نهاد عبد الستار رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4273 - 2013 / 11 / 12 - 17:35
المحور:
الادب والفن
الفيتها منشغلة في تدقيق مجموعتها القصصية الأولى الموسومة ( تضاريس التيه ) عندما ولجت غرفة التدقيق في " فضاءات للنشر والتوزيع والطباعة " في عمان . القيت عليها تحية الصباح , فالتفتت نحوي بوجه اندلسي الملامح , وردت التحية وقد ارتسمت على وجهها امارات البهجة والحبور .
اطلعت على قصص المجموعة , ثم دار بيننا الحوار التالي :
-- من الملاحظ ان كتاب القصة القصيرة سرعان ما يتحول غالبيتهم الى كتابة الرواية , كيف ترى القاصة مريم التيجي مستقبل القصة القصيرة في المغرب ؟ وهل ستسود الرواية على حساب الأجناس الأدبية الأخرى ؟
-- لا أخشى على القصة القصيرة من الرواية , لأن القصة القصيرة لها انصارها الذين تستهويهم لمواكبتها عصر السرعة , وان الرواية في المغرب لا تزال في مستوى المحاولة رغم ظهور اسماء وأعمال روائية أثارت الأهتمام . فيما لا تزال الرواية متربعة على عرشها في المشرق العربي فانها لم تتوج بعد في المغرب بما يمكن القول انها تسحب البساط من تحت انماط ابداعية اخرى . تبقى القصة القصيرة نبض الحياة المعاصرة ذات الأيقاع السريع , اذ انها تأخذ بعين الأعتبار وقت القاريء , كما انها تعبر عن هموم الأنسان في عصر السرعة من خلال ومضات برقية .
-- احتوت مجموعتك القصصية على بعض القصص القصيرة جدا , هل لك ان تعطينا فكرة عن وضع القصة القصيرة جدا في المغرب ؟
-- ظهرت القصة القصيرة جدا في المغرب منذ تسعينات القرن الماضي استجابة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية , بالأضافة لعامل السرعة , وكوننا نعيش عصر العولمة الذي يقتضي التسابق للحصول على لقمة العيش ويحث الأنسان للتنافس المادي والفكري لأثبات وجوده , اذ بالكاد تتوفر للمرء الفرصة للقراءة والكتابة . كما ان القصة القصيرة جدا التي تبلور نمطها في المغرب وتونس على وجه التحديد , تمتاز بالأيحاء المكثف والرمزية والتلميح والتصوير البلاغي .
-- هل عرف المغرب ظاهرة العزوف عن القراءة ؟
-- هذه الظاهرة هي من مخلفات العولمة , وقد أثرت بشكل أو بآخر على مستوى الأقبال على القراءة وأحدثت عزوفا عن شراء الكتب مما جعلت المبدعين من الكتاب يواجهون محنة النشر .
-- بم تميزت القصة القصيرة في المغرب خلال العقود القليلة الماضية ؟
-- تميزت القصة القصيرة في المغرب بشكلها الفني الجمالي المعتمد على وعي يستمد اصوله من قصص موباسيان وتشيخوف بل وحتى همنغواي في ستينات القرن الماضي . أما في السبعينات فتميزت بتعايش الواقعية مع الفنطازيا وكذلك الميل لتفجير اللغة , وفي الثمانينات تميزت بهيمنة التكثيف , والأختزال والأيغال في الفنطازيا , بالأضافة للأستفادة من الآراء والمواقف البنيوية في صياغة المكونات السردية . بينما نجدها في فترة التسعينات وبداية الألفية الثالثة تتميز بهيمنة الميل الى التكثيف الشعري , والأنتفاع من تقنيات التقطيع وفن الملصقات والفيس بوك والمواقع الألكترونية والمنتديات وغيرها من المرجعيات في الكتابة والسينما والتصوير .
-- ماذا اضاف النشر على الأنترنيت الى تجربتك في كتابة القصة القصيرة ؟
-- أنا مدينة بالأساس للأنترنيت ولقرائي على مدونات مكتوب وعلى الفيس بوك بكل ما كتبته وبكل ما يمكن ان اكتبه مستقبلا . ببساطة , أن أي كاتب في بدايته يحتاج الى ان يمتلك ثقة أفضل في نفسه وفي قلمه حتى يستمر , والأنترنيت تتيح اللقاء المباشر مع القاريء الذي تلقي له بأول الكلمات , وعندما يستقبلها بحفاوه ,يعطيك نفسا للأستمرار الى ان تكبر الخطوة .
-- الكتابة الأبداعية تقتضي من الكاتب ان يكون في حالة عدم استقرار دائم وصولا الى نص يحلم بكتابته , ما هي الحالة التي تعيشها القاصة مريم التيجي هذه الأيام ؟
-- حلمي هي الرواية , مشروع يسكنني منذ زمن . لم أختره بقدر ما اختارني . أعيش مع أبطال روايتي التي لم تكتب بعد , واتحاور معهم وأعرف كل يوم عنهم شيئا جديدا , وأقرأ كثيرا عن الزمن الذي عاشوا فيه , وأحلم أن يتحول كل ذلك الى عمل اعلق عليه الكثير من الآمال .
-- ما الذي يثيرك لكتابة قصة ؟
-- كل موقف في الحياة يستحق ان يكون موضوع قصة قصيرة , الا ان بعض المواقف تؤثر فينا أكثر من غيرها . فموت صديقة عزيزة وهي في أوج الصحة والحيوية والشباب , وهي تلد طفلتها الثالثة , كان موقفا لم أستطع تجاوزه رغم مرور سنوات طويلة عليه , وهو الذي حفزني لدخول قاعات الولادة المتوارية , ونشر بعض حكاياتها , ودفعني للتفكير في السفر الى الجنوب أو الى الجبال لنقل قصص الولادة لنساء اخريات في ظروف ربما هي الأسوأ . لكن مدارك نصوصي وان حفزها هذا الموقف لا أتمنى ان تقف عنده .
-- هل كان لبعض الكتاب العرب او الفرنسيين تأثير على اسلوبك في كتابة القصة القصيرة .
-- يصعب تحديد تأثير كاتب او عدد من الكتاب على تجربتي في الكتابة , أولا لأني أقرأ بنهم باللغتين العربية والفرنسية لعدد كبير من الكتاب , وثانيا لأني أعتبر ان قلمي لم ينضج بعد ولم تتشكل ملامحه النهائية ما دام في أول الطريق .
-- هل لك ان تحدثينا عن خطوتك الأولى في النشر ؟
-- النشر باللغة العربية لا يزال مغامرة حقيقية , تأخرت طويلا في خطوتي الأولى لأني لم أكن أعرف دهاليز النشر وسراديبه , وعندما جازفت وبدأت لا زلت أستخلص الدروس والعبر . . . الكاتب باللغة العربية عليه ان يتحمل تبعات خطواته الأولى المادية كاملة , وعليه ايضا ان يتوقع مفاجآت غير سارة . والأهم من كل ذلك عليه الا يتوقف عن المغامرة .
-- ما الذي يميز مجموعتك القصصية عن غيرها ؟
-- تتميز المجموعة القصصية بالنسبة لي بكونها الخطوة الأولى التي ستمهد الطريق لما بعدها . أما ما يميزها عن غيرها هي كونها تدخل الى دهاليز لا يدخلها الرجال عادة , ولا تلتفت النساء كثيرا للحديث عنها . تحدثت الكتابات من النساء عن مناح عديدة من الحياة الخاصة للمرأة لكني حاولت ان اجعل القاريء يدخل الى قاعة الولادة , ويشارك النساء الفقيرات لحظاتهن الصعبة , كما ان نصوصا اخرى تحاول سبر أغوار حياة المرأة من مناح اخرى من حياتها الصعبة ... وتحضر القصة القصيرة جدا كمحاولات في رسم الطريق في اتجاه تحدي رسم صورة بليغة بحبر أقل .
-- ما هي الرسالة التي تودين ايصالها للقاريء ؟
-- لم افكر وأنا أكتب مجموعتي القصصية في ارسال اي رسائل بقدر ما كنت أتفاعل تلقائيا مع مواقف انسانية عشتها مع ابطالها , كنت قريبة جدا من بعضهم , وشعرت انهم بلا صوت رغم كل الضجيج الذي يحيط بهم . تمنيت ولا زلت أتمنى ان تعامل الأمهات بشكل أفضل ، ويكرمن في لحظات عصيبة وهن يهبن الحياة للمجتمع ... تمنيت لو لم تمت صديقتي فاطمة وهي تضع طفلتها ، تمنيت لو ان الأستمرار في بيت الزوجية يكون اختيارا واعيا وليس اضطرارا . في نصوص اخرى ذاتية بدرجة اكبر مثل " مذكرات ام " ربما كنت اتمنى فرصة أفضل لأتفرغ للكتابة ... انها خطوة تحمل امنيات أكثر مما تحمل رسائل .
-- حول اي شيء تتمحور مضامين مجموعتك القصصية ؟
-- المجموعة هي عبارة عن مقاطع , المقطع الأول يتحدث عن واقع الولادة في مستشفى عام ويصف بالتفصيل معاناة امرأة منذ لحظة المخاض الأولى الى الولادة , كما يصف واقع المستشفيات بلغة مليئة بالسخط , كما هو الحال في قصة " مستعجلات جدا " أو " مصصاصو الدماء " وفي مقطع آخر خصص لمعاناة امرأتين في موقفين مختلفين , الأول يتعلق بالعنف الموجه ضد المرأة والأطفال في سياقات مأساوية , والثاني يصور موقفا لتحرش جنسي مختلف عما تنشره الصحف يوميا . بقية النصوص تحضر فيها التجربة الذاتية بشكل اكبر , وهي محاولة لتقريب الصورة لأمرأة مشتتة بين رغبتها اللا محدودة في الكتابة وبين واجباتها كأم وامرأة عاملة بدوام كامل ... فيما يمكن اعتبار بقية القصص القصيرة مثل صور فوتوغرافية مأخوذة من أكثر من زاوية من زوايا الحياة .
-- ما الذي أضافته لك معرفتك ببعض اللغات ألأجنبية على صعيد تطوير تجربتك الأبداعية في القصة ؟
-- اكتشاف الأدب الفرنسي وخصوصا أدب القرن التاسع عشر أمدني بالكثير , أشعر نحوه بشغف خاص لا أفهم سببه بالتحديد , ولا زلت أحرص أن أقرأ عملا باللغة الفرنسية كلما قرأت عملا باللغة العربية . كما أتمنى ان اكون قادرة في يوم أن اقرأ بنفس النهم ونفس الكفاءة باللغة الأنكليزية , لأني اعتقد ان الأبداع الأنساني واحد يصدر بلغات مختلفة , كلما اضفنا واحدة الا وأمتلكنا منبع ثروة .
بماذا يتميز اسلوبك السردي في القصة القصيرة ؟
-- أهم ما احاول ان يتميز به اسلوبي هو البساطة , أتجنب العبارات المعقدة والموغلة في الرمزية , واحاول ما امكن ان التزم بالصورة الواقعية دون تسطيح , مع ارسال اشارات تراعي ذكاء القاريء . مثلا في " يوميات ام " احاول ان اصف بصدق وبساطة معاناة هذه الأم الموزعة بين كل الأدوار , وفي أحد المواقف كان حلمها ان تقرأ عملا ابداعيا , لكن متطلبات البيت منعتها من ذلك , وانهي القصة بعبارة " قبل ان تخرج من الصالة أعادت " الولي الطاهر الى مقامه الزكي " بين بقية الكتب المهجورة , ونسيت امنياتها , وخرجت تعرج ... " نهاية بسيطة , لكنها مفتوحة على أكثر من تأويل .. وفي النصف الثاني من المجموعة والذي هو عبارة عن قصص قصيرة جدا , تجد مواقف بسيطة , لكنها حبلى بالأشارات , مثل صورة ذلك العامل البسيط الذي يأكل خبزا وزيتونا اثناء استراحة في ورش للبناء وهو يحلم بالمستقبل الزاهر لأبنه المتفوق الا ان " زيتونة مرة " أخرجته من حلمه .. لفظها وبحث عن اخرى في ثنايا الكيس " كما انتهت الومضة .
-- من اين تستقي القاصة مريم التيجي مادتها القصصية ؟
-- مادتي القصصية في واقع المواطن البسيط , بحكم اني مستمعة جيدة , ربما يلتجيء الي الآخرون في الغالب ليحكوا لي عن معيشتهم اليومية ومتاعبهم وهمومهم , فتأخذ كتاباتهم حيزا في ادراج الذاكرة الى ان تعلن عن نفسها تلقائيا من خلال نص قصصي
وختاما , فان القاصة مريم التيجي التي خرجت من الكتابة الأبداعية على الأنترنيت ومدونات مكتوب والفيس بوك للولوج في عالم القصة القصيرة تجد نفسها متمكنة من تقنيات الكتابة القصصية , ومن ناحية اخرى , فان اجادتها للغتين العربية والفرنسية جعلت مشارب الثقافة والأدب القصصي أكثر تنوعا في تشكيل ثقافتها وتجربتها الأبداعية .
المتأمل في اسلوب المجموعة يجد فيه البساطة وتجنب التعقيد والأيحاء والتكثيف والأنثيال السردي والقدرة على تسلسل الأحداث وترابطها والأمساك بخيوطها . كما انها تبحث بروية ودأب عن كل التفاصيل المتعلقة بالحدث .
جاءت قصص المجموعة مشحونة بمواضيع معاناة الطبقة المسحوقة من المجتمع المغربي , وامتزجت القاصة بهموم الفقراء وتطلعاتهم وراحت تفضح سوء الخدمات الصحية والعنف الأسري , اذ تعاني المرأة من قسوة سلطة الرجل القمعية زوجا كان أم أبا , فأضفت على المجموعة مسحة قاتمة .
#نهاد_عبد_الستار_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟