|
دور الطب الشرعي في إثبات العنف ضد المرأة
مؤمن الحديدي
الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 12:10
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
بقلم: د. مؤمن الحديدي- د. هاني جهشان
إن مدى انتشار تعرض المرأة للعنف مثير للجدل في جميع دول العالم، ومن السهل انتقاد الدراسات عن شيوع وانتشار هذه الظاهرة في الدول المختلفة من قبل الخبراء، بسبب عدم الاتفاق على تعريف معنى العنف او معنى الاساءة واشكالها، وكذلك بسبب التأثير العاطفي والاخلاقي على القدرة على الحجة والحكم العقلي السليم عند التعامل مع هذه الحالات،
ورغم اعتراف جميع المهنيين بوجود مسائل مثيرة للجدل حول العنف الذي تعاني منه المرأة الاردنية، الا اننا نتقف على انه يشكل مشكلة صحية، اجتماعية، وقانونية منتشرة بمجتمعنا، ليست مرتبطة بالدين او العرق او المستوى الثقافي او الاقتصادي، وان الاعم الاغلب من الحالات لا تصل، "مطلقا" لعناية واهتمام المسؤولين.
ان العنف ضد المرأة، يأخذ اشكال مختلفة، فقد يكون على شكل اساءة جسدية، جنسية، نفسية، و/او اقتصادية.
التعريفات:
العنف الاسري: هو انماط سلوك هجومية، قهرية تشمل الايذاء الجسدي او الاعتداء الجنسي والاساءة النفسية،والاستغلال الاقتصادي، من قبل المراهقين ضد شركائهم بالاسرة. اساءة معاملة المرأة: هي فقدان المرأة للامان، للاحترام، و/او للسيطرة، نتيجة تعرضها المباشر للعنف الجسدي، النفسي، الاقتصادي، و/او الجنسي، او نتيجة تعرضها للتهديد بالعنف من قبل الرجل.
الاساءة الجسدية: هي نمط سلوكي يتمثل باحداث المسيء لاصابات عمدية بالمرأة، مثل الصفع، الركل، اللكم، الحرق، الخنق، الجرح، الطعن، اطلاق النار، ... الخ.
الاساءة الجنسية: هي تعرض المرأة لنشاط جنسي قسري من قبل الرجل.
الاساءة النفسية: هي نمط سلوكي مستمر يتصف بهدم المسيء للعلاقة الطبيعية مع المرأة، مثل السيطرة على المرأة بالتهديد بالحاق الاذى بها او بأحد الاشخاص القريبين منها او بممتلكاتهم، وقد يأخذ اشكال اخرى مثل المضايقات الكلامية، التهديد بالانتحار، الهجمات الكلامية بهدف اذلال المرأة وزعزعتها بنفسها، الانتقاد المتكرر، الاتهامات الجائرة، عزلها عن اصدقائها، او ارغامها على القيام بأعمال مهينة.
الاساءة الاقتصادية: هي قييام الرجل بالسيطرة على موارد العائلة المالية، والتحكم بطرق استخدام المال او توفيره، بهدف عدم تلبية احتياجات المرأة الشخصية.
** اسباب اساءة معاملة المرأة:
ان فهم طبيعة واسباب العنف الموجه للمرأة، هو امر ضروري لاي مهني يعمل في مجال حماية الاسرة، وهذا الامر كان وما زال تحديا كبيرا للمهنيين والاكاديميين، واذا كان هناك حقيقة وحيدة تم التوصل اليها خلال السنوات الماضية، فهي انه لا يوجد سبب واحد مباشر لحدوث العنف، وليس له علاقة بالمستوى الاقتصادي الاجتماعي او بالدين او بالعرق، حيث ان حدوثه يعتمد على عوامل متعددة تصادم العائلة، وهذه العوامل تتفاعل وتعزز بعضها البعض، لينتج عنها العنف ضد المرأة، وعليه فان العنف يتولد نتيجة تفاعل "عوامل خطورة" تتراوح بين الرجل المسيء والمرأة والمحيط. يجب التأكد او وجود "عوامل الخطورة" بعائلة معينة لا يعني بالضرورة او يؤدي ذلك الى حدوث العنف، وذلك بسبب تعدد العوامل وتفاعلها، وعلى المهنيين الذين يتعاملون بهذه الحالات التكيف معها بشكل منفرد، وتجنب التعميم عند التشخيص او العلاج.
سندرج فيما يلي عوامل الخطورة المتعلقة بالعنف الموجه ضد المرأة.
1. المواقف التقليدية في المجتمع، القابلة لعدم الاتزان في القوة والنفوذ بين الرجل والمرأة.
2. المواقف التقليدية في المجتمع، التي تنظر للمرأة انها ملك للرجل، وانها بحاجة لتوجيه، لسيطرة ولتأديب.
3. المواقف المنتشرة التي تنظر للعنف على انه نمط شرعي مقبول، يقوم به الرجل لتفريغ الاحباط،الغضب، خيبة الامل، او لحل مشاكله الشخصية.
4. المعايير الاجتماعية التي تشجع المرأة ان اكون سلبية.
5. تعرض المسيء لسلوك عنفي سابق في عائلته.
6. من المقر به، ان بعض مرتكبي الاساءة، يمعانون من التعود على الكحول، و/او كرب الفقر والبطالة، الا انه لا يوجد اي مؤشر على ان هذه العوامل هي سبب مباشر للاساءة.
7. الأمراض النفسية موجودة لدى نسبة ضئيلة من مرتكبي الاساءة، تقارب النسبة الموجودة لدى العامة، الا ان بعضا منهم يعانون من اضطرابات عاطفية او سلوكية.
8. غياب مهارات التواصل الشخصي لدى الرجل المسيء، وعدم قدرته على السيطرة على النفس.
9. الأمراض الجسدية لدى المسيئين لها دور ضئيل في احداث الاساءة.
العنف ضد المرأة في قانون العقوبات الاردني: معظم مظاهر الاساءة للمرأة، لها طبيعة جرمية يعاقب عليها قانون العقوبات، يشمل ذلك جرائم الاعتداء على حياة المرأة وسلامة جسمها (العنف الجسدي، القتل، الشروع بالقتل) وجرائم الاعتداء على عرض المرأة (الاغتصاب وهتك العرض)، التحرشات الجنسية، سوء المعاملة الجنسية للمرأة من قبل زوجها، جرائم الاعتداء على اسرة المرأة، جرائم الذم والقدح والتحقير، وجائم التهديد.
** العنف الجسدي ضد المرأة:
إن عدم وجود الدراسات والمعلومات الاحصائية على مستوى عام وشامل لكافة مناطق المملكة، يشكل احدى العقبات امام التقييم الحقيقي لحجم مشاكل العنف الاسري والعنف ضد المرأة، الا انه من غير المستطاع نفي وجود هذه المشكلة او التقليل من حجمها، حيث ان كافة العاملين في المجالات الصحية، النفسية، الاجتماعية، والامنية يقرون بوجودها بالمجتمع الاردني.
المشاهدات السريرية للعنف الجسدي ضد المرأة في الاردن:
اجري بالمركز الوطني للطب الشرعي دراسة احصائية استعادية لجميع حالات العنف الاسري السريرية، التي كشف عليها خلال فترة اربع سنوات، وهي الحلات التي حولت من المراكز الامنية او الجهات القضائية للمركز في منطقو عمان الكبرى، وتشمل الايذاء المقصود للزوجة من قبل زوجها او الايذاء المقصود من قبل زوجته، اما حالات ايذاء المرأة غير الزوجة (البنت، الاخت، الام، الجدة، الخادمة) فكان عددها محدود جدا لدرجة ان اجراء دراسة عن نمط الاصابات غير مجد احصائيا؛ حيث ان العدد لا يتجاوز البضع حالات. شملت الدراسة 1011 حالة عنف اسري، شكلت ما نسبته 3.4% من مجمل حالات الايذاء المقصود (30178 حالة) وما نسبته 2.3% من مجمل الحالات (44385) التي راجعت عيادات الطب الشرعي خلال اربع سنوات (1990 – 1993). تشير هذه الارقام (1011 حالة خلال اربع سنوات) الى حدوث عنف اسري يصل الى درجة الشكوى لدى الجهات الامنية والقضائية، كل 34 ساعة بمنطقة عمان الكبرى، وهي المنطقة التي تغطيها عيادات المركز الوطني للطب الشرعي. اغلبية حالات العنف الاسري 97.0% (981 حالة) كانت ايذاء الزوجة من قبل زوجها و3.0% (30 حالة) كانت ايذاء للزوج من قبل زوجته. وعند استعراض انماط اصابات الزوجة تبين ان 73.1% (717 حالة) كانت عبارة عن سحجات وكدمات ناتجة عن الركل او الضرب او قطعية او طعنية ناتجة عن استعمال ادوات رياضة بشدة او استعمال ادوات حادة، 0.7% (7 حالات) كانت عبارة عن كسور والتواء بالمفاصل، 6.7% (66 حالة) كانت اصابات شديدة بمناطق العينين والانف والآذان، اما الحالات السلبية فكانت 9.1% (89 حالة)؛ لا يوجد بها إصابات.
بدراسة موقع العنف على جسم المرأة تبين ان 274 حالة (27.9%) من مجمل الحالات، كان العنف موجه لمنطقة الرأس والعنق و460 حالة منها (46.9%) كان العنف موجه لاماكن متعددة من الجسم. اما الاصابات الشديدة نسبيا مثل الجروح القطعية والرضية فكانت بنمطقة الرأس والعنق وشكلت 52 حالة (68.4%) من مجمل اصابات الجروح ال76. خمسة عشر حالة (71.4%) من اصابات الكسور والتواء المفاصل كانت بالأطراف العلوية.
جريمة العنف الجسدي هي عدوان يمس سلامة جسم المرأة، فهي فعل او امتناع يؤدي الى الاخلال بالسير الطبيعي لوظائف الاعضاء او ينقص من تكامل الجسد او يوجد آلاما لم تكن تشعر بها المجني عليها من قبل او يزيد من هذه الالام، مثل الضرب او الجرح او الايذاء بفعل مؤثر. ان قانون العقوبات الاردني كفل الحماية لسلامة جسم الانسان (بما فيها المرأة داخل المنزل او خارجه) في المواد 333 _ 335 منه والتي تعالج الايذاء المقصود البسيط والايذاء الشديد والايذاء الجنائي بإحداث عاهة دائمة.
اخلاقيات مهنة الطب والتعامل مع حالات العنف الجسدي ضد المرأة:
لقد اجريت الدراسة السابقة على الحالات التي تقدمن بشكوى ضد ازواجهن لدى الشرطة والقضاء، وليس على حالات ايذاء الزوجة التي تصل عيادات الطواريء والتي تخفي فيها الزوجة حقيقة الشخص الذي قام بايذائها تدعي بانها تعرضت للاصابة بطريقة عرضية. وهنا تقع مسؤولية على الطبيب المعالج بالتعامل مع هذه الحالات للمساعدة بالجانب النفسي والجانب الاجتماعب للمشكلة، بالاضافة لالتزامه باخلاقيات مهنة الطب والقانون، فقد تتطلب طبيعة الحالة ان يقوم الطبيب المعالج بابلاغ الجهات الامنية لانه ملزم بالتبليغ عن الجنايات والجنح التي تقوم بها الدعوى على الحق العام، فقد اوجبت الفقرة الثالثة من المادة 207 من قانون العقوبات الاردني على كل من قام حال مزاولته احدى المهن الصحية، باسعاف شخص يبدو انه وقعت عليه جناية او جنحة، اخبار السلطة الصلاحية، وتستثنى من ذلك الجرائم التي تتوقف ملاحقتها على الشكوى. ففي حالات الايذاء، ومنها بالطبع حالات العنف الواقع على المرأة، يجب على الطبيب الابلاغ الا اذا كانت الدعوى لا تقوم بدون شكوى المتضرر، ومنها ان تكون مدة التعطيل ناتجة عن الاصابة اقل من عشرة ايام (مادة 334 عقوبات). فعند اشتباه الطبيب بوجود ايذاء مقصود، احدث للمرأة اصابة شديدة او خطرا على حياتهافهو ملزم بالابلاغ متجاوزا الاسباب التي تدفع المرأة لاخفاء حقيقة ايذائها. مسؤولية الطبيب الابلاغ عن هذه الحالات لا تتعارض مع حق المرأة بالشكوى ضد زوجها مهما كانت مدة التعطيل الناتجة عن الايذاء، فلها الحق باقامة الدعوى على زوجها حفاظا على حقوقها وبنفس الاجراءات القانونية المطبقة على اي شخص غير زوجها، اي ان القانون لم يسمح بأي شكل من الاشكال للزوج بايذاء زوجته، الا ان هذا يبقى ضمن النظريات حيث ان التطبيق يختلف عن ذلك، وفي كثير من الحالات لا تقوم الزوجة بالشكوى للاسباب التالية:
(1) تحاول بطريقة ايجابية ان تغير الرجل ليقلع عن الاساءة،
(2) تأمل بوعود سابقة من الرجل،
(3) شعورها بالذنب من انها تحطم الاسرة،
(4) خوفها من تهديدات الرجل،
(5) لا يكون لها موارد اجتماعية واقتصادية لتعتمد على نفسها،
(6) ليس لها مكان تلجأ اليه.
(7) سبب اخر لبقاء المرأة في المنزل هو حالة نفسية وهي "التعلق بالمسيء" تحدث ارتباط عاطفي بين المرأة وبين الرجل المسيء اليها.
جريمة الايذاء المفضي للاجهاض (336 عقوبات):
هي فعل جنائي مقصود موجه الى جسم المجني عليها، يتجه فيه قصد الجاني الى المساس بسلامة جسمها، الا انه ينتهي بإجهاضها.
قتل المرأة:
إن الله سبحانه وتعالى كرم الانسان وخلقه بيد ونفخ به من روحه، واعطاه حق الحياة، وهو حق مقدس لا يحل انتهاكه او استباحته، يقول الله سبحانه "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق"، سورة الاسراء الاية 33. ان القتل هو اعتداء على حياة الانسان بفعل يؤدي الى وفاته، وبالتالي انتهاكا لحقه المقدس بالحياة (326- 328 عقوبات) والتي تعالج القتل القصد، القتل العمد. جريمة الايذاء المفضي للموت (330 عقوبات) هي فعل جنائي مقصود موجه الى المجني عليها، يتجه فيه قصد الجاني الى المساس بسلامة جسم المجني عليها وليس قتلها، الا انه ينتهي بوفاتها.
قتل المرأة بادعاء الحفاظ على الشرف:
هي جريمة قتل الزوجة او احد محارم الرجل حال التلبس بالزنى (340 عقويات) او قتل المرأة من قبل الرجل وهو بسورة غضب شديد نجم عن عمل غير محق (مادة 98 عقوبات). ان قتل المرأة من قبل احد اقاربها، حفاظا على الشرف، لادعائه قيامها بفعل مشين او ظنه سقوطها بالرذيلة لا يمكن اعتباره بأي شكل من الأشكال قتل بالحق فهو أيضا اعتداء على حق المرأة المقدس بالحياة ، لأنه لا الشريعة الإسلامية ولا القانون الجزائي قد سمح للعامة من الناس بتحديد العقاب وتنفيذه. اجري بالمركز الوطني للطب الشرعي دراسة إحصائية إستعادية لجميع جرائم القتل القصد التي كشف عليها خلال فترة أربع سنوات حيث تبين أنها تقارب 25% من مجمل حالات القتل الجنائي .
أكثر طريقة قتل شيوعا بجرائم القتل بادعاء المحافظة على الشرف، كانت باستعمال الأعيرة النارية حيث بلغت 48.3% وهي نفس الطريقة الأكثر شيوعاً بجرائم القتل بشكل عام (54.8%)، إلا أن نسبتي القتل بإحداث جروح طعنية وبذبح العنف كانت أكثر بجرائم القتل بادعاء المحافظة على الشرف عنها بجرائم القتل بشكل عام، حيث بلغت نسبة القتل بإحداث الجروح الطعنية بجرائم الشرف 37.9% مقارنة مع 19.6% في جرائم القتل بشكل عام وبلغت نسبة القتل بذبح العنق بجرائم الشرف 6.9% مقارنة مع 2.8% في جرائم القتل بشكل عام. وسجلت حالة واحدة بالقتل بواسطة الكهرباء، وقد بلغت نسبة القتل بإحداث إصابات رضية بجرائم القتل عامة 11.2% إلا أنه لم يسجل أية حالة بجرائم الشرف.
جرائم الاعتداء على عرض المرأة:
العنف الجنسي ضد المرأة هو أيضا إحدى أنواع العنف الغير عشوائي، حيث يستهدف المجرم، المرأة بدافع جنسي، بالإضافة لكونه اعتداء على حصانة جسم المرأة، هو أيضا اعتداء على الأخلاق والآداب العامة. وأبشع أنواع هذا العنف هو الاغتصاب ((292-295 عقوبات)؛ الذي عرف بالقانون الأردني على أنه مواقعة رجل لامرأة، غير زوجة، مواقعة جنسية كاملة دون رضاء صحيح منها بذلك، أما جريمة هتك عرض المرأة (296-299 عقوبات) فهي الفعل الجرمي الذي يقع مخلاً بالحياء العرضي للمجني عليها ويستطيل إلى جسمها فيصيب عورة من عوراتها، دون أن يصل للمواقعة الجنسية الكاملة. شكل آخر من أشكال العنف الجنسي هو خطف المرأة بالتحايل والإكراه، والاعتداء عليها بالاغتصاب أو بهتك العرض أو بالمواقعة (مادة 302،303 عقوبات) ويشكل هذا بالإضافة لكونه اعتداء على حصانة جسم المرأة، اعتداء على الحرية الفردية التي صانها وكفلها الدستور الأردني (مادة 7).
تشكل الجرائم السابقة اعتداء على الحرية الجنسية للمرأة وعلى حريتها العامة وتلحق الأذى بصحتها النفسية والجسدية وبشرفها وتقلل فرص الزواج لها وتزعزع استقرارها العائلي وأمومتها.
أجري بالمركز الوطني للطب الشرعي دراسة إحصائية إستعادية لجميع حالات العنف الجنسي ومنها الموجه ضد المرأة وحالات المضايقات الجنسية والجرائم الواقعة على الأسرة، التي كشف عليها خلال فترة خمسة سنوات، وهي الحالات التي حولت من المراكز الأمنية أو الجهات القضائية للمركز في منطقة عمان الكبرى، وتشمل الادعاء بالاغتصاب، ممارسة اللواط مع الزوجة، حالات السفاح، حالات الزنى، الاشتباه بعذرية المرأة المتزوجة حديثا أو المتغيبة عن منزل ذويها، حيث بلغ مجمل عددها 2088 حالة. بلغ عدد حالات الاعتداء على العرض 1725 حالة شكل ما نسبته 82.6% من مجمل الحالات، منها 855 حالة (49.6%) اعتداء على عرض الأنثى، الإدعاء بالاغتصاب أو الاشتباه به أو السفاح مع القاصر. تشير هذه الأرقام (855 حالة خلال خمسة سنوات) إلى حدوث حالة عنف جنسي ضد النساء إلى درجة الشكوى لدى الجهات الأمنية والقضائية كل 48 ساعة بمنطقة عمان الكبرى، وهي المنطقة التي تغطيها عيادات المركز الوطني للطب الشرعي. كان عدد حالات الاغتصاب التي كان فيها الجاني من المحرمين شرعا على المجني عليها القاصر (أقل من 18 عاما) 31 حالة (3.6%). عند استعراض حالات العنف الجنسي الـ 855 تبين أن 130 حالة (15.2%) منهن أعمارهن أقل من 15 سنة، و 391 حالة (45.7%) منهن أعمارهن اقل من 18 سنة. كان معدل أعمارهن 17.7 سنة، وعمر أصغر حالة سجلت سنتان وعمر أكبر حالة سجلت 51 سنة. كان عمر أصغر حالة سجلت، والمعتدي عليها محرم شرعا، هي 4 سنوات . رافق العنف الجنسي شكل من أشكال العنف الجسدي العام ب 31 حالة (3.6%) وعنف موضعي بمنطقة الأعضاء التناسلية ب 109 حالات (12.7%) وتمزقات حديثة بغشاء البكارة ب 20 حالة (2.3%)، وتكدمات وتمزقات حديثة بفتحة الشرج ب 39 حالة (4.5%) ونتج عن الاعتداء حمل غير شرعي ب 32 حالة (3.7%).
دور الطبيب الشرعي عند التعامل مع حالات العنف الجنسي ضد المرأة:
يعمل الطبيب الشرعي على إثبات أو نفي حصول المواقعة الجنسية، أو أي من الأفعال الجنسية المنحرفة، بالإضافة لتحديد شدة العنف الجسدي المرافق للعنف الجنسي مثل الإصابات الت تعرضت لها المرأة، وتحديد عمر كل واحدة مها وهل هي متزامنة مع بعضها أم لا، وتحديد الأداة المستعملة في إحداث الإصابات، وبيان المضاعفات الناتجة عن الاعتداء الجنسي، مثل الحمل أو الأمراض الجنسية المعدية، أو انفضاض غشاء البكارة. تعتمد نتيجة فحص حالات العنف الجنسي ضد المرأة على العنف الجسدي المرافق للاعتداء الجنسي، عمر المجني عليها، ممارستها الجنسية السابقة، وعلى الفترة الزمنية ما بين الاعتداء والفحص، وعلى الرغم من الافتراض الشائع بأن غشاء البكارة يعتبر من الأدلة المهمة في قضايا العنف الجنسي ضد المرأة إلا أن هذا الافتراض يجانب الصحة بكثير من الحالات كما سنرى لاحقا بهذه الدارسة. فإذا تم معاينة المعتدي عليها خلال ساعات من الاعتداء فإنه قد يشاهد علامات لإصابة حديثة بمنطقة الأعضاء التناسلية، مثل النزف، تمزق غشاء البكارة، التكدم، أو وجود حيوانات منوية، لكن إذا تم الفحص خلال عدة أيام أو أسابيع من الاعتداء يكون من الصعب تأكيد أن العلامات ناتجة عن الاعتداء.
عند فحص طفلة مباشرة بعد الاعتداء عليها، قد نشاهد احتقان، احمرار، أو سحجات بمنطقة أعضائها التناسلية، أو وجود تمزق بغشاء البكارة أو المهبل أو العجان، وقد يشاهد آثار لشدة أو عنف بمختلف أنحاء جسمها، ووجود بقع منوية أو دموية على ملابسها الداخلية. وبعد عدة أيام نشاهد آثار لالتهاب في المهبل، أما إذا فحصت بعد فترة تتعدى العدة أيام فقد نشاهد ندب مكان الجروح أو آثار لالتهاب مزمن.
وعند فحص الفتيات البالغات الغير ممارسات للجنس سابقا، فإننا قد نشاهد نفس العلامات السابقة إلا أنها تكون أقل شدة، مع وجود احتمال حدوث الحمل.
أما المرأة الممارسة الجنس بالسابق فإن العلامات بغشاء البكارة والمهبل تكون أقل بكثير من ما وصف سابقا.
عند إجراء الفحوص على الحيوانات المنوية يجب الأخذ بعين الاعتبار احتمالية أن تكون المرأة قد مارست الجنس مع شخص آخر.
التحرشات والمضايقات الجنسية والخداع الجنسي:
الجرائم الجنسية الأخرى التي تقع على المرأة، والتي قد يصعب أن نصنفها تحت عنوان العنف الجنسي المباشر، تشمل المضايقات والخداع الجنسي مثل
(1) فض البكارة بالخداع بوعد الزواج (المادة 304 عقوبات)،
(2) الفعل المخل بالحياء (مادة 305 عقوبات) والذي يقع على جسم المجني عليها دون أن يبلغ من الفحش القدر الذي قوم به هتك العرض،
(3) جريمة التعرض للآداب والأخلاق العامة (مادة 306 عقوبات) والتي تقع بمجرد عرض القيام بالفعل المنافي للحياء أو مجرد توجيه كلام منافي للحياء.
سوء المعاملة الجنسية للمرأة من قبل زوجها:
سوء المعاملة الجنسية للمرأة من قبل زوجها بإجبارها على أفعال جنسية ترفضها، من مثل ممارسة فعل اللواط معها. لدى مراجعة الحالات ال (2088) الواردة بالدراسة السابق ذكرها، والتي شملت جميع حالات العنف الجنسي وحالات المضايقات الجنسية والجرائم الواقعة على الأسرة، تبين أن عدد الحالات ممارسة اللواط معها من قبل زوجها هو 27 حالة (1.3%)، تراوحت أعمارهن ما بين 16 سنة إلى 43 سنة، وكانت النتيجة إيجابية في ثمانية حالات (29.5%)؛ خمسة منهن (18.5%) بها كدمات بفتحة الشرج وثلاثة (11.1%) بها تمزقات حديثة بفتحة الشرج. أما الحالات السلبية فكانت 19 حالة (70.4%)، وهي لا تعني أن الاعتداء على الزوجة لم يقع.
جرائم الاعتداء على أسرة المرأة:
لدى مراجعة الحالات ال 2088 الواردة بالدراسة السابق ذكرها، والتي شملت جميع حالات العنف الجنسي وحالات المضايقات الجنسية والجرائم الواقعة على الأسرة، تبين أن عدد حالات الاعتداء على الأسرة هو 173 حالة (8.3%) منها 160 حالة (92.5%) زنى و 13 حالة (7.5%) سفاح. جريمة زنى الزوج: لقد نظم الله رغبات البشر وغرائزهم الجنسية عن طريق الرباط المقدس ألا وهو الزواج، وجعل من الأسرة نواة المجتمع وأساسه مصدقا لقوله تعالى " ومن آياته أ، خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". الروم:41 .
لقد اعتبر المشروع الأردني جريمة الزنى من الجرائم الواقعة على الأسرة وآدابها ولم يورد تعريفا في نص القانون لها إلا أنه من الممكن أن نعرف الزنى بأنه " ارتكاب المواقعة الجنسية غير المشروعة بين رجل وأنثى غير متزوجة أو متزوجة برضاهما. " إن الزوجة هي المتضرر الأول من ارتكاب زوجها هذه الجريمة ولها الحق دون غيرها الشكوى كما نصت المادة 284 عقوبات ".
لا يوجد أية إحصائيات عن جريمة زنى الزوج، لأنه بواقعة الزنى لا يرسل الرجل للفحص الطبي، إلا أن الأرقام التالية عن جريمة زنى الأنثى، تدل بطريقة غير مباشرة على جريمة زنى الزوج، لأنه دائماً يوجد شريك للمرأة الزانية0 من حالات الزنى ال 160 كان هناك 75 حالة (46.9%) عزباء ، 61 حالة (38.1%) متزوجة و 21 حالة (13.1%) مطلقة. تم تشخيص 14 حالة (8.8%) حمل ناتج عن الزنى، خمسة منهن كن عزباوات، وثمانية متزوجات ومطلقة واحدة0 بلغ معدل أعمارهن 22.6 سنة وعمر أكبر حالة سجلت 54 سنة.
سفاح الزوج:
السفاح بأنه " ارتكاب المواقعة الجنسية غير المشروعة بين رجل وأنثى محرمة عليه شرعاً برضاهما ". اعتبر المشرع الأردني جريمة السفاح من الجرائم المخلة بآداب الأسرة، وبالتالي فإن سفاح الزوج مع أحد محارمه هو أيضا جريمة ضد زوجته وقد أعطاها القانون حق الشكوى بالإضافة لآخرين، حسب المواد 285و286 عقوبات.
الذم والقدح والتحقير:
شملت المواد (358-367) عقوبات تتعلق بالذم والقدح والتحقير، وهي جرائم الاعتداء على كرامة الغير أو شرفهم أو اعتبارهم (بم في ذلك المرأة) ولا يوجد أية عائق من أن يلاحق الرجل المسيء، بناء عليها، من قبل المرأة الضحية.
التهديد:
شملت المواد (349-354) عقوبات جرائم شهر السلاح العادي أو الناري بارتكاب جناية م مثل القتل، ولا يوجد أي عائق من أن يلاحق الرجل المسيء بناءً عليه، من قبل المرأة الضحية.
الممارسات غير العادلة ضد المرأة:
التشكيك بعذرية المرأة عند الزواج: قد تتعرض المرأة لاتهامها بالسقوط بالرذيلة فقط بسبب وضوح علامات عذريتها عند الزوج، مما يجعلها ضحية، تقاسي من ضغط نفسي واجتماعي غير عادل، قد يدفعها بالنهاية لأن توافق أو تطلب الفحص من قبل الطبيب. عند إجراء هذا الفحص على الطبيب أن يتذكر ويذكر المرأة طالبة الفحص، أن العلاقة بين الطبيب والمريض يحكمها القانون، بالإضافة لأخلاقيات مهنة الطب بكتمان سرّ المريض. عند استعراض الحالات في الدراسة السابق ذكرها والتي أجريت على حالات العنف الجنسي والمضايقات الجنسية وجرائم الاعتداء على الأسرة الــ 2088 تبين وجود 56 حالة فحصت لبيان حالة غشاء بكارة المتزوجة حديثا، في 36 حالة (64.3%) كان غشاء البكارة سليم، وفي 10 حالات (17.9%) كان هناك تمزقات قديمة، وفي 6 حالات (10.7%) كان هناك تمزقات حديثة، وفي 4 حالات (7.1%) كان غشاء البكارة سليم وبه بعض الكدمات.
يوجد افتراض شائع بأن الطبيب يستطيع بعد إجراء فحص غشاء البكارة أن يؤكد كون المرأة عذراء؛ أي أنه لم يمارس معها الجنس بالسابق، وهذا الافتراض يجانب الصحة بكثير من الحالات، فعلى نقيض الاعتقاد السائد فإنه لا يوجد أسس مقبولة يمكن أن تحدد كون الأنثى عذراء اعتمادا على فحص غشاء البكارة ففي بعض النساء يكون غشاء البكارة عبارة عن حلقة ضيقة داخل المهبل بحيث يكون قطر الفتحة صغيرا لدرجة لا تسمح بإيلاج قضيب منتصب دون حدوث تمزق.
وفي حالات أخرى يكون الغشاء ذو بنية أقل مما وصف سابقا وتكون فتحته واسعة تسمح بإيلاج القضيب دون حدوث تمزق وعندها يكون من الصعب على الطبيب أن يحدد كون المرأة عذراء أم لا. يتكون غشاء البكارة من نسيج ضام مغطى ببطانة قشرية مطبقة وهو خالٍ من الغدد أو العضلات وكمية الدم التي تصله قليلة نسبيا وكذلك نهايات الأعصاب التي تصله هي أيضا قليلة، يقع غشاء البكارة في الثلث الأسفل للمهبل وسماكته تختلف من أنثى إلى أخرى ويغلق فتحة المهبل جزئيا وقد يتفاوت قطر فتحته، وبشكل طبيعي، من رأس الدبوس إلى 3 سم. في دراسة طبية نشرت بمجلة The Lancet بعنوان غشاء البكارة السليم، على 28 إمرأة أقروا أنهم لم يمارسوا الجنس في السابق تم إجراء فحص الأعضاء التناسلية بالكامل ومن ضمنها غشاء البكارة وطلب من طبيبين إعطاء الرأي فيما إذا كانت الممارسة الجنسية ممكنة دون حصول تمزق لغشاء البكارة.
وكانت النتائج كما يلي: استطاع الفحص إثبات وجود العذرية ب 58% من الحالات وعدم الاستطاعة بإثبات العذرية ب 31% من الحالات، وفي 11% كانت القدرة على تحديد العذرية غير مؤكدة، وقد اعتمد بذلك الحقائق العلمية بوجود اختلافات بيولوجية طبيعية في التركيب التشريحي لغشاء البكارة بين إمرأة وأخرى.
أجريت بالمركز الوطني للطب الشرعي دراسة إحصائية إستعادية لــ 211 غشاء بكارة سليم خلال فترة ثلاثة سنوات، لبيان الاختلافات البيولوجية الطبيعية في التركيب التشريحي لغشاء البكارة، حيث تبين أن 122 غشاء بكارة (57.8%) صنف أن قطر فتحته واسعة. وباعتماد أن قطر الفتحة هو الصفة الأساسية التي تحدد إمكانية المواقعة الجنسية دون أن يتمزق الغشاء فإن النسب التي أوضحتها الدراسة تتقارب وبدقة من النتائج المنشورة بمجلة اللانست، وهي آخر دراسة طبية منشورة عالميا. أظهرت الدراسة أيضا أن 38 غشاء بكارة (28.0%) به ثلاثة أثلام خلقية أو أكثر، وأن 14 غشاء ببكارة (6ر6%) به ثنيات، وأن 12 غشاء بكارة (5.7%) مصنف أنه عميق نسبيا عن الأعضاء التناسلية الخارجية، وجميع هذه الصفات تشير أيضا إلى إمكانية حصول المواقعة الجنسية دون أن يتمزق الغشاء.
ختان البنات:
ينتشر ختان البنات في دول متعددة وخاصة الدول الإفريقية، وبين تقرير لمنظمة الصحة العالمية، وجود 80 مليون إمرأة مختونة بقارة إفريقيا وحدها، ويشكل هذا التقليد إزالة جزء أو كامل الأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة، ومنشأ هذه الممارسات هو في العادات السائدة بالمجتمع والتي تعطي الرجل حرية التحكم بالحياة الجنسية للمرأة. بالمقاييس الطبية، النفسية، والقانونية يعتبر هذا التقليد ممارسة غير عادلة بحق المرأة. من المتعارف عليه أن هذا التقليد بختان البنات غير موجودة بالأردن، ويؤيد ذلك أطباء الأطفال والجراحة النسائية من خلال ممارستهم السريرية، وعند إجراء الدراسة السابق ذكرها بالمركز الوطني للطب الشرعي؛ عن غشاء البكارة السليم، تبين وجود حالة واحدة فقط بها آثار لعملية الختان، وهي صومالية الجنسية وتم استبعاد حالتها من الدراسة.
تفضيل الذكر عن الأنثى:
قد يكون في بعض المجتمعات أكثر خطورة على النساء من الاغتصاب أو العنف الجسدي، فقد يشمل قتل حديثة الولادة، أو إهمال البنات وعدم تقديم الرعاية الصحية لهن، وعند انتشار هذه الممارسات في المجتمع فإن عدد الذكور سيفوق عدد الإناث على الرغم من أن توقع الحياة الطبيعي هو أطول للإناث عنه للذكور، وهذا يشكل ممارسة اجتماعية غير عادلة ضد النساء.
إن التقنيات الطبية المتقدمة في مجال الإخصاب الصناعي، قد التقت مع مثل هذه الممارسات الاجتماعية من حيث قدرتها على فتح المجال للوالدين لاختيار الأطفال الذكور دون الإناث، وهذا أيضا يشكل ممارسة طبية واجتماعية غير عادلة ضد النساء، ولا زال القانون وأخلاقيات مهنة الطب عاجزين عن معالجتها في الأردن. التعرف والتعامل مع حالات العنف ضد المرأة مسؤولية من؟: إن العنف ضد المرأة هو مشكلة اجتماعية، صحية، وقانونية ومسؤولية التعرف عليها وعلاجها تقع على عاتق المهنيين في كافة القطاعات، وحتى يتوفر المناخ لتعاون هؤلاء المهنيين مع بعضهم البعض، يجب أن يكون هناك اتفاق على الأهداف الرئيسية المشتركة بينهم وفهم كل واحد منهم لدور الآخر، مع ضرورة التواصل الدائم والاتفاق على إجراءات مكتوبة تنظم العمل فيما بينهم.
المهنيون المعنيون هم:
1. العاملين في المؤسسات الاجتماعية.
2. العاملين في مجال الصحة النفسية.
3. العاملين في مجال الأمومة والطفولة.
4. العاملين في أقسام الطوارئ والمستشفيات.
5. الشرطة.
6. الإدعاء العام.
7. قضاء المحاكم النظامية.
8. قضاء المحاكم الشرعية.
9. العاملين في السجون.
10. العاملين في حماية الأسرة لعلاج وتأهيل الضحايا.
11. العاملين في حماية الأسرة لعلاج وتأهيل المعتدين.
12. صناديق المعونة المادية.
** دور العاملين في المؤسسات الاجتماعية:
هناك مسؤوليات هامة جدا، يتوقع من الباحث الاجتماعي في المؤسسات الاجتماعية أن يقوم بها وهي:
(1) التعرف عن حالات إساءة معاملة المرأة.
(2) المساعدة في الإرشاد النفسي الإجتماعي.
(3) والإحالة للمراكز العلاجية والتأهيلية المتخصة.
إن التعرف على حالات إساءة معاملة المرأة، قد يكون سهلاً بسيطاً من مثل مشاهدة كدمة أو جرح وقد يكون معقداً مثل احتياجه لاستنباط المعلومات من خلال أسئلة مباشرة تحتاج لباحث متخصص. إن مؤشرات الإساءة الشديدة هي حدوث إصابة جسدية توجب العناية الطبية، أو حدوث إصابات في الأطفال، أو إذا نتج عن العنف مغادرة الأم والأطفال للمنزل، ويجب الانتباه إلى أنه أظهرت الدراسات الأكاديمية، أن حالة من كل ستة حالات إساءة معاملة الأطفال، تتعرض الأم أيضا للإساءة، وعليه يجب سؤال الأم مباشرة عن تعرضهن للإساءة.
على الباحث الاجتماعي التنبه للمؤشرات العامة لاحتمالية تعرض المرأة للإساءة، وهي شكوى المرأة المزمنة من سوءٍ في صحتها، زيارتها المتكررة للطبيب، استعمال المهدئات الطبية، وجود تاريخ لمحاولة انتحار، وجود إساءة لأطفالها، دخولها في حالات هيجان توتر غضب وعصبية وارق، ومعاناتها من تفكير مشوش ومرتبك، عدم قدرتها على اتخاذ القرارات، ولها آراء متزمتة حول دور الرجل والمرأة. أما المؤشرات العامة لدى الرجل المسيء فهي وجود تاريخ لإساءة معاملة إمرأة أو إساءة معاملة طفل في أسرته الأصلية، وجود اشتباه بكونه مسيء جسديا لأطفاله أو معتدى جنسيا، متعود على الكحول أو المخدرات، وجودـ الصفات التالية: الاندفاع، نوبات الغضب، الغيرة، شعوره بالعظمة، الاعتماد على زوجته، عدم النضوح، ولديه آراء متزمتة حول دور الرجل والمرأة.
** دور العاملين في المؤسسات الصحية:
الخدمات الصحية لها دور هام وقيادي بالتعامل مع حالات الإساءة للمرأة لأن هذه الخدمات متوفرة على مدار الساعة، وأهمية هذا الدور يكمن في الاكتشاف المبكر ومنع تكرار الإساءة، التنسيق مع مقدمي الخدمات الأخرى، التعريف بالمشكلة، ودعم الضحايا. العامل في المجال الصحي عليه أن يقدم للضحايا وللمتدين علاج متكامل، يهتم بحاجتهم الجسدية، النفسية، واحتياجاتهم اليومية، حيث قد تحتاج الضحية للحماية، لملجأ، لإرشاد قانوني، لإرشاد نفسي، لإرشاد اجتماعي، بالإضافة للعلاج الطبي. ولمساعدة الضحايا والمعتدين، على العاملين في المجال الصحي، التعرف على الموارد المقدمة والمتوفرة لهم في المجتمع.
في بعض الحالات هي النادرة، تراجع الضحية بسبب الإساءة الواضحة، وتطلب المساعدة مباشرة، على عكس الأعم الأغلب من الحالات التي تبقى الحالة مخفية لأسباب عديدة، وتحتاج لاكتشافها لمعامل عالي من الاشتباه المهني، ولأخذ السيرة المرضية بدون الحكم المسبق أو التهديد.
إن الأنماط السلوكية للمرأة المساء إليها هي:
(1) تظهر خجولة، خائفة، مرتبكة، متقلبة، سلبية، وقد تكون بحالة بكاء.
(2) المعتدي لا يبتعد عن الضحية ويجيب الأسئلة نيابة عنها.
(3) وجود تأخير بين وقت الإصابة ووقت الوصول للطبيب.
(4) تبدو المرأة مترددة في إعطاء معلومات مفصلة عن طبيعة إصابتها .
(5) تفسير الضحية للإصابات يتعارض مع ماهية الإصابات.
(6) تقلل المرأة الضحية من أهمية الإصابات.
أما أنماط الإصابات للمرأة المساء إليها فهي:
(1) كدمات متعددة لأي جزء من جسم الضحية.
(2) حروق بأدوات منزلية، المدفأة ، السجائر، أو المواد الحارقة.
(3) إصابات في الوجه، تمزق اللثة وكسر في الأسنان، كسور الفكين.
(4) ثقب في طبلة الأذن.
(5) كسور قديمة غير معالجة.
** المظاهر النفسية لدى المرأة المساء إليها هي:
(1) الاكتئاب، غير قادرة على التحمل، تشعر بالوحدة الخ…
(2) تصبح الأسرة منعزلة بدون اختلاط مع أصدقاء أو أقارب.
(3) اكتئاب شديد يشل حركتها.
(4) تشبه حالتها بالحالة النفسية للرهينة.
(5) قد تعاني من هجمة أرق حادة.
(6) تشعر بخفقان بدقات القلب.
(7) هجمة ضيق نفس.
(8) نوبات بكاء شديد.
(9) قد تعاني من اضطراب عصابي أرقي.
(10) نزعة انتحارية.
(11) إساءة استخدام العقاقير.
(12) أعراض جسدية نفسية.
** الصحة النفسية:
بسبب كون التعامل مع حالات الإساءة معقد وبسبب حاجة الضحية لعدة خدمات، فإنه ليس من المستطاع أن تقوم جهة واحدة بالعمل، ولهذا كان هناك أدوار هامة للصحة النفسية وهي:
(1) الاكتشاف المبكر والتقييم لحالات الإساءة المحولة بسبب الاكتئاب، التوتر، واضطرابات الشخصية.
(2) التدخل عند الأزمات، مثل تراكم الكرب نتيجة العيش في محيط عنفي ، أو حصول أزمة انتحار.
(3) الإرشاد الداعم الفعّال للضحية وللمعتدي.
(4) التحويل لمصادر المساعدة الموجودة في المجتمع.
إن الهدف الرئيسي للمرشد النفسي هو تعريف الضحية بالخيارات المتوفرة لديها، ومساعدتها على اكتشاف، كيف تستطيع العيش بدون عنف، ويجب أن يتركز الإرشاد على التثقيف بتزويد الضحية بمعلومات عن العنف ومساعدتها في اتخاذ القرار بالبقاء في العلاقة مع المعتدي أم اتخاذ القرار بتركه.
يجب أن تتفهم الضحية، أن بداية حياة جديدة بدون عنف، هو عملية طويلة ويرافقها الكرب لكثير من النساء، وتعتمد أساساً على الموارد المتوفرة في المجتمع لمساعدة المرأة وأطفالها في مجالات الخدمات الاجتماعية، وفي توفير مكان آمن تسكن به هي وأطفالها، وكذلك في مجال التعليم، التأهيل المهني، دمجها في المجتمع، وتوفير الدعم القانوني لها.
** دور العاملين بمؤسسات العدالة الجنائية:
يقع على عاتق ضباط الشرطة التحقيق في حدوث الإساءة من عدمه، المتابعة الجزائية للحالات التي يبلغ عنها من قبل الجهات الأخرى، جمع الأدلة الجرمية وبيان فيما إذا كانت كافية لملاحقة المجرم أم لا، المساهمة في دعم أي احتياج لحماية المرأة، دعم الضحية خلال فترة المحاكمة، والمشاركة في عمل الفريق لحماية الأسرة. تدخل الشرطة في حالات العنف الأسري يحمل معه خطر كامن، لأن الشخص المعتدي قد يصبح اكثر عنفاً بسبب وجود الشرطة بمنزله، فهناك مهمة صعبة على الضابط المعني تتركز حول تقييم سريع ودقيق للوضع، لأن حالات العنف الأسري يرافقها توتر نفسي عاطفي شديد وتصرفات حمقاء من المعتدي، إلا أنه على الضابط أن يتذكر أنه يطبق القانون، فإذا كان العنف يشكل جريمة يجب أن يتم ملاحقتها.
المبادئ الأساسية المشتركة لجميع المهنيين حول مكافحة الإساءة للمرأة:
(1) إقرار المجتمع بالمساواة بين المرأة والرجل.
(2) إقرار المجتمع بحق الإنسان أن يعيش حياة خالية من العنف.
(3) الإقرار أن إساءة معاملة المرأة هو مشكلة اجتماعية حقيقية لها عواقب قصيرة وبعيدة المدى، على المرأة وعلى أسرتها وعلى المجتمع ككل.
(4) الإقرار بالطبيعة الجرمية لأغلب مظاهر إساءة معاملة المرأة.
(5) الإقرار بضرورة الأخذ بعين الاعتبار وتفهم حاجات المرأة الضحية.
(6) الإقرار بحقيقة أن عنف الرجل هو مشكلة اجتماعية مثلما هي مشكلة فردية.
(7) الإقرار بضرورة توفير معلومات للضحية بهدف تعزيز اتخاذها قرار صائب.
(8) الإقرار باستقلالية الضحية وحقها في تقرير مصيرها.
(9) الإقرار بأن أهمية الحفاظ على وحدة الأسرة لا يكون على حساب أفرادها.
(10) الإقرار بحقيقة أن الضحايا غير مسؤولين عن العنف.
(11) احترام خصوصية الضحية والالتزام بالسرّ المهني.
(12) الإقرار بأهمية الحاجة لخدمات مناسبة ملائمة ومنسقة للضحايا والمعتدين.
(13) الإقرار بأهمية الحاجة لمتابعة مناسبة وفعّالة للضحايا ولمسيئين ولأسرهم.
** النتائج:
بينت الدراسة أن العنف الجسدي ضد الزوجة هو أكثر أنواع العنف ضد المرأة شيوعا، وقد يصل ذلك لدرجة اعتباره حالة مستوطنة بالأردن، بمعنى أنه لا يوجد شك بوجودها الدائم، أما العنف ضد المرأة الأخت، الأم، البنت، الجدة، أو الخادمة، فعلى الرغم من عدم استبعاد وجوده، إلا أن شيوعه لا يصل إلى درجة العنف ضد الزوجة.
بينت الدراسة أيضا، أن العنف الجنسي هو شكل شائع من الجرائم التي ترتكب ضد المرأة في الأردن، إلا أن العنف الجسدي المرافق له قليل نسبيا مقارنة مع أنماط العنف الجنسي في الدول الغربية. أما العنف الجنسي على المرأة داخل أسرتها وعلى الرغم من قلة عدده بالدراسة، فإنه لا يعكس عظم المشكلة الحقيقي بالمجتمع.
أوضحت الدراسة أيضا أن "مرجعية سلامة غشاء البكارة لإثبات عذرية الأنثى" هو خطأ شائع لا يستند إلى أي قاعدة علمية.
إن القضاء على العنف ضد المرأة يتطلب التخلص من عوامل الخطورة، وهي في أغلبها مفاهيم اجتماعية سلبية بحاجة لتوعية تستهدف المرأة ومن ثم المجتمع.
إن التعامل مع حالات العنف إن كان في مرحلة التعرف، التحقيق، العلاج، أو التأهيل يتطلب تعاون المهنيين في مجالات الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية ومؤسسات العدالة الجنائية، وتواصلهم مع بعضهم البعض، والاتفاق في إجراءات مكتوبة.
علينا جميعا أن نعمل معا من أجل مجتمع يعامل العنف الأسري وإساءة معاملة المرأة على أنها "حالة مرضية خطيرة مستوطنة" وبنفس الوقت على أنها "جريمة خطيرة" وأن نوفر الرعاية للضحايا بجرأة، وعطف، وإخلاص.
** د. مؤمن الحديدي د. هاني جهشان دائرة الطب الشرعي - الأردن
#مؤمن_الحديدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثبت الآن على جهازك قناة كراميش بترددها الجديد 2024 على الناي
...
-
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.. مظاهرات تجتاح أمر
...
-
بعد أكثر من ربع قرن من الصمت... إدانة مسؤول سابق بجريمة اغتص
...
-
مسؤول أممي يحذر من -وباء عنف جنسي- ضد النساء في السودان
-
آخر تعديلات سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 وموعد صب معاشا
...
-
سجل NOW.. كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت بجمي
...
-
العدوى الجن-سية مش وصمة
-
معجزة علمية: أمومة متأخرة.. امرأة ستينية تضع مولودها الأول ف
...
-
الهند: بعد جريمة اغتصاب وقتل طبيبة.. النساء في مواجهة يومية
...
-
خارجية السودان: -الجنجويد- ترتكب انتهاكات جسيمة ضد النساء وا
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|