هاتف بشبوش
الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 01:31
المحور:
الادب والفن
في العاصمة بغداد بتأريخ 2/11/2013 حيث كنت وصديقي الخالدي في زيارة الى الأديب المتميز والنشيط الدؤوب , الشاعر الصديق والناطق الاعلامي لأتحاد الادباء , إبراهيم الخياط . قبل أن نصل الى إتحاد الادباء عرجنا على مقر الحزب الشيوعي العراقي الكائن في نفس المنطقة والذي يبعد بضع أمتار من أتحاد الادباء , أدينا السلام والتحية على الحاضرين والمناضلين هناك وجلسنا بعضا من الوقت بعد الترحيب العالي من قبل الرائع جاسم أبو يسار وجميع العاملين هناك , رأينا صورة الشهيدين الغاليين وضاح عبد الامير والشهيد كامل شياع , أنهما حقا رمز التضحية والسفر نحو رياض الخلود . كانت لدينا رغبة شديدة في أن نلقي التحية والسلام على المناضل حميد مجيد موسى , أبوداود , فلم نحظى بلقاءه لأنه وللآسف كان في زيارة الى أربيل . ودعنا الشيوعيين وجميع العاملين هناك ونحن في سعادة لاتوصف.
في طريقنا الى إتحاد الأدباء الكائن قبالة مستشفى بن زايد , قلتُ لصديقي الخالدي الذي رافقني رحلتي هذه من الدنمارك , لنشرب الشاي العراقي على الماشي , فتوقفنا في زاوية حيث يقفُ فتىً يافعاًّ يبيع الشاي على السابلة . سألنا فتىً آخراً , إبن التاسعة عشرة كان واقفا بالقرب من بائع الشاي عن موقع إتحاد الأدباء بالتحديد , فأشار لنا أنْ هناك في تلك الزاوية التي إستطعنا أن نراها عن كثب , لكنه أردف قائلا , من هو الذي تسألون عنه ؟, فقلت له ونحن في خوف من أمرنا لكثرة مانسمع عن مايحصل في بغداد من النصب والأحتيال والقتل بشتى الطرق , فقلت له بعد تحفظٍ وتأني , نحن نبتغي إبراهيم الخياط , فقال مبتسما وواثقا من حاله , لايمكنكم أن ترونه الآن , فقلتُ ومن الذي أوحى اليك بذلك , فقال لديه محفل أدبي اليوم وبهذه الساعة بالتحديد , ثم ضحك مرة اخرى , فقلت ماالذي يضحكك ؟, فقال أنا أبنه , انا أبن ابراهيم الخياط , أنا حيدر , حدقتُ في وجهه فوجدت سيماء أييه على محيّاه , فقلتُ قافزا ً ياللمصادفة الرائعة , فضحكنا كثيرا لهذا الحظ الجميل والغريب في نفس الوقت والذي لايمكن أن يحصل إلاّ نادراً , فعانقنا الشاب الودود إبن الشاعر الجميل والمبدع إبراهيم الخياط . أردنا أن ندفع الشاي , لكنه لم يقبل منا , وقال أنتم ضيوف أبي , وهذه أصول وعادات العراقيين , فشكرناه أيما شكر وذهبنا صوب الاتحاد بعد توديعه . وبالفعل وجدنا إبراهيم الخياط في إتحاد الأدباء في اللحظات الاخيرة , حيث كان يريد ان يشد الذهاب الى فندق بغداد حيث المحفل الأدبي هناك وهو من أحد المشرفين الرئيسيين في المحفل . وبعد الترحيب الرائع من قبل الاستاذ الجميل إبراهيم الذي كان مستعجلا , قال لقد أتيتم في وقت مناسب جدا, فقال هيا بنا الى قاعة فندق بغداد حيث يقام الآن محفل أدبي لرد الاعتبار للشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهازي الذي لم يأخذ حقه بكونه أديبا ورائدا وفيلسوفا وشاعرا للعقل على المستوى العراقي والعربي في تلك الفترة المنصرمة . أخذنا التاكسي من إتحاد الأدباء بأتجاه فندق بغداد , وفي الطريق قال الشاعر إبراهيم عن الوضع الامني في بغداد وبجملة مختصرة ( لاندري حينما نذهب في مشوار ما , هل سنرجع أم لا , لكثرة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والكواتم ) . حقا أن هؤلاء الرجال أمثال إبراهيم الخياط والكثيرين معه , حياتهم على كف عفريت . إنهم مواضبون على الدوام , ينذرون أنفسهم لأعلاء كلمة الحق والذود عن الوطن العزيز . وصلنا فندق بغداد وهو من الفنادق الفاخرة في العاصمة بغداد , أردنا أن ندفع أجرة التاكسي وبعد إصرار كبير لم نستطع أن نقنع الاستاذ الكريم إبراهيم بذلك , كما هو حال أبنه حيدر في إصراره على دفع الشاي , فدفع الاجرة بنفسه وقدرها خمسة آلاف دينار عراقي .
دخلنا الفندق فوجدنا العديد من الوجوه الادبية والسياسية المشرفة على المهرجان , والقادمين من أجل حضور هذا المحفل الجميل والمثير للغاية , ومن الصدف التي أسعدتني كثيرا هي رؤيتي الى الشاعرة القادمة من الحلة ( نضال القاضي) والتي كانت زميلة لي في جامعة السليمانية , إذ أننا لم نلتقي منذ اكثر من خمسة وثلاثين عاما , صدق من قال , عمر الشاقي باقي . نظرنا الى محتويات القاعة فوجدنا شعار المحفل بارزاً ( جميل صدقي الزهازي شاعر العقل ومعري العصر) مع لافتة أخرى كتب عليها من كلمات الشاعر الكبير الجواهري بحق الشاعر جميل صدقي الزهاوي والتي تقول( قم ياجميل ... ياحامي الادب العراقي ).
القائمين على المحفل كل من الكاتب والمحللل السياسي المعروف عبد المنعم الاعسم وإبراهيم الخياط وخيال الجواهري .
إفتتح المحفل المحلل السياسي والكاتب المعروف عبد المنعم الاعسم بكلمة ترحيبية هادئة كهدوءه المعروف لدى المشاهدين حينما يظهر على شاشات التلفاز , ثم قدّم لنا العازف والموسيقي ستار الناصر , الذي أتحفنا بأغنية من كلمات الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري , ثم أغنية للشاعر المعروف أبو القاسم الشابي ( إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر) , فكانت الحنجرة صداحة شجية تطرب النفوس وتثير الهمم .
ثم بعد ذلك قدم الاستاذ عبد المنعم وكيل وزير الثقافة الاستاذ الرائع فوزي الاتروشي ليلقي كلمة وزارة الثقافة بحق الشاعر العراقي الكبير جميل صدقي الزهاوي . بعد إنتهاء كلمة فوزي الاتروشي تقدم الى المنصة الشاعر الكبير إبراهيم الخياط ليلقي علينا بعض من أشعار الزهاوي ومنها قصيدة (سليل القرد) والتي يؤيد فيها الزهاوي نظرية النشوء والارتقاء لداروين على ان القرد هو أصل الانسان , القصيدة أضحكت الحاضرين لما فيها من شدة السخرية والتهكم , وأدناه بعض من أبياتها :
عاش القردُ في الغاب دهرًا طويلا
قبل أن يلقى للرقي سبيلا
ولد القرد قبل مليون عام
بشرًا فارتقى قليلًا قليلا
أي شيء ألم بالقرد حتى
هجر الغاب نجله والعتيلا
إنه لولا العقل كان ضعيفًا
وعليه الحياة عبثًا ثقيلا
وعلى رجليه مشى بعد أن سار
على أربع زمانًا طويلا.
.......
يا له من تطور حوَّل القرد
لإنسان يحسن التخييلا
ثم قدمت لنا المبدعة خيال الجواهري الكاتب الكبير الذي ناهز الثمانين من عمره الاديب عبد الحميد الرشيدي وهو يتكأ على عصاه , وقد شرح موجز حياة الزهاوي ونضاله الادبي والسياسي . الزهاوي هو من أصل كردي ومن عائلة إيرانية كانت تسكن منطقة زهاب , ومن عادة الكرد حينما يتكلمون يقلبون الباء الى واو وقد أصبحت زهاب تلفظ زهاو , ولذلك لقب الشاعر الكبير بالزهاوي . وقد ذكر الرشيدي ماقاله الزهاوي ( عش هكذا في علواء أيها العلمُ) , هذا الكلام ينم عن أن الوطنية وحب العراق في ذلك الوقت هما اللذان يسكنان قلب الشاعر والمناضل , هما الهوية التي يتحلّى بها كل عراقي غيور يريد أن يدافع على وحدة بلده من التشرذم , بينما اليوم نرى المحسوبيات والعشيرة والطائفة تنخر في الجسد العراقي وما أتت به الاحزاب المتأسلمة من تفرقة ومغالاة في تطبيق الشريعة والدين مما أدت الى ظهور الارهاب الذي يفتك بالعراقيين قتلا وتشريدا وتهجيرا .
تطرق الاديب الكبير عبد الحميد الرشيدي الى روح الدعابة والنكتة التي كان يتحلّى بها الزهاوي ومنها حيث يقول( إذا حيا الانسان في الحياة لاقى منكراً .... وإذا مات لاقى منكراً ونكيرا) . الزهاوي كان مدخنا شرها وفي موقف له , اذ كان ينتظر شاعر الهند الكبير رابندرنات طاغور في باب المعظم , كان يدخن سيكارة تلو الاخرى دون أن يشعل الكبريت وقد تجاوز في انتظاره ذلك على الثلاثين سيكارة كما مبين من أعقاب السكائر في الصورة التي أخذت له في ذلك الوقت وهو ينتظر طاغور.
أما عن الحياة السياسية للزهاوي فهناك من يزعم ويتهم الزهاوي بأنه كان عميلا للاحتلال وذليلا لهم , ومتملقا , بينما هذا الكلام هو مجافٍ للحقيقة , وإنما كان يفعل ذلك بتقربه الى الاحتلال , لدرء الخطر عن أبناء جلدته كما فعل قبله الكثير من الادباء .
تخلّلَ المحفل بين فترة وأخرى قيام الشاعر الكبير إبراهيم الخياط الى المنصة لقراءة بعض أشعار الزهاوي
وقد كانت من الاشعار الرائعة التي كانت تزخر في تلك الايام وتثير الحماس في قلوب العراقيين على إختلاف مشاربهم .
ثم قدم لنا الكاتب عبد المنعم الاعسم رئيس دائرة المسرح العراقي شفيق المهدي , وقد تكلم بموجز عن حياة الزهاوي , لكنه أغنى المحفل حول ما يتعرض له الكتاب العلمانيين اليوم من تهديد , لما تحتويه كتاباتهم رفضا للسياسات المتبعة من قبل الاحزاب والكتل السياسية الطائفية التي أوصلت البلد الى هذا الوحل , والسرقات من قبل الشخصيات والمسؤولين والاحزاب الحاكمة , التي لم يشهد لها مثيل , لا في التأريخ العراقي الحديث ولا القديم.
في نهاية الحفل وزعت الجوائز من قبل الاستاذ وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي على الشعراء والمبدعين العراقيين ومنهم :
*الشاعر الكبير محمد آل ياسين
*الشاعر كاظم الحجاج
*الشاعر عبد الزهرة الزهوي
*الشاعر موفق محمد
*الشاعر شيركو بيكص
*الشاعرة نضال القاضي
*الشاعرة نجاة عبداللة
وقد أختتم الحفل من قبل الكاتب عبد المنعم الاعسم في تقديمه الشكر والامتنان للحاضرين على أمل اللقاء في محافل أخرى لأحياء الكثير من القامات الادبية العراقية التي قدمت الغالي والنفيس لعراقنا الجريح لغاية هذا اليوم .
في نهاية المحفل تناولنا المعجنات والشاي والعصائر , تخللها الحديث بين الجميع , والتعارف واتباع البروتوكولات في هكذا محافل . بينما أتناول الشاي جائني الاديب الكبير إبراهيم الخياط حاملا صحنا من المعجنات , وسألني فيما إذا كنا قد إرتحنا وأرحنا , ثم اردف قائلا , أنني قد نسيت أن أٌقرا قصيدة الزهاوي الشهيرة ( مزقي ياإبنة العراق الحجابا........أسفري فالحياة تبغي إنقلابا) , فقلتُ له بادياً رأيي في ذلك , ليس مهما أن تقرأ قصيدة كلنا نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب , ولو قرأتها , فأنها سوف لن تثير أنتباهنا وذهولنا مثلما أثارت ذهولنا وأنتباهنا قصيدة (سليل القرد) ,,فأجاب لقد أصبت ياهاتف في ذلك وأرحتني في هذا الالتفاتة الجديرة بالاحترام . إنتهى المحفل وأنتهينا من الاحاديث والمجاملات التي لابد أن تحصل , ثم جهّزنا أنفسنا للرحيل أنا وصديقي الخالدي , أدينا التحية والسلام على الآخرين ثم صافحنا الاديب إبراهيم الخياط , وأطلقنا الباي باي. ثم تمتمتُ مع النفس , ياترى هل سنلتقي مرة أخرى وبغداد ترتعُ بالسلام والامان .
هاتـــــف بشبـــوش/عراق/بغداد
#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟