محمود جلال خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 01:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عاد الشعب وقيادات الثورة الى منازلهم ليلتقطوا انفاسهم بعد ان نجحوا في اسقاط مبارك ونظامه , والاستعداد للمرحلة التالية التي سوف تشهد بناء الدولة الجديدة التي تلبي احتياجات الشعب وتحقق آماله وطموحاته , وبعد اسبوعين بدا توافد الثوار والشباب والقيادات الشعبية والنشطاء الى الميادين سواء التحرير في القاهرة او سيدي جابر وسعد زغلول في الاسكندرية وفي بقية المحافظات لوضع مطالب الشعب وتحديد اهداف الثورة , وبالفعل اتفق الجميع على عدة مطالب أهمها :
وضع دستور جديد للبلاد
هيكلة واصلاح القضاء
هيكلة واصلاح وزارة الداخلية
تطبيق قانون الغدر والعزل السياسي على من أفسد الحياة السياسية من اعضاء الحزب الوطني ومن شارك النظام الساقط سياساته
وضع حد أدنى وأعلى للاجور .... وغيرها من المطالب
وبالاتفاق مع المجلس العسكري الذي تطوع لقيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية ولسرعة الانتهاء من هذه المرحلة والانتقال الى دولة الدستور والقانون , اتفق الجميع على اعتبار دستور 71 كدستور للبلاد مع اجراء بعض التعديلات على مواده التي وضعها نظام مبارك وتم استفتاء الشعب عليها وجاءت النتيجة بالموافقة .
وفوجئ الجميع بالمجلس العسكري يكون لجنة لوضع ماسماه بالاعلان الدستوري ليحكم او يتحاكم اليه الشعب حتى تشكيل مجلس الشعب وانتخاب رئيس للجمهورية يتولى هو تشكيل لجنة لوضع دستور جديد للدولة .
شهدت هذه المرحلة تقاربا ملحوظا بين جماعة الاخوان والجماعات الشبيهة والمتحالفة معها وبين المجلس العسكري , مع تلويحات مستمرة من تلك الجماعات للمجلس العسكري بوجوب الاذعان لطلبات الجماعة والا ستدخل البلاد في دوامات من الفوضى لن تخرج منها ولو بعد حين .
بدأت الخلافات والانقسامات تعرف طريقها الى هيكل الثورة وانقسم الناس بين أكثرية رافضة لهذا السيناريو الغير منطقي واللامعقول , اذا كيف يمكن ان نبني دولة دون ان نضع لها حجر الاساس وهو الدستور اولا , وأقلية مؤيدة لقرارات المجلس العسكري شملت جماعة الاخوان وحلفائها ترى ان يوضع الدستور بعد انتخابات البرلمان والرئاسة , والعجيب في الامر ان حجة الفريق الذي اراد وضع الدستور اولا كانت مستنبطة من عمل رسول لله محمد بن عبد الله (ص) وسنته في بناء الدولة الجديدة فور هجرته الى المدينة شرع في وضع دستور للدولة شارك فيه سكان اهل المدينة جميعا من مسلمين ويهود ومشركين وكفار ومجوس وغيرهم وذلك في اليو م الاول ومنذ اللحظات الاولى لوصوله الى المدينة.
كان اعراض الجماعات الدينية عن هذا التوجه ورفضهم له مثيرا للقلق والريبة معا , وظهر انهم يبيتون النية لامر ما هو بالتاكيد نذير شؤم وخراب للدولة والشعب معا , ثم أكملوا مخططهم الاسود وتقدموا باحزابهم الدينية التي اقل ما توصف به انها طائفية عنصرية اقصائية مدمرة , ونشطت الفضائيات التابعة لها في الترويج والدعاية وبث الفتاوى التكفيرية ضد المعارضين والرافضين ووصفهم تارة بقوم لوط وتارة بشياطين الانس والجن و....
وبالرغم من كم الانتهاكات والتجاوزات التي شابت العملية الانتخابية البرلمانية والرئاسية من دعاية مغرضة ورشاوى سياسية عينية ومادية وتدخل دول واجهزة مخابرات اجنبية وعربية في العملية وتقديم دعم لا محدود لهذه الجماعات المتدينة المتاسلمة الا ان الجميع بمن فيهم ( النخبة ) عليهم السلام عموا أبصارهم وصموا آذانهم عما يجرى وكل يمني بنفسه بانه هو رئيس الجمهورية القادم وآخرون يعتقدون ان احزابهم الوليدة ستحصل على الاغلبية وتشكل الحكومة الجديدة لانها تضم بين اعضائها اسماء شباب ثورة يناير ! والانكى ان هناك احزاب سياسية ليبرالية ويسارية تحالفت مع هذه الجماعات وقبلت بالترشح معها على قوائمها كأنها تعطيها صك الشرعية والتأييد .
وكانت النتيجة المؤلمة هي نجاح جماعات الاسلام السياسي وحصولها على الاغلبية في مجلس الشعب وخروج الاحزاب الوليدة بنت امبارح من المولد بلا حمص , وزاد الطين بلتين فوز مرسي العياط بمنصب رئيس الجمهورية , خروج ما سموا انفسهم ( بالنخبة ) من المولد بلا حمص وعادوا الى ديارهم بخفي حنين .
كانت مصر وقتها اشبه ببهيمة متردية سقطت فاسرعت الذئاب تنهش في جسدها كل يحرص على ان يظفر باكبر نصيب من لحمها ودمها , كان الشعب كله والمصابون بضعف الابصار وقصر النظر والعشى الليلي يرون ان مصر في حالة حرب قذرة دونها بكثير حرب 73 التي كانت على حدودها الشرقية , وكان الجميع يؤكد ان مصر مقبلة على التقسيم وان الرهاب بدأ يضع اقدامه في قلبها , في القاهرة وليس على حدودها , فهنية وأمير قطر يستقبلان في قصر الاتحادية واتفاقيات توقع بين حماس واسرائيل بمباركة مرسي ومرشده وجماعته , والاسلحة تتدفق من الحدود والاتجاهات الاربعة , والاموال تسيل من مطار القاهرة وعبر البنوك بالمليارات لجماعات الاسلام السياسي لبناء الجيوش والميليشيات التي سوف تهجم على مصر من الداخل , وتضربها من العمق .
كان يتوجب على هذه الاحزاب الجديدة ومن يسمون النخبة ان يوحدوا صفوفهم ويجتمعوا في حزب واحد , وان يتجهوا الى القيادة العسكرية ويضعوا انفسهم تحت تصرفها هم واحزابهم والشعب من خلفهم ويعلنوا التعبئة العامة ويوقفوا العملية الهزلية المسماة سياسية او انتخابية , لكن كان واضحا ان لكل طموحاته واحلامه الشخصية التي تراوده منذ سقوط مبارك وربما من قبل ذلك , وعليه ان يحجز مقعده من اليوم اما في مجلس الحكم والرئاسة او على الاقل في صفوف المعارضة , لانه يعلم ان الحزب الفائز والنظام الجديد هو الذي سيختار المعارضة ويشكلها كما يشكل الحكومة.
لكن الشعب كان مازال في الساحة والميدان وله كلمته الثانية كما كانت له كلمته الاولى في يناير , فخرجت المظاهرات والمليونيات تقريبا كل جمعة حتى وصلت لذروتها في 30 يونيو واسقطت كل المخططات التي اعدتها اجهزة المخابرات والدول العربية والاجنبية لوضع جماعات الارهاب السياسي على راس الحكم في مصر
يمكن القول على سبيل القطع والتأكيد ان الفساد الذي حاق بمصر خلال السنة التي تولى فيها مرسي العياط الحكم والجماعات الارهابية التي رفعها معه أضعاف اضعاف الفساد والخراب الذي حدث بمصر خلال ثلاثين عاما من حكم مبارك , اذا نظرنا الى حالة الانقسام التي اصابت الشعب ولازالت وصعود التيارات الارهابية ورئيسها وتمسكهم بما يسمونه الشرعية لان الدولة اعترفت بهم وقبلتهم في العملية السياسية وشاركتهم الاحزاب والنخبة السياسية ومنه من تحالف معها وترشح على قوائمها , بالاضافة – وهذا هو الاهم – الضحايا والشهداء الذين سقطوا بايد هؤلاء عند قصر الاتحادية وامام المقر العام لجماعة الاخوان وفي القاهرة والاسكندرية وكل محافظات مصر التي خرج اهلها رافضين لحكم العياط ومرشده , وتتحمل النخبة المزعومة – وعلى راسها المرشحين الثلاثة عشر للرئاسة السابقين ورؤساء الاحزاب - القسط الاكبر من هذه المآسي والخسائر التي اعادت مصر سنينا الى الوراء ورسمت الارهاب على وجهها امام العالم .
ان الادارة التي تسير الامور في البلاد برئاسة المستشار عدلي منصور هي الادارة الشرعية والقانونية التي لبت مطالب الشعب واستجابت لارادته وعليها ان تستمر في ادارة البلاد الى ان ترسخ مبدأ سيادة القانون والدستور وتحل جماعات الارهاب السياسي واحزابها , كذلك ان تعيد اختيار حكومة جديدة بدلا من هذه التي اختارتها الصفوة المنتقاة التي استقال كبيرها عند اول مواجهة مع الذين اسقطتهم الثورة التي اتت به دون مشاورة او مراجعة مع من اختاروه لهذا المنصب ووثقوا به , وترنح الباقون من بعده وفشلوا في معالجة المشكلات التي يعاني منها الشعب , على الادارة الحالية ان تظل في مكانها وتؤجل الى اجل غير معلوم الانتخابات او اي مراسم لتسليم السلطة الى ان ينظم الشعب صفوفه وينتقي من بين صفوفه قيادات وزعامات جديدة يختارها ويدعمها هو ولو كانوا فقراء معدمين , لا ان تفرض عليه اسماء وهمية وزعامات ورقية هشة احترفت الكلام المنمق والتصريحات المزخرفة في أمام الكاميرات وفي المناسبات فتسارع الى الميادين وقت جني الثمرات لتخطب في الناس كما لو كانوا زعماء تاريخيين أو عائدون للتو من منفى سعد زغلول , بينما هم لايتورعون عن فعل اي شئ فيه مصلحتهم ومنفعتهم الوقتية والمستقبلية ولو كان على حساب الدولة وأمنها وضد صالح الشعب ومستقبله .
#محمود_جلال_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟