حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 09:35
المحور:
الادب والفن
- 43 -
ولما جاء الرجل الذي سيقله إلى غزة عبر الأنفاق، انتابته مشاعر متناقضة، فهو سعيد جداً بالرجوع إلى مسقط رأسه، إلى أهله، إلى عمله، إلى حبيبة الروح، في وقت هو أيضاً حزين فيه، لأنه سيغادر مدينة سائبة مهما حاولت اكتشافها لن تستطيع، ومع ذلك، له فيها ذكريات لا تنسى .
الذكرى الأولى، تالا التي تركت شفتيها برضىً خالص تستقر بين شفتيه، أشعرته بلذة لم يعتد ولن يحصل عليها مرة ثانية بذات التفاصيل والمناخات، ليس فقط لأن اختلاف عناصر الحياة في حركة مستمرة كي تتلاءم مع اختلاف زاوية النظر في سياقها العام الذي يأخذ بعين الاعتبار معيار الزمن والحالة النفسية التي تحيط اللحظة أياً كانت، بل وكذلك، لأنها القبلة الأولى التي تمنحها إليه تالا .
والذكرى الثانية اكتشافه معنى الغربة القصرية،التي فرضت عليه جراء إغلاق معبر رفح وفقدانه حرية العودة وقتما شاء، ذلك أنه أصبح على نحو ما عبداً لرغبات الآخرين الذين من حقهم تقييد حريته بالطريقة التي يرتضونها ، رغم استمتاعه بالموسيقى التي تعود عليها وشكلت عنصر من عناصر تهدئة أعصابه عندما يصيبه الضجر ولا يجد ما يفعله أو يعمل على التخفيف منه .
والثالثة توطد علاقته مع شريف العامل الذي يقع على عاتقه تصريف شئون الفندق الذي ينزل فيه، بما نتج عنه من علاقة مع الرجل الذي سيقله إلى غزة وما فتحه أمامه من فرصة عمل قلما تتاح لأي شخص، علماً بأنه لم يعط قراراً نهائياً بشأنها .
هذه الذكريات مجتمعة، مع تجاهل بعض اليوميات التي لا ضرورة لها والتي ساهمت في تزجيه الوقت في أصعب لحظات الاغتراب عن المكان شكلت عاملاً مساهماً في انزياح بعض لحظات الكآبة والملل وتكرار المشهد اليومي ولجم الشعور بهشاشة وضعه في ظل عدم وجود رفقة ترتاح لها النفس .
ومع ذلك، خاف على نفسه ولا يستطيع محاسبتها على نحو يسكنها القمع وعدم التخلص منه بعدئذ، لدرجة جعلته يقبل بالقرارات التي يتخذها والتي غالباً ما تكون سيئة في محصلتها رغم ما يتمتع به من ذكاء . الأمر الذي كان يراوده الشك من قرار العودة عن طريق الأنفاق رغم سيطرة هذه الفكرة على عقله، ولكن ماذا بوسعه أن يفعل من أجل العودة . فحفل الزفاف على الأبواب !
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟