|
خواطر ومستملحات انتخابية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 18:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانتخابات في الاصطلاح السياسي هي تصويت المواطنين على من اختار نفسه للدفاع عن مطالبه والتصدي لمصالحه ومنافعه ، وهي نوعان : نظرية وتطبيقية . فالنظرية هي المدونة في القوانين والمسطرة في الدساتير والمراسيم ، وهذه لا تعني المواطنين في شيء لأنه لم يحن وقت تطبيقها بعد ، فالبحث في قوانينها والخوض في تفاصيلها يعد ضربا من اللغو والاشتغال بما لا يعني . اما التطبيق فهو يخص الانتخابات التطبيقية العملية لكونها هي المعروفة بين المواطنين والمألوفة لديهم ، حيث انهم مارسوا تجاربها وخاضوا معاركها وذاقوا حلوها ومرها ، فهم لها واعون وبعجزها وبجبرها متبصرون . هذه الانتخابات لها اركان وشروط صحة ، وشروط قبول ومبطلات ومكروهات و’مستحبات . اما اركانها فثلاثة : منتخِب ومنتخب – بفتح الحاء - ومنتخب له او عليه ، وهو المجلس البلدي او الجماعة القروية او مجلس النواب . وأما شرط صحتها ، فأولها الحياة ، فيجب ان يكون المشارك في التصويت حيا يرزق ويحبس ويطلق ، ولا يجوز تصويت الاموات ، غير ان بعض الفقهاء قرروا جواز مشاركة الاموات في الانتخابات إذا دعت الضرورة الى ذلك ، والضرورة هنا تقدر بقدرها ، فيشرع لهم حق التصويت بقدر الضرورة ، فإذا زالت الضرورة منعوا من التصويت . فإن قلت : كيف يجوز مشاركة الاموات في الانتخابات وهم في القبور عظاما نخرة ، فالجواب ان هذا من قبيل المتشابه الذي نهينا عن السؤال عنه والخوض فيه ، لأن البحث فيه يؤدي الى الفتنة والبلبلة وزعزعة الامن والاستقرار ومن اجل ذلك لا يسع المواطن إلاّ ان يؤمن به ، ويسلم بثبوته ، ويعرض عمن يحاول البحث في تفاصيله لكي لا يكون من الزائفين المزيفين . اما قولنا ، يحبس ويطلق ، فهذا وصف ’محدث لم يكن معروفا عند المتقدمين ، وإنما ظهر في الانتخابات البلدية والقروية السابقة ، حيث صار اعضاء المجالس المنتخبة ’يسرقون ويختطفون و ’يهربون كما تهرب البضائع المستوردة . فكان لابد من اعتبار هذا الوصف الجديد وإضافته الى تعريف الانتخابات وأحكامها كما تقتضيه الموضوعية والمنهجية . وثانيهما البلوغ ، فيجب ان يكون الناخب بالغا سن الرشد وهو عشرون سنة على المشهور الذي عليه العمل ، و إن الراجح في المذهب ان سن البلوغ كما يقول بان عاشر " بمني او بإنبات الشعر " اة بثمان عشرة حولا ظهر لكنه قول مهجور . وثالثها ، تسجيل الناخب في عدة لوائح في جهات شتى من مدينته او قريته ، وذلك ليتمكن من الادلاء بصوته لأكثر ما يمكن من المرشحين ، فيظفر بعطاياهم وهداياهم ودعواتهم جميعا الى الولائم المختلفة . فإن قلت ، ان هذا امر متعذر وغير مقبول في دوائر التسجيل ، فالجواب ان دوائر التسجيل لا تعرف المستحيل ، ولا تأخذ بحرفية القوانين ، بل تعالج الامور بصدر رحب وبطن متفتح لا تستعصي عليه كبيرة ولا صغيرة ، فهي تستهدف المصلحة العليا وتعمل من اجل المنفعة الكبرى . وأما شروط القبول فمنها ، اولا ادخل السرور على المواطنين ، فيجب على المرشح ، إذا اراد ان يكون مقبولا لدى مواطنيه ، ان يقيم الحفلات لسكان الحي الذي ترشح فيه ، ويواسي فقرائهم ، ويساند ضعافهم ، ويصلح ما يستطيع اصلاحه من المرافق الضرورية لمن لا يتوفر على مرحاض او الماء الصالح للشرب او الكهربة من سكان الحي المسخرين في العملية الانتخابية . فإن قلت ، إن هذا عمل غير مشروع وممنوع في القانون لكونه من قبيل الرشوة وشراء الاصوات بالمال ، وفاعله يتعرض لعقوبة رادعة ، فالجواب ان هذا ’عرف جرى به العمل وعمّت به البلوى ، فلا مناص من اعتباره والاعتراف بواقعيته ، والقانون نفسه جارى هذا العرف وسايره ، ولم يسبق من الاولين والآخرين من المرشحين ان عوقب احد منهم بسجن او غرامة ، لكونه يشتري الاصوات والذمم ، ويقدم القرابين للناخبين ابتغاء مرضاتهم ، وتوسلا الى الفوز بقبولهم ، هذا مع العلم انهم يقومون بهذه الاعمال الخيرية والإنسانية والتطوعية الاحسانية ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، ويشهد ذلك المئات من المواطنين رجالا ونساء وأطفالا ، ويسمه به الآلاف من الناس من مشارق البلاد ومغاربها ، وفي قاصيها ودانيها ، حتى صار سخاء المرشحين وكرمهم البرمكي مضرب الامثال وحديث المجالس والركبان . اليس اعراض القانون عن هذا كله يعد اعترافا ضمنيا بشرعية البر والإحسان الذي يقوم به المرشحون ، حفظهم الله ووقاهم شر العين ؟ ، بلى والجن والإنس على ذلك من الشاهدين . ومن شروط القبول ثانيا ، التزام المرشح القول الجميل والخطاب المعسول ، فيجب عليه ان يكثر من الوعود المغرية ، بحيث يعد سكان دائرته بانجاز كل ما يطلبونه وما يتمنونه ، ممكنا ذلك او غير ممكن ، ومقدورا له او غير مقدور . فيعدهم بالشغل للعاطلين ، وبإيجاد السكن للمتشردين ، وبالتعليم المجاني للأطفال البائسين ، كما يعدهم بإصلاح الطرق والأزقة ، وإدخال الماء والكهرباء الى البيوت مجانا ، ويعدهم ايضا بحل مشاكلهم جميعا كيفما كان نوعها وحجمها ، وبأنه سيجعل الشتاء دافئا ويوم الصيف باردا ، وان يملأ البحر والوديان والبحيرات بالسمك ، وان ينزل المطر في ابانه بدون صلاة الاستسقاء فلا يتقدم ولا يتأخر ، وهكذا يعدهم ويمنيهم ثم لا يضره ، إذا فاز في الانتخابات ، ان يفعل او لا يفعل ، لأنه لا يحاسب ولن يتابع ولن يسأل عما يفعل . ومن شروط القبول ثالثا ، التودد الى السكان ومخالطتهم والتقرب من رجالهم ونسائهم وصغارهم وكبارهم ، فيبادر المرشح كل من لقيه في الطريق بالتحية الطيبة الزكية المباركة ، والسؤال عن الاهل والأحوال والمآل ، كما يجب على المرشح ان يرتاد مجالس السكان ، ويزورهم في بيوتهم ، ويداوم على الصلاة مع الجماعة ، وحضور الجمعة بالجلباب الابيض والسلهام إن امكن ليبدو في نظرهم من الصالحين ، كما يكثر من التردد الى اهل الفضل والعلم في دائرته لينال من بركات دعواتهم ودعايتهم ، الى غير ذلك مما كان من هذا القبيل . فإن قلت ، إن هذا تملق ونفاق لا يليق بإنسان شريف ذي خلق ودين ، فالجواب ان هذا اذا كان نفاقا ، كما زعمت الاقلية ، فما بال الناس يقبلونه من صاحبه ويطاوعونه فيه ، اتراهم قاصرين لا يستطيعون التمييز بين الخبيث والطيب ، أم تراهم يبادلونه نفاقا بنفاق وخداعا بخداع ، فهم إذن وإياه في الهوا سوا ، وقد قال معاوية : من خدعك فانخدعت له فقضى حاجته بك فقد خدعك ، فما دام الناس قد رضوا عن مرشحهم بما له وما عليه وتقبلوا كل ما يأتي منه فلا داعي لاستنكار المألوف والتنفير من المعروف والتحذير من الحلوف . وأما مبطلاتها فخصلتان ، على الاقل ، إحداهما شح المرشح وضنه بما لديه من مال وطعام ، فإن البخل يبطل عمل المرشح وقوله ، وكل ما يصدر من جهته ، فيكون قوله ثقيلا ، وخطبه باردة ، وجميع تركاته وتجمعاته مرفوضة غير مقبولة . وأما الاخرى فدخول الحركة الاسلاموية في الانتخابات الجماعية وسعيها الى الحصول على الاكثرية من مقاعد الجماعات البلدية والقروية ، فان ذلك ينسف العملية الانتخابية من خدورها ، ويهدم بنيانها من اصله ، فتجف الاقلام وتطوى الصحف وتعلق المواقع الافتراضية ، ويحرم الماء والطعام ، ويقال – ما لاعبينش – وليست مصر و سورية وليبيا وتونس عنّا ببعيد . وأما مكروهاتها فمنها حصول المعارضة الحقيقية على الاكثرية في المجالس الجماعية والبلدية ، ومنها ان يكون رؤساء المجالس من احزاب المعارضة ، ومنها مقاطعة الاحزاب للعملية الانتخابية . وإما المستحبات فمن بينها مشاركة اكثر المواطنين في الانتخابات وخاصة المرأة ، ومنها احراز المعارضة على الاقلية في جميع الجماعات وفي جميع الاقاليم ، ومنها سقوط رؤوس المنظمات والأحزاب المعارضة في الانتخابات . هذا وإذا كان لكل تشريع علة وحكمة ، فإن الحكمة من الانتخابات هي ربط الشعب وتوثيقه بحبله الذي فتله بيده ، حتى لا يبقى له حق الاحتجاج على الحكومة ، او حق رفض سياستها ومناهجها ، فهي لا تخطو خطوة ، ولا تقرر سياسة إلاّ بموافقة ممثليه الذين اختارهم بنفسه . إذن اللعبة مكشوفة ، ومن يقبض بزمام الامور هي الحكومة العميقة من خلال ممثليها في المجالس البلدية والقروية وبالبرلمان بمجلسيه النواب والمستشارين . اما الشعب فدوره محصور في التصفيق ، وإن خرجت طائفة منددة ، اعتبروها خارجة عن الاجماع وصوتا نشازا .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف
...
-
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
-
الاساطير وما ادراك من الاساطير
-
المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور
...
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
-
التقنية والسياسة
-
المدرسة والمسألة المعرفية
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
-
تنزيل الماركسية
-
تذليل المفهوم القروسطوي للدين
-
فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
-
المثقف الماركسي والوعي الطبقي
-
دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
-
الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
-
الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
المزيد.....
-
حاول الهرب فعلق أسفل جسر.. شاهد ما حدث لسارق تطارده الشرطة
-
الكويت.. فيديو -سري للغاية- ومداهمة أشخاص بمؤسسات ودوائر يثي
...
-
-بطائرة سعودية خاصة-.. أحمد الشرع يثير تكهنات بصورة توجهه إل
...
-
مسيّرات إسرائيلية تستهدف مخيم النصيرات
-
الرئيس الصومالي يهنّئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا
-
نتنياهو يفاخر بأنه أول زعيم يلتقي ترامب بعد انتخابه (فيديو)
...
-
بزشكيان: قدراتنا العسكرية هي للدفاع وليست من أجل الهجوم على
...
-
الولايات المتحدة.. انفجار وحريق هائل في مصفاة نفطية (فديديوه
...
-
توسيع العملية العسكرية بالضفة والأزمة الإنسانية تتفاقم بغزة
...
-
الكرياتين: مكمل رياضي يعزز الصحة النفسية ويخفف أعراض الاكتئا
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|