فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 08:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الأسبوعَ الماضى، كتبتُ عن «عمر خيرت»، وقلت: إن بلدًا أنجب هذا الموسيقار المُلهَِم، مثلما أنجب الطهطاوى ومكرم عبيد ولطفى السيد وطه حسين وعبد الوهاب ويوسف إدريس ومحمود أمين العالم وأحمد عبد المعطى حجازى ومحمود مختار ومجدى يعقوب ومصطفى حجى وآلافًا تضيق عن ذكرهم أسفارٌ، من أرباب الفكر والآداب والنحت والموسيقى والنضال، بلدًا شيّد الأوبرا العريقة، رأسًا بعد مولدها فى أمّها إيطاليا، عام ١٨٦٩، مستحيلٌ أن يُضام. وإن حدث وغزاه غازٍ، ذات غفلة، كما جرى، لا يلبثُ شعبُنا الفريد أن يتوحّدَ ويهبَّ ليقول «لا» رعديةً حاسمةً، تصُكُّ آذانَ اللصوص، فيرتعبون ويفرّون إلى جحورهم.
لكننى لم أرَ الصورة كاملةً، بل منقوصة. رأيتُ قطرةَ الندى على الزهرة، ولم أرَ الزهرة. لمحتُ شعاعَ النور ونسيتُ قبسةَ الوهج، لمحتُ موجاتِ المحيط الشاهقات وأغفلتُ أن ألبس نظارة الغوص وأنزل فى مور اللُجاج لأتأمل الكنوز الخبيئة فى العمق السحيق.
اكتشفتُ قصورَ نظرتى حين شاهدتُ «أم أشرف»، التى أُفضّل أن أناديها الست «عواطف»، لأن اسمها لا يحتاجُ اسمَ رجل يتوكأ عليه. فهى وحدها صورةٌ كاملة لمصر التى لا تزالُ تُدهشُ العالمَ منذ آلاف السنين، وحتى يستردَّ اللهُ ملكوتَه الأرضى.
مصرُ الطيبةُ، التى بُسطاؤها نخبةٌ، محميةٌ ببسطائها، لا بنخبتها، وتاريخها، وحضارتها، وريادتها، وفقط. محميةٌ بنيلها الذى أشرقتِ على ضفافِه أولى حضارات الأرض، وقتَ كان الصحراويون الرُّحَّل يركضون وراء المياه، إن جفّت بئرٌ، تركوها ورحلوا إلى غيرها، فلا يمكثون فى بقعة واحدة لبرهة تمكّنهم من إقامة حضارة ما.
والحقُّ أن حديث الست عواطف مع الإعلامى أحمد موسى كان درسًا تاريخيًّا سيظلُّ يُلهمنا إلى أن نُصدِّقَ أن مفهومًا جديدًا لمصطلح «النخبة»، يُصكُّ الآن، وخارطةً مغايرة للمثقفين تتشكّل. المثقف ليس من قرأ الكتب وردّد أقوال الفلاسفة، بل من يمتلك وجه نظر ورؤية تخصّه، ويجيد الإنصاتَ إلى وقع الواقع بحساسية ورهافة. وبهذه المعايير، فإن هذه السيدة الأُميّة النبيلة، التى خرجت من أرض منفلوط، هى أم مثقفى مصرَ، وساستها ووطنيّها.
أشاوسُ حزب النور، الذين يرفضون مساواة المرأة بالرجل فى الدستور المصرى، عليهم أن يجلسوا القرفصاء أمام تلك السيدة ليتعلموا منها الوطنيةَ أولا، ثم ليصدّقوا أنهم بحاجة إلى تعديل وضع النظارات السميكة فوق أنوفهم «البلكيمية»، لكى يروا المرأة من منظور مغاير لما اعتادوا أن يروه.
كلُّ قول من أقوال الست عواطف، كلمةٌ مأثورة لابد أن «تُبروز» وتُجمع فى كتاب تتعلم منه النخبةُ الهشة التى لم تتعلم بعد: ما معنى كلمة «مصر».
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟