنستان إلى حدها فى أقصى الجنوب الشرقى مع باكستان حوالى2320كم2، بينما لا تزيد المسافة من بوشهر على ساحل الخليج العربى إلى حدود تركمنستان إلى الشمال الشرقى من مشهد عن 1328كم2، بتلك المثابة محاطة بسبع دول: آزربيجان وأرمينيا وتركمنستان من الشمال، وأفغانستان وباكستان من الشرق، وتركيا والعراق من الغرب. كما تطل على بحر قزوين شمالاً بطول ساحل يبلغ 800كم2، وعلى الخليج العربى وخليج عُمان جنوباً بساحل يبلغ طوله 1660كم2. وقد رُسّمت أغلب حدود إيران السياسية بين عامى 1800-1914م.
ومن جهة التضاريس(1)، فإن جغرافية إيران تعكس بصدق ووضوح مجمل خصائص جغرافية قارة آسيا من حيث تميزها بالهضاب والأطر الجبلية التى تحيط بها، ومن ثم وعورة السطح، والجفاف الشديد من الداخل، والتطرف الحرارى، والمناخ القارى بوجه عام، وكلها صفات آسيوية بالدرجة الأولى.
فإيران يُشبَّه، كما يقول الجغرافيون(2)، بحوض له حافة عالية، تحيط بقاع غير عميق وغير منتظم السطح، وتتكون الحافة من سلاسل جبلية تتميز جهة الشمال والغرب بارتفاعها الشاهق وشدة وعورتها وعظم اتساعها. أما التى تقع فى الجنوب والشرق فضيقة وأقل ارتفاعاً، كما أنها أكثر تقطعاً بأحواض داخلية منخفضة. لذا فهى لا تُمثل حاجزاً مانعاً، بل إن السلاسل الشرقية، تفقد كثيراً صفتها التضاريسية بسبب ما يحيط بها من إرسابات رملية وما يكتنفها من مفتتات صخرية.
وتعد سلسلة جبال زاجروس، والبورز، أهم سلاسل الجبال فى إيران، وتغطى جبال زاجروس فى مجموعها كل النصف الغربى من البلاد. وإلى الجنوب من جبال البورز تقع الأحواض الداخلية، ويليها على طول الحدود الشرقية ما يُعرف بالمرتفعات الشرقية. وبوجه عام يقسم إيران إلى ثلاثة أقسام تكون تقريباً متساوية: جبال، وصحارى، وسهول وأراضى صالحة للزراعة.
ويضم إيران تنوعاً كبيراً فى المناخات. فالهضبة تتمتع بمناخ قارى، ربما يلطفه الارتفاع بصورة متفاوتة. فالصيف حار وجاف إذ ترتفع درجة الحرارة فى تموز وآب إلى 40 درجة، وأحياناً يكون الصيف قائظاً للغاية، ويكون الشتاء بارداً، وأحياناً بصورة مفرطة كما فى آزربيجان مثلاً فقد تهبط درجة الحرارة إلى -20 خلال شهرى كانون الثانى وشباط، ويكثر تساقط الثلوج ابتداءً من تشرين الثانى حتى شباط وآذار. ويأتى الربيع مبكراً، بيد أنه قصير المدى. ويمكن القول بوجه عام أن مناخ إيران شديد التباين والتطرف، إذ يمكننا أن نجد فرقاً فى الحرارة فى اليوم ذاته يبلغ 40 درجة تقريباً بين مدينة تقع فى الشمال الغربى، وبين مدينة تقع فى الجنوب الشرقى. كما حدث فى نيسان 1967 إذ كانت درجة الحرارة فى منطقة زنجان، فى الشمال، -3 درجة مئوية، وفى منطقة شاهبار، فى الجنوب، 36 درجة مئوية.(3)
ولما كانت الهضبة الإيرانية بمثابة الجسر الذى يربط آسيا الوسطى بآسيا الغربية، معقل حضارات الشرق القديمة: بابل، وأشور، وعيلام،...، فقد كان حتمياً أن تجذب شعوب قلب آسيا الراغبين فى الاستقرار فوق أرض أكثر سخاءً بالمقارنة مع سهوب آسيا الوسطى أو التوندرا السيبيرية. وهكذا كانت إيران تتعرض باستمرار للاجتياح خلال تاريخها فقد استقر الإيرانيون أنفسهم، كما سنرى، فوق الهضبة خلال الألف الثانى قبل الميلاد، وناضلوا على الدوام للاحتفاظ بسيطرتهم. وهكذا نجد فى هذه البلاد خليطاً كبيراً من أقوام متباينة. ولكنها، كما سنوضح، تشترك فى الروح الواحدة. وربما المعتقدات الواحدة، مع إختلاف الأشكال والأسماء والإجراءات الطقسية فى العبادة.
ويتألف أساس السكان حالياً من فُرس أو تاجيك يسكنون بوجه خاص العراق العجمى ومنطقة أصفهان وفارس وسيستان. وهناك أعداد كبيرة من الأكراد، وهم من الأقوام الهندية الأوروبية كالفرس، ويقطنون الجزء الشمالى من جبال زاجروس والتى تتمدد أيضاً فى تركيا وفى العراق.
وتكثر الجماعات التركمانية بوجه خاص فى الأقاليم الخزرية وفى خراسان. أما إقليم آزربيجان فيقطنه الأتراك بصورة شاملة تقريباً. وقد استقر المغول فى آزربيجان، وهناك أوجدوا أرومة لهم، ونصادف فى هذا الإقليم العديد من ممثلى هؤلاء الغزاة القدامى بحالتهم النقية تقريباً، والذين وفدوا ضمن جحافل هولاكو وتيمورلنك خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. أما إقليم خراسان فى الشرق فيضم خليطاً عرقياً أكثر تعقيداً؛ إذ نجد الفرس، والتركمان المغول، والعرب، والهنود.(4)
واللغة الفارسية هى لغة البلاد الرسمية، فهى لغة الإدارة والحكم والتعليم، وتُكتب بحروفٍ عربية، وتشتمل على كثير من الكلمات العربية، وطبيعى أن نجد تعدداً فى اللغات ما دام هناك مثل ذاك التعدد فى الأصول العرقية. فكل جماعة تتكلم لغتها، بل وتحرص على أن تتكلم لغتها، أو لهجتها إلى جانب اللغة الرسمية، ويمكننا أن نجد العديد من اللغات واللهجات منها: العربية، والآشورية، والكردية، والآزربيجانية، واللورية، والبلوخية، والبختارية، والأرمينية، والآرامية، والبراهوتية، والروسية، والعبرية(5).
ومن الأمور التى يجب ملاحظتها أن الباحث فى التركيب العرقى، كما الاقتصاد كما سنرى، فى إيران ربما يجد صعوبة حقيقية حين يرغب فى تكوين تصور مستقى من أرقام توضح نسبة كل عرق إلى إجمالى الأعراق الموجودة بداخل إيران، وربما يرجع ذلك فى جزء كبير منه إلى عدم دقة الأرقام المقدمة من قبل الحكومة الإيرانية، وربما إنعدامها، الأمر الذى دفعنا إلى التقريب والترجيح بين مجموعات الأرقام الواردة بالتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، وبيانات وكالة الاستخبارات الأمريكية، وإنتهيت إلى النسب الأتية: الفرس (57%) والأتراك (25%) والجيلاك والمازندرانيون (8%) والعرب (3%) واللور (2%) والبلوش (2%) والتركمان (2%) وأعراق أخرى (1%).
وحينما نشاهد هذا الخليط والتباين اللغوى والعرقى، فلا بد أن نتوقع خليطاً مواز على صعيد المعتقدات الدينية، فالمذهب الشيعى هو دين الدولة الرسمى، منذ عام 1288م، بعد أن اعتنقه السلطان محمد خدابنده، وهو المذهب الأكثر شيوعاً. كما يوجد أتباع السنة، وأكثرهم فى آزربيجان وفى كردستان، كما أن هناك بعض الأكراد الشيعة الذين شكلوا مذهباً خاصاً بهم، ويطلقون على أنفسهم تسمية "أهل الحق" ولهم طقوسهم الدينية وكتبهم المقدسة. كما احتفظت أكثرية الأرمن التى تقطن إيران بمذهبها المسيحى الأرثوذكسى. وهناك أيضاً البابية، وهى مذهب ابتدعه ميرزا على محمد فى القرن التاسع عشر، ويُقال أن هذا المذهب كان بدعم من قبل سلطات الاحتلال البريطانى(6). وبالإضافة إلى المسلمين والمسيحيين والبابيين، يوجد اليهود، وأتباع الديانة الزارادشتية القديمة.
ومن أهم المدن الإيرانية: طهران، وأصفهان، وتبريز، ومشهد. وقم، وبوشهر، وشيراز، وكرمان، وكرمان شاه، وأهواز، وهمذان، وبندر عباس، وعبادات. ولنتوقف قليلاً عند طهران، وأصفهان، وتبريز، ومشهد، لما لهم من أهمية نسبية.
طهران هى عاصمة البلاد، وتعود نشأتها إلى القرن الثانى عشر الميلادى، وقد قامت المدينة الحالية فى موضع مدينة قديمة فى إقليم ((راى)) تعرف بهذا الاسم، وظلت مستوطنة صغيرة مجهولة لعدة قرون، ويصل طهران بسهول بحر قزوين عبر جبال البورز ثلاثة ممرات جبلية منفصلة، هى من الشرق إلى الغرب: ممر جودار جودوك، وارتفاعه 2150 متراً، وممر إمام زاده وارتفاعه 2750 متراً، وممر شولوس وارتفاعه 3500 متراً.
ولم تحتل طهران مكان الصدارة إلا ابتداء من عام 1788م حينما اختارتها قبائل الكاجار عاصمة، ومع تدفق الثروة النفطية تطورت طهران، وتحولت إلى غابة من المصانع والإبراج، وعرفت معانى الربح والريع والمضاربة والصراع بين قوة العمل والرأسمال، وامتد العمران الحديث حتى مشارف الجبال فى الشمال.
وفى طهران يتركز أكثر من نصف صناعات البلاد الرئيسية مثل: الصناعات الكهربائية، والنسيج، والسكر، والأسمنت، وتطوير الأسلحة النووية. إذ نجد فى طهران نحو 15% من إجمالى السكان، و30% من قوة العمل، و65% من إجمالى طلبة العلم، و75% من إجمالى السيارات والشاحنات، ويخرج من مصانعها نحو 35% من إجمالى الناتج القومى الإيرانى.
وبعد طهران تأتى أصفهان، من ناحية الأهمية، وهى ذات تاريخ عريق يعود إلى ما قبل الميلاد بألف عام، وهى احدى عواصم إيران القديمة، وتقع فى وسط حوض زراعى خصب ترويه مياه نهر زاينده رود، وقد استمرت أهميتها على مر الزمن بسبب موقعها الاستراتيجى بين الجبال والصحراء، وهى الأن أهم مدينة لصناعة المنسوجات والملابس والأقمشة الفاخرة، وبها مصانع المواد الغذائية، وطحن الغلال، والورق، والأسمنت، والحديد والصلب.
أما تبريز، والتى كانت تاريخياً عاصمة أباقا بن هولاكو، فى عصر الأسرة المغولية فى إيران، فقد أعطاها موقعها بجوار الحدود التركية الأرمينية الآزربيجانية أهمية خاصة كمركز للمواصلات والتجارة، فهى سوق رئيسية لسكان المنطقة وللأرض الرعوية المجاورة، وقد قامت بالمدينة صناعة نامية لمنتجات الزراعة والرعى. وفيها مصانع لتعليب اللحوم، والفواكه، والمنسوجات. وهى شهيرة أيضاً بصناعة السجاد.
كما توجد مدينة مشهد، وهى العاصمة الأقليمية لشمال شرق إيران. وأصبحت فى القرن التاسع عشر مزاراً للشيعة. وهى إلى جوار ذلك تؤدى وظائف إدارية وتجارية إقليمية وتوجد بها بعض الصناعات الهندسية والمنسوجات. وتقع في أقاصي إقليم خراسان بالقرب من مدينة طوس القديمة. وتقع على ارتفاع 985 متراً، ويحدها من الشمال والشمال الشرقي تركمنستان، ومن الشرق أفغانستان ومدينة هراة، ومن الغرب مدينة شاهرود، ومن الجنوب مدينة بيرجند. ويبلغ عدد سكانها حوالى أربعة مليون نسمة. ومن أشهر العلماء والمفكرين والفلاسفة الذين ولدوا فى مشهد، نجد: ابن سينا الشيخ الرئيس، والغزالى، والأخفش، والبرمكي، ويعقوب بن داود، وأبو مسلم الخراساني، وطاهر بن الحسين، وعبد الله بن طاهر، وأبو منصور البلخي، والبيروني، وأبو القاسم الحسن بن محمد الطوسي، وأبو نصر الفارابى.
2- فى الجغرافية الاقتصادية
وإذ ما نظرنا إلى الجغرافيا الاقتصادية، ابتداءً من الوعى بطبيعة الإقليم الطبيعية، فسوف نرى، وبوضوح، كيف أثرت الطبيعة فى النشاط الاقتصادى للسكان، فحيث الصحارى القاحلة، وحيث ندرة الماء، نجد أن الزراعة الإيرانية تواجه صعوبات عديدة أهمها مصادر الرى، الأمر الذى يجعل الزراعة ربما مستحيلة بالإعتماد على مياه الأمطار فقط، لأن الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة يؤدى إلى ارتفاع نسبة التبخر والتى لا تتناسب مع كمية الأمطار المتساقطة، ومن ثم كان من المتعين أن يتجه الفلاح الإيرانى إلى مصادر أخرى غير الأمطار، وبالفعل إتجه إلى مياه الأنهار، ومياه الينابيع، ومياه الآبار، وفى ضوء التقارب الإيرانى الصينى(7) الملحوظ فقد برزت مشاريع الرى وبناء السدود والمحطات المائية والحرارية لتوليد الطاقة الكهربائية ضمن المجالات الأخرى لهذا التعاون، فمع حلول عام 1995، فازت شركة صينية لتصنيع الآلات والأدوات الكهربائية بعقد لتصدير أربع مولدات حرارية لتوليد الطاقة الكهربائية، طاقة كل منها 325 ميجاواط بقيمة إجمالية تصل إلى 2.6 مليون دولار، وفى عام 1996 كان العمل قد انتهى من بناء محطتين مماثلتين بدعم صينى وبقيمة 8 مليون دولار، الأولى محطة هيدروكهربائية بطاقة 10ميجاواط وتضم مجمعاً للرى يغطى مساحة تصل إلى 123 ألف هكتار، يقع على بعد 128 كيلومتراً جنوب غربى طهران، أما الثانية فكانت محطة حراريةبطاقة 325 ميجاوط تولت شركة شنغهاى الصينية للكهرباء تصنيع معدات التوليد الخاصة بها ونصبها. وأخذت على عاتقها مسؤولية تصميم المشروع، وتقديم الخدمات التقنية لبناء المحطة وتجهيزها بمعدات الخدمات الإضافية، وفى مطلع عام 2001 توصلت وزارة الطاقة الإيرانية إلى اتفاق مع إحدى الشركات الصينية لبناء سد ومحطة لتوليد الكهرباء فى سيماره بمحافظة إيلام. وفى نفس العام بدأت الشركة الوطنية الصينية للموارد المائية العمل فى بناء سد ومحطة للطاقة الكهربائية فى تاكستان (150 كيلومتراً إلى الغرب من طهران، ويضم المشروع الذى بلغت قيمته 143 مليون دولار السد الرئيسى، وقنوات تصريف المياه الفائضة ومسارب الرى، وقد صمم على النحو الذى يخفف من أزمة نقص المياه فى طهران وزيادة إمدادتها من التيار الكهربائى.
وتكتفى إيران بإنتاجها فى معظم السنين، بصفة خاصة من الحبوب والفواكه والتمر، ولكنها تستورد السكر والشاى، وتعد محاصيل القمح والشعير والأرز والتمر محاصيل رئيسية لا يستغنى عنها السكان.
ولأن السجاد والملابس الفاخرة من أهم السلع التى تعتمد عليها إيران، بعد النفط، فقد إعتنت الحكومة بالثروة الحيوانية، وبصفة خاصة الأغنام، وهى الأكثر عدداً، إذ يصل إلى نحو 37 مليون رأس، وترعى فى المناطق الجبلية أو شبه الجافة(8).
وعلى الرغم من أن إيران تحتوى على ثروات معدنية متباينة، إلا أنها تركز على إستغلال النفط، ويرجع ذلك إلى صعوبة المواصلات، ووعورة السطح الجغرافى، وتشتت توزيع الثروة، وعدم الإهتمام باكتشافها، ومع ذلك فبعضها يُستغل بكميات تجارية مثل الغاز الطبيعى، والفحم، والحديد، والنحاس، والكروم، والرصاص والقصدير والبوكسايت.
وبشأن النفط؛ فلقد منح شاه إيران أول إمتياز فى الشرق الأوسط لوليام نوكس داكرى عام 1901، وهو مقاول استرالى-بريطانى ينقب عن المعادن، وعندما نفذت إعتمادته المالية ضمّ جهوده إلى جهود شركة بورما أويل عام 1905، وتعرض النفط لنكسة عام 1908. بعد عام، أسس داكرى شركة النفط الإنجليزية-الفارسية (أطلق عليها اسم شركة النفط الإنجليزية- الإيرانية المحدودة عام 1935، وبريتش بتروليوم عام1954) وكانت الحكومة البريطانية تواقه لدعم الإمتياز بما أنه كان المفتاح للتأكيد على تأثيرها فى منطقة جنوب إيران فى مواجهة الروس. تعاظمت الضغوط الاستعمارية، وقسم الإتفاق الإنجليزى-الروسى الذى عقد عام 1907 إيران إلى منطقتى نفوذ روسية وبريطانية تفصل بينهما منطقة محايدة(9) حيث جرت إكتشافات النفط الهامة لاحقاً. ويمكن تقسيم جميع حقول إيران النفطية إلى ثلاث مجموعات رئيسية(10): مجموعة حقول المنطقة الوسطى، وتربطها خطوط أنابيب بميناء عبدان، ومجموعة حقول الخام الخفيف التى تتضمن حقل أغا جارى، وحقل مارون. والمجموعة الثالثة هى مجموعة حقل الخام الثقيل، والحقل الرئيسى بها يسمى جاش ساران، ويتم تصدير نفط المجموعتين الأخيرتين عن طريق جزيرة الخرج، وإن كان بعض حقولها يرتبط بخط أنابيب بميناء عبدان، مثل حقل بازانون. وبالإضافة إلى هذه الحقول البرية، هناك حقول أخرى بحرية منتجة فى قاع الخليج العربى، أهمها حقول داريوس، وسيروس، وأسفنديار، وفريدون، وجميعها تتصل بجزيرة الخرج عن طريق خطوط للأنابيب، بينما ينتهى نفط نوروز وبحر بجانسار، خلال أنابيب، إلى إمام حسان.
والأن، ولأن اقتصاد إيران يعد أحد الأجزاء المتخلفة من النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى المعاصر، وعلى الرغم من أن الحكومة تفرض سيطرتها على شركة النفط الوطنية، وإضافة إلى أن إيران تدفع تعويضات باهظة لشركات النفط بعد التأميم وحتى الأن(11)، إلا أنها لا تسهم فى أى عملية من عمليات إنتاجه بشكل حقيقى ابتداءً من الاستكشاف والاستخراج والتكرير والتصنيع، بل والنقل والتصدير، فهذا النفط كى يتم إستخراجه من جوف الأرض، تأتى الشركات (أجنبية) وبمعدات نقل (أجنبية) وتستخرج الخام بألات (أجنبية: الحفارات، والكلابات، والمصاطب، والأنابابيب، والمكثفات، ومواسير الحفر وأنابيب الاستخراج، إلى آخر ذلك من وسائل إنتاج) وتحمل المنتَج على سفن (أجنبية) وتتوسط فى حركة التجارة"خدمات" شركات (أجنبية)، وبالنظر إلى هيمنة النخبة على مجمل الثروة النفطية، فهى لا تنشغل سوى بالريع الذى يستخدم فى سبيل إحكام السيطرة على البلاد، وتدعيم المركز الإقليمى الذى تحتله الدولة.
وبصدد توزيع العوائد ما بين الحكومة والشركة الوطنية، فإن الحكومة تحصل على عائدات من مبيعات النفط الخام المصدر (تدفع لوزارة المال) وهى تفرض ضريبة خاصة عند الحاجة، ويرسل الفائض إلى الصندوق المخصص للاستقرار النفطى. أما شركة النفط الوطنية فهى تحصل على مداخيلها كلها من مبيعات الغاز (المصدر والمستخدم)، ومن مبيعات النفط الخام المخصص للإستخدام المحلى؛ إضافة إلى عائدات تقتطع من قيمة مبيعات الحكومة من النفط الخام، وتستخدم هذه القيمة لإعادة شراء ما كان قد بيع لشركات أجنبية من خلال الإمتيازات والملاحظة التى يبديها خبراء النفط.
وتتبدى مسألة هامة، لا شك تحتاج إلى مناقشة أكثر، ولكننا نشير إليها، بما يقتضيه حيز البحث، فعلى الرغم من تشابه اقتصادات الخليج العربى وإيران من جهة الإعتماد شبه الكامل على النفط، إلا أن الخليج، والإمارات على وجه الخصوص، بدا وكأنه يعمل ألف حساب، لقمة هوبرت. ألف حساب لما بعد النفط(12). وبصفة خاصة، على الأقل نسبياً، فى مجال التعليم والثقافة ومراكز الأبحاث والدراسات، والإهتمام بالاستثمار فى عقول الإجيال القادمة. وهو الأمر الذى نجد له مثيل فى إيران(13). إلا أننا نجد أن العقول الإيرانية الواعية والمبدعة الحرة دوماً مهاجرة إلى أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. ثمة فارق كبير بين أن تعلم الشعوب، وبصفة خاصة المنتِجة للنفط، حقيقة وطبيعة الصراع على النفط وتعمل من أجل غد تعلم أنه ليس به نفط، وبين أن تتجاهله مغترة بقوة، نووية أو غيرها، لا يمكن استخدامها إلا بإبادة الشعب نفسه. وربما يكون من الجيد أن نلقى النظرة، ولو العابرة، على الصراع العالمى على النفط.
3- مداخلة: الصراع العالمى على النفط
تعود العلاقة بين الزيت وبين القوة العسكرية إلى السنوات الأولى من القرن العشرين؛ حينما حولت القوى المتحاربة، ألمانيا، وبريطانيا العظمى أسطولهما البحرى من التسيير بالفحم إلى التسيير بالنفط. ولما كانت بريطانيا تفتقر إلى الزيت، فقد وجدت نفسها معتمدة على إحتياطيات النفط فى الشرق الأوسط، ولهذا أصبحت حماية هذه الاحتياطيات حاسمة مع إندلاع الحرب العالمية الأولى. فظهور الدبابة والغواصة والطائرة المقاتلة التى تعمل بمحرك ديزل، عمل على تعميق أهمية الزيت، وعند نهاية الحرب كان الوصول إلى النفط عاملاً رئيسياً فى التخطيط الاستراتيجى للقوى المتنافسة.
وأستمر الوضع على ما هو عليه بعد الحرب. وحاولت بريطانيا، التى كانت حينئذ مسيطرة فعلياً على حقول الزيت فى إيران، أن تمد نفوذها إلى الحقول فى العراق والكويت. وكانت فرنسا أيضاً تبحث عن موطىء قدم فى هذه المنطقة. وركزت اليابان على منطقة الأنديز الشرقى الهولندى، والتى كانت منطقة منتجة آنذاك للنفط. وبدأت الولايات المتحدة بحثها عن النفط على إمتداد الحافة الجنوبية للخليج، كانت كل هذه القوى، إضافة إلى ألمانيا والاتحاد السوفيتى، تعرف أن الوصول إلى الزيت سيكون حاسماً فى الحرب القادمة، ولهذا كرس الجميع، عندما إندلعت الحرب العالمية الثانية، قوات أساسية للحصول عليه. ولقد قدمت اليابان نموذجاً واضحاً للإقدام على الحرب من أجل النفط؛ فلم تكن اليابان مؤمنة من تلك الجهة، وكان شبح فقد أو نقصه النفط دائما ما كان يتراقص أمام أعين القادة فى طوكيو، ولذلك كان القرار هو الاستيلاء على الحقول المنتجة فى منطقة الانديز الشرقى الهولندى. أقدمت اليابان على ذلك العدوان على حقول النفط وهى تعلم يقيناً أن أمراً كهذا لا شك يثير غضب الولايات المتحدة، فكان القرار الثانى هو توجيه ضربة عسكرية إستباقية إلى الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربر فى هاواى. ومن ثم صارت الولايات المتحدة أحد الأعضاء الرئيسيين فى دائرة القتال العالمى. ولم يكن التقدم، المؤقت، الذى أحرزه الزحف الالمانى فى الأراضى السوفيتية فى عام 1941، إلا من أجل النفط، بالسيطرة على الآبار فى القوقاز.
أدركت الولايات المتحدة ما بعد الحرب أن الدور الذى يلعبه الزيت هو دور فيصلى ويتعلق بالأمن القومى، ومن هنا عملت دوماً على ترسيخ وجودها فى الخليج العربى ضماناً لانسياب النفط. ولم يقتصر هذا التواجد فقط على الخليج العربى وإنما إمتد إلى العديد من الأجزاء على مستوى العالم؛ وتظهر إعتبارات أمن الزيت بالنسبة للولايات المتحدة فى برنامج المساعدة العسكرية لاذربيجان وكازخستان، فوفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية فإن جزءً مهماً من مبلغ الخمسين مليون دولار المخصص لأذربيجان فى السنة المالية 2004 سينفق من أجل تعزيز "أمن الحدود البحرية" للبلد؛ وفى كازخستان تستخدم المساعدة الأمريكية لتجديد القاعدة الجوية القديمة من العهد السوفيتى فى "أتيروا" على الساحل الشمالى لبحر قزوين، قرب حقل زيت "تنجيز" الغنى بالزيت.(14)
ومن أجل الزيت كان الزحف السوفيتى على أفغانستان وصولاً إلى المناطق الأبعد الغنية بالنفط، ومن أجل الزيت تم قذف العراق، ومن قبله أفغانستان، وإن كان السبب الأكثر أهمية، بتصورى، هو ضبط أسواق المخدرات التى كادت تشهد الانفلات على صعيد الإنتاج والتوزيع العالميين. ومن المعروف مدى إرتباط بارونات المخدرات وأباطرة الدواء بتلك السوق.
ومن أجل الزيت تم قذف ليبيا، والأمر لا يقتصر على العدوان العسكرى من أجل تثبيت الأقدام وضمان الامداد المستمر، وإنما يصل إلى المشاركة الفعالة فى الانقلابات العسكرية، كما فى أمريكا اللاتينية، وتأجيج الحروب الأهلية والصراعات الإثنية، كما فى السودان ونيجيريا والشيشان وتيمور الشرقية، خلقاً لبؤر التوتر على الصعيد العالمى وهو الأمر الذى يضمن عدم تولى حكومة وطنية السلطة فى بعض بلاد الزيت.
ومن أجل الزيت، كذلك، تدور حروب مريرة فى نيجيريا البلد الرئيسى المنتج للنفط فى أفريقيا بعد أن نهب الجنرالات الثروة، ولم تكن دول حوض بحر قزوين أحسن حالاً فلقد شهدت تلك المنطقة صراعاً دموياً سقط معه عشرات الضحايا وبصفة خاصة فى أوزبكستان فى مارس 2004.
ومن أجل الزيت، أيضاً، حدثت المجازر فى الشيشان؛ والتى عادة ما يتم تقديم الصراع الدامى فيها على أساس من كونه صدام بين قوى معادية، إثنية ودينية، أو صراع على السلطة بين الحكومة المركزية فى موسكو وبين سكان يسعون إلى الاستقلال، بيد أن ثمة بُعد جيوبولتيكى مهم: فقد كانت جروزنى، فى ظل الحكم السوفيتى، مركزاً رئيسياً لتكرير الزيت، كما كانت نقطة ترانزيت حرجة لأنابيب النفط التى تحمل طاقة بحر قزوين إلى روسيا، وأوكرانيا، وأوروبا الشرقية.
جدول أكبر شركات النفط على الصعيد العالمى
الشركة بلد المقر عدد المظفين الإيرادات سنة التأسيس أو الإندماج
شيفرون الولايات المتحدة 26000 204,92 1879
إكسون موبيل ( إندماج استاندرد أويل أوف نيوجيرسى، وأستاندرد أويل أوف نيو يورك، واستاندر أويل) الولايات المتحدة 83600 383,221 1990
شل الملكية الهولندية لاهاى/ هولندا 101000 368,056 1907
توتال كوربفوا/ فرنسا 92855 159,270 1924
كونكو فيليبس (إندماج كونكو وفيليبس) الولايات المتحدة 29700 198,655 2002
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_petroleum_companiesr
بيانات محاسبية منتقاة من الميزانية العمومية لشركة "شل" لعام 2009 بالمليون دولار،
المنطقة نفقات الإنتاج نفقات البحث والتطوير الأرباح قبل الضريبة الأرباح بعد الضريبة التدفق النقدى المصروفات الإدارية
أوروبا 3,299 415 5,745 2,989 4,724 1,555
أسيا والمحيط الهادى 1,705 غير متاح 3,068 454 3,723 71
الأمريكتان 5,414 219 1 1,144 7,067 541
http://www.shell.com
والأن، ربما يكون الطريق أكثر تمهيداً كى ننتقل إلى خطوتنا الفكرية الثانية بالتعرف إلى الكُل الاجتماعى وتطوره عبر حركة التاريخ البطيئة والعظيمة. فلننتقل إلى مناقشة التاريخ. تاريخ إيران.








الفصل الثانى
التاريخ
1- بلاد فارس
إيران، أو بلاد فارس(15)، هى بلا ريب من البلدان العريقة، وحضارتها من أقدم الحضارات على وجه الأرض، بل أن الفرس ينسبون أول نسلهم إلى آدم، عليه السلام، وقد ذكر المسعودى:" ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى فى كتابه فى ((أخبار الفرس)) الذى رواه عن عمر كسرى أن الفرس طبقات أربع ممن سلف وخلف: فالطبقة الأولى: من كيومرث إلى كرساب، والطبقة الثانية: من كيان بن كيقباذ إلى الإسكندر، وآخرهم دارا، والطبقة الثالثة: وهم الأشغانية ملوك الطوائف، والطبقة الرابعة: سماهم ملوك الاجتماع، وهم الساسانية"(16). ويذكر الفردوسى، فى الشهنامة:" أول من مَلك العالم جيومرت، وكان الله قد سخر له جميع الجن والإنس، وخصه من عنايته بمزيد من القوة والشهامة، وروعة الجلالة وبهاء المنظر، وهو أول من لبس جلود السباع، وكان كل يوم يحضر الجن والإنس ببابه ويصطفون صفوفاً على رسم الخدمة له".(17) ولدى ابن خلدون، فى تاريخه:"أن علماء الفرس يرون أول النسب هو كيومرث (الذى هو أدم أول الخليقة) وأن طبقات الفرس أربع: الأولى: البشدانية، والثانية: الكينية: لأن إسم كل واحد مضاف إلى كى، والمضاف عند العجم متأخر عن المضاف إليه. والثالثة: الاشكانية: يعرفون بالاشكانية، وكافها أقرب إلى الغين، من ولد اشكان بن دارا الأكبر، كانوا من أعظم ملوك الطوائف. ويحكى ابن خلدون قصة ما أشار به أرسطوطاليس على الإسكندر من تشتيت طوائف الفرس(18). أما الطبقة الرابعة: الساسانية. ويذكر أبو بكر الدوادارى أول طبقة من ملوك الفرس هم الفيشدادية، وأولهم كيومرث. والطبقة الثانية: الكيسانية، وأولهم كيقباد. والطبقة الثالثة: وأول ملوكها الإسكندر ذو القرنين. والطبقة الرابعة الساسانية: وأولهم أردشير بن بابك.(19)
والقلقشندى يُلخص تاريخ الفرس، قبل الإسلام وبعده، ويذكر طبقاتهم وفقاً لما أستقر لدى المؤرخين، فيذهب إلى أن طبقات الفرس قبل الإسلام كانت على النحو التالى: الطبقة الأولى: الفيشدادية: سموا بذلك لأنه كان يقال لكل ملك منهم فيشداد، ومعناه سيرة العدل، أولهم أوشهنج، وآخرهم كرشاسف. والطبقة الثانية: الكيانية: سُموا بذلك لأن فى أول اسم كل واحد منهم لفظة كى، ومعناه الروحانى وقيل الجبار، أولهم كيقباذ. والطبقة الثالثة: الاشغانية: أولهم اشغان بن اشغان، وآخرهم اردوان الأصغر. والطبقة الرابعة: الأكاسرة، أولهم أردشير بن بابك وآخرهم يزدجرد، أما بعد الإسلام فكانت طبقاتهم كالأتى: الطبقة الأولى: عملاء الخلفاء، الطبقة الثانية: خلفاء بنى العباس، الطبقة الثالثة: ملوكهم من بنى جنكيز خان، أولهم هولاكو، وآخرهم أبو سعيد بن خدابندا.(20)
معنى ذلك أن أى محاولة لتلخيص تاريخ إيران، وتجريده منهجياً، لن تكون علمية، مهما إدعت لنفسها تلك الصفة، إلا أن تكون واعية بأن البحث فى التكوين الاجتماعى الإيرانى يبدأ من حيث عصور سحيقة موغلة فى القدم، على أقل تقدير 2000سنة قبل ميلاد المسيح، عليه السلام، إذ نشأ فى تلك الحقبة، فى العالم القديم، شعب لم يعره، آنذاك، أحد قبلاً كبير اهتمام، وينتمى هذا الشعب إلى الأرومة الهندو-أوروبية، وكان قد استقر فى الألف الثانى قبل الميلاد فى جهات هضبة إيران الغربية، وجاوره جنوباً السوزيون الذين كانوا قد اقتبسوا حياة سكان بلاد الرافدين منذ زمن قديم، ولكن فصلت سلسلة جبال زاجروس بين هذا الشعب وبلاد ما بين النهرين، وحالف هؤلاء البابليين واسهموا، بقيادة الماديين، بالاستيلاء على نينوى وتدميرها، وقد نالوا مناطق بلاد الرافدين العليا عندما قسمت الإمبراطورية الأشورية. ولم يكفهم هذا. وكان عليهم أن ينتظروا أكثر من ستين عاماً ليظهروا قوتهم الحقيقية دون حاجة إلى حلفاء. وفى هذه الأثناء إنتقلت القيادة إلى الفرس الذين حققوا غرباً فتوحات ساحقة: فاستولى كوروش أول ملك من السلالة الأخمينية، على إقليم ليديا ثم بابل، واخضع ابنه قمبيز مصر والقيروان، وغدا الملك الثالث داريوس الأول سيد الجزر فى بحر إيجه، وأثر غزوة بعد أخرى دانت لهم هضبة ايران حتى تركستان ونهر الهندوس.(21)
2- التفاعل الحضارى
ولقد تأثرت الحضارة الفارسية بالحضارات الشرقية العظيمة، ونهلت منها الكثير، وجعلت الفتوحات الكبرى من الفرس ورثة أعظم الإمبراطوريات القديمة، ومع أن هذه الحضارات كانت أشرفت على المغيب فإنها تركت تقاليد ونظم وشرائع باهرة حقاً. فلقد رأى الفرس أن مدينة بابل كانت مدينة عظيمة مهيبة حولها أسوارها الضخمة التى أقامها نبوخذ نصر، والتى كانت تمتد من النهر إلى النهر. كما شاهدوا مبانيها الهائلة التى يراها الناس من مسافة بعيدة فى السهل البابلى. وكانت هذه المدينة المركز التجارى الأول فى غرب آسيا، وكانت أعظم سوق عرفه الشرق القديم.
أما على ضفاف النيل فقد حكم الأباطرة الفرس المدن الرائعة التى تزخر بالآثار العظيمة ، ولا شك فى أن تلك الحياة المتحضرة التى رآها الفرس على ضفاف النيل وما رأوه على ضفاف الفرات كان لها أثر كبير عليهم فيما بعد، حينما شرعوا فى تأسيس إمبراطوريتهم. فلم يتوقف الأمر عند حد التأثر بشرائع الشرق ومعماره وتحضره، وإنما كانت اللغة الأرامية، وهى اللغة التى كان يتكلم بها التجار الأراميون الذين كانوا يملأون الأسواق البابلية، قد أصبحت فى ذلك الوقت لغة الهلال الخصيب بأسره. وكانت الوثائق التجارية تكتب بالأرامية بالقلم والمداد على أوراق من البردى(22)ولهذا رأى الموظفون الفرس أنهم مضطرون لتأدية أعمالهم الحكومية، مثل جمع الضرائب، باللغة الأرامية فى جميع أنحاء النصف الغربى للإمبراطورية الفارسية، وكانوا يبعثون برسائلهم الحكومية إلى بلاد النيل وغرب آسيا الصغرى باللغة الأرامية، لأنها كانت اللغة العالمية فى جميع الأعمال الخاصة بالتجارة والإدارة.
وإذ يظل هذا التفاعل الحضارى فى إطار من حروب مستعرة وفتوحات لا حد لها، يأتى الإسلام برسالته العالمية، ولم يكن العرب والفرس، قبل الإسلام، غرباء عن بعضهم البعض، وإنما عرف الفرس العرب عن طريق العلاقات التجارية تارة، وعن طريق رد غارات العرب عن أرضهم تارات أخرى، إذ يقول أبو جعفر بن جرير الطبرى:" وكانت بلاد العرب أدنى من البلاد إلى فارس، وكانوا من أحوج الأمم إلى تناول شىء من معايشهم وبلادهم، لسوء حالهم وشظف عيشهم، فسار جمع عظيم منهم فى البحر من ناحية بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمة، حتى أناخوا على أرشهر وسواحل أردشير وأسياف فارس، وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم، وأكثروا الفساد فى تلك البلاد..."(23)
ولكن، بعد الإسلام، لم يكن مبتغى العرب النهب أو السرقة هذه المرة، كما لم يكن هجومهم موزعاً بين الإقدام والإحجام، الإقدام يؤججه العوز، والإحجام تقويه الرهبة من هذه الحضارة المهابة، التى تتنافس على بسط الهيمنة على العالم القديم بأسره مع قوة لا تقل قوة ونفوذا ومَهابة. إنها حضارة الروم. نقول أن هذه المرة كان الهدف هو نشر الإسلام وتوصيل دين الله إلى العالم القديم وبسط سلطان العقيدة الإسلامية العالمية على جميع ممالك وإمبراطوريات العالم الضال أو المشرك أو الكافر. ولم تكن الرهبة من تلك الإمبراطورية تُذكر بجوار التطلع إلى نشر دين الله أو الشهادة فى سبيل رفعة هذا الدين. ومن هنا إنطلق المسلمون الأوائل بحماس شديد إلى جميع الإتجاهات شرقاً وغرباً وشمالأ وجنوباً، هدفهم نشر الإسلام والتمكين لدين الله فى الأرض. فوصل نفوذ الخلافة الراشدة إلى أقاصى الصين شرقاً، وشمال أفريقية غرباً. وفى تلك الحقبة التاريخية إختفى إسم إيران، كى يحل محله دار الإسلام، وكان للفرس مكانة لا تقل عن مكانة العرب أو الروم ممن أسلموا، وعلى سبيل المثال نجد سلمان الفارسى، والذى كان صاحب مكانة لدى النبى محمد صلى الله عليه وسلم.(24) وعاش الفرس فى كنف الدولة الإسلامية الأولى، وإندمجوا فى النسيج الاجتماعى الذى أعاد صوغه دين سماوى عالمى يسوى بين الناس أجمعين. ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وكان للرقيق والموالى الدور الكبير فى عملية المزج بين العرب والفرس، فالكثير من أسرى الفرس، نساء ورجالاً، وزعوا غنائمهم على المجاهدين العرب وغيرهم. وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وهكذا انتشر الرقيق والموالى فى المجتمع العربى، بحيث لم يعد بيت من بيوت العرب يخلو من بعضهم. وكان أن شهد الجيل الأول، فى صدر الإسلام، إنجاب أبناء يجمعون بين الدماء العربية من جهة الأب والدماء العجمية، ومنها الفارسية، من جهة الأم، ولسوف يقوم هذا الجيل بدور خطير فى عملية المزج بين العرب وغيرهم.
ومهما يكن من أمر، فإنه منذ فجر الدولة الإسلامية غدت بلاد الحجاز ملتقى المسلمين الوافدين من قريب أو بعيد إما لأداء فريضة الحج أو لطلب العلم والتفقه فى الدين بعد أن أمست المدينة عاصمة الدولة الإسلامية، مركز الخلافة. وأدى هذا الإختلاط بين مختلف الأجناس والقوميات واللغات تحت مظلة الإسلام، إلى تداخل العادات والتقاليد والتيارات الحضارية، أحكام الفرس بأحكام الشريعة الإسلامية، التى هى فى مرحلة التكون، ببعض عادات وتقاليد العرب التى لا تتعارض مع روح الدين. وتأثرت نظم الحكم والإدارة فى الدولة العربية الوليدة بما كان سائداً عند الفرس من أوضاع. ولذا فإن الوضع فى هذه الحالة، كما يقول د. سعيد عاشور، لم يكن تأثر المغلوب بحضارة الغالب، وإنما محاكاة المتخلف لمن هو أرقى منه فى المستوى الحضارى، ولكنه يقول أيضاً أن التاريخ لا يُنظر إليه من وجه واحد. ولذا تنبغى الإشارة إلى أنه إذا كان الفرس قد انتصروا فى مجال الحضارة ونظم الإدارة والحكم. ومجال العلوم والفنون. فإن العرب انتصروا فى مجالين عظيمين هما اللغة والدين. ذلك أن اللغة العربية صمدت لتصبح أداة الحضارة الإسلامية الجديدة فى شتى ميادينها. فى حين اكتسح تيار الإسلام الديانات التى كانت سائدة فى بلاد فارس، كالزارادشتية والمانوية والمزدكية.(25)
3- الدولة الأموية كإمبراطورية عالمية
وبعد عصر الخلافة الراشدة، فلم يكن القرن الثامن الميلادى لينتصف دون أن يُنظر إلى دولة الخلافة الأموية كإمبراطورية عالمية مهيمنة تَبسط نفوذها على قلب العالم وأطرافه المترامية، وتمد سلطانها إلى حدود بلاد وأمصار تبعد عشرات الأيام وآلاف الأميال عن عاصمة الخلافة فى دمشق، فلقد بلغ نفوذ هذه الإمبراطورية حدود كل من بلاد الغال وبلاد الفرس ووسط أسيا وشمال الهند.
وفى خِضم هذا التوسع العالمى أخذت فى التشكل تركيبة طبقية تقوم بالأساس على السياسة الاستبعادية لكُل مَن هو غير أموى عن المناصب الهامة، وبصفة خاصة جنرالات الجيش والقادة السياسيين والقائمين على أمور مؤسسات نظام الحُكم فى الدولة، إذ كانت تلك المواقع بالذات قاصر شغلها على مَن هو أموى فقط، ويليهم باقى الرعايا من المسلمين الأجانب الذين صاروا فى وضعية طبقية متدنية، ومنهم الفرس، وبصفة خاصة بعد أن إتسعت أراضى الإمبراطورية كى تشغل مساحة شاسعة قدرها 13 مليون كيلو متر مربع، وتضم نحو 90 مليون مواطن ينتمون إلى أجناس شتى وأعراق متعددة وديانات مختلفة، وهو الأمر الذى أدى إلى إتخاذ الحكم النخبوى على يد الصفوة فى دمشق أشكالاً أكثر تطرفاً هدفها قمع أى محاولة من قِبل هؤلاء الموالى، المسلمين الأجانب وبصفة خاصة الفرس، لبسط سلطانهم أو إظهار قوتهم. وهو الأمر الذى قاد بدوره إلى إزدياد الاستقطاب الاجتماعى، وهو كذلك ما سوف يستغله الخصم التاريخى المتربص، آنذاك، والذى يسعى إلى إسقاط دمشق، عاصمة الخلافة، بأى وسيلة كانت بغض البصر عن مدى شرعية هذه الوسيلة.
فمن جهة أولى، وجد العباسيون، كخصوم تاريخيين للبيت الأموى، أن الواقع الاجتماعى قد صار مهيّئاً تماماً لإسقاط النظام الحاكم فى دمشق وإستبداله بنظام حُكم جديد يستمد نفوذه الروحى من علاقة القرابة الحميمية التى تمتد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مِن جهة عمه العباس.
ومن جهة ثانية، فقد كان للموالى من الفرس، بقيادة إبى مسلم الخرسانى، الدور الحاسم بعد أن أعلن العباسيون التحالف معهم والدخول فى إتفاقيات تقسيم للسلطة والثروة فيما بينهم. بعد أن تدنى وضع الفرس على الصعيد الاجتماعى والسياسى، وراحو يتطلعون إلى مجدهم القديم، وحضارتهم التى هدمها المسلمون.
وفى ظل هذا الإرتباك وتلك الفوضى، وفى الوقت نفسه الذى تأهب فيه البيت العباسى كى ينقض البيت الأموى؛ فقد أعلنت الإمارات الشمالية وهى الأجزاء التابعة للدولة الأموية فى شمال إفريقيا وفى الأندلس إستقلالها عن دمشق؛ إيذاناً بعصر جديد تتحدد معالمه التاريخية من خلال الصراع الدامى بين ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين. وغيرهم من القوى الاجتماعية المعززَة بقوة السلاح؛ إبتداءً من المغرب الأقصى مروراً بقرطبة وأرض الأندلس وإنتهاءً بحدود دولة شارلمان والإمبراطورية الكارولينجية.
وإن هذا التفكك، الذى أصاب الدولة الأموية، لم يكن بين عشية وضحاها؛ وإنما هو نِتاج تاريخ طويل من الصراع على السلطة والنفوذ بين أكبر فصيلين متخاصمين بعد وفاة النبى مُحمد صلى الله عليه وسلم، البيت الأموى والبيت العباسى، وعلى ضفاف نهر "الزاب" أحد روافد نهر دجلة حقق العباسيون، بمساعدة الفرس، نصراً كاسحاً على الأمويين، إلا أن العباسيين لم يبتهجوا كثيراً بهذا الإنتصار، إذ لم يزل أمامهم مهمة أكبر بكثير من مجرد الإنتصار فى موقعة حربية، الأمر الذى جعل بنى العباس يُفكرون، وإنما بذهنية فارسية، فى إنهاء تلك المهمة فى أسرع وقت ومرة واحدة دون توابع. وكانت المهمة تتلخص، ببساطة، فى مسح الدولة الاموية مِن على خريطة العالم وإبادة جميع أهل البيت الأموى؛ ولأجل ذلك قاموا، العباسيون، بتوجيه دعوة إلى جميع أفراد البيت الأموى بغية التصالح فيما بينهم والتفكير معاً فى مستقبل الإمبرطورية المترامية الأطراف، ولم يجد أهل البيت الأموى، المهزوم، إلا تلبية الدعوة على الرغم مما كان يُخالجهم من شكوك فى نوايا أعدائهم التاريخيين!!
وحينما إطمئن العباسيون إلى أن أفراد البيت الأموى جميعاً صاروا بداخل القصر تلبية للدعوة، فقد قرروا تنفيذ المهمة الأخيرة؛ فغلّقوا الأبواب وأصدروا الأوامر بإبادة البيت الأموى عن بكرة إبيه، ولم تستغرق مهمة فصل رقاب أفراد البيت الأموى عن أجسادهم وقتاً طويلاً، ما أن إنتهت حتى أعلن العباسيون إقامة دولتهم الجديدة على أنقاض البيت الأموى الذى تم تدميره منذ قليل، وكان من لوازم تدشين دولة الخلافة الجديدة إتخاذ عاصمة جديدة بدلاً من دمشق؛ وبالفعل وقع إختيار المنصور، وهو الخليفة الجديد، على بغداد كى يُعلِن منها بداية عصر، ولمدة 500 عام، من أعظم عصور البشرية، وعلى الرغم من التاريخ الدموى البشع بالمقاييس كافة، فقد وُلِدت، فيما بعد، حضارة مثّلت لحظات تنبيه وإستيفاق فى تاريخ الإنسانية.
وفى غمرة إنشغال بنى العباس بإزهاق أرواح بنى أمية، فى مذبحة قصر الخلافة فى دمشق؛ فقد تمكنَ من الهربِ فتيان صغيران أحدهما يُدعى عبد الرحمن، والآخر يُدعى يحيى، ومعهما تابعهما ويُدعى بدراً، وهو من أصحاب الأدوار التاريخية فى حياة عبد الرحمن، إذ مَثلَ بدر هذا بمفرده كتيبة إستطلاع لمجريات الأمور المرتَبكة فى الأندلس، وكان بمثابة عين الأمير القادم: عبد الرحمن. أنه عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك.
أخذ الفارون من مذبحة دمشق طريقهم نحو الشمال بإتجاه شمال أفريقية، إلا أن المرور بأرض فلسطين فرضَ على الفارين الثمن الفادح من حياة يحيى، إذ تمكن العباسيون منه فقتلوة، ونجح عبد الرحمن الداخل وتابعه فى الهروب مرة ثانية، وقد قررا إستكمال رحلتهما إلى المجهول نحو الشمال؛ أملاً فى حماية أمراء الشمال، بيد أن الامراء فى شمال أفريقية والذين كانوا يدينون بالولاء للأمويين قد وجدوا، كما ذكرنا منذ قليل، فى حالة الفوضى السائدة فى أرجاء دولة الخلافة فرصة عظيمة كى يَنفَصلوا بإماراتهم ويُعلنوها ممالكاً مستقلة عن دولة الخلافة. بل وكاد عبد الرحمن ذاته أن يَلحق بأخيه يحيى فى عالم الأموات؛ على أرض شمال أفريقية نفسها!
وإذ يخدم الحظ عبد الرحمن مرة فى دمشق، ومرة أخرى على أرض شمال أفريقية، ويَنجو من القتل فى المرتين؛ فإن الحظ يُقدِم له كذلك خدمة أجلّ وإنما فى الأندلس هذه المرة، فلقد كانت الأرض مهيأة هناك أيضاً لحدوث إنقلاب سياسى شامل، طبقاً لإستطلاع "بدر" الذى أخبر به عبد الرحمن؛ فحاكم الأندلس يوسف الفهرى، وبعد أن أعلن تحالفه مع قبيلة القيسية أحد قبائل الشمال العربية، إتبع، هو الآخر، سياسة الاستبعاد لكُل مَن هو يمنى، إذ قام بإقصاء اليمنيين جميعهم والذى تمكنوا من أن يُكونوا طبقة من كبار ملاك الأراضى، وهى الأراضى التى تملكوها مكافأة لهم من طارق بن زياد، على دورهم الرئيسى والحاسم فى إخضاع البلاد المفتوحة وعلى رأسها الأندلس، إلا أن سياسة الاقصاء كانت هى السياسة العامة المتَبعة من قِبل تحالف الفهرى/القيسية. وهو الأمر الذى أججَ الواقع الاجتماعى وأَلهب الصراع بين القوى الاجتماعية، وهى القوى المتناحرة بالأساس.
ولقد وجد عبد الرحمن، الذى دعاه أتباعه بالأمير، الفرصة سانحة كى يُبحر، برفقة المتمردين عبر مضيق جبل طارق إلى الأندلس فى أواسط القرن الثامن الميلادى، وبينما هم يمضون نحو الشمال إنضم إلى صفوفهم الألاف من الأندلسيين الساخطين.
4- العصر الذهبى وهيمنة الفرس
وفى عام 756م يلتقى جيش الأمير، فى معركة حاسمة خارج قرطبة، جيش يوسف الفهرى/القيسية، ويهزم جيش الأمير جيش الفهرى، ويُعلِن إستعادة الحكم الأموى، وليس ذلك فحسب وإنما ليُعلِن أيضاً عن قيام كيان علمى ومعرفى مؤسسى موازى لبغداد، فى الغرب. كيان لا يَقل فى عبقريتهِ وعظمتهِ عن نظيره فى الشرق الواقع تحت سيطرة بنى العباس. ففى نفس الوقت على بعد 2300 ميل من قرطبة بزغ العصر الذهبى للمسلمين فى بغداد والتى جاء إليها العلماء والمفكرون من مختلف بقاع العالم فى شتى مجالات العِلم والمعرفة بعد أن أعلن الخليفة المأمون الذى تتلمذ على يد المعتزلة وهم الفرقة التى كانت أفكارهم، المقدِمة للعقل على النقل، تُدعم نوع الدولة(ومن ثم نوع الدين) الذى يرغب المأمون فى بنائها، فقد أعلن المأمــون أن لا حدود للعِلم ولا نهائيـــــة فى المعرفة، ولا محظور فى البحث عن الحقيقة وأن الدولة تدعم بلا حساب كل مبدع وكل مفكر يقتحم أسوار المجهول ويسعى لفك طلاسم العلوم، وأختراق أسرار الكون والكشف عنها، أو ينقل إبداعات العالم القديم إلى لغة العرب، وينهض بشرحها. ومع قدوم القرن العاشر شهد التنظيم الاجتماعى فى شمال أفريقيا والأندلس نموذجاً جديداً أفرزه الصراع الاجتماعى بين العديد من الفصائل المتناحرة، إذ ظهرَ التنظيمُ الاجتماعى المبنى على الطوائف. وفى ظل الصراع التاريخى ما بين البيت العباسى والبيت الأموى ظهرت دولة "الأغالبة" (800 – 909 م) فى شمال أفريقية، وقد أعلنت نفسها دولة مستقلة فى مواجهة كل من البيتين العباسى والأموى، على الرغم من أن الظهور الأول للأغالبة كان بمساندة مؤسسية من النظام الحاكم فى بغداد، كى تكون بمثابة الدرع الواقى من هجمات الدويلاتِ الأخرى التى أعلنت إستقلالها عقب إنهيار الدولة الأموية، وكان على رأس تلك الدويلات المستقلة دولة "الأدارسة" الشيعية التى كانت تكن كُل العداوة لبنى العباس، وكانت تُمثل خطراً حقيقياً على الخلافة فى بغداد.
وإن كان الفرس قد إستطاعوا بسط سلطانهم على الدولة العباسية فى عصرها الأول، فلقد تبدل الحال فى العصر العباسى الثانى، فحينما خلف الخليفة المعتصم، وكانت أمه تركية، أخاه المأمون قرر اتباع سياسة جديدة، واتجه نحو الاستعانة بالترك واقصاء العرب والفرس، وبعد وفاة المعتصم (842م) بدأ العصر العباسى الثانى مع الخليفة المتوكل، ولكن الفرس لم يستكينوا لسياسة الاقصاء(26)، واستطاعوا انشاء كيانات سياسية أقوى من دولة الخلافة نفسها، فأقاموا الدولة الطاهرية فى خرسان، والدولة الصفارية فى فارس، والدولة السامانية فى فارس وبلاد ما بين النهرين، والدولة الزيارية فى جرجان، أما بنو بويه، الذي كان ابتداء سلطانهم من شيراز، فقد تمكنوا من الاستيلاء على فارس والعراق(27). فى الوقت نفسه الذى وهنت فيه الخلافة، وتفتت العرب، حتى لم يكن لهم سوى بعض الإمارات الصغيرة مثل إمارة الموصل وحلب التى أقامها الحمدانيين. ولم يجد الخليفة، القائم بأمر الله، سوى الإستعانة بالأتراك السلاجقة للقضاء على نفوذ الفرس المتنامى، وبالفعل لم يمكن الأتراك السلاجقة من إعلان زوال سيادة الفرس فحسب، وإنما العرب أيضاً، وحينئذ لم يقم الأترك بدور الوصى على الخلافة العباسية فحسب، وإنما بدور حماة الإسلام من الخطر الصليبى الذى كان على أبواب الشرق الإسلامى فى القرن الحادى عشر الميلادى. وهو الخطر الذى سوف يتولى المماليك القضاء عليه نهائياً من سواحل بلاد الشام.
5- تأسيس دولة التتار فى إيران
وحينما إجتاح المغول الشرق الأوسط فى القرن الثالث عشر(28)، وتمكن المماليك من الإنتصار عليهم، بركائز شرعية غرسها شيخ الإسلام ابن تيمية(29)، وأكدوا سلطانهم على مصر والشام، تراجع المغول إلى فارس، وقد قرروا تكوين دولتهم فى إيران(1264-1336م) وهنا يتعين أن نلاحظ حدثين مهمين: أولهما: اتخاذ الأسرة المغولية الحاكمة فى إيران للإسلام على مذهب أهل السنة ديناً للدولة بعد مضى ثلاثين عاماً على تأسيس مملكتهم بإيران، فى محاولة منهم إلى الالتحام مع النسيج الاجتماعى المسلم الذى كان يراهم عبدة أوثان كفرة، وربما كمحاولة أخرى كى يقدموا أنفسهم كبديل أفضل بالمقارنة مع حكام مصر والشام الذين كانوا مماليك أرقاء . ثانيهما: تحولهم إلى المذهب الشيعى الإثنى عشرى(30) بعد مضى خمسة عشر عاماً على الخطوة السالفة الذكر. وذلك كى لا يعترفوا بالقاهرة، التى يحكمها المماليك، مركزاً لدار الإسلام، ومن ثم يصيروا، ولو شكلياً، خاضعين للماليك الذين يستطيعون أن يحددوا للخليفة، وهو فى أيديهم، بمن يعترف، وطبيعة الإعتراف، وطبيعة وحدود الألقاب الممنوحة. فمعنى أن المغول لم يستطيعوا إزالة المماليك، فإن الأيديولوجيا السنية التى يمسك المماليك بزمامها لم تعد فى صالحهم، فاقتضى الأمر تغييراً جذرياً سريعاً، فكان التشيع على المذهب الإمامى، وذلك فى عهد أولجاتيو (1304-1316م) ولا شك فى أن تحدر المغول من جنكيز خان، وإحساسهم بأن أسرة جنكيز خان هى صاحبة الحق فى السيطرة على العالم؛ سهل عليهم فهم الأيديولوجيا الشيعية التى تحصر الحق فى السلطة فى الأئمة من آل البيت لذا فإن إنتقال سلاطين المغول من التسنن إلى التشيع، كان يحل مشكلة أيديولوجية لديهم تتعلق بهويتهم(31)، ودورهم الجديد فى دار الإسلام. فقد صار بوسع السلاطين المغول عندما تشيعوا الإدعاء أنهم إنما ينفذون إرادة الله وخطته اللتين تعطلتا عبر التاريخ بسبب السيطرة السياسية لأهل السنة. وهكذا فإن كل السلطات الإسلامية حتى أيامهم هى غير شرعية لأنها أكلت حق الأئمة أو سكتت عن انتهاك هذا الحق. وبمقتضى هذه الرؤية يكون كل الخلفاء السابقين؛ بل والمماليك أيضاً؛ مغتصبين للسلطة والسلطان.
وحينما تمرض دولة المماليك، وتمزق على يد العثمانيين كقوة عسكرية، يظهر إسماعيل الصفوى، ويشرع فى مراسلة ملوك الفرنجة، الذين لم يفقدوا الأول فى بيت المقدس، عارضاً عليهم اقتسام الشرق إذ ما ساعدوه، ولكن السلطان سليم الأول تنبه إلى ذلك، وألحق بالصفويين هزيمة ساحقة فى جالديران 1514. ولم تكن تلك الهزيمة إلا إعادة صوغ لشكل الدولة وحدودها، للمرة الثانية بعد موقعة عين جالوت، إذ تبلورت القومية الفارسية/الإيرانية، وصار الصراع معلناً بين الدولتين العثمانية والفارسية بصفة خاصة حول العراق والعتبات المقدسة(32)، حتى ظهر نادر شاه واستطاع الهجوم على البصرة، ثم احتلال البحرين، كما تطلع إلى ضم عمان فى عام1737م، ونظراً لأن فارس، آنذاك، هى الأكثر حاجة إلى العراق، وإلى العالم السنى، فقد أطلقت على يد نادر شاه أول دعوة للتوفيق بين السنة والشيعة، باعتماد المذهب الجعفرى الذى وضعه الإمام الشيعى جعفر الصادق، ويتميز بأنه وسطى ويحرص على ترك المسائل الخلافية. ولكن فى تلك الفترة أخذ يتشكل على أرض الواقع صراع أيديولوجى جديد بين السلفية الوليدة فى شبه الجزيرة على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب، والشيعية الفارسية. فى الوقت نفسه الذى انتقلت التركة الاستعمارية من اسبانيا والبرتغال إلى إنجلترا وفرنسا، بجوار الدولة العثمانية وروسيا، كبلدان إستعمارية توسعية بحكم تكونها التاريخى، وحينما يبسط الفرس سيطرتهم على العراق بقيادة الشاهزاده محمد على والشاهزاده عباس ميرزا، يستنجد السلطان بمحمد على باشا فى مصر، ولكن على ما يبدو أن محمد على لم يكن يرحب بالدخول فى معركة ضد الفرس(33) ونظراً لتفشى الأمراض فى الجيش الفارسى، فقد اضطر الفرس إلى الإنسحاب والعودة إلى فارس، وفضلت الدولتان الإسلاميتان العودة إلى مائدة التفاوض وتوصل الجانبان إلى معاهدة أرضروم الأولى 1823. وإذ تمضى السنون وتأتى الحرب العالمية الأولى بين المحور والحلفاء، وتكون إيران أرض المعركة بشكل واضح، ويبدو جلياً مدى الهيمنة البريطانية، ومدى شقاء الشعب، بل وجوعه، حينما ضربت المجاعات البلاد سنة 1917، تحت رعاية الملكية القاجارية(34)، الأمر الذى قاد إلى ظهور رضا خان (1921-1925) من خلال إنقلاب عسكرى، وبعد رضا خان يتولى زمام السلطة رضا بهلوى (1925-1941) كى تتميز فترة حكمه بالصدام مع رجال الدين، والعمل على المزيد من إدماج إيران، كأحد الأجزاء المتخلفة، فى السوق الرأسمالية العالمية الآخذة فى التشكل. وإذ تنشب الحرب العالمية الثانية تنتهى حقبة رضا بهلوى بالغزو الأنجلو- سوفيتى وتحويل إيران إلى قاعدة لتزويد الحلفاء بالطائرات، وربما بالمقاتلين أيضاً، وفى ظل الإستعمار السوفيتى يتولى الشاه محمد رضا الحكم، وعقب حادثة اغتياله(35)، واتهام التيار الشيوعى، أخذ يعمل على قمع المعارضة وتصفية رموزها ومنها مصدق ومجموعته، وهو الأمر الذى استتبع رد فعل شعبى عنيف، لم يجد أمامه الشاه إلا أن يعين مصدق رئيساً للوزراء، وفور تقلد مصدق زمام الأمور مد جسور التعاون مع الشيوعيين، وقلص مصروفات القصر، وعزل العشرات من الجنرالات الموالين للغرب الإمبريالى، وبدت إيران وكأنها فى طريقها إلى حكم وطنى حقيقى، إذ صار النفط محلاً للتساؤل حول كيف يستفيد الشعب الإيرانى بعوائد هذا الخام؟ وبالطبع لم يكن هذا التوجه كى يرضى أجهزة الإستخبارات الأمريكية، ومن قبلها الإنجليزية، فوضعت الخطة للإطاحة بمصدق، وأرجعت كل السلطات مرة أخرى إلى محمد رضا الذى تعلم الدرس، فأنشأ، برعاية غربية، السافاك(36) بقيادة تيمور بختيار، الذى عمل على قمع أهم زعيمين: على شريعتى، وأية الله الخمينى. والقضاء على أهم تيارين: فدائى خلق، الماركسى. ومجاهدى خلق، التابع لعلى شريعتى. بيد أن القمع المستمر ولّدَ الإنفجار لدى شعب أنهكه الجوع والفقر، فكانت الثورة الإسلامية، كما أطلق عليها، ولكنها تحمل فى طياتها التغيير الإيديولوجى فى عقيدة الشيعة، وبصفة خاصة الإمامة الاثنى عشرية.
6- ضبط الإصطلاح
فإن مصطلح الشيعة أطلق فى القرن الأول الهجرى على أتباع الإمام عليه السلام، فى مقابل شيعة معاوية أو آل إبى سفيان، أما مصطلح الإمامية فقد أطلق فى القرن الثانى على الشيعة الذين قالوا باشتراط العصمة والنص فى الإمام، وإن أئمة البيت أحق من غيرهم بالإمامة. وأما مصطلح الاثنى عشرية فقد أطلق فى القرن الرابع الهجرى على الشيعة الذين قالوا بولادة ووجود الإمام الثانى عشر(محمد بن الحسن العسكرى) واستمرار حياته إلى يوم الظهور أو العودة من الغيبة. والمصطلح الأخير إنما يعنى سقوط نظرية الدولة، إذ فى عصر الغيبة من المفترض، وفقاً للمعتقد، أن تتوقف الدولة عن ممارسة نشاطها حتى عودة الإمام الغائب. ومن ثم تُعطل الحدود، وتمتنع صلاة الجمعة، وجمع الزكاة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد(37)، وإلى غير ذلك مما يستلزم وجود الإمام الغائب. بيد أن الواقع كان أقوى من دوجما العقيدة، فلم تكن الإنتفاضة، فى تقديرى، ضد الشاه التى قادها الخمينى موجهة فحسب ضد نظام حاكم فاسد موالى للغرب الإمبريالى، وإنما ثورة فقهية وفكرية على نظرية "التوقف والانتظار" حتى عودة الإمام من الغيبة، إذ رأى الخمينى(38) ومَن معه مِن المفكرين/الفقهاء أن نظرية الانتظار تكبلهم وتمنعهم من النشاط السياسى الفاعل، ومن ثم كانت ثورتهم الثانية التى وجهت ضد نظرية الغيبة، بأن تم ابتكار نظرية بديلة على مرحلتين: الأولى هى افتراض النيابة العامة للفقهاء عن الإمام الغائب، ثم، ثانياً، تطوير نظرية النيابة إلى نظرية ولاية الفقيه(39). وهى تعنى، من ضمن ما تعنى: أن ليس للشعب دور فى اختيار الولى الفقيه، وان أهل الخبرة (الصفوة الأخيار) هم الذين يكتشفونه. وأن الولى الفقيه (المصطفى) أهم من القانون الأساسى. وأن حكومة العدل الإسلامية بديل للنظام الجمهورى. وأن تصدير الثورة من مهام الحكومة الإسلامية التى يديرها الولى الفقيه (وهذا المعنى دعائى وغير حقيقى، ويخضع لإعتبارات سياسية بحتة وليس عقائدية أو أيديولوجية) وأخيراً فليس للأحزاب السياسية أن تنحرف عن الخط الذى رسمه الإمام. ولقد نصت المادة الخامسة من الدستور الإيرانى على تلك الهيمنة إذ جاء فيها أن :"فى زمن غيبة الإمام المهدى (عجّل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فى جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقى، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير...".
إن هذا التطور، وهو فى تصورى برجماتى جداً، إنما يبعد شيعة اليوم عن التسمية الموروثة والشائعة (الإمامية) ويمكن أن يسمى الشيعة اليوم بأنهم جعفرية، أى يتبعون فقه الإمام جعفر الصادق، كما يتبع المسلمين الأحناف أو المالكية...
7- ملاحظات ختامية
يبقى أن نشير إلى أن النظام الإيرانى القائم ليس نظاماً ثورياً كما يتم تسويقه. لأن الثورة التى إنتصرت سنة 1979، كانت ثورة "جماهيرية" بالمعنى الحقيقى، إذ شهدت مشاركة جميع فئات الشعب من عمال إلى فلاحين وشباب وجنود ونساء، وجميع الأتجاهات من أجل إيقاف نزيف نهب الثروة القومية، والذى قام بالدور المحورى فى هذه الثورة هم عمال النفط حيث قام ملايين العمال بتنظيم أنفسهم على هيئة لجان المصانع والمعامل وأعلنوا فرض سيطرتهم على تلك المصانع والمعامل، فى الوقت نفسه الذى قام فيه ملايين الفلاحين بالدخول إلى أراضى كبار ملاك الأراضى وإعلان سيطرتهم عليها كذلك، والطلاب أيضا قاموا بفرض سيطرتهم على مدارسهم وجامعاتهم وعملوا على تسييرها بشكل ديمقراطى وأنهوا نظام التعيين الذى كان سائداً فيها، والجنود بدورهم شيدوا (مجالسهم) وبدءوا فى تطهير الجيش من الضباط الموالين للنظام النهبوى السابق. وتمكن الشعب الإيرانى كُله من إسقاط الديكتاتورية.
بيد أن الملاحظة واجبة بأن تدعيم أسس النظام القائم حالياً فى إيران، لم يتحقق ما بين سنوات 1979 و1983، إلا على قاعدة السحق الفعلى لهذه الثورة من جانب التيار الدينى الإسلامى الأصولى ورجالاته (على الرغم من التطور الذى لحق لغة ومضمون الخطاب الدينى الشيعى) وخلال سنوات معدودة باتت الثورة ومنجزاتها هباءً منثوراً. فقد تم إعادة الأرض إلى كبار الملاك، وتم طرد الفلاحين منها، والذين سبق وأن أعلنوا بسط سلطانهم عليها. وكذلك تم القضاء على مجالس المصانع والمعامل وحلت محلها المجالس الإسلامية، وتم قمع العمال وحرمت الطبقة بأكملها من جميع الحقوق، بما فيها طبعاً الحق فى التنظيم والاضراب. وتم فرض تفسير محدد للإسلام على جميع المواطنين، فوضعت أشد القيود على النساء، وخلق مناخ من القمع الأيديولوجى للأغلبية الساحقة من السكان.
ويمكننا القول بأن إستيلاء رجال الدين الإسلاميين الأصوليين على ثورة العمال وباقى فئات الشعب وقمعها، لم يكن ممكناً إلا بسبب السياسات الخاطئة التى نهجتها المنظمات اليسارية ذاتها، التى إعتقدت فى إمكانية تشكيل جبهة متحدة مع رجال الدين الإسلاميين(كقوة إجتماعية) الذين كان يترأسهم أية الله الخمينى. وقد دفعت التيارات اليسارية، على ما أظن، ثمن أخطائها.
وهكذا تمكنت الجمهورية الإسلامية خلال سنوات معدودة، من قمع اليسار، بل وباقى الفصائل الوطنية التنويرية من تدعيم أركانها والإستيلاء على ما كانت فى البداية ثورة عمالية شعبية معادية للدكتاتورية وهيمنة الإمبريالية والرأسمال على السلطة. ولكى يتمكن النظام المتأسلم من بسط نفوذه على الشعب قام رجال الدين برفع شعارات معاداة الإمبريالية، وإستخدام نفس لغة اليسار تقريباً، ويستعمل الرئيس أحمدى نجاد مثله مثل رجال الدين، لغة معادية للإمبريالية فى محاولة لكسب التأييد من جانب الجماهير، مع المزيد من السحق اليومى للعمال وباقى فئات الشعب.
واليوم يمكن حصر الإتجاهات السياسية فى إيران فى ثلاثة إتجاهات(40): الأول: اليمين المحافظ واليمين المتشدد، وهو يرى أصالة النظام الإسلامى وولاية الفقيه المطلقة (الخمينى، منتظرى، خامنئ) الثانى: اليسار المحافظ واليسار المعتدل، وهو يتخذ موقف وسط ومعتدل، ويبدو متخلياً عن توجهاته الثورية. الثالث: التيار الوطنى الليبرالى، وهو التيار الرافض ولاية الفقيه، وهو غالباً خارج حسابات مؤسسة الحكم فى الدولة.
أن الملاحظة الواجبة هنا، بصدد النظام السياسى فى إيران، هى أن منذ قيام الثورة عام 1979 استمرت عملية إقامة المؤسسات السياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، على شكل هياكل مستقلة. وحالف رجال الدين التوفيق(حتى الآن) فى المحافظة على مؤسسات الجمهورية الإسلامية. وعلى عكس ما كانت عليه إيران فى عهد الشاه، فإن مؤسسة مجلس الشورى تتمتع اليوم بدور أكثر استقلالاً إلى حد بعيد(41). ولكن المشكلة الرئيسية التى من المحتمل أن تهدد مؤسسات الحكم فى الدولة قد تأتى من تعدد المؤسسات التى تخدم متوازية، فهناك مجلس الخبراء مقابل مجلس الشورى، والمرشد الأعلى مقابل رئيس الجمهورية، والحرس الثورى الإسلامى مقابل القوات المسلحة النظامية، وممثلو الإمام لدى الوزارات مقابل الوزراء المعينين. الأمر الذى يعنى أن إحتمال التصادم وارد، وبصفة خاصة إذ ما كان لدينا الوعى بأن التاريخ الإيرانى، كما رأينا، لا يتطور إلا من خلال انعطافات حادة، وتغيرات راديكالية.
الفصل الثالث
الاقتصاد(42)
والأن، وبعد أن عاينا الجغرافية وناقشنا التاريخ، يتعين أن ننتقل إلى خطوتنا الفكرية الثالثة، وفيها ننشغل بتحليل هيكل اقتصاد إيران.
الواقع أن هذا الاقتصاد، بمعدل نمو يبلغ 1.1%، وتبلغ فيه القوى العاملة نحو 27.5 مليون نسمة، من إجمالى73 مليون نسمة، ويصل معدل البطالة إلى 10%، حاله حال جُل اقتصادات النظام الرأسمالى المعاصر؛ إذ يشكل القطاع الخدمى في إيران نحو 50% من الهيكل الاقتصادى، ويعمل فى هذا القطاع 45% من إجمالى القوى العاملة، تمثل الإناث نحو7.5%، بينما يمثل الرجال نحو 19.6%. ولقد شهد هذا القطاع انخفاضاً فى القيمة المضافة؛ فبعد أن كان يحقق 54.1% فى أعوام التسعينات من القرن الماضى، أصبح يحقق 47.0% فى عام 2010.
أما الصناعة فهى تُشكل نحو 38.4% من الهيكل، وعمالة، معظمها غير ماهرة، تبلغ 31% من إجمالى القوى العاملة، وتبلغ نسبة الإناث العاملات فى هذا القطاع نحو27.3%، أما الرجال فيمثلون نسبة 33.2%. ولقد شهد هذا القطاع ارتفاعاً ملحوظاً فى القيمة المضافة، إذ بلغت هذه القيمة 43.6% فى عام 2010، بعد أن كانت 28.0% فى التسعينات.
أما قطاع الزراعة، بكل ما يواجهه من صعوبات، فلا يشكل أكثر من 11% من الهيكل الاقتصادى، وإن كان يستوعب 25% من القوى العاملة، يمثل الإناث منهم 30.6% والرجال 19.3%. بيد أن القيمة المضافة فى هذا القطاع انخفضت بشدة كى تبلغ 9.4% فى عام 2010، بعد أن كانت 18% تقريباً فى عقد التسعينات من القرن الماضى.
وكما يتضح من الجدول أدناه، فإن نسبة السكان تحت خط الفقر تبلغ 18.8%، بواقع 1.25 دولار/يوم (يعتد البنك الدولى بالأسعار الدولية عام 2005) وتلك هى الأرقام المعلنة من قبل المنظمات النقدية والمالية الدولية، بالاعتماد غالباً على الأرقام المقدمة من الحكومة الإيرانية، التى لا تُفضل عادة أن تُفصح عن مقدراتها الاقتصادية. ولذلك تنحصر دلالة الرقم فى توضيحه النسبى للإتجاهات. وتلك الملاحظة يتعين الوعى بها بصدد كل الأرقام والبيانات الاحصائية، مثل معدل التضخم الذى بلغ فى عام 2011 وفقاً لأسعار الإستهلاك 25%، أو معدل النمو فى الإنتاج الصناعى الذى بلغ (بالسالب-2.7%) إذ تتوقف الدلالة عند حدود توضيح الإتجاه العام للظاهرة، دون أن تعبر عنها، رقمياً، بدقة.
وإذ ما إنتقلنا إلى الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية) فسنجد أن الاقتصاد الإيرانى حقق فى عام 2012 نحو 100 بليون دولار تقريباً، ونحو 500 بليون دولار تقريباً وفقاً لسعر الصرف الرسمى. وفى الحالتين يمكن القول، أخذاً فى الإعتبار الطبيعة (الريعية) للاقتصاد الإيرانى، أن إجمالى الناتج المحلى الإيرانى إنما يفوق الناتج المحلى الإجمالى لكل من: الأردن 7.905 بليون دولار، وتونس 14.768 بليون دولار، وجيبوتى 124 مليون دولار، وسوريا 32.280 بليون دولار، والصومال 5.896 بليون دولار، ولبنان 9.543 بليون دولار، ومصر 107.132 بليون دولار، والمغرب 37.315 بليون دولار، وموريتانيا 2.047 بليون دولار، واليمن 13.298 بليون دولار. أى أن الناتج المحلى الإجمالى الإيرانى يفوق الناتج المحلى الإجمالى لعشر دول عربية.
وتصدر إيران النفط، ومنتجاته الكيميائية والبتروكيميائية، والفواكه، والمكسرات، والمنسوجات، والسجاد، وتستورد، مثل جميع الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، السلع الرأسمالية، والآلات، والمعدات، ومواد الإستهلاك، وخدمات التقنية.
ويعد كل من الصين، والإمارات العربية المتحدة، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والهند، وإيطاليا، وألمانيا، أهم الشركاء التجاريين، ولكن يظل الصين والإمارات العربية أهم شريكين.
فبصدد الصين، فكما رأينا أن الصين تعد شريكاً رئيسياً للتنمية، بغض النظر عن نوعها، فى إيران، وتتصدر الشركات الصينية الخاصة والحكومية حقل النشاط الاقتصادى والإنتاجى فى طهران، ومشهد، وأصفهان، وخاتون أباد، ونيسابور، وبندر عباس، والأهواز، وغيرها من أجزاء إيران، إذ نجد الصين وشركاتها فى حقل الإسكان، وإستخراج الذهب، والتنقيب عن الفحم، ومشروعات الرى والسدود وإنشاء محطات توليد الكهرباء، ومصافى تكثيف الغاز الطبيعى، ومشروعات بناء الطرق السريعة والأنفاق، ومشروعات البتروكيماء، ومصانع للنحاس، ومصانع للورق، ومصانع لمعدات السكك الحديدية، ومصنع للسيارات، وآخر لتصنيع الشاحنات، وإنشاء معامل للأسمنت، ومعامل للزنك، ومصاهر للألومنيوم، ومد خطوط أنابيب النفط، وتطوير الحقول نفسها، ومد خطوط السكك الحديد، وتطوير مجمع الإيثلين(43). وفى الوقت نفسه تعد إيران من كبار موردى النفط الخام للصين، ولا ينافسها فى ذلك سوى المملكة العربية السعودية.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، كدولة من أهم الشركاء، فلقد بدأت العلاقات بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة بداية غير طيبة، فبعد أن قرر الاستعمار البريطانى الإنسحاب من منطقة الخليج العربى، بسطت إيران هيمنتها على الجزر الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وأعلنت إحتلالها لهذه الجزر مطيحة تماماً بكل المبادىء القانونية المعترف بها فى الأمم المتمدينة، ولأن إيران تتعامل مع قضية الجزر، فى تصورى، بمنطق وضع اليد وسياسة الأمر الواقع، فى الوقت نفسه الذى تلتزم فيه دولة الإمارات العربية بأقصى درجات ضبط النفس واعتماد سياسة النفس الطويل فى مقابل سياسة الأمر الواقع التى تنتهجها إيران، فأتصور أن مشكلة الجزر لن تحل، سلمياً، ولو جزئياً، فى المستقبل القريب، وسيكون على دولة الإمارات العربية العمل بشكل أكثر برجماتية، وتدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارة البينية بين الدولتين، وأعتقد أن دولة الإمارات لديها الوعى بذلك؛ فعلى الرغم من توتر العلاقات السياسية، حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على إبقاء العلاقات الاقتصادية، والتجارية تحديداً، مع إيران على قدر من الأهمية والتميز النسبى، ويتضح ذلك إذ ما علمنا أن نحو 30% من واردات إيران قادمة من دولة الإمارات العربية ، فقد كانت إمارة دبى، ولا تزال، شريكاً تجارياً مهماً لإيران. حيث كانت حلقة تجارية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وذلك عندما حلت إمارة دبى محل مدينة لنجة(44) كأكبر ميناء فى جنوب الخليج. ويلاحظ أن معظم التجارة بين دولة الإمارات وإيران تتم عبر إمارة دبى، التى تقوم بمهام إستيراد السلع ثم إعادة تصديرها إلى إيران.
أن النفط هو السلعة الرئيسية التى تتخصص إيران فى إنتاجها على الصعيد العالمى، الأمر الذى يدعو إلى تكوين الوعى، الناقد، بعدة أمور:
- الدور التاريخى للنفط فى تثوير الإنتاج الزراعى والصناعى، بل والخدمى، على الصعيد العالمى، وبصفة خاصة فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، وما إستصحب ذلك من صراع محموم من أجل الزيت متزامن مع تطوير متسارع فى الهياكل الصناعية، ومن ثم تطوير عمليات الإنتاج من أجل السوق الدولية بوجه عام، بعد تقليص الدور الذى كان يلعبه الفحم، إبتداءً من النصف الأول من القرن العشرين.
- يتعين الوعى بطبيعة النفط، وقيمة إستعماله، كسلعة محولة، ويُعد فعل التحويل هذا فى ذاته شرط تحقق تلك القيمة (البنزين، المازوت، زيوت التشحيم، الكيروسين، البتروكيمياء). الأمر الذى يستلزم الوعى بأدوات تحويله، ومن باب أولى يوجب الوعى بأدوات إنتاجه (صوراى الحفر ومواسيره، ومصاطبه"البحرية والبرية"، والروافع، والمناضد، والدورات، والكلابات، والحفارات، والمضخات، المحركات، الأنابيب، المصافى) وإذ ما أضفنا إلى ذلك الوسائل المساعدة (مثل النقل مثلاً) فإنه يمكن وببساطة، كما ذكرنا، إستنتاج إفتقاد إيران، وبمعنى أدق القوى الاجتماعية المهيمنة (الأيديولوجية الدينية) على النفط الإيرانى، لشروط تجديد الإنتاج، إذ تعتمد هذه القوى الإجتماعية المهيمنة فى سبيل الإنتاج، تبعاً لما لاحظنا أعلاه، على سلع وأثمان السوق الدولية. وأتصور أن الحديث عن دور منظمة الأوبك، وإيران أحد الأعضاء فيها، فى فرض الأثمان وتحديد هوامش التقلبات، غير مفيد، لأن الأوبك لا تسهم فى تشكيل الأثمان على الصعيد العالمى، ولا سوابق تاريخية على عكس ذلك(45).
- إيران دولة نفطية، وبالتبع ريعية، وحيث أن تحكم طبقة إجتماعية خاصة فى عملية النفاذ إلى المورد فى الاقتصادات الريعية المنجمية، والوعى بما يثيره ذلك من علاقات جدلية بين باقى طبقات المجتمع، هو من أبجديات فهم الطبيعة الخاصة تلك الاقتصادات، فإن إيران لا تمثل أدنى إستثناء فهى تنتمى إلى صلب القاعدة. إذ تحكمت الطبقة الأرستقراطية بما تتضمنه من كبار الملاك العقاريون، وعائلاتهم من بعدهم، والبورجوازية الكمبرادورية (مثل: ناصر الدين شاه، ومظفر شاه، ... ) منذ البدء فى عملية النفاذ هذه، كطبقات كونت تاريخياً كطبقات مهيمنة، ثم ونامية فى ركاب الرأسمال الأجنبى المسيطر، إذ فى الوقت الذى تفجر فيه النفط كان المجتمع الإيرانى مكون من أربع طبقات، بحيث شكلت الطبقة الأرستقراطية أعلى الطبقات الاجتماعية وإحتوت على كبار ملاك الأراضى، وأصحاب الإقطاعيات الكبيرة، وسلالة الحكام القاجاريين، والأمراء الملكيين، ورجال البلاط والحاشية، ومعهم حكام الأقاليم، والنخب المحلية فى الريف من النبلاء وزعماء القبائل، وتعد هذه النخب المحلية الجناح المكمل للأرستقراطية الإيرانية. ويلى الطبقة الأرستقراطية بتركيبتها المذكورة تجار المدن، أو البازاريون(46) وصغار ملاك الأراضى وأصحاب الحوانيت والمشاغل الحرفية، وكانت تلك الطبقة مصدر التمويل الأساسى للمؤسسة الدينية الشيعية. أما الطبقة الثالثة فهى تتضمن الحرفيين وأجراء اليومية وعمال المصانع"الناشئة" والحمالين، وخدم البيوت والمنازل. وفى أدنى السلم الاجتماعى توجد جماهير القبائل والمعدمين من الفلاحين ومن البدو الرحل.
- وحينما تنتقل الثروة الأساسية للبلاد إلى أيدى البورجوازية الوطنية (الفقيه، والنخب الدينية الحاكمة) فإن هذا الانتقال يرتكز على أربعة أمور، تحتوى حين تحققها إمكانية النجاح فى السيطرة الكاملة على شروط التراكم، فى الوقت الذى يقود على العكس حين الفشل فى هذه السيطرة، إلى عدم تمتع عملية التراكم بالحد المطلوب من الاستقلال الذاتى، وبالتالى لا تعد هذه العملية إلا إنعكاساً وتكملة لعملية تراكم مركزها الذاتى فى مكان آخر خارج الوطن، وتلك الأمور هى (والتى لم تصل إليها بعد بورجوازية الأجزاء المتخلفة بوجه عام والإيرانية، بولاية الفقيه، بوجه خاص) :
1- السيطرة على إعادة تكوين قوة العمل أى بعبارة أخرى إنتاج غذائى بالكميات والأسعار المطلوبة لإستمرار الأيدى العاملة الأجيرة فى القطاع الرأسمالى والتوسع فيه.
2- السيطرة على أسواق السلع الداخلية، وإلى حد ما النجاح فى المنافسة الدولية. وربما النجاح فى عزل الأثمان الداخلية عن الأثمان العالمية.
3- السيطرة على الأسواق النقدية والمالية، بحيث أنها تسيطر على مركز الرساميل تحت تصرفها.
4- السيطرة على تكنولوجيا الإنتاج المعمول بها فى مختلف تطور النظام الإنتاجى.
- فى حقل الاقتصاد الريعى المنجمى يتعين إجراء التمييز بين الدولة صاحبة الدخل وبين الشركة الرأسمالية المستثمِرة (أجنبية أم وطنية) إذ أن ناتج المنجم (البير) يجرى تصديره، ومن هنا تتحدد شروط ضخ الاستثمارات فيه، بمراعاة كلفة الاستبدال المنجمى، تلك الشروط تتيح فى نفس الوقت تحقيق ربح للرأسمال المستثمر، وريع بالتناقض على الصعيد الدولى بين الدولة (المالكة: دولة مَن؟) وبين رأسمال الإحتكارات التى تهيمن على ظاهرة الأثمان الدولية، ولذا سيكون مفهوماً سبب الصراع الجدلى المحتمل بين الربح (الذى تحصل عليه الشركات دولية النشاط، المطروحة سنداتها فى أسواق المال الدولية) وبين الريع (الذى تجنيه الحكومة. حكومة مَن؟) ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى قد يتعادى فيها الرأسمال كقوة إجتماعية مع السلطة كقوة مضادة.
يبقى أن نشير أخيراً أن إيران تشترك وبعض البلدان العالم العربى، فى عدة حقائق تشكلت على أرض الواقع، منها: ضعف معدلات النمو، وارتفاع معدلات التضخم، وتشوه الهيكل الاقتصادى، وعدم التعاون بين قطاعاته، وارتفاع نسبة الديون الخارجية، وتلك الحقائق إستصحبت حقائق أخرى، لا تقل أهمية، منها: إستشراء البطالة، وانخفاض الأجور وما فى حكمها من مرتبات وخلافه، وارتفاع معدلات الفقر، الأمر الذى يعنى عدم استقرار سياسى واقتصادى. ومن ثم حراك اجتماعى رافض للنظام. وهنا يجد النظام نفسه مرفوض من الداخل وبصفة خاصة من الجماهير الغفيرة الفقيرة، ومهدد من الخارج من دول الجوار. ومن ثم يكون أمام النظام أمرين: أولهما: ضرورة ملحة للإنفاق المتزايد على أدوات القمع فى الداخل والإستعداد للحرب مع الخارج. أى أن النفقات العامة، فى ضوء موارد شحيحة بطبيعة الحال، تكون فى خانة الأسلحة والذخائر، أى فى حقل الأمن الداخلى(أمن مَن؟) والدفاع (الدفاع عن مَن؟) ثانيهما: ضخ المزيد من المسكنات فى المدى القصير بدعم موسع لبعض السلع والخدمات الحكومية، الأمر الذى يعنى المزيد من الأعباء على الميزانيات العمومية، وموازين التجارة.
والجدول أدناه يوضح أهم بيانات الاقتصاد الإيرانى فى الفترة (2011-2012)
أهم بيانات الاقتصاد الإيرانى 2011-2012
البند البيان
إجمالى الدخل القومى (طريقة أطلس) 330.399 بليون دولار أمريكى
الناتج المحلى الإجمالى (سعر الصرف الرسمى)
الناتج المحلى الإجمالى (تعادل القوة الشرائية)
الناتج المحلى الإجمالى (أسعار المشترين) 483.8 بليون دولار أمريكى
331.014 بليون دولار أمريكى
997.4 بليون دولار أمريكى
الناتج المحلى الإجمالى (% حسب القطاع) الزراعة الصناعة الخدمات
11 38.4 50.6

القوى العاملة (% حسب القطاع) الزراعة الصناعة الخدمات
25 31 45

إجمالى القوى العاملة (بالمليون نسمة)
عدد المتعطلين عن العمل (بالمليون نسمة) 25.894
2.392
عدد السكان (بالمليون نسمة) 75.859
معدل البطالة (%)
معدل التضخم (% أسعار الإستهلاك) 10.3
26.6
السكان تحت خط الفقر (%) أقل من 1.25 دولار/يوم 18.8 (أرقام 2009)
دخل الأسرة (%) أقل 10% أعلى 10%
2.6 29.6

الميزانية القومية (بالبليون دولار أمريكى) الإيرادات النفقات
131.2 926.3

الإنفاق على التعليم (% من الإنفاق العام الإجمالى)
الإنفاق على التعليم (% من الناتج المحلى الإجمالى)
الإنفاق على الأمن (% من الإنفاق العام الإجمالى)
الإنفاق على الأمن (% من الناتج المحلى الإجمالى)
الإنفاق على البحث والتطوير (% من الناتج المحلى الإجمالى)
الإنفاق على الصحة (% من الناتج المحلى الإجمالى)
النفقات العسكرية (% من الإنفاق العام الإجمالى) 18.7
4.1
28.24
17.5
0.79
4.0
3.8
المنتجات الزراعية قمح، وأرز، وبنجر السكر، وقصب السكر، وفواكه، ومكسرات، وقطن، ومنتجات الألبان، وصوف، وكافيار.
الصناعات نفط، وبتروكيماويات، وأسمدة، وصودا كاوية، ومنسوجات، وأسمنت، ومواد بناء سكر، صناعات معدنية، أسلحة وذخائر
معدل النمو فى الإنتاج الصناعى (%) -2.7
الصادرات (بالبليون دولار أمريكى) أرقام 2009 130.544
أهم السلع المصدرة نفط، ومنتجات كيماوية وبتروكيماوية، وفواكه، ومكسرات، وسجاد، ومنسوجات
أهم الشركاء الصين، واليابان، وتركيا، والهند، وكوريا الجنوبية، وإيطاليا
الواردات (بالبليون دولار أمريكى) أرقام 2009 68.319
أهم السلع الواردة مواد صناعية، سلع رأسمالية، ألات، معدات، مواد استهلاكية، خدمات تقنية
أهم الشركاء الإمارات العربية المتحدة، والصين، وكوريا الجنوبية، وألمانيا، وتركيا
الاستثمار الأجنبى (بالمليون دولار أمريكى) الداخل الخارج
24.76 2.531

الديون الخارجية (بالبليون دولار أمريكى) 13.937
إنتاج النفط الخام (بالمليون برميل/يوم) 4.231
صادرات النفط الخام (بالمليون برميل/يوم)
صادرات النفط الخام (بالبليون دولار) 2.295
114.751
واردات النفط الخام (برميل/يوم) 0
إحتياطى النفط الخام (بالبليون برميل) 151.3
المنتجات النفطية المكررة (بالمليون برميل/يوم) الإنتاج الاستهلاك
1.801 1.694

إنتاج الغاز الطبيعى (بالبليون متر مكعب) 146.5
واردات الغاز الطبيعى (بالبليون متر مكعب) 6.85
إحتياطى الغاز الطبيعى (بالتريليون متر مكعب) 33.07
استهلاك الغاز الطبيعى (بالبليون متر مكعب) 144.6
Statistical Yearbook for Asia and the Pacific (2011) World Investment -dir-ectory, Asia and pacific (2010). Report of the World Development (2011). CIA- The world fact book (2009) (2010) (2011) Human Development Report (2010) (2011) (2012) Report of the World Social Situation (2009), World Development Indicators, IMF World Economic Outlook (2011) (2012).World Economic Outlook (2010) (2011) (2012). -dir-ection of Trade Statistics International Monetary Fund, quarterly, September (2012)
الفصل الرابع
تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد
إن النقطة الفكرية التى تتقاطع عندها خطوط الجغرافية والتاريخ والاقتصاد، وهى التى تتحدد، على وجه الدقة، بثلاثة مقولات رئيسية، مع الوعى بوجود العديد من المقولات الفرعية أو غير الرئيسية: الأولى: إن تناقضات الجغرافية جعلت من إيران دولة نفطية. الثانية: إن تناقضات التاريخ جعلت من إيران دولة ديكتاتورية/شيعية، تمردت على المذهب الإثنى عشرى. الثالثة: أن تناقضات الاقتصاد جعلت من إيران دولة رأسمالية ريعية، تنتمى إلى الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر. إن هذه النقطة الفكرية تدفعنا كى نسأل كيف نفهم اقتصاد إيران؟
الواقع إن هذا السؤال عادة ما لا يُطرح. لأن نقطة التقاطع غير مطروحة. ويطرح بدلاً منه سبب تلك السلبية التى تغلّف العلاقات الاقتصادية العربية- الإيرانية. وحينئذ نجد أن الإتجاه ربما المستقر(42) يقول إن سبب عدم إيجابية العلاقات الإيرانية العربية إنما يعود إلى: أولاً: ارتباط العلاقات الاقتصادية الخارجية لكل من إيران والدول العربية بمستوى العلاقات السياسية. وهى علاقات بطبيعتها متوترة، حتى من قبل أن تنشب الحرب الإيرانية- العراقية، ثانياً: تشابه هياكل الصادرات والواردات، حيث تشكل المواد الأولية بصفة عامة نحو 97% من إجمالى الصادرات الإيرانية، و90% من تلك الصادرات نفط. وبالتبعية لا يمكن لأى طرف أن يجد سوقاً لدى الطرف الآخر لتصريف منتجاته الأولية. وأخيراً احتياج إيران والدول العربية إلى العملات الحرة الرئيسية، وهو الأمر غير الممكن دون توجيه النظر بشكل رئيسى ناحية الغرب الرأسمالى المالك لهذه العملات. وأتصور أن تلك الأسباب صحيحة، ولكنها غير كافية، إذ يتعين أن نرى أبعد من مستويات العلاقات السياسية، وبيانات الاقتصاد الكلى، كى نكتشف، كبلدان عربية، أننا لا ننظر إلى نقطة التقاطع التى أشرنا إليه عاليه، ونكتشف أيضاً أن عدم نظرنا هذا كلفنا، كبلدان عربية، وقد يكلفنا المزيد، من الزمن المهدر دون أن نسير خطوة واحدة إلا إلى الوراء، فى علاقتنا مع العالم الرأسمالى المتقدم من جهة، ومع إيران، كأحد الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى، من جهة أخرى.
إن النفط الذى تتخصص إيران فى إنتاجه (فى الواقع يُنتج لها) وكما ذكرنا أن النخب الدينية هى التى تسيطر على عوائده (الريع) بمعزل عن الشعب، والدليل مستويات الدخل والفقر والجهل والبطالة والتضخم،...إلخ، والتى لا تبخل علينا التقارير الدولية بنقل إتجاهاتها العامة، عكس ما عليه الحال فى الدول النفطية فى الخليج العربى، على الأقل من جهة مستويات المعيشة المرتفعة ومستويات التعليم الآخذة فى التطور. الأمر الذى ربما يعنى إنعكاس مع التطور الاجتماعى، من خلال جدلية الفكر/الواقع على أفكار وتوجهات مؤسسات الحكم نفسها فى جميع دول الجوار. فى الخليج وفى إيران.
ومن جهة ثانية فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الآن دولة يحكمها النخبة "المصطفاه" ولكن هذه "النخبة المصطفاه" تُسربل حكمها سربال الدين، وإدعاء إمتلاك ناصية الحقيقة الدينية والإجتماعية بالكُلية، وهى فى نفس الوقت عطلت مذهبها الإثنى عشرى (الغيبة) وحولته، بمنتهى البرجماتية، إلى مذهب أكثر عصرية (ولاية الفقيه) وأصبح مجمل مذهبها جعفرى، وهو من المذاهب القريبة من أهل السنة. بيد المؤسسة الحاكمة فى إيران تتمسك بكل قوة بالأيديولوجية الدينية (بقشرتها القديمة، ومضمونها الجديد) لأنها الوسيلة الناجحة جداً، وربما الوحيدة، القادرة على قيادة الجماهير الفقيرة والمعدمة والجاهلة. وهى الأيديولوجية ربما الوحيدة غير القابلة للإختبار والتجريب، من قبل أتباعها، فى الحياة الدنيا. وللأسف تمارس الآلة الإعلامية العربية/السنية عملها بكل همة فى سبيل شرح وترسيخ بعض المفاهيم التى تخلى عنها أصحابها بالأساس، وعملوا على تطويرها أو تطويعها وفقاً لمقتضى الهيمنة على السلطة. أو تعمل على التشهير بأفعال وأقوال غلاة الشيعة وتعميمها على كل الشيعة، فى إطار الصراع التاريخى بين التيارين، وتكون البلبلة حينما يكون من الثابت أن كلا التيارين يؤمنون بأله واحد، ويصلون صلاة واحدة، ويصومون نفس الصيام فى شهر واحد، ويحجون إلى بيت واحد، ويزكون زكاة واحدة. إن الأوفق هو الاستفادة من أوجه الإتفاق الكثيرة بين أكبر فصيلين فى دين الإسلام. وبصفة خاصة، كما سنرى فى الفكرة التالية، أن إيران تعد سوقاً جيدة للغاية يمكن للعرب أن يجدوا فيها مكاسب عميمة، إذ ما تعاملوا معها بمنطق وذكاء.
وإذ ما نظرنا إلى تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة مع إيران، وحجم التبادل التجارى المتميز لصالح إيران، إذ أن إيران، كما ذكرنا، تستورد نحو 30% من وارداتها عن طريق دولة الإمارات، فيكون السؤال المهم هنا: ولمَ لا تتحول السلع المعاد تصديرها من الإمارات إلى سلع مصنوعة بأيدى إماراتية؟ أو على أقل تقدير مصنعة فى دولة الإمارات العربية؟ والأمر الأهم أن الميزة النسبية المتحققة فى هذا الصدد تكون من خلال انخفاض تكاليف الشحن والنقل والتفريغ، وبصفة خاصة جداً مع بلدان مجلس التعاون المطلة على الخليج العربى، أى أن البلدان العربية تستطيع، إن أرادت، أن تقدم نفسها كبديل ولو جزئى للصين، إستغلالاً للميزة النسبية من جهة، والأيدى العاملة الرخيصة من جهة أخرى.
والدول العربية المطلة على الخليج العربى لديها الإمكانية لخلق قاعدة صناعية حقيقية تمنع تسرب القيمة الزائدة إلى الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى من أجل تدعيم صناعات متطورة ومعقدة فى تلك الأجزاء، من خلال شراء السلع التى تنتجها هذه المصانع فى تلك الأجزاء، وتفتقر إليها بلدان العالم العربى، وتتوقف عليها عملية تجدد الإنتاج بداخلها، أى أن بلدان العالم العربى لا تتحكم فى شروط تجديد إنتاجها، وتعتمد فى ذلك على ما يحدث خارجها فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى، الأمر الذى يعنى أن خلق قاعدة صناعية متطورة، بعد إستطاعات الدول النفطية تحديداً تحقيق نوع من التراكم الرأسمالى الممكن من تنمية مستقلة معتمدة على الذات، سوف يؤدى إلى فائدة مزدوجة، فهو من ناحية يقدم هذه البلدان العربية كبديل(43) ربما استراتيجى عن الصين، وبصفة خاصة أن الميزة النسبية متحققة فى صالح التبادلات العربية-الإيرانية، ومن ناحية أخرى، وهى الأساس، سوف تستطيع البلدان العربية السيطرة على شروط تجديد إنتاجها الاجتماعى، وتنفيذ خطط تنمية طموحة مستقلة ومعتمدة على الذات.
ومن جهة أخرى، مهمة، فإن بلايين الدولارات تنفق، من قبل البلدان العربية، على الأسلحة والذخائر، فى سبيل الإستعداد لمعركة لن تجىء (على سبيل المثال: إشترت دول مجلس التعاون الخليجى أسلحة بقيمة 82.5 بليون دولار فى الفترة ما بين 1986 و1993، ولقد صار من المُعلن أن صفقة طائرات مقدارها 10 بليون دولار فى طريقها إلى المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، إضافة إلى إسرائيل، إستعداداً لضرب إيران!!) وسيكون من الأوفق أن يتم توجيه تلك البلايين من الدولارات تجاه خطط التنمية الاقتصادية والبشرية. نحو تنمية مستقلة معتمدة على الذات. وبأن تقيم قاعدة صناعية تمكنها من تقديم نفسها، اقتصادياً، كبديل عن الصين، التى تذهب إليها جل القيمة الزائدة المنتجة فى داخل الاقتصاد الإيرانى، بل وتكون الخطة أكثر طموحاً كى تقدم نفسها كبديل لبعض الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى.
إن إعادة هيكلة الاقتصادات النفطية، تحديداً فى دول الخليج العربى، التى تتمتع بميزة نسبية مع إيران، على نحو صناعى يسيطر على شروط تجديد إنتاجه، ويكون عماد التوازن بين قطاعات الهيكل ككل، هو الطريق الحقيقى الممكن من أجل بسط قوة سياسية حاضرة وفاعلة، وعادلة. إن خلق صناعة وطنية منافسة تستفيد بالمميزات النسبية العديدة التى تتمتع بها اقتصادات العالم العربى، هى القادرة على إعادة تشكيل العلاقات السياسية، لصالح التنمية المستقلة للأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر ومنها عالمنا العربى، وهى القادرة على إعادة صوغ العلاقات العربية –الإيرانية على نحو يؤمن بمشروع حضارى لمستقبل آمن فى وجه نظام عالمى لا يعرف العدالة أو الرحمة. مشروع حضارى فى وجه نظام عالمى يقود فيه المخبولون العميان.
هذا هو مجمل تصورى عن اقتصاد إيران، وإحتمالات العلاقات الاقتصادية. وهذا التصور هو نتيجة الخط المنهجى الذى يمكن إفتراضه كى نفهم، كعرب، اقتصاد دولة إيران. فهل نجحت فى سبيل تقديم طريقة إجابة على سؤال ما هو الخط المنهجى الذى يمكن إفتراضه كى نفهم، كعرب، اقتصاد دولة إيران؟ أرجو ذلك.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختصر فى تاريخ الشيعة الفرس القديم والمعاصر
- التجريد كمنهج فى التفكير
- 500 سنة من الانحطاط
- ماركس المسكوت عنه
- الشروح على قانون القيمة
- الشروح على الاقتصاد السياسى الكلاسيكى
- الهوامش على ريكاردو
- البيان الشيوعى
- بصدد القمع فى إيران
- قانون الصكوك، فى مصر، بين الشريعة والاقتصاد
- السودان: التخلف والتبعية
- نقد قانون القيمة
- نقد الرأسمال التجارى عند ماركس
- الإعدام اليومى للطلبة
- الرأسمال المتاجر: نقد الطبيعة والماهية
- ما هو الاقتصاد السياسى؟
- إلى روح تشافيز
- بصدد منهجية طرح إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
- ماركس. أيقونة لا وثن
- الفكر الاقتصادى عند يحيى بن عمر الكنانى الأندلسى


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - إيران: تقاطع الجغرافية والتاريخ والاقتصاد