|
صراعات الأديان السياسية في أوربا واسيا (العثمانيون )
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 22:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صراعات الأديان السياسية في أوربا واسيا (العثمانيون )
الفتوحات العثمانية في أوروبا كان السلطان سليمان قد أرسل سفيرا إلى بلاد المجر للمطالبة بالتجزية أو الحرب فقتله ملك المجر فاستشاط السلطان غضبا حينما علم بنبأ القتل وسار بفسه على رأس جيش لمحاربته كما قام بارسال أحد قواده لمحاصرة مدينة شابتس القريبة من بلغراد ففتحها ذلك القائد سنة 972 ه وفي اليوم وصل إليها السلطان ثم تحرك مع جيوشه اتجاه بلغراد ففتحها بعد أن أخلى الجنود المجريون قلعتها ثم صلى الجمعة في إحدى كنائسها التي أصبحت مسجدا وبذلك أصبحت بلغراد قاعدة لمواصلة الزحف العثماني بقصد فتح ما وراء الدانوب من البلاد ثم عاد السلطان سليمان إلى استانبول بعد ذلك وفي أوائل عام 928 ه منحت أول الامتيازات القنصلية للأجانب في الدولة فقد وقعت معاهدة تجارية مع جمهورية البندقية خولت قنصلها لدى استانبول حق حضور المرافعات أمام المحاكم حين الفصل في قضاياها إذ كانت الدولة الأوروبية تعتبر النصارى كلهم من رعاياها بالإضافة إلى غيرها من البنود الأخرى وترجع أسباب هذه المعاهدات التجارية إلى محاولة العثمانيين إعادة النشاط التجاري إلى البحر المتوسط بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح وإن السلطان سليمان كان يعتقد أنه ما دام قويا فاستطاعته إلغاءها ثم بدا السلطان بالاستعداد لفتح جزيرة رودوسالتي لها أهمية خاصة نظرا لكونها حلقة إتصال بين العاصمة ومصر ولكسر شوكة النصارى المتمركزين وسط البلاد العثمانية وقد عجز السلاطين السابقين عن فتح تلك الجزيرة نظرا للتكاتف الصليبي المتين فأرسل إلى رئيس رهبان القديس يوحنا في الجزيرة عارضا عليه إخلاءها من الرهبان في الوقت الذي يختاره ومتعهدا عدم التعرض للأنفس والأموال آنذاك ولكن رئيس الرهبان رفض اقتراح السلطان سليمان الذي أمر بغزوها بحرا وفي الوقت نفسه سافر الى خليج مرمر المقابل للجزيرة من بر آسيا حيث نقلت المدفعية الى هناك برا ووصل إليها وحاصرها حتى نفذت الذخيرة والمؤن عند أهلها وعندئذ طلب رئيسها السماح لهم بالانسحاب منها فقبل السلطان بذلك ثم قام السلطان سليمان بعزل الصدر الأعظم وعين مكانه إبراهيم باشا كما عين أحمد باشا واليا على مصر بدلا من خير بك ثم ازداد نفوذ الدولة في بلاد القرم وصار لها حق تعيين أمرائها وبذلك أصبحت ولاية عثمانية إثر المنازعات على السلطة وبعض الفتن التي حدثت هناك وفي سنة
1524 م سير السلكان جيشا إلى إقليم الافلاق واستولى على العاصمة وعين لها أميرا مقابل زيادة الجزية عما كانت عليه سابقا ثم بدأت مرحلة الاتصالات مع ملك فرنسا فرنسوا الأول الذي سعى للتحالف مع العثمانيين ضد خصمه شارلكان الذي كان ملكة يحيط بفرنسا من جميع جهاتها عدا البحر وقد وجد فرنسوا في العثمانيين حليفا قويا مرهوب الجانب خاصة بعد أن تعزز نفوذ الدولة العثمانية وتوطدت سيطرتها القوية على البحر الأبيض المتوسط وأصبحت لها كلمة عليا في السياسة فأرسل سفيره الى الأستانة يحمل رسالة الى السلطان طالبا منه بكل تواضع مهاجمة ملك المجر أحد حلفاء شارلكان فق 5 ابله السلطان واجزل عطاءه ووعد وأرسل رسالة لملك فرنسا أظهر استعداده للمساعدة وفي 25 نيسان 1526 م الموافق 932 ه سار على رأس جيش قوامه مائى ألف جندي و 300 مدافع و 800 سفينة حربية اخذت وجهتها نحر الطونة ( الدانوب ) وعن طريق صربيا إلى بلاد المجر وحين وصولهم قلعة بلغراد اتخذوها قاعدة لهم ثم وصلوا وادي ( موهاكس ) وبدا الهجوم إثر ذلك فتقهقر المجريون تحت ضربات المدفعية الضخمة وقيل منهم عدد كبير وكان على رأس من قتل ملكهم فسقطت البلاد المجرية أمام العثمانيين ودخل سليمان ( بودابست ) في 3 ذي الحجة عام 932 ه ثم عين أمير ترنسلفانيا ( جان زابولي ) ملكا على المجر وعاد إلى عاصمة البلاد العثمانية مستصحبا معه الكثير من التحف والكتب القيمة وبعد اكثر من سنة ادعى فردينان ملك النمسا ( أخوشارلكان ) أحقيته في تولي الملك في بلاد المجر بسبب قرابته من ملكها المقتول في موقعة موهاكس السابقة الذكر واتجه بجيشه لمحاربة جان زابوليالمعين من قبل السلطان سليمان فهزمه واحتل بودا فاستنجد زابولي بالسلطان سليمان الذي جهز جيشا قوامه 250 ألف جندي و 300 مدفع عام 1529 م الموافق 935 ه فوصل موهاكس ثم سار إلى
بودا فسلمت الحامية النمساوية هناك ثم أخليت المدينة ودخلها سليمان وبذا فقط أعاد ( زابولي ) إلى حكمها ثم اتجه بجيوشه قاصدا فيينا وبصخبته زابولي فحاصرها وهدم جزء من أسوارها وهجمت الجند لكنهم لم يتمكنول من دخولها فاصدر السلطان أوامره بالتراجع بعد حلول فصل الشتاء القارس وكانت تلك المرة الأولى التي لم يفز فيها بالنصر ثم أعاد الكره بعد حوالي الثلاث سنوات لفتحها مجهزا جيشا عدده مائتا ألف جندي انضم اليها في بلغراد 15 ألفا آخرين وفتح وفتح في طريقه عدة قلاع وحصون لما اقترب من فيينا مال إلى جهة الشمال قاصدا آستريا وعاد إلى بلغراد ثانية لما علمه من استعداد شارلكان للدفاع عنها ولعدم وجود مدافع الخصار معه ولاقتراب فصل الشتاء وانتهز الصليبيون فرصة انشغال الدولة العثمانية في الحروب داخل البر الوروبي وهاجموها بقيادة الاميرال أندري دوريا الجنوي الاصل من جهة البحر واحتلوا عدة مواقع في بلاد المورة ( جنوبي اليونان ) ثم طلبت النمسا الصلح فرفض السلطان إلى أن تقبل شروطه وبعد الموافقة عقدت أول معاهدة صلح بين الباب العالي والنمسا في 28 ذي القعدة عام 939 ه وفي عام 942 ه منحت امتيازات لملك فرنسا كانت بداية للعوامل التي أثارت المشكلات في المستقبل وقد خول اتفاق الامتيازات الطرفينحق التجول والاتجار والزيادة البحرية واجاز المبادلات الاقتصادية بدون ضرائب وصار للقنصل الفرنسي في استنبول والإسكندرية حق التحاكم بموجب القوانين الفرنسية على رعاياهم بدون ممانعة كما أصبح لا يحق للقضاة العثمانيين الحكم على تجار ورعايا فرنسا بناء على شكاوي الاهالي إلا في حضرة الصدر الأعظم أو من يمثلهكما منع حجز اسرى بصفة
رقيق وصار للسفن الفرنسية الحق في الرسوفي الموانىء العثمانية والتزود بصورة إلزامية ولا يمكن تفتيشها إلا في أماكن معينة وقد أعفي من تبع الرعية الفرنسية من دفع الخراج والضرائب والحراسة وأعطت هذه المعاهدة لملك انكلترة والبابا وغيرها حق الاستفادة منها حين الرغبة في ذلك شريطة تصديقها وبذلك حصل رعايا الدولة الفرنسية على امتيازات كانت أول إسفين يدق في نعش الدولة العثمانية ظهرت آى ثاره البعيدة فيما بعد وفي أواخر أيام الدولة صارت دول أوروبا النصرانية تتدخل في شؤونها تحت حماية الامتياوات وللدفاع عن نصارى الدولة الذين كانوا يعدون رعايا الدول الأجنبية وخاصة في بلاد الشام ان الاتفاقيات التي حصلت بين العثمانيين وفرنسا قضت بجعل وجهة نظر الدولة العثمانية في فتوحاتها بلاد نابولي وجزيرة صقلية واسبانيا بدلا من النمسا التي تكاتفت أوروبا معها كما قضى الاتفاق بأن تدخل فرنسا إيطاليا من جهة الشمال والدولة العثمانية في الوقت نفسه من جهة نابولي ولكن ذلك لم ينجح لاسباب عدة منها سخط الرأي العام النصراني على ملك فرنسا لتحالفه مع المسلمين واحجام جمهورية البندقية عن الدخول في ذلك التخالف واظهار رغبتها في العدوان وقد أرسل السلطان سليمان القبطان خير الدين بارباروس المار الذكر ومعه 1000 سفينة لمحاصرة كورفو سنة 943 ه ثمى غادرها لكي لا يضيع الوقت الطويل في ذلك ثم فتح باقي الجزر هناك وانتصر على سمن شارلكان التي وجدها أثناء عودته وفي عام 944 ه جهز السلطان سليمان جيشا في بلاد ألبانيا قوامه 100 ألف مقاتل لمهاجمة ايطاليا ونزل في الوقت نفسه خير الدين بارباروس جنوبي ايطاليا في ميناء أوترانت بغية فتحها من
الجنوب وكان مشروع الاتفاق قد نص هذه المرة على مهاجمة السلطان لها من الشرق وملك فرنسا من الغرب ولكن فرنسا نقضت مواثيقها واحجمت عن التقدم طبقا لما اتفق عليه ففشل المشروع وبذلك لم تدخل إيطاليا ضمن الدولة العثمانية ونتيجة لذلك تهادن ملك فرنسا مع شارلكان أما البندقية فقد عقد صلح بنها وبين الدولة بعد حروب مستمرة سنة 944 ه قضت بتنازل البندقية عن بعض البلاد وأما في بلاد المجر فنشب القتال ثانية سنة سنة 943 ه وهزم الصليبيون كما عززت الحامية العثمانية في البغدان ثم خان زابولي ( المعين ملكا على المجر من قبل السلطان سليمان ) العثمانيين واتفق مع فريدنان ملك النمسا ولكن يد المنون لم تهمله بل اختطفته فانتهزت النمسا الفرصة وتدخلت جيوشها هناك فاسرع السلطان سليمان إلى بلاد المجر في عام 947 ه وفك الحصار عن بودا وجعل بلاد المجر بذلك ولاية عثمانية وحول أكبر كنائسها إلى مسجد وحاولت فرنسا إثر ذلك استرضاء السلطان وسعت لتجديد التحالف ضد شارلكان وبعد تردد طويل قبل السلطان بذلك بعد أن علم بنبأ مهاجمة شارلكان لمدينة الجزائر ثم اندحاره منها عام 947 ه وسار بجيوشه إلى بلاد المجر بينما أقلع بارباروس نحو مرسيليا فوصلها بعد أن فتح سواحل صقلية فانضمت سفنه إلى سفن فرنسا ثم حاصر نيس ( جنوبي فرنسا والحدود الإيطاليا اليوم ) بحرا ثم أمضت سفنه فصل الشتاء في طولون وفي سنة 950 ه حنث فرنسوا ملك فرنسا مرة أخرى بمواثيقه وتصالح مع شارلكان فعاد بارباروس لاستانبول ثم توفي سنة 953 ه أما في النمسا فقد استمر القتال مع العثمانيين الذين كان النصر إلى جانبهم ثم جرت مفاوضات وعقدت هدنة مدتها خمس سنوات بشرط
أن يدفع فردينان ملك النمسا جزية سنوية قدرها 30 ألف دوكا للعثمانيين مقابل البلاد التي بقيت تحت حكمه من بلاد المجر وبعد موت ملك فرنسا نسج ابنه هنري الثاني على منواله في مخالفة الدولة العثمانية وعقدت معاهدة بين الطرفين في 16 صفر عام 960 ه حول التحالف البحري ضد شارلكان فسارت سفن الطرفين وفتحت كورسيكا وصقلية ولكن ذلك لم يستمر طويلا لوقوع الخلافات بين القائدين وفي أوائل عام 973 ه حاصرت مائتاسفينة عثمانية بقيادة القائد العثماني المسلم طورغود فاتح طرابلس الغرب المار الذكر لمدة أربعة أشهر جزيرة مالطا ولكن موت ذلك القائد واقتراب فصل الشتاء حال دون ذلك وعادت السفن ثم قام السلطان في شوال من عام 973 ه وعلى الرغم من إصابته بالنقرس بقيادة جيش لصد هجمات النمساعن المجر التابعة للدولة وحينما بلغه وهو في طريقه أن أمير سكدوار تغلب على فرقة عثمانية سار اليها وحاصرها ثم احتل معاقلها الامامية ثم اخليت خفية واحتمى المدافعون بالقلعة وهكذا فقد بلغت الفتوحات العثمانية أوجها مع عهد السلطان سليمان القانوني ودخل الناس في دين الله أفواجا ليس عن طريق القوة والاكراه ولكن عن عقيدة واقناع وقد قال السرتوماس آرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام 000 إن المعاملة التي أظهرها الأباطرة العثمانيون للرعايا المسلمين 000 على الأقل بعد أن غزو بلاد اليونان
بقرنين لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفا في أوروبا وان أصحاب ( كالفن ) في المجر وترانسلفانيا واصحاب مذهب التوحيد من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا طالما آثروا الخضوع للأتراك على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورغ المتعصبة ونظر البروتستانت إلى تركيا بعين الرغبة 0000 كذلك نرى الفوازق الذين ينتمون إلى فرقة المؤمنين القدماء الذين اضطهدتهم كنيسة الدولة الروسية قد وجدوا من التسامح في ممالك السلطان ما أنكره عليهم إخوانهم فيب المسيحية 0000 وحينما كان العثمانيون يتجهون لفتح كان في تلك البلاد أناس يتطلعون إليهم ( ولعلهم من طائفة البوجوميل ) بشوق عظيم وهم يأملون الحصول على الحرية والتسامح في ظلهم وقد تقدم انتشار الإسلام في شرقي أوروبا لدرجة كبيرة فمثلا قد رويت حوادث في ألبانيا كان يتحول فيها النصارى بأعداد كبيرة إلى الإسلام وقد أسلم في حوالى ثلاثين سنة ومنذ سنة ( 1026 ه 1057 ) حوالي 300 ألف ألباني ولم يكن عليهم أي أثر للضغط أو الاكراه وروي ذلك من قبل المؤرخين الغربيين أنفسهم أما الصرب فقد آثروا سيادة العثمانيين على سيادة المجر وقد رحب أهالي ( سمندرية ) الصربية سنة 1006 ه بالعثمانيين الفاتحين كما أرغم بعض القساوسة حامية بلغراد على التسليم لهم واصبح أهالي ( البوسنة ) الذين دخلوا في الدين الجديد يبدون غيرة وحماسة متدفقة له وسرعان ما تبوأ أشرافهم مكانة سامية في عاصمة الدولة العثمانية وتسلم بعضهم مناصب رفيعة فيها هذا من جهة أما من جهة أخرى فانه يمكن أن نستخلص بعض العبرمن خلال الوقائع التي سردت في مجال العلاقات العثمانية الأوروبية فقد رأينا كيف كان ملك فرنسا يحاول التخالف مع السلطان سليمان ثم ينقض العهود ثم يعود لاستجداء عطف وتأييد العثمانيين من جديد فيثور عليه الرأي
العام النصراني فيتراجع مرة أخرى ويعود لى حظيرتهم والحقيقة أنه يمكن للصليبيين أعداء الاسلام أن يتخلى بعضهم عن بعض أمام تحديه القوي لهم وان كانوا مختلفين ظاهريا تبعا للمظاهر والاهواء ان اعداء الاسلام من الصليبيين الحاقدين لا أحلاف ولا مواثيق لهم في تعاملهم مع المسلمين كما يبين لنا الله عز وجل في كتابه الكريم وحينما تتبين لهم بادرة ضعف عند المسلمين فانهم سرعان ما يقوى ساعدهم كي يجهزوا عليهم وهم في الوقت نفسه لا يسمحون لحاكم منهم مهما كان اتجاهه أو وضعه ان يتعاون مع المسلمين وانه مهما اختلفت المصالح فهم جميعا يتفقون في محاربة هذا الدين وتقتيل أهله في كل زمان ومكان لقد تبين لنا تسامح المسلمين تجاههم واحترامهم للمواثيق والعهود التي يبرموها معهم فها هو السلطان سليمان يتحالف مع ملك فرنسا الذي يقوم في الوقت نفسه بذبح ابناء المسلمين في الشمال الافريقي ولكن شارلكان عدو الإسلام والمسلمين كان يشكل خطرا أكبر على كيان المسلمين في شمالي افريقيا وهو خصم الملك الفرنسي فلا بد من الاستعانة من بذلك الملك وخاصة أنه كان قد اتفق بينهما على مهاجمة إيطاليا وإسبانيا فلربما كان في مخطط السلطان العثماني وهو المرجح الوصول إلى اسبانيا لاعادة وضع المسلمين فيها إذ لم يكن قد مضى على خروجهم اكثر من ربع قرن وكانت صور الوحشية لا تزال ماثلة هناك كما ان الطريق البحري هو اقرب الطرق لذلك الهدف الذي كان بإمكانه أن يأتي بالعقاب على حكام اسبانيا وربما يستعيد للمسلمين بلادهم هناك وهذا ما شعرت به النصرانية العالمية وتكاتفت جميعها لمنع الوصول اليه إن عهد القوة والمجد قد توقف بغياب سليمان القانوني وبدات الفتوحات بالتجمد بعده مباشرة وبالتراجع أحيانا وربما كانت بعض أخطائه من جملة أسباب انتهاء تلك المرحلة وسنتكلم عن عوامل الانحطاط والضعف في بحث مستقل إن شاء الله
عوامل الضعف والانحطاط إن العثمانيين الذين تبوأوا منصبا رفيعا في عهد سلاطينهم الفاتحين ووسعوا رقعة بلاد الإسلام شرقا وغربا وانحدرت الأطماع الصليبية أمامهم وحقق الله على أيديهم هزيمة قادة الكفر والتآمر على بلاد المسلمين وارتجفت أوروبا خوفا وفزعا من بعض قادتهم أولئك كانت الروح الإسلامية عندهم عالية وكانت روح الانضباط التي يتحلى بها الجندي عاملا من عوامل انتصاراتهم وهي التي شجعت محمد الثاني على القيام بفتوحاته وكانت غيرتهم على الإسلام شديدة وكثر حماسهم له لقد بدأوا حياتهم الاسلامية بروح طيبة وساعدتهم الحيوية التي لا تنضب إذ أنهم شعب شاب جديد لم تفتنه مباهج الحياة المادية والثراء ولم ينغمس في مفاسد الحضارات المضمحلة التي كانت سائدة في البلاد التي فتحوها ولكنهم استفادوا منها فأخذوا ما أفادهم وكانت عندهم القدرة على التحكم والفتح والانتصار وقد اتقنوا نظام الحكم وخاصة في عصر الفاتح إذ كان هناك نظام وضع لاختيار المرشحين لتولي أمور الدولة بالانتقاء والاختيار والتدريب والثقافة كما كانوا يشددون في اختيار من تؤهله صفاته العقلية والحسية ومواهبه الأخرى المناسبة
لشغل الوظائف وكان السلطان رأس الحكم ومركزه وقوته الدافعة وأداة توحيده وتسييره وهو الذي يصدر الأوامر المهمة والتي لها صبغة دينية وكان يحرص على كسب رضاء الله وعلى احترام الشرع الإسلامي المطهر فكان العثمانيون يحبون سلاطينهم مخلصين لهم متعلقين بهم فلم يفكروا لمدة سبعة قرون في تحويل السلطنة من آل عثمان إلى غيرهم وكان النظام والهدوء يسود الجيش كما كان الصبر على المكاره والجلد وتحمل الجوع والعطش وقطع المسافات الطويلة والخفة وسرعة الحركة ديدنهم وكان الجندي العثماني لا يرتدي سوى الملابس البسيطة التي تساعده على ذلك بينما امتاز الجنود الإوروبيون في ذلك الحين ببطء الحركة نظرا لثقل الملابس والدروع الحديدية لقد كان النظام العثماني الحاكم حتى زمن الفاتح لا يعرف الوراثة إذ كل الحقوق والامتيازات التي ينالها الأفراد شخصية لا تورث من بعدهم فكان بذلك لا يعترف بغير الكفاية والجدارة الشخصية ولم تتركز السلطة والقوة في يد عائلة واحدة أو عائلات قليلة كما هو الحال في البلاد الأوروبية إذ كانت سيطرة أسر قليلة متوارثة بينما كانت هنا الأفضلية للكفاءة والجدارة والعلم وكانت قوة الدافع الديني تظهر عندما يستنفر السلطان جنوده للحرب هذه الأنماط في الحياة العثمانية كانت من أكبر العوامل في احراز النصر ولكن الأمور لم تستمر على المنهج نفسه والأسلوب الذي اتبعوه منذ بزوغ نجمهم في صفحات التاريخ الوضيء فقد بدأ الوهن والضعف يزحف إلى كيانهم والسكينة والخلود للراحة والنعيم والتقاعس عن الجهاد يشدهم شيئا فشيئا لقد كانوا قادة الحرب في عالم آخذ بالتفتح والعلوم والفنون في انبعاث بعد حياة طويلة من الظلام عاشتها أوروبا وقد ذكرنا سابقا كيف أن الفاتح استخدم أحدث الوسائل العلمية والحديثة التي كانت سائدة في عصره وكيف كان الفتح العسكري يغذي بالطاقة
الروحية وهذا العامل بالذات هو الذي قاد المسلمين الأوائل لفتح معظم العالم المعروف آنذاك دون أن يكن هناك انحراف عن منهج الله لقد دعا القرآن الكريم الى دراسة شؤون الأمم الغابرة وبين كيف أنها سقطت وتلاشت حينما ظلمت ! ! ! ! فالشرط في تصاعد الخط البياني هو عدم الانحراف عن منهج الله وقد أشار ابن خلدون على الرغم من آرائه الاخرى حول موضوع الدولة الى ضرورة حمل الكافة اي كافة الناس على شريعة الله اذا ما أرطنا تجنب مساويء الملك الطبيعي والسياسي وكان الانحراف عن منهج الله يزداد والخط البياني ينزل هابطا ولكن كانت هناك طفرات في التاريخ الإسلامي يرتفع بها ذلك الخط قليلا فهناك المجددون وفي عهود العثمانيين الاوائل ارتفع الخط ولكنه عاد للهبوط بعد انقضاء عهد السلاطين العشرة الذين أرسوا كيان الدولة وعززوا قوتها ومدوا فتوحاتها وكان دائما الالتزام بمنهج الله هو الأساس فقد روي عن السلطان بايزيد وهو الذي كان يلقب بالصاعقة لسرعة حركته في مواجهة الأعداء انه مثل أمام القاضي شمس الدين محمد حمزة الفناري ليشهد في احدى القضايا فما كان من القاضي إلا أن رد شهادته ولم يقبلها ولما سأل السلطان عن وجه ردها جاء الجواب الحاسم من القاضي الذي لا يرهبه سلطان إنك تارك للصلاة مع الجماعة وكان جواب السلطان أن بني جامعا أمام قصره وعين لنفسه
موضعا فيه ولم يترك صلاة الجماعة بعدها أبدا بدأ الانحراف عن منهج الله صغيرا ثم ازداد الانفراج واتسع تدريجيا ثم تحول إلى ملك عضوض بالقوة أو بالإكراه حتى أصبحت الهرقلية أمرا متعارفا عليه ولا بد أن نذكر شيئا عن أسباب انحطاط الدولة العثمانية ولعل أهم عوامله هي 1 التخلف العلمي الذي لا يزال قائما حتى اليوم وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على الحركة العلمانية الكمالية التي عزته إلى التمسك بالدين وهو وليد قرون طويلة اتبع العثمانيون خلالها أساليب المدرسة القديمة التي كانت سائدة فيما مضى حينما لم يعد بإمكان تلك المدرسة العلمية الاضطلاع بأعباء التعليم بعد وضع أسس العلم الحديث وقد اعتقد الكثير من رجال التعليم أن العلم لا يزال كما هو عليه في القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري في الوقت الذي بدأ فيه علماء أوروبا خوض معركة حامية منذ ذلك القرن مع الكنيسة وتعرضوا للمحن والشدائد حتى استطاعوا شق طريقهم وادخلت علوم الطبيعية في برامج وكليات أوروبا التي لم تهجر مع هذا فلسفتها أما هم أي علماء العثمانين فلم يعنوا في إدخال الافكار الجديدة وطغت المشكلات السياسية في دور الانحطاط وبقيت مدارسهم في القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري ولم تتقدم أبدا إن بقية العالم الإسلامي كان شبيها بهم في ذلك الحين فلا تجد في كتب التاريخ التي الفت للعصور الحديثة من يمكن أن يطلق عليه لقب عبقري أو نابغة أو مبتكر في فن من الفنون عدا القليل فقد كانت الدولتان المعاصرتان للعثمانيين في الشرق سواء الدولة التي أسسها بابر
التيموري المعاصر للسلطان سليم ( 933 ه ) في الهند والتي توالي على عرشها ملوك عظام أمثال أورنك زيب حيث لم يكن هو ولا سلفه على اتصال بما يجري بأوروبا بل ينظرون إلى من يأتيهم من بحار أوروبا نظرة استخفاف وكذلك كانت الدولة الصفوية في أفغانستان وإيران والتي على الرغم من أنها كانت متحضرة بعض الشيء إلا أنها انشغلت بالمنازعات والحروب مع العثمانيين وبنزعتها الشيعية المتطرفة ونستطيع القول إن العثمانيين قد جاؤوا إلى بلاد الأناضول بدوا ولم يتحضروا بل شغلتهم الحروب ولم ينصرفوا إلى العلم بسبب الانشغال بالفتوحات والحروب المستمرة في كل الجبهات ولم يسمح لهم الأوروبيون بالالتفات إلى العلم ولا إلى التخطيط لذا استمروا في طبيعة البداوة فأبدوا انتصارات وقدموا خدمات للفتوح ولكنهم وقفوا عاجزين أمام متطلبات الحضارة وبقيت دولتهم على هذه الصورة حتى نهايتها فلم يقدموا الجوانب العلمية مما جعل البلاد في حالة تخلف وهذا التخلف أصاب العثمانيين الترك كما أصاب غيرهم من عرب وعجم ولم يكن عن نية مقصودة وإنما كان عن طبيعة موروثة إضافة إلى ما سبق والفرق بينهم وبين الاستعمار أن الاستعمار يحرص على تقدم بلاده على حين يبذل جهده في بقاء سكان المناطق التي يحتلها على حالة من الجهل
والتخلف أما هم فكانوا وغيرهم من هذه الناحية على حد سواء ومما يبين مقدار الخمول عندهم أنه لم تدخل صناعة السفن إلى الدولة العثمانية إلا في القرن العاشر الهجري ولم تدخل المطابع في العاصمة ولا المحاجر الصحية إلا في زمن السلطان مصطفى الثاني في القرن الحادي عشر الهجري وكذلك مدارس الفنون الحربية الحديثة وقد سبقتها مصر في المطابع والسكك الحديدية التي حملتها إليها الحملة الفرنسية من أجل تهديمها لا من أجل بنائها ولما شاهد الناس منطادا يحلق فوق العاصمة ظنوه من أعمال السحر والكيمياء وحينما انهزمت الدولة عام 1188 ه الموافق 1774 م انتبهت قليلا وبدأ سليم الثالث بالإصلاح وأنشأ المدارس الجديدة وكان هو نفسه يعلم في مدرسة الهندسة وألف جيشا حديثا حتى ثار عليه الجيش القديم واغتاله وقد مكن ذلك التخلف الغرب من التفوق المادي فاخترع الأسلحة الحديثة ووسائل الصناعة وبدأ عصر الآلة والبخار والكهرباء وانطبق قول الله عز وجل ! < كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة > ! فظهروا على المسلمين بعد أن كانت لهم الغلبة ولم يتورعوا في استخدام ما توصلوا إليه من أسلحة الدمار والخراب ضدهم وحاولوا التشكيك في عقيدتهم وتاريخهم ولو أن صلابة الروح بقيت كما كانت سابقا لما تمكن أعداء هذا الدين من أهله كما هم يتمكنون منهم اليوم فقد كانت حروبهم الصليبية تباعا ولم تتوقف أبدا ولكنها تصطدم بصخرته المنيعة الصلبة فتتحطم حملاتهم وتتبعثر جيوشهم وتذهب مكائدهم أدراج الرياح وقد عبأ الإسلام هذه الأمة ماديا ومعنويا فقال تعالى ! < وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل > ! وقد حذرنا القرآن منهم فقال جل وعلا ! < ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا > ! ولكن الصليبيين تمكنوا من بث أفكارهم بدل العلوم
والصناعة وجاء تفوقهم المادي فوجد الأرض ممهدة وصالحة فبدأوا بإشعال الفتن والثورات المسلحة هنا وهناك وبدأ الزحف الصليبي الجديد يحمل لافتات جديدة دون تغيير في المضمون وأبقى المسلمين في حالة التخلف والجهل والفقر وكانت أوروبا تقاتل من الغرب والروس من الشمال على الرغم من الخلاف بين الطرفين إضافة إلى وصول أوروبا إلى الجهات الجنوبية ومحاولتها المس بالأماكن المقدسة الإسلامية وفوق كل هذا اتصالهم بأنصارهم من سكان البلاد النصارى الذين أعطتهم المعاهدات مع الدول الأوروبية دفعة إلى الأمام أو من فتن بهم أو دفعته شهوة ما 2 الحركات الانفصالية والتمردات المحلية نتيجة للتفوق الصليبي قام أقطاب أوروبا بحبك المؤامرات ضد المسلمين ودفعوا الدمى المصطنعة من طلاب الزعامة وغذوا أوكار الحاقدين والجهلة وشجعوهم على العصيان وسنلتقي أثناء عرضنا للحوادث التاريخية بالكثير من تلك النماذج ويكفي الآن أن نعطي الأمثلة عنها تاركين التفصيل إلى حينه فمنذ القديم وحتى في عهد السلاطين الأوائل وحين كانت الدولة قوية الساعد مرهوبة الجانب برز بعض الأشخاص بدافع من اليهود وبتأييد من الصليبيين غالبا كحركة بدر الدين السماوي في عهد السلطان محمد جلبي المار الذكر والذي نشط من عام 818 ه حتى 821 ه ودعا إلى حركة تشمل جميع القوميات والاديان وحارب النصارى واليهود من يونان وسلاف في صفوفه وامتدت حركته من البلقان حتى شرقي الأناضول ثم جاء شخص آخر يدعى قره يزيجي في عهد السلطان محمد الثالث وهو من مرتزقة الجيوش وأعلن عصيانه على الدولة وامتد عصيانه حتى شمل مناطق كبيرة
في البلقان وآسيا الصغرى وشمال سوريا والعراق وتمكن من الاستيلاء على بغداد وبقيت تحت حكم انصاره لعدة سنوات أما في لبنان فقد أراد الصليبيون أن لا تهدأ حركات العصيان أبدا نظرا لطبيعتها الجبلية وتجمع عدد من النصارى فيها وتعاطف الغرب روحيا هناك حتى تمكن من ايجاد موطىء قدم لنفوده فمنذ أن تولى فخر الدين الأول وهو من الأسرة المعنية شؤون بعض المناطق والقلاقل لم تهدأ بل تزداد شدة وحينما اعتلى السلطة فخر الدين الثاني حفيد فخر الدين الأول ركز نصب عينيه تحقيق غايته الأساسية وهي شن حملة صليبية ضد السلطان بمساعدة الغرب ففاوض الطليان وانشأ الحصون وقوى جيشه ثم تمرد ولكنه هزم وهرب إلى إيطاليا ثم عفي عنه فرجع وتمرد ثانية ثم ثالثة وفي مصر وجدت روسيا شخصا من المماليك وهو علي بك الكبير أعلن التمرد أيضا وقطع العلاقة مع الباب العالي وتحالف مع حاكم صفد ولكن أبا الذهب أخمد تمرده أما في جهات الشرق فكان خصوم العثمانيين التقليديين يشعلون الثورات بين الحين والآخر ولمدة ثلاثة قرون متواصلة باستخدامهم البدو والفلاحين الرافضين دفع الضرائب وكثيرا ما كان ينضم الوالي إلى شاهات إيران ضد الدولة وقد تمكنت حركة القبائل في جنوبي العراق عام 1061 ه تحت قيادة أسرة السياب من الاستيلاء على البصرة لعدة سنوات وحدثت اشتباكات متواصلة وبدافع من العجم بين الدولة العثمانية وقبائل المنتفق عام 1102 ه في وادي الفرات الاسفل والاوسط ولعل أهم الحركات الانفصالية التي أضعفت الدولة كانت حركة محمد على باشا في مصر وسنتكلم عنها بصورة مفصلة في حينها وقد انهك الجيوش العثمانية ودمر معظمها وانضم إليه الأسطول وهدد العاصمة استانبول وانفرد أبناؤه في حكم مصر ولم تعد للدولة العثمانية إلا
إسما وتمكن الإنكليز من احتلالها بعد ذلك وأخيرا تأتي الحركة الوهابية التي قامت في الجزيرة العربية تاركين البحث فيها حتى سياقها التاريخي 3 الامتيازات الأجنبية وهي من التساهلات التي يمكن أن تعد أخطاء نظرا لنتائجها التي ظهرت بعد حين وقد منحت تلك الحقوق للأجانب أولا ثم لبعض السكان المحليين فيما بعد وقد أراد السلطان سليمان القانوني أن يعيد الطريق التجاري الى البحر المتوسط بعد أن تحولت إلى رأس الرجاء الصالح وذلك بإعطاء امتيازات وعقد معاهدات مع الإيطاليين ثم الفرنسيين والإنكليز ليشجعهم على الإبحار عن هذه الطريق ولكن أولئك النصارى جميعا كانوا يبدون للسلطان رغبتهم في التحول ويعملون على الكيد له في الخفاء هذه الاتفاقيات ظنها السلطان سليمان أنها لا قيمة لها ما دامت القوة بيده حيث يلغيها متى شاء ويمنحها متى أراد والواقع أن الضعف الذي أصاب الدولة قد جعل من هذه الاتفاقات قوة لهؤلاء الأجانب أولا ولرعاياهم النصارى من سكان ومواطني الدولة العثمانية ثانيا وكانت الامتيازات في البدء بسيطة ولكن نجم عنها تعقيدات كثيرة فيما بعد وقد حولت الامتيازات إلى اتفاقات ثنائية فأصبح بإمكان السفن الفرنسية دخول الموانىء العثمانية تحت حماية العلم الفرنسي ومنح الزوار حرية زيارة الأماكن المقدسة والإشراف عليها وحرية ممارسة الطقوس الدينية هناك ثم أصبحت مع مرور الزمن وكأنها حقوق مكتسبة ثم توسعت وشملت بعض السكان المحليين كالإعفاء من الضرائب والاستثناء من سلطة المحاكم الشرعية العثمانية والتقاضي في محاكم خاصة سموها المحاكم المختلطة وقد لعبت دورا كبيرا فيما بعد
وأصبح لروسيا مثلا بموجب معاهدة كينارجي حق بناء كنيسة باستانبول وحق حماية النصارى التابعين لمذهبها الأرثوذكسي من رعايا الدولة وفي عهد السلطان عبد المجيد تقرر منح أهالي لبنان حكومة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية يكون حاكمها نصراني ويكون للباب العالي حامية مؤلفة من 300 جندي فقط ترابط على الطريق الموصل بين دمشق وبيروت وبذلك تشجعت أقليات أخرى وطالب النصارى في البوسنة بتحريض أجنبي الحصول على امتيازات فقاومتهم الدولة ولكنهم لم يركنوا للهدوء وازدادوا من عصيانهم بدعم أوروبا لهم لقد ساعدت الامتيازات على اشعال بؤر الفتن وأربكت الدولة وشغلتها عهودا طويلة واتخذت ذريعة لتدخل الدول بحجة حماية الرعايا وبالتالي الاحتلال والعدوان 4 الجيش الانكشاري هو الجيش الذي أنشأه السلطان أورخان باختيار أفراده من أبناء البلاد الأوروبية المفتوحة وتلقينهم مبادىء الدين الإسلامي ووضعهم في ثكنات عسكرية خاصة وتدريبهم على فنون الحرب والقتال ولقد أبلى ذلك الجيش بلاء حسنا في كافة المعارك التي خاضها العثمانيون إبان قوتهم فكانوا يندفعون كالأسود في ساحات القتال وكان لهم الفضل في ترجيح كفة النصر في المعركة الحاسمة يوم فتح القسطنطينية وغيرها من المعارك الشهيرة ثم مع مرور الزمن بدأ الوهن يتسرب إلى صفوفهم عندما عاشوا بين المدنيين وكثرت تعدياتهم بصفتهم العسكر المختص بهم السلطان فما اختلط الجند بأهل المدن إلا وقد فسدت طبيعتهم وتغيرت أخلاقهم وتبدلت مهمتهم وأصبح البلاء في وجه الحكم منهم والعداء للسكان من أعمالهم وصاروا يتدخلون في شؤون الدولة وتعلقت أفئدتهم بشهوة السلطة وانغمسوا في الملذات والمحرمات وشق عليهم أن ينفروا في أوقات البرد الشديد ونظروا إلى العطايا السلطانية ومالوا 78 إلى النهب والسلب حين غزو البلاد فأثاروا الاضطرابات يريدون الحروب ولو كان جحيمها يصب فوق رؤوسهم ليواصلوا نهب البلاد المفتوحة وبذلك نسوا الغاية التي وجدوا من أجلها لقد كانت فاتحة أعمال السلطان مراد الثالث عام 982 هي إصدار أمر يمنع شرب الخمور فهاجوا وماجوا حتة اضطروه لإباحته ضمن شروط لخوفه من نقمتهم وهكذا فإن الجيوش لا تهزم إلا حينما تترك عقيدتها ولا تلتزم بمبادئها إن وثوب الانكشارية إلى مركز القيادة في الدولة العثمانية جعلها في حالة خطيرة من الفوضى فصاروا هم الآمر والناهي والسلطان ألعوبة بأيديهم فظهر الفساد وضاعت البلاد ثاروا في إستانبول والقاهرة وبودا يطالبون بإشعال الحروب حينما اقتضت المصلحة ألا تكون هناك حروبا وقد أشار سنان باشا عام 997 ه إلى أشغالهم بمحاربة المجريين تحت إلحاح شديد من قبلهم وكانت النتيجة انهزام والي بودا العثماني ومقتل حسن باشا والي الهرسك وسقوط عدة قلاع عثمانية بأيدي النمسا وفي عام 1027 ه حاول السلطان عثمان الثاني إبادتهم بإعداد العدة لحشد جيوش جديدة في ولايات آسيا الصغرى وتدريبها وتنظيمها ولما حاول ذلك خلعوه وقتلوه وأعادوا مصطفى الأول الذي خلعوه عام 1032 ه أيضا وهذه هي نهاية كثير من المصلحين حينما يتاح للجيوش الفاسدة أن تكتب أقدار الأمم واستمر الانكشارية في عهد السلطان مراد الرابع سنوات عشر سائرين في طريق الضلال سادرين في غيهم وطغيانهم فهم الذين نصبوه فالامر والنهي يجب أن يكون لهم ما دام رأس الدولة بأيديهم وهم الذين قاموا بقتل السلطان ابراهيم الأول خنقا حينما حاول التخلص منهم وهم الذين أربكوا الدولة إذ وضعوها في حالة من الفوضى بقتلهم السلاطين وتولية أولادهم الصغار السن من بعدهم كالسلطان محمد الرابع فقام الإفرنج باحتلال أجزاء
من البلاد فاضطر الصدر الأعظم والعلماء إلى عزله ثم ثار الانكشارية في عهد السلطان سليمان الثاني ودخلت جيوش الأعداء بعضا من أراضي الدولة واحتلتها وخلع الانكشارية السلاطين مصطفى الثاني أحمد الثالث مصطفى الرابع إلى أن قيض الله للسلطان محمود الثاني عام 1241 ه التخلص منهم فقد هيأ لذلك وسلط عليهم المدفعية فدمرتهم وانتهى أمرهم 5 الهجمة الصليبية والكلام هنا يطول ويكفي التلميح إلى الحملة الفرنسية على مصر والحملة الفرنسية على الجزائر والتوسع الروسي في بلاد قفقاسيا وتهجير سكانها من داغستان وشاشان وشراكس عام 1282 ه والحملة الإنكليزية على مصر وعدن واستيلاء الطليان على طرابلس الغرب وسنعرج على شرح تلك الحملات وغيرها أثناء عرض الأحداث والتطورات التي حلت في الدولة العثمانية أما المناوشات والغزوات العسكرية والحركات الانفصالية التي أشعلتها الصليبية العالمية في ممتلكات العثمانيين في أوروبا فهي من الأهمية بمكان إذ لم يخل عهد سلكان منها وقد استولت النمسا على مواقع وانسحب العثمانيون في عهد مرلد الثالث وانتصر الافلاق واخذوا عدة قلاع وفي عهد محمد الثالث خسر العثمانيون أقليم البغدان وجزءا كبيرا من ترانسلفانيا عام 1004 ه وفي عهد محمد الرابع عام 1097 ه احتلت سفن البنادقة أغلب مدن اليونان واحتلت جيوش النمسا بوداوترانسلفانيا كما احتل البنادقة أيضا جزءا من بلاد اليونان وسواحل دلماسيا عام 1098 ه كما احتلوا جزيرة ساقز عام 1105 ه وكانت الضربة الكبيرة هي الانهزام الذي وقعت على أثره معاهدة كارلوفتش في عهد السلطان مصفى الثاني عام 1115 ه إذ تركت الدولة بلاد المجر جميعها وإقليم ترانسلفانيا للنمسا وآزوف لروسيا وعدة مناطق لبولونيا وجزيرة مورة للبندقية أما معاهدة كنارجة فبموجبها استقل
تتار القرم وبسارابيا وكوبان ونتيجة لاتحاد الجيشين النمسوي والروسي عام 1203 ه وفي عهد السلطان سليم الثالث استولى الروس على بندر الحصين ومعظم الأفلاق والبغدان وبسارابيا ودخل النمسويون بلغراد واحتلت فرنسا معاقل جبل طارق وجزيرة مالطا والجزائر وعلى الرغم من استرجاع بعض هذه الاراضي بموجب بعض المعاهدات كمعاهدة بخارست 1227 ه ومعاهدة ادرنة الثانية 1245 ه ونتيجة بعض المعارك الحربية إلا ان التراجع العثماني كان يبدو واضحا وعلى الرغم من فتح بعض البلاد والجزر مثل قبرص وكريت وأرمينيا وبلاد الكرج فإن الجيوش العثمانية دمر الكثير منها مرات عديدة مع ذلك واحرقت السفن الحربية واغرقت وأعيد بناؤها وانهكت الجيوش الخزينة وحل الفقر والدمار وقتل خيرة كبار القادرة ممن كانوا هدفا لسهام العدو 6 توسع رقعة الدولة شغلت الدولة في أوج قوتها وتوسعها مساحة من الأرض تزيد عن أربعة عشر مليونا من الكيلو مترات والأمر يختلف عما هو عليه في وقتنا الحاضر إذ أن سياسة دفة الحكم في عهد كانت مواصلاته وسائلها الدواب والعربات وبريدها يستغرق الشهور الطويلة والسنين وقد تحصنت بالحواجز الطبيعية من أنهار وبحار وجبال وغيرها والظن أن إعلان الحركات المتمردة والعصيانات المتكررة فيها ربما يكون في غاية السهولة كما أن إخمادها أيضا في غاية الصعوبة ولم تحتفظ الدولة بتماسكها على الرغم مما أصابها من زلازل ونكبات طيلة ستة قرون إلا بفضل عامل الدين ورابطة العقيدة على الرغم من ظهور من استهان
بها ورفع رأسه هنا وهناك ولكنه لم يتجرأ على إعلان بترها أو إلغائها إذ أن رابطة العقيدة أهم عامل حاسم في كيان الأمم وقد استطاعت تلك الرابطة أن تجمع بين الترك والعرب والكرد والشركس والشاشان والداغستان وغيرهم لقرون طويلة حتى قام أعداء هذا الدين وفرقوا شتات الأمة الواحدة بإثارة العصبية الإقليمية التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها منتنة وبعد الغاء الخلافة الإسلامية لم تتمكن بلاد المسلمين من لم أشتاتها لتهاونها بأهمية تلك الرابطة وما قيام الكيانات السياسية الواسعة نسبيا في عالم الإسلام اليوم إلا بفضل روح الأخوة الإسلامية وما التناحر والتطاحن إلا تحت راية الدعوة التي تخلت عن تلك الأخوة واستبدلتها بالشعارات والمبادىء الصليبية الأوروبية المخربة 7 الجمعيات والأحزاب السرية ونذكر منها على سبيل المثال جماعة يهود الدونمة الذين التجؤوا للبلاد العثمانية بعد الاضطهاد في الأندلس ونظموا أنفسهم محتفظين بعقائدهم متكيفين مع الوضع الجديد بإعلانهم الإسلام ظاهريا وسيأتي بحث مستفاض عنهم فكانوا عونا للصليبية على المسلمين وأداة تدمير في الأخلاق والدين وكانوا وراء حركات التمرد والثورات المسلحة ضد الدولة حتى انتهى بهم المطاف إلى قلب نظام الحكم في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وفرض أحكام الكفر والابتعاد بالدولة شيئا فشيئا عن جادة الإسلام الصحيح أما حزب الاتحاد والترقي الذي شمل بعض اليهود في عضويته فقد ورط البلاد في حروب ونزاعات وأرغم قادته المسيطرون عليه الدولة على الانخراط في الحرب العالمية الأولى بعد أن قضوا على حكم عبد الحميد الذي أراد تقويم الانحراف وتبنوا الأفكار التي مزقت بين أبناء الدولة المسلمين وكانت الماسونية بالطبع من وراء تلك الجمعيات
السرية تحيك الدسائس والمؤامرات وتقيل عثراتها وتدعم قادتها
يمكن أن نعد ما مر معنا أهم العوامل التي آلت بالدولة العثمانية إلى الضعف والانحطاط ويمكن أن نستعرض عوامل أخرى لها أهمية خاصة مثل الزوجات الأجنبية التي تزوج بها بعض السلاطين كالسلطان سليمان وغيره إذ قامت تلك بحبك المؤامرات في الخفاء بغية تنفيذ أغراضها والانغماس في الترف والشهوات وفي عهد السلطان أحمد الثالث عام 1115 ه عندما حاصرت الجيوش العثمانية قيصر روسيا بطرس الأكبر وخليلته كاترينا من قبل بلطه جي محمد باشا حدث أن قامت كاترينا بإغراء القائد العثماني بالجواهر واستمالته إليها فرفع الحصار عنهما ففوت فرصة ثمينة للقضاء على رأس الدولة التي كادت للعثمانيين ولعبت دورا كبيرا جدا في إضعاف وزوال دولتهم كما أن السلاطين العثمانيين تعود أغلبهم بعد عهود المجد والقوة أن لا يقودوا الجيوش بأنفسهم وتركوا الأمر لقواد قد يكون بعضهم غير كفء فانهزموا في مواقع كثيرة وتضاءل الحماس والحمية الدينية لغياب السلطان عن مركز قيادة الجيش كما كان يحدث سابقا أما العادة السيئة الأليمة وهي عادة قتل السلاطين لأبنائهم وإخوانهم وهي المنافية للإنسانية وإن وجدت لها مبررات واهنة فقد أدت بأرواح الاطفال والأبرياء بلا ذنب سوى خوف المنازعة في الملك فيما بعد وحرمت الأمة من رجال قد يكون الكثير منهم افذاذا وعباقرة فحل محلهم رجال احتلوا مناصب رفيعة في الدولة وفي قيادة الجيوش من بلاد أوروبا العثمانية تظاهر بعضهم بالإسلام وابطن الكفر وعاد بالدمار والهزيمة إلى البلاد كما لا يخفى أخيرا الأزمة الاقتصادية الأوروبية ودورها في القرنين العاشر والحادي عشر والتي نجمت عن تزايد السكان الكبير الحاصل آنذاك الدولة العثمانية والغزو الفكري الغربي
http://islamicdoc.org/Multimedia/fbook/10697/index.htm
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رد على مقالة إبراهيم جركس ..قضيه ضد وجود الله
-
انتحال الشخصيات الدينية لأهداف سياسيه (المسيحية أنموذج ) سفر
...
-
المؤلفة قلوبهم – رد على مقالة سامي لبيب
-
لو يعلم بولس أن يسوع إلها حقيقيا لما نقض عهده أمام اليهود (
...
-
محاكم التفتيش اليسوعية في الأندلس ( ثمار الله محبه )
-
يسوع يعفور المسيحيين
-
مدى التخلف في عقائد اليسوعين
-
نظريات الإله الأحمق
-
التقية والكذب المباح في المسيحية ..رد على مقالة سامي لبيب
-
التخريف العلمي في التوراة
-
كروية الأرض في الكتاب المحرف التوراة
-
كذبة علامات الساعة الصغرى والكبرى
-
أوربا بين !! زيوس ويسوع
-
هل ؟ الإرهاب خطوه أولى للوصول الى الديمقراطية
-
بداية تكوين المجامع الدينية السياسية اليسوعية في أوربا (سفر
...
-
نابليون بونابرت- والحلم التوراتي:
-
الذيب والحمار وإبراهيم ..رد على مقالة سامي الذيب
-
مقارنه بين عقل المسلم وعقل المسيحي .. رد على مقالة جهاد علاو
...
-
جرائم (الله محبه ) عبر التاريخ
-
كذبة صيام العشرة الأولى من ذي الحجة...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|