وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4275 - 2013 / 11 / 14 - 11:35
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
(1 ) : (اصبح العلويون ضحية الصراع الصفوي – العثماني )
(علينا اعتبار المذهب العلوي هو الطريق الوسط بين التزمت السلفي السني , والطائفية الشيعية الاصولية ).
الباحث د.ابراهيم الداقوقي
(ولما كان العلويون من اكثر الطوائف المتصوفة انفتاحا على الاخر ..فانهم يمثلون البروتستانتية الاسلامية لاقرارهم باختلاط الجنسين ).(د.ابراهيم الداقوقي )
(2):العلويون وموقفهم من الخمر والشراب
ان من اقسى الانتقادات التي وجهت الى العلويين – البكتاشيين , كان اتهامهم بالزندقة والكفر وشرب الشراب .
يرد على هذه التهم الشيخ بابا اسحق وهو احد شيوخ البكتاشية قائلا:
ان الشراب الذي نشربه في بيوتنا ومع عوائلنا في بيوت الجمع للتسرية الاجتماعية , هو ليس من اجل العدوان او خلق الفوضى والمشاكل للاخرين , وهي الامور التي ادت الى تحريم الخمر في الاسلام , وليس الشراب . وهي مدنية ومن اواخر السور التي نزلت في القران وتتضمن كيفية التعامل مع اهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهما .ونزل فيها تحليل اكل طعام اهل الكتاب .ونزل فيها تحريم الخمر ولحم الخنزير وتحليل الطيبات وتحريم جميع الخباثات . حيث جاء في سورة المائدة :
(يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه , لعلكم تفلحون .انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون ؟ ).
يقول الشيخ بابا اسحق( اننا لانرى في هذه الاية مايمنع من شرب الشراب ,الا اذا اصبح الشرب اداة للفسق والفساد واثارة العداوة والبغضاء بالجمع بين الخمر والميسر باعتبارهما رجس من عمل الشيطان . ولما كان العلويون يشربون الشراب فقط وليس الخمر ولا يتعاطون الميسر على الاطلاق ,فان مضمون هاتين الايتين لاينطبق عليهم .لذلك فقد اكدت الاية (219)من سورة البقرة على (يسالونك عن الخمر والميسر قل : فيهما اثم كبيرومنافع , واثمهما اكبر من نفعهما .ويسالونك ماينفقون ,قل العفو كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون ).حيث يجري الحديث هنا عن الخمر الذي يضر بالانسان رغم بعض منافعه ..اننا نعتقد (والكلام للشيخ بابا اسحق )بان الذين يمنعون الشراب لم يفهموا القران الكريم جيدا .اضافة الى ان الشراب وليس الخمر قدمت هدية لبني البشر . وهذا يعني ان الشراب لم يمنع شربه اذا كان باتزان وبشكل لايؤدي الى السكر او يوقع الضرر بالاخرين ,لاسيما ان الاية (23 )من سورة طور تؤكد ان ربهم يقدم لهم شرابا :
(ينزعون فيها كاسا لا لغو فيها ولا تاثيم ).وهذا دليل على ان المشروبات التي تؤدي الى السكر هي الممنوعة وليس الشراب الطهور .ولهذا فان العلوين يمنعون الشخص الذي يسكر من الشراب من حضور بيت الجمع , الى ان يتوب ويعترف بخطاياه امام الشيخ (البير )وبعدم العودة الى ذلك مستقبلا .
يعتقد العلويون ان مجلس الاربعين صحابيا برعاية سلمان الفارسي هم الذين تناولوا اول رمز للشراب , عندما هرس سلمان الفارسي حبة عنب في طبق من نور وسقاهم جميعا به .وبعدما انتشوا قاموا جميعا ليرقصوا رقصة السماح البكتاشية .
ان زعماء المسلمين كانوا يشربون الخمر المصنوع من التمر (سورة النحل -67)منذ عهد النبي , واستمروا في ذلك في عهد الامويين ايضا . والحديث عن تمتع الخلفاء العباسيين بكل مباهج الحياة بما فيها تناول (المشروبات الروحية ), اي الخمور تملاء صفحات التاريخ .وعندما بدات فترة حكم الاتراك في العالم الاسلامي ,انتقلت عادة الشرب الى السلاجقة ومنهم الى الخلفاء العثمانيين . واذا كان الخلفاء المسلمون يشربون الخمر في مجالسهم الخاصة سرا ,فان البكتاشيين بداوا يتناولون الشراب علنا وفي منتديات بيوت الجمع لاعتقادهم بان تناول الخمور قد منع في الاسلام لاضراره الاجتماعية , ولانه يوقع الضرر,لاسيما اذا اقترن بالميسر , نتيجة عدوانية السكارى وخلقهم للفوضى .لذلك لايتناول كل فرد من البكتاشيين وكذلك العلويين الا نصف قدح من الشراب اختياريا وبدون الحاح من احد بعد اداء شعائرهم في بيوت الجمع ,ثم يقومون باداء رقصة السماح بكل نشوة وسعادة.
لقد اصبح العلويون ضحية للصراع الصفوي العثماني في مطلع القرن السادس عشر للميلاد , حين اتهمهم السلطان بايزيد الثاني وسليم الاول العثمانيين بالولاء للصفويين واعملا السيف فيهم.وتوارى العلويون منذ تلك الفترة عن الساحة .
(3 ) :العلوية والبكتاشية واعيادهم
ان المتصوف الكبير حاجي بكتاشي (1240 – 1320 م )يحتل مكانة رئيسية في العقيدة العلوية , حيث امتزج فكره الشيعي الاثني عشري مع الفكر الحنفي السني ,عند قدومه الى بلاد الاناضول ,بحيث خلق توليفة صوفية اسلامية تجمع مزاياهما وتتقاطع بصورة مذهلة مع الفكر الشيعي الاثني عشري والسني السلفي معا.
ومن هنا لم يعد ممكنا الحديث عن العلوية دون البكتاشية . الا ان الكتمان والتقية في ممارسة العبادات انتجت لاحقا نمطا خاصا من الطقوس الدينية لايمت بصلة الى العبادات المعروفة لدى الفرق الاسلامية .واحتل بيت الجمع او بيت الاجتماع لدى العلويين مكانة المسجد الجامع عند المسلمين , حيث يمارسون فيه عباداتهم ,ويقراون فيه ادعيتهم واورادهم , ويعقدون ( عهود المصاحبة )في الاخاء والتصافي وعدم خيانة العهد واحترام بعضهم للبعض الاخر .
ولما كان العلويون من اكثر طوائف المتصوفة انفتاحا على الاخر , من حيث العلاقات العامة ,وبالتالي اكثر حداثة وتمثلا بالقيم المدنية والانسانية , فانهم يمثلون البروتستانتية الاسلامية لاقرارهم باختلاط الجنسين (بعد اقرار مبداالمصاحبة والاخاء بين الذكر والانثى ), وتقديرهم للفنون الجميلة بممارسة الفنون الشعبية من رقص وغناء وموسيقى .
ومن هنا فان العلويين يحتفلون بكل الاعياد الخاصة بالسنة والشيعة , دون تمييز بينها. وهي اعياد الفطر والاضحى والغدير والفراش(الهجرة ), وعاشوراء والنوروز وعيد سلمان الفارسي .غير ان جميع العلويين لايلتزمون بهذه الاعياد كلها , لاسيما لان بعضها تحتفل ببعض الاعياد المسيحية ايضا ( كما يقول عبد الرحمن بدوي )كعيد الغطاس (المعمودية), وعيد العنصرة , وعيد القيامة , وعيد القديسة بربارة , وعيد الميلاد , وعيد الصليب.اضافة الى ان لبعض الفرق العلوية اعيادها الخاصة من خلال زيارة قبور بعض الاولياء الصالحين او شيوخ العلويين الكباروشيخ مشايخهم.فان النصيريين وعلويي مصر مثلا يحتفلون بعيد الشيخ حسن , وهو من الشخصيات العلوية المرموقة . كما يحتفل النصيريون في يوم 24كانون الاول ( ديسمبر )بعيد الميلاد .مثلما يحتفل العلويون المصريون بعيد (سبت النور )في اليوم السابق مباشرة على عيد القيامة عند المسيحيين . ويحتفل العلويون الاتراك ولثلاثة ايام متتالية بعيد الشيخ (بكتاشي ولي ).واذا كان العلويون يلتزمون باداء الفرائض الاسلامية جميعها , فانهم يختلفون عن المسلمين في كيفية اداء تلك الفرائض .كما انهم يختلفون فيما بينهم في كيفية اداءتلك الفرائض.ففي الوقت الذي يرى فيه الدروز والاسماعيليون ان اصول عقائدهم تعود الى اسماعيل بن جعفر الصادق ,فان الصفويين والنصيريين يرجعون عقائدهم الى اصول امامية اثني عشرية .
يعتقد العلويون الاتراك ان الحاج بكتاشي ,احد احفاد الامام موسى الكاظم هو واضع اصول العقائد البكتاشية التي عمت بعدئذ الفرق العلوية التركية . واذا كان العلويون بشكل عام لايصلون الجمعة , لانهم لايعتبرونها فرضا,فانهم يقيمون الصلاة في بيوت الجمع , كما يفعل الاتراك, وفي حالة عدم وجود تلك البيوت , فانهم يقيمونها في بيوتهم ركوعا بدون سجود مع اختلاف عددالركعات في اوقات الصلاة .
ان المصلين يؤدون هذا الفرض وقوفا بعد تشابك الايدي ( رجالا ونساءا)ثم يبداون بالرقص بشكل دائري على انغام الدف او الدف الناي معا ,لانهم يؤمنون بان النظر الى وجه الرفيقة خير من مواجهة الجدار الصلب.
المصدر :
كتاب(العلويون- اصحاب دين جديد؟ام طريقة تصوف او مذهب سياسي لعصر العولمة ؟ ) للباحث د.ابراهيم الداقوقي - ط2-2010-مطبعة اراس – اربيل –العراق .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟