|
الترسبات في اللاوعي العراقي
صفاء صالح
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 11:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ان الدولة الشرقية خاصة شرقنا العربي والاسلامي ومنها الدولة العراقية، ظلت قرينة لمعطيات تاريخ العنف المتواصل الذي انتجته الجماعة السياسية او القومية او الطائفية كما ان المجتمع بغياب الدولة العادلة تحوّل الى مجتمع طبقي ومجتمع سياسي وطائفي تتشرعن فيه مفاهيم القوة والعنف الاجتماعي والاقتصادي والسلوكي والثقافي بين القوى المتخاصمة، وانا اعتقد ان تاريخ العنف في الحياة العراقية والعربية هو في الاصل نتاج لعنف هذه الدولة التي لا شكل واضح لها والى قسوة الفرد الصحراوية والبدوية ..لقد تغيرت الصحراء في بلاد العرب أصبحت مدنًا كبيرة ودخلت مظاهرُ الحياة المعاصرة في أجزائها فأنجزت خدماتِ طرق الموصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة. أجل، تغيرت الصحراء لكن الوفاء لها مازال متواصلاً من صحراء الأرض إلى صحراء الذاكرة المنعكسة في النفوس والقلوب والعقول. لكن الفاجعة في هذا الوفاء كلِّه أن يتذكر العربي صحراءه بتفاصيلها وبكلِّ ما تحمل من تراث مخيف متمثلةً تمامًا في دينه الإسلامي منعكسةً فيه أصبح الدين الإسلامي في شكله المعاصر هو الذاكرة الصحراوية الكبرى لسلوك العربي ومعرفته ونظامه ومناخه وثقافته. الدين الإسلامي هو الصحراء التي يتعشقها العربي لا لأنه دين سماوي يرسم خرائط الغيب وينقذ الإنسان من التيه، بل لأن هذا الدين يذكِّر العربي بتراثه وبعمق تقاليد الأجداد الكبار المولودين من الصحراء والأوفياء لها إلى الأبد هناك صراع بين مكونات المجتمع (المدينة- الريف - البادية) والتي تحول الصراع بينها الى صراع بين اشكال ثقافية وعادات امتدت الى انتاج ظواهر اخرى بدء من ظواهر الصراع بين الحجاب والسفور الى المدينة والريف، الى صراع مفاهيمي معقد بين الحداثة والسلفية بين التطور والتخلف . وطبعا اخذ هذا الصراع امتدادات اجتماعية ودينية وتاريخية، والتي شكلت واحدة من المنعطفات التي ارتبطت مع اشكالات ظواهر العنف السياسي، لان هذا العنف هو الذي انتج ظواهر العنف الثقافي واللغوي ومظاهر التطرف الفقهوي والديني وحتى الحروب العشوائية التي احتشد بها تاريخنا القديم والجديد. لان تاريخ الازمة هو تاريخ طاعن في الجسد العراقي وبحاجة الى تطهير عميق، تطهير يرمم الخرابات ويؤنسن الوعي بالجمال والطبيعة والمدينة،ويعيد التوازن للشخصية العراقية في تعددها وتلونها لقد تغّيرت عوامل الصراع من زمن لآخر ، نتيجة ما لحق بالمجتمع من تغيرات مع بقاء الترسبات في اللاوعي العراقي الذي له دور كبير في تشكيل البنية الاجتماعية للعراق الحديث . المشكلات القبلية والعشائرية العراقية كانت اخطر بكثير من مشكلات حضرية في المدن ، باستثناء حالات معينة كانت ترتفع إلى السطح أحيانا .. وخصوصا تلك التي كان يذكيها أناس يخرجون دوما على القانون ولقد ازدادت المشكلات في المدن كثيرا في القرن العشرين بعد أن أزيلت عنها أسوارها القديمة التي كانت تحميها لتختلط فيها الناس ، وينزح إليها أبناء الريف والبوادي والجبال ، وتخّتل المعادلة اختلالا كبيرا .. وتبدأ معاناة من نوع آخر تشكلها أنواع من الكراهية والاضطهادات المحلية .. ولقد بقيت نعرة أهل الداخل (= المدن ) وأهل الخارج (= القرى ) موجودة على امتداد قرن كامل ، ولم تزل موجودة حتى اليوم ، بسبب اختلاف أساليب التعامل ، وأساليب التفكير ، وأساليب الحياة بسبب تباين التربويات بين حضريين يعتقدون أنهم أكثر مدنية ورقيا ، وبين قرويين يعتقدون أنهم أكثر أصالة اننا عندما نتفكر في الدين والتدين اليوم نشاهد تجليات صحراء العرب والسلوك البدوي والقبلي والريفي واضحة على تصرفات وسلوكيات المسلمين خصوصا العرب ما هي البراعة لعدم نسيان الفرد العربي صحراءه وإيجاده ضالته في هذا الدين كيف تحول هذا النبي المتأمل الذي جلب للعرب لغةَ السماء إلى رجل حرب مشرِّع لبنود الحرب وقتل الآخر إلى رجل متهالك على سلطة الصحراء بكلِّ معاني الرجولة والذكورية المفرطة في القوة والشهوة والغزو والنهب كيف استطاع العرب بكلِّ ما يحملون من قوة الصحراء القاحلة أن يلتهموا خاتم الأنبياء ويحولوه من عارف إلهيٍّ وسائح كبير متأمل في الطبيعة والحياة من ساعٍ إلى التغيير والفتح المعرفي وناقل لأخبار الغيب المجهولة إلى متسلط وسيد مطلق بلا منازع إلى مقاتل من أجل السلطة والاستحواذ والأخذ بالثأر حاملاً سيفه أبدًا لقطع رؤوس المخالفين والناكرين لصحراء العرب صحراء العقول والنفوس والأرواح العربية المتميزة عن غيرها والمتكونة في معامل الغيب ك خير أمة أُخرِجَتْ للناس كان العراق ضحية الموجات البدوية التي كانت تتوافد عليه طلبا للحياة بسبب توفر المياه وخصوبة الارض ولازالت طبيعة العراق وكثرة ثرواته سبب مأسينا .. إن ثلاثية التقسيم واضحة في العراق أكثر من أي مكان آخر بين مجتمعات الشرق الأوسط ، وهي ثلاثية اجتماعية متنافرة تقوم على ثلاثة عناصر ، هي : الحضري والريفي والبدوي ، هذه الثلاثية المتنافرة ، أنتجت المزيد من الصراعات عكست نتائجها السايكلوجية والاجتماعية على أوضاعنا الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية في القرن العشرين ... ولم نزل نعاني من صداماتها الواسعة ، كونها متوارثة أبا عن جد .. هنا تصبح العلاقات بين الأقليات والأكثرية اجتماعية وتاريخية بحتة لا علاقة لها بدين ، أو طائفة ، أو مذهب ، أو حتى عرق وقومية . إن الصراع الاجتماعي في العراق قد أخذ له أشكالا متنوعة ، كل في أبجديته الخاصة : البداوة والريف والمدينة .. كان الصراع القبلي بين قبائل متنوعة ربما على أتفه الأسباب ، وينضوي في مضمونه الصراع العشائري داخل بنية القبيلة نفسها .. أو أن يكون طبقيا في الريف حيث تكون العلاقة قسرية متنافرة بين أصحاب الأرض ( الملاكون ) وبين الفلاحين ، كان الصراع الطائفي هو الأقل احتداما في الريف مع انعدامه عند البدو العراقيين ، ولقد شهد الريف في جنوب العراق والفرات الأوسط حالات كثيرة من تشّيع الناس ، لا لسبب ديني ، بقدر ما هو إرضاء أوضاع اجتماعية فرضت على طرف دون آخر ، فالملاكون السّنة مثلا تشّيع قسم كبير منهم ، بسبب ما يمنحه المذهب الجعفري من حقوق كاملة للبنات من حقوق الإرث .. كما يمنح الانسان ان يفّجر عاطفته الى ما شاء له .. فضلا عن كونه بقي مذهب مجتمع لا مذهب دولة ،كسب عبد الكريم قاسم الفلاحين عند تشريعه قانون الاصلاح الزراعي والغاء الاقطاع وتوزيع الاراضي المملوكة على الفلاحين لكنه خسر مراجع الدين الشيعة لان الكثير من اموال الخمس والزكاة التي كان الاقطاعيون يعطوها لمراجع الدين انقطعت وتوقفت لاالوم كارلس ماركس عندما كان يقول ان الاقتصاد هو المحرك الاول لكل الصراعات الاجتماعية والدينية - ان قسوة الصحراء والطبيعة تنعكس على أبنائها في كلِّ شي: في مأكلهم ومشربهم وملابسهم وأشعارهم وحكايات البطولة والشجاعة والسبي والعار والقبيلة والاستيلاء والذكورة المفرطة والاستخفاف بالعقل والمعرفة وابتلاع كلِّ مَن يدعون إلى المدنية كثقافة وليس كبناء شاهق. .
#صفاء_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|