|
لا يهم ، فهو كافر
نبيل فهد المعجل
الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 12:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل مدة وأنا في أحد المطاعم سمعت طفلاً لا يتجاوز عمره الثانية عشرة يصيح ويشتم العامل الآسيوي! وقفت مصدومآ أسأل الطفل عن سبب استعماله مثل ذلك الكلام البذيء تجاه العامل فإذا بي أفاجأ به يجيبني "لا يهم ، فهو كافر". توقفت عند ذلك وتركت المكان مصاباً بالدوار.
مثال غريب آخر يدور في المحور ذاته صادفني في أحد المناهج التعليمية حيث ورد سؤال حول "حكم كراهية الكفار" وكان جوابه "أن كراهية الكفار واجبه" لا حاجة للقول أنني أصبت بالدوار مرة أخرى وغني عن القول أيضاً أن تصرف ذلك الطفل تجاه العامل الآسيوي هو نتيجة طبيعية لما تلقنه من قيم حول وجوب كراهية الكفار ضمن ذاك المنهج التعليمي!
لا شك أنه لدينا مشكلة قد تؤدي إلى كارثة.
طبقا لفهمي المتواضع ، يحث الإسلام على كره الكفر ذاته وليس الكفار بأشخاصهم. وهناك فرق شاسع بين الأثنين. ولسوء الحظ يبدو أننا لم نعطي لأطفالنا الشرح الوافي لفهم الفرق بين الأمرين. سأطرح تساؤلاً "هل نريد حقا تعليم أطفالنا كراهية الغير ؟ وإن كان الرد بالإيجاب ، وأنا اختلف مع ذلك الرأي جملةً وتفصيلاً ، فهل صحيح أن يكون غرس مثل تلك المفاهيم في أدمغة أطفالنا في تلك المرحلة المبكرة من العمر؟
من أجل إثراء النقاش دعونا نفترض بأن مبدأ تعليم أطفالنا كراهية العالم الغربي هو مبدأ مقبول لدى البعض بسبب الموروثات التاريخية لما عانت منه منطقتنا خلال الخمسون سنة الماضية من تصرفات لحكومات غربية أساءت لعالمنا العربي تحديداً، وبفرض ذلك لماذا تنسحب تلك الكراهية القبيحة إلى مجموعات عرقية غير غربية ؟ فإذا رجعنا لحادثة الطفل مع العامل الآسيوي فإن ذلك العامل قدم لبلدنا من أجل توفير لقمة عيش كريمة لعائلته الفقيرة لذا فمن أصول الواجب والضيافة إظهار القليل من الإحترام والتقدير تجاه الهدف النبيل الذي تغرب من أجلها ذلك العامل وتجاه ما يؤديه لنا بالتالي من خدمات عن طريق سد حاجة البلد لمستخدمين يقومون بأعمال ينأى عنها المواطن في بلده. في مقابل ذلك كله نهديه كرهاً قبيحاً ببساطة لأنه يعتنق ديناً آخر غير ديننا.
حتى سبعون سنة مضت، وقبل أن تصبح بلادنا غنية، كان رجالنا يسافرون إلى بلدان مختلفة ليتمكنوا من خلال عملهم فيها من إعالة أسرهم، إلا أنهم لم يعاملوا بما يسئ إليهم بسبب خلفياتهم الدينية أو الثقافية أو العرقية.
ما الذي حل بمجتمعنا حتى نصل إلى هذة المرحلة المحزنة ؟ ومن علم ذلك الطفل أن يتفوه بمثل ذلك الكلام غير المسئول؟ ومن يتحمل مسئولية وجود مثل تلك المفاهيم الغريبة في مناهجنا التعليمية ؟ لماذا ننظر إلى غير المسلمين بقليل من الإحترام ؟ أليس من المجدي أن نستخدم معايير أفضل وأرقى للحكم على جميع الناس مسلمين كانو أم غير مسلمين؟ تساؤلات بالطبع لن يجيب عليها أحد . لماذا ؟ لأننا أصبحنا خبراء متميزون في إلقاء اللوم على الآخرين. نستطيع أن نشير بأصابع الإتهام إلى ما يحدث في مدارسنا وإن كان بالإمكان أن نلقي ببعض اللوم على المدارس ولكن بالتأكيد لا يمكن تحميل المدارس المسئولية كاملةً.
أكثر اللوم يجب أن يوجه نحو آباء وأمهات هذا الجيل ، وهو الجيل الذي أنتمي إليه . وحيث أنني أدرك تماماً ما قد يحدثه ذلك من صدمة ولكنه يبدو أنه آن الأوان أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا ونعترف بأننا كنا بعيدين كل البعد عن تربية أبنائنا بالشكل الصحيح منشغلين خلال العقود الماضية بالتمتع بمظاهر الطفرة الإقتصادية التي مرت بها هذه البلاد.
كلي يقين بأني سوف أجابه باتهامات لا نهاية لها بأن ما أورده هنا هو مجرد تكرار للإتهامات الأمريكية الإعلامية حول مناهجنا التعليمية وتعليمات مساجدنا وقد يكون ذلك صحيح جزئياً، إلا أنني أحمد الله أن نشر آرائنا قد أصبح متاحاً وأكثر سهولةً فلكم أن تتخيلوا ما كان سيحدث لو نشرت هذه المقالة قبل سنوات قليلة، هذا بفرض إمكان نشرها أصلاً، وكيف سيكون موقف بعض أخواننا المحافظين مما ورد فيها ؟ سأترك لكم الجواب.
ليس هناك مجالا للشك بأن ما يمارسه بعض شبابنا من عنف دامي بحجة الجهاد مستمدة جذوره من تلك التربية الخاطئة التي غرست فيهم منذ الصغر. لذا دعونا نتصرف وبسرعة قبل أن نخسر أبناءنا للأبد ، فقد خسرنا منهم ما فيه الكفاية !!!!!
#نبيل_فهد_المعجل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرطة الألمانية تنفي أن تكون دوافع هجوم ماغديبورغ إسلامية
-
البابا فرانسيس يدين مجددا قسوة الغارات الإسرائيلية على قطاع
...
-
نزل تردد قناة طيور الجنة الان على النايل سات والعرب سات بجود
...
-
آية الله السيستاني يرفض الإفتاء بحل -الحشد الشعبي- في العراق
...
-
بالفيديو.. تظاهرة حاشدة أمام مقر السراي الحكومي في بيروت تطا
...
-
مغردون يعلقون على التوجهات المعادية للإسلام لمنفذ هجوم ماغدب
...
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|