|
لن تتحرر المرأة إلا إذا كانت قوة ضاغطة تغير القوانين والفكر والفلسفة والدين. ليس لها دور في الدين، فمن يفسرونه هم الرجال ولصالحهم
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 09:34
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
نوال السعداوي: لن تتحرر المرأة إلا إذا كانت قوة ضاغطة تغير القوانين والفكر والفلسفة والدين. ليس لها دور في الدين، فمن يفسرونه هم الرجال ولصالحهم
حاورها في مدريد د. خالد سالم منذ ثلاثة أيام أصدرت مؤسسة طومسون رويترز تقريرًا حول المرأة العربية، حول وضعها المشين في مجتمعات تنتشر فيها المساجد والحجاب والنقاب، لنعرف أن مصر والعراق يحتلان أسوأ مرتبتين بين الدول الاثني وعشرين التي شملتها الدراسة، بينما احتلت جزر القمر أفضل مرتبة. لقد أصبحت مصر، حسب الدراسة، أسوأ مكان تعيش فيه المرأة العربية. نتائج التقرير تصيب المرء بالدهشة والحيرة أمام وضع مصر ذات الدور الريادي في تحرير المرأة منذ أيام محمد علي وقاسم أمين وثورة عبد الناصر التي فتحت آفاقًا واسعة للتعليم والتحرر والبحث العلمي، ما سمح بدخول المرأة التعليم وسوق العمل، فسجلت طفرات في مجالات عدة، لتحجب اليوم في البيت وإذا خرجت فهي محجبة أو منقبة، ورغم هذا فإن نسبة 99 في المائة منهن تعرضن للتحرش الجنسي، بينما العادة الإفريقية القاتلة للجنس لدى المرأة، الختان، طالت نسبة 91 منهن. إنه التهميش بعينه لنصف المجتمع العربي، ولا يمكن للمجتمع المصري الذي أنهكه الصراع على السلطة خلال السنوات الثلاث الماضية أن ينهض دون الأخذ في الاعتبار هذه الأفات التي تتعرض لها المرأة. التقرير مهين لنا من الخليج إلى المحيط، لا يستثني أي مجتمع عربي، المجتمعات التي يقتصر فيها مفهوم الشرف على جسد المرأة فقط. هذا التقرير الذي يفضح وضعًا مشينًا جعلني أتذكر حوارًا كنت قد أجريته منذ سنوات، مع الكاتبة والمناضلة النسوية الدكتورة نوال السعداوي، في الأرض التي عرفت الحرية والتسامح، بعد مزج الحضارة العربية الإسلامية بالغربية، إسبانيا، وكان في حضور ومشاركة المستعربين الجليلين بدرو مارتينيث مونتابيث وكارمن رويث. كانت نوال السعدواي تمثل "بعبعًا" –هل لا تزال هكذا؟- لمطبوعات الشرق العربي المحافظ، النعامي، المداهن، لهذا رفضت كلها نشر المقابلة. وبعد مرور السنين وتغير الأحوال، وتحمس بعض النسوة العربيات لمسايرة أفكار نوال السعداوي، رغم تراجع هامش الحرية للمرأة وتدنيها، ارتأيت أن نشرها الآن قد يفيد أولي الألباب. وكان هكذا: الحديث مع الدكتورة نوال السعداوي له مذاق خاص على جميع المستويات، إذ غالباً ما يبدأ بالصدام وينتهي بالحوار المتفهم لأفكار ومواقف هذه الكاتبة العربية الفريدة التي تبدو للكثيرين طائراً يغرد خارج السرب. غير أن إحترام رأي الآخر يملي علينا الإستماع إلى ما لديها، خاصة أننا ندرك أفق توجهها، وهوعلى أية حال جرئ، يحمل على تأمل هذه الآراء المباشرة والصريحة. سبق لها أن زارت إسبانيا حيث شاركت في مؤتمر عن المرأة عقد في مدينة غرناطة بمحاضرة عن المرأة العربية وأثارت دهشة وإعجاب الحضور ووسائل الإعلام والأوساط الثقافية في إسبانيا. وفي طريق عودتها إلى القاهرة توقفت في العاصمة الإسبانية، مدريد. كما قامت بزيارتها مرة أخرى حيث قامت بالمشاركة في تقديم ترجمة كتابها "الوجه الآخر للمرأة العربية"، ثم زارتها في مناسبة أخرى فإلتقينا بها في العاصمة الإسبانية ودار الحوار التالي بيننا: - مواقفك من حقوق المرأة بصفة عامة معروفة، فهل تعتقدين أن المرأة الاوروبية قد نالت حقوقها كاملة... وما هي هذه الحقوق؟ =لا أعتقد أن المرأة الأوروبية قد نالت حقوقها كاملة، فهي لم تنل سوى بعض الحقوق ولا يزال أمامها طريق طويلة لأن معظم الدول الأوروبية بلدان رأسمالية، والنظم الرأسمالية طبقية أبوية، أي أن هناك سيطرة للرجل وسلطة للأب. ومع ذلك فإن المجتمع الرأسمالي قد إنكسر إلى حد كبير بحكم التطور الصناعي، وبالتالي إنكسرت حدة السلطة الأبوية. وطالما أن هناك نظامًا طبقيًا أبويًا لايمكن للمرأة أن تنال حقوقها ولا أن تتحرر في مجتمع رأسمالي أو إقطاعي أو إشتراكي زائف. فالمرأة الأوروبية تعيش في هذا المجتمع وتعاني منه، حتى أن حريتها التي تتمتع بها هي في الغالب حرية شخصية، أي ليست حرية سياسية، فهي مقيدة وليس لها نفوذ سياسي. معروف أن المرأة تشكل نصف المجتمع في إسبانيا على سبيل المثال - بل هي أكثر من نصف المجتمع من حيث العدد- ولكنها لا تحكم في هذا البلد. عندما يكون نصف أعضاء البرلمان من النساء ونصف أعضاء الحكومة من النساء أيضاً، حينها يمكنني القول بأنها قد تحررت بالفعل... لكن كم عدد النساء في البرلمان الإسباني؟! - محدود .... غير أن بعض الأحزاب السياسية طالب بتخصيص نسبة للمرأة من مناصبه القيادية، وهذا الأمر يعد بادرة طيبة، وإن كانت له دلالات سياسية إنتخابية، تهدف إلى كسب صوت المرأة ...أذكر أن الحزب الإشتراكي قرر في أحد مؤتمراته تخصيص نسبة الربع من هذا المناصب للمرأة... =هذا ليس كافياً لأن المرأة نصف المجتمع وتستحق أكثر من هذه النسبة. إذا كان البرلمان ديمقراطياً فيجب أن يمثل فيه الشعب حسب تواجده في المجتمع، أي بالمناصفة بين الرجل والمرأة... - هناك من يتهم المرأة بالتقاعس عن العمل السياسي إذ تفضل البقاء في ظل الرجل؟! = إنها فلسفة إلقاء اللوم على الضحية، وهي فلسفة خاطئة. فالمجتمع هو المسؤول عن هذا التقاعس إذ لا يقدم لها الفرصة التي يقدمها للرجل، أي أن التقاعس مرجعه عدم تشجيع المجتمع للمرأة. كيف يمكن أن تتحمل المسؤوليات المنزلية والزوجية ومتطلبات الأمومة إلى جانب طموحاتها السياسية في الوقت الذي لا يشجعهها فيه زوجها على تحقيق هذه الطموحات؟! - ومع ذلك فهناك نماذج في أوروبا وأمريكا، لعل أقربها كانت المرأة الحديدية مارغريت تاتشر، وغيرها من النساء اللائي يشغلن مناصب سياسية رفيعة في العديد من الدول...؟ =هذه نماذج شاذة وقليلة. فرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر، وصلت الى هذه المكانة السياسية كفرد ولكن أغلبية النساء الإنجليزيات مقهورات. -هل تحلمين بحقوق مماثلة بالنسبة للمرأة العربية؟ = بالطبع لا، لأن هذا يعني أنني لا أتمتع بالأفق أو القدرة على الفهم والتحليل وليس لدي أي طموح. فحرية المرأة في الغرب حرية ناقصة، وما حصلت عليه مجرد حرية جزئية، وفي غالب الأحيان تكون فثي غير صالح المرأة، إذ يفرض عليها العمل في المنزل وفي المكتب وهذا يرهقها ويحولها إلى جارية. عندما يفرض عليها المجتمع حرية جنسية تتحول إلى سلعة للأداء الجنسي فتجدها مقهورة، وبدلاً من أن تتحرر جسدياً وجنسياً تتحول إلى عبد للجنس والرجل. المرأة في أوروبا ليست سعيدة لأن حريتها مجزوءة، والحرية لا تتجزأ. يجب أن تشمل كل طموحاتي السياسية والعملية كجنس وليس كفرد، أي أن تتساوى المرأة مع الرجل في الفرص السياسية والوظيفية إلى جانب الحرية الشخصية والجنسية، بغير ذلك لا يمكن أن تكون المرأة سعيدة. المرأة الغربية لا يمكن أن تكون النموذج الذي أطمح إليه. ما أطمح إليه حقيقة، في مجتمعنا، هو القضاء على النظام الطبقي الأبوي بأسلوب علمي وتجريدي، لأن هذا النظام هو أساس قهر المرأة وكل الذين يعيشون على هامش المجتمع. قوة المرأة السياسية غاية في الأهمية ولن تتحرر إلا إذا كانت قوة ضاغطة تغير القوانين والفكر والفلسفة والدين، لأن المرأة ليس لها دور في الدين، فمن يفسرون الدين هم الرجال، فأين دور المرأة لتفسر الدين لصالحها. -عن ظاهرة الرقيق الأبيض المنتشرة في كل قارات العالم، والحرية الجنسية التي تعتبر أوروبا مصدرها الرئيس، وما إذا كانت تمثل وجهاً من وجوه الحرية تقول: = بالطبع لا، ليست هذه هي الحرية، فالرقيق الأبيض أو الدعارة والبغاء هي الوجه الآخر للنظام الطبقي الأبوي، فقد ظهر البغاء عندما أصبح من حق الرجل أن يكون حراً جنسياً، له عشيقات وجوارٍ وزوجات، في الوقت الذي فرض فيه على المرأة زوجاً واحداً مما أدى إلى حدوث إزدواجية أخلاقية وثنائية. وأمام هذا الوضع كان على المجتمع أن يخلق مهنة للنساء تمكنهن من ممارسة الجنس خارج الزواج ولا يكن شريفات. ولو تصورت معي جدلاً أن كل النساء لهن زوج واحد فلن تكون هناك مومسات، كما أنه لو كان كل الرجال لهم إمرأة واحدة فلن يكون هناك وجود للمومسات على وجه الأرض. إذن متى تخلق مهنة البغاء؟! عندما تكون هناك تعددية للرجل والمرأة من حظها الوحدانية، ومن أجل سد حاجة تعددية الرجل تتعدد النساء خارج الزواج وبالتالي المومسات. طبقة المومسات خلقت في البداية في المعابد كأنها وظيفة مقدسة، إذ كان الرجل يتنكر في زي الإله وكان يمارس الجنس مع كل بنات العشيرة فيقوم بفض بكارة البنات وهذا نوع من البغاء. بهذه الطريقة كانت المرأة قبل الزواج تمر على الحاكم المتنكر في زي إله ليباركها، وكانت البركة عبارة عن فض بكارتها. ثم تطور البغاء حتى أصبح مهنة، وكانت المومس في البداية تسمى بالمومس المقدسة لارتباطها بالمعبد والإله المتنكر. عندما كثر عددهن وزادت نسبة الأمراض التناسلية بدأت الدول تفكر في الأمر، ثم فرضت عليهن ضرائب كما لو كن طبيبات أو يزاولن أي مهنة أخرى. بإختصار، فإن مهنة الرقيق الأبيض هي الوجه الآخر الضروري لبقاء النظام الطبقي الأبوي وتلبي مطالب الإزدواحية والفوضى الجنسية عند الرجل والوحدانية الصارمة عند المرأة. البغاء ليس موجوداً في أوروبا وحدها، فهو موجود في جميع بلدان العالم، ولا يمكن الجزم بأن أوروبا هي مصدر البغاء والشر. في بانكوك، على سبيل المثال، شاهدت بيوت دعارة بالآلاف تساوي عدد المعابد، فبجانب كل معبد يوجد بيت للبغاء. الرجل هناك يمارس البغاء ويخرج للتعبد كطريقة للتكفير عن ذنبه...!! - عن نظام الأسرة العربية، الذي حافظ على كيان المرأة وبوأها مكانة كبيرة طوال تاريخها، وما إذا كان متخلفاً أم متقدماً، تقول: =بادئ ذي بدء، أود أن أشير الى أنه غير صحيح أن نظام العائلة العربية أعطى للمرأة مكانة كبيرة، فهذه مقولة تحتاج إلى مناقشة. الأسرة العربية مثل أية أسرة أخرى، أسرة عبودية، فقانون الزواج في بلادنا من بقايا النظام العبودي، إذ يقول بأن الرجل يملك المرأة والمرأة لا تملك الرجل... واجب الرجل العمل والإنفاق على الأسرة والسيطرة عليها وواجب المرأة الطاعة... وهذا لا ينطبق إلا على العبد الذي يشترى ويطعم لكي يطيع سيده. فهو قانون يفرض الخضوع على المرأة، يطلقها الرجل عندما يشاء ويتزوج عليها بدون قيود، وهو إذا ضربها قد يرفض القاضي الحكم بالطلاق. إذن لا تستطيع القول بأن نظام الأسرة في بلدان زراعية إقطاعية كبلادنا قد أعطى المرأة مكانتها، ولكن هناك نوعاً من التمويه مثل: تمجيد المرأة...، الجنة تحت أقدام الأمهات!!، إنها كلمة كبيرة حقاً ولكن كيف نتعامل مع هؤلاء الأمهات، لو كانت الأم تمجد لقدرنا جهودها وأقمنا لها المؤسسات التي تخدمها وتسهل لها العمل والرعاية... ولكننا عند دراسة حالة الأمهات، وبشكل خاص الفقيرات، نجد أن حالتهن في منتهى البؤس. إذن هذا التمجيد اللغوي يصاحبه تحقير واقعي. ومع ذلك فإن العائلة العربية تتطور حيث أن المرأة العربية خلقت أسرة جديدة من خلال التعليم والعمل والإستقلال الإقتصادي والوعي، وصار الزوج يحترمها ولا يتزوج عليها، كما يحترمها الأولاد. - بعض ما يوجه من نقد إلى النظام الأسري العربي هو نقد تاريخي أكثر مما هو واقعي يخص الحاضر، أي أن النظام الأسري العربي قد تطور وتخلص من الكثير من العوائق والشوائب التي كانت تشوبه... فما رأيك؟ = سبق أن أشرت الى أن العائلة العربية قد تغيرت بتغير وضع المرأة وتعليمها. ما الذي غير المرأة؟ إنها المرأة ذاتها، لأن الرجل ووضعه في الأسرة لا يزال كما هو، يخرج ويعمل ويعود ليخضع زوجته إذا كانت خاضعة أو تابعة له، لكن المرأة حملت الوضع على التغيير بحصولها على أجر من عملها، ليس مجرد خروجها للعمل ولكن حصولها على أجر عن هذا العمل. فالفلاحة المصرية تخرج إلى العمل بالحقل منذ آلاف السنين، ولكنها لا تزال مقهورة لأنها لا تنال أجراً وليست مستقلة إقتصادياً. إستقلال المرأة الإقتصادي هو الذي أدى إلى التغيير، إذ اكتسبت الثقة بنفسها، بحيث إذا تطاول عليها زوجها وأهانها يمكنها ان تتركه، كما تغيرت القواعد والقوانين. الكثير ممن يدرسون واقعنا الحالي في العالم العربي لا يقومون بذلك على أسس موضوعية و لايعاصرون التغيير الذي يحدث في المنطقة. وهذا يرجع إلى قصر نظرهم وإفتقارهم إلى الحياد وأسلوب البحث العلمي، من هنا كانت أحكام بعضهم تقليدية تنظر الى الماضي وليس إلى الحاضر. - لقد طرح الفنان الإيطالي الكبير بازوليني في فيلمه "ألف ليلة وليلة" فكرة الحب عند العرب، واعتبر العرب من أكثر الشعوب المتحضرة التي تعطي المرأة مكانتها القدسية، كما اعتبر ان الجنس عند العرب يتخطى المفهوم الغريزي إلى مفهوم جديد يصل الواقع بالمطلق وأن الحب قوة دافعة لخلق الحضارات ودفع الإبداع إلى مداه الأبعد... = هذا كلام جميل، ومع إني لم أشاهد الفيلم إلا إني أتفق معه في الرأي، فقد شاهدت، خلال زيارتي لغرناطة، عظمة الحضارة العربية في إسبانيا بشكل عام وليس في الحب فقط، إذ كانت حضارة عظيمة في جوانبها الثقافية والعلمية والإبداعية وغيرها. ومما لا شك فيه انه عندما توجد حضارة تكون على جميع المستويات والجوانب بما فيها الحب. لكنني لا أريد أن أفضل حضارة على أخرى، فأنا أنظر إلى الحضارات من منطلق إجتماعي وموضوعي. يعني أن الحضارة العربية لعبت دوراً كبيراً في التاريخ ثم إنحدرت مثلها مثل بقية الحضارات القديمة. فلا يمكن أن أستثني الحضارة العربية من بين كل الحضارات وأقول إنها أعظم حضارة أو إنها قدست المرأة دون بقية الحضارات. ومع ذلك يمكنني الجزم، من خلال دراساتي، بأن الحضارة المصرية القديمة هي أكثر حضارة قدست المرأة، وعندي الأدلة على ذلك. على سبيل المثال الإلهة إيزيس كانت إلهة الحكمة والمعرفة، الإلهة معت كانت إلهة العدل.. وكانت هناك آلهات للحرب والسلم والخصوبة، أي أن المرأة في الحضارة المصرية القديمة وصلت إلى مركز عظيم في المجتمع وهذا إنعكاس لقيمة المرأة عند المصري القديم بشغلها لمنصب الألوهية. - وما سر هذه المكانة الرفيعة التي وصلت إليها المرأة في الحضارة المصرية القديمة؟ = كان ذلك قبل النظام العبودي والسلطة الأبوية وقهر المرأة مع الأُجراء والعبيد، فالمجتمع كان لا يزال في حريته البدائية الأولى. كانت المرأة، حسب طبيعتها، هي التي تلد، وكانت تعمل، وهي التي إكتشفت الزراعة ومارستها في البداية. - فلنتقل إلى الواقع... هل تعتقدين ان الجمعيات النسائية، القائمة في بلدان العالم الثالث هي جمعيات واقعية؟ وهل أن الدفاع عن حقوق المرأة في مجتمع مستلب يمكن أن ينسلخ عن حركة التطور العام وعن حركة تحرير المجتمع من الشروط الإقتصادية والسياسية والثقافية والإنسانية التي تكبله... إننا نعيش في مجتمعات لا حقوق فيها لأحد، الرجل والمرأة على السواء ... فهل يمكن عزل نضال المرأة عن نضال الرجل؟ = دائماً أواجه بهذا السؤال ويثير دهشتي. الحركات السياسية كلها عزلت المرأة، سواء كانت حركات يمينية أو يسارية وكلها أو في غالبيتها من الرجال. لو أُدخلت إليها النساء فإنهن يدخلن فرادى ليقمن بأعمال ثانوية في خدمة الرجل. فالمرأة تقاوم هذا العزل وتحتج وتسأل أين أنا؟ أين أنا في الدين، في الفلسفة، في الحكم، في السياسة...؟ فلا تجد نفسها. رد الفعل الطبيعي هو أن تنظم نفسها لتقاوم هذا العزل الشامل المفروض عليها من خلال التنظيمات النسائية الواعية، بل التنظيمات والجمعيات النسائية المستقلة، مثل تضامن المرأة العربية، نحن لا نعزل الرجال، بل على العكس تجد أن نسبة تزيد على العشرين في المائة من أعضاء هذا التضامن من الرجال، وهؤلاء مؤمنون بقضية المرأة. المرأة لا يجب أن تنعزل عن قضية تحرير الأرض وتحرير الإقتصاد... لذلك فإننا في أوراقنا تجدنا نتحدث عن الإستعمار العالمي والصهيونية والنظام الطبقي والنظام الأبوي والفلسفة والدين والأخلاق والديون الخارجية والبطالة، وعن كل شئ يمس حياتنا كمجتمع. عندما حدثت بطالة في مصر بسبب نظام الإنفتاح الإقتصادي الذي جلبه السادات وزبانيته كانت المرأة أول من طرد من العمل، وحتى الآن ما زال هناك من ينادي بأن البيت هو المكان المناسب للمرأة. فمن يعزل المرأة إذن؟ إن الجمعيات النسائية قادرة على إعادة إدماج المرأة في الحكم والسياسية والدين والفلسفة، ولكن العقبات كثيرة ومتعددة من جميع التيارت والحركات السياسية والإجتماعية. إني أتكلم من منطلق تجربتي الشخصية، ففي البداية كنت كاتبة فرداً، إذ كنت أكتب وأنشر كتبي وحدي، وأحاول أن أغير بقدر ما أستطيع، لكن حينما ظهر تنظيم تضامن المرأة العربية -وهو تنظيم سياسي لأن قضية المرأة سياسية- تغير الوضع فبدأت أفهم السياسة وأحاول من الحكومة ومن تيارات اليمين واليسار، كل منهم من منطلق مصلحته الذاتية. وبدأوا جميعاً في التصيد فيما يتعلق بمسألة التمويل. جميع التنظيمات تتلقى تمويلات من مختلف الجهات التي تتعاطف معها أو تتفق معها في بعض الأمور. فنحن، في هذا الجو السياسي، نتلقى مساعدات من الهيئات التي تعطينا بشروطنا. لقد وضعنا في قانوننا الأساسي أننا نتلقى المنح والهدايا والمساعدات المالية من أية هيئة بدون أي شروط منا، بل بالشروط التي نضعها. - أية هيئة، ولو كانت يهودية أو صهيونية، أو مناهضة للعرب؟. = بالطبع لا، فهؤلاء هم أعداؤنا، كما إنهم لو فكروا في تقديم مساعدات لنا فهذا سيكون تصرف أحمق وغبي من طرفهم...!! - هل محاولة المرأة التشبه بالرجل للإنفلات من القيود الأخلاقية يعتبر خطوة إلى الأمام نحو تحرير المرأة؟ = من أي أخلاق؟!! وما هي الأخلاقيات التي تحكم علاقات الرجال بالنساء في بلادنا؟ إن الأخلاق التي تحكم بلادنا هي أخلاق مزيفة. والأخلاقيات التي تحكم علاقة الرجل بالمرأة مزدوجة. وبما أنها تعطي لنصف المجتمع، وهم الرجال، حرية بلا حدود وفوضى، فكيف تستقيم الأخلاق؟! عندما كنت أمارس عملي طبيبة تعرفت على هذه الإزدواجية، إذ كانت تأتي إلى عيادتي فتاة عمرها 15 سنة وهي حامل من سيدها الذي إعتدى عليها، وبالتالي طردها من بيته، فأصبحت في نظر المجتمع والأخلاق السائدة فتاة بلا شرف. في حين أن سيدها الثري هو الذي بلا شرف، ولكنه في نظر الناس هو الشريف لأنه متزوج وعنده أولاد ويحتل مركزاً مرموقاً في المجتمع... فعن أي أخلاق نتحدث؟! الأخلاق الحقيقية هي التي تسري على الجميع. بصرف النظر عن الجنس أو الطريقة، وبدون تفرقة بين الرجل والمرأة. لا يمكن للرجل أن يفقد عذريته مليون مرة ويعتدي على النساء ويظل شريفاً طالما أنه يملك الأموال، والفتاة بمجرد أن تتحدث مع رجل تتحول في نظر المجتمع الى إنسانة بلا شرف. كل هذه الأمور تحتاج إلى مراجعة. أنا ضد أن تفهم الحرية على أنها لا مسئولية، وأن تصبح الفتاة عندها عشرة أصدقاء. إني ضد الفساد للرجل والمرأة، وضد الازدواجية الأخلاقية، ومع الفضيلة الحقيقية. الفضيلة ليس لها علاقة بالجانب البيولوجي، أي البكارة والعذرية، لأنها لا تولد مع الإنسان بل هي موقف وسلوك يشكله الإنسان في حياته. على هذا الأساس فإن مقاييسنا للأخلاق مقاييس غريبة، فهي بالنسبة للرجال غيرها بالنسبة للنساء ثم أن الفضيلة تقتضي الحرية والإختيار وليس الإجبار. - ماذا يعني مفهوم تحرر المرأة لديك إذًا؟ = تحرر المرأة مثل تحرر الرجل، تحرر الإنسان والأرض والوطن. فالتحرر لا يتجزأ، إذ أن جسدي لا يمكن أن يكون حراً بمفرده بعيداً عن عقلي، وبالعكس لا يمكنني أن أكون حرة وجيبي فارغ من المال، فالحرية لا تتجزأ. هذا هو تحرر المرأة ولا يمكن أن يكون الإنسان حراً في بلد مستعبد وتابع.
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى رحيل خوسيه ثيلا خامس وأخر نوبل إسباني للآداب
-
حضارة الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطنة الآخر
-
زمن الفرجة: صناعة الرموز الرخيصة وشيطة الآخر البرادعي نموذجً
...
-
نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد
-
تطور حركة الإستعراب الإسباني
-
الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء ال
...
-
تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
-
عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
-
الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
-
الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا
...
-
الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
-
سورية في قلب أم الدنيا
-
الرؤيا في شعر البياتي
-
لا تجبروا جيش الشعب المصري على أن يكون فاعلاً على غرار جيوش
...
-
أزمة اللغة في -المسرح الجديد- في إسبانيا
-
مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين
-
العرب بين الإنتحار واللهو بتطبيق الشريعة: مصر على شفا جَرف ه
...
-
من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية
-
التأليف الموسيقي في خدمة الصورة السينمائية (الخطاب الموسيقي
...
-
توظيف وتطبيق العلامات المسرحية
المزيد.....
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|