|
توريما 1968(بيير باولو بازوليني): تشريح انتقادي خفي وغامض للحياة برمتها
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 4269 - 2013 / 11 / 8 - 17:42
المحور:
الادب والفن
توريما 1968(بيير باولو بازوليني): تشريح انتقادي خفي وغامض للحياة برمتها توريما 1968 فيلم اشكالي في مسيرة هذا المخرج-بالرغم من كل شيء-فهو غير واضح في كناياته ولا حتى موضوعه وكأنه (لغويا) عبارة عن نص هيوروغلوفي لم يستطع احد عند قراءته سوى ان يقدم وجهة نظر...؟! فالقصة تحمل ابعادا كثيرة تحمل زويا عديدة في الرؤيا،والأمر الوحيد الواضح في الفيلم هو أن الهم الديني والسياسي لازال يؤرق بال مخرجنا ومن الممكن أن يوجه هذا الفيلم إلى كلا الموضوعين معا ولكن طبعا وفقا لجدلية بحد ذاتها مثيرة للجدل،خاصة أن بازوليني تولى أيضا كتابة هذا الفيلم..... يستخدم بازوليني موسيقى للفيلم للموسيقى العالمي مودزارت وهذا أمر واضح مصرح به،وبعد اماني بتحويل المجتمع إلى طبقة وسطى يظهر مشهد لصحراء قاحلة على خلفية صوتية تقول:الله قاد عباده عبر الصحراء الجملة قد تكون واضحة وليست صعبة أبدا على الفهم،ولكننا في نفس الوقت لانستطيع أن نقيس هذه الجملة على أنتونيوني أو غودار فكلاهما لا ينظر إلى الأمور مثلما ينظر إليها بازوليني... الموضوع أولا عن عائلة فارهة تعيش حياتها ببزخ زائد،يطل عليها ضيف مجهول الهوية (سواء من حيث مكان قدومه أو حتى سبب وجوده ضمن هذه العائلة (.(Terence Stamp الكل سيصاب في حالة من الولع والحب الشديد لهذا الشاب،فالخادمة تهيم حبا به وتقوم معه بفعل جنسي،والابن ايضا التي قبل ان تقع بالفعل الجنسي مع هذا الشاب تتعرى وتنظر إلى ملابسها(Silvana Manganoومن ثم يأتي الأم ( بدهشة...هي تكتشف حاجاتها الجنسية التي ستصل بها إلى حدود غير مقبولة... هذه الأم تتحدث إلى الشاب وتوحي إليه بأنها لاتستمع بأي شيء...لم يسيق لها أن استمتعت بأي شيء...تشرح الملل والفراغ اللذان تعيش فيهما... ويعود بنا بازوليني إلى مشهد الصحراء بين فترة وأخرى...ولكن وكأن بازوليني يدعي خلق الدليل... السرد غرائبي في سيناريو متقشف جدا بالكلام،وهدوء غير مسبوق أبدا في أفلام بازوليني،ولكن السرد مع هذه العناصر يسير طبيعيا متوافقا جدا مع القصة الغامضة وطبعا وسوف يكون الفعل الجنسي مع الابنة ايضا... (هل الفيلم عبارة عن تشريح انتقادي خفي وغامض للحياة برمتها....) سيغادر هذا الشاب مثلما حضر(دون سبب ودون أن يترك أي اثر) ومغادرته طبعا سوف تسبب اكتشاف حقيقي للذات من قبل الجميع في نقاط حاسمة تتعلق بشخصية الفرد،وهنا يتسلح بازوليني بالانتقاد الطبقي الاجتماعي بعد أن واجهنا معه(وفقا لفهمنا الخاص) فكرة ضياع الانسان... (الضياع عند بازوليني هو ضياع مجرد يتعلق بالخليقة...يتعلق بأن الانسان أنزل على هذا الكون دون هداية،فاصبح يتصرف تصرفات-هي تلقائية أولا وأخيرا-تعكس الغريزة بأولوياتها،وقادته طبعا للدمار... اخلاقيات تشكل مفهوم فرويدي للحياة(هم الانسان الوحيد أن لا يكون تعيسا) وهذا مختلف تماما عن ضياع الانسان عند أنتونيوني... إذا الخادمة سوف تصاب بالجنون،وسنكتشف بأنها في الأساس قديسة وسترتفع في السماء على شاكلة أصحاب الكرامات،تعود إلى اقسى أنواع الطعام البدائي وتجلس لفترة طويلة في العراء من دون أن تتحرك...حتى تدفن نفسها حية وهي تقول:أنا أخشى بأني لم أقدم هنا لكي أموت بل لكي ابكي...دموعي ليست دموع ألم ابدا...أنها قادمة من مصدر الذي من غير الممكن أبدأ أن يكون مصدرا للألم... من باب المفارقة أن نقول أن هذا الفيلم عن المسيح أيضا،ففي مهرجان فينيسيا حصل على الجائزة الكاثوليكية الدولية،ولكن هذه النظرية لم تكن هي السائدة في الفاتيكان والتي هاجمت الجائزة بشكل رسمي،ولم يكن رأي المحاكم الايطالية ايضا التي حولت بازوليني ومنتجه بتهمة الفحش،ولكن بازوليني فاز مرة اخرى بهذه القضية... علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما قبل الحديث عن هذه الاكتشافات...(بعد هذه الجردة مع النفس لكل شخصية): هل كان الفعل الجنسي هو السبب في هذه التحولات...أم الشاب نفسه الفعل الجنسي قد يكون هو السبب...قد يكون السبب بالشعور بالندم من قبل الخادمة واكتشاف الأنا الحقيقية... إذا نكتفي بالقول أن هذا الدليل والمرشد كانت أدواته جنسية،وهي نظرية –إن كانت صحيحة-فهي لاتخلو من الفحش أبدا،علما أن توريما برمته يشير إلى نظرية رياضية أو حتى قضية منطقية... الابن يختل ايمانه بالفن،فيتجه إلى لوحات تجريدية غير مفهومة،والأم وصلت إلى الاذلال لكي تلبي رغباتها الجنسية،ويعود بازوليني أثناء مشاهد المضاجعة إلى الصحراء...تبدو كل شخصيات الفيلم تائهة في فراغ غير مفهوم؟! بمجرد أن تنتهي الام من شاب،تلتقط شابا آخر،وهنا نستطيع تفسير الكناية عن لباسها التي خلعته ونظرت إليه باستغراب(هي مريضة بداء الجسد).... ثم تختفي في كنيسة على شارع جانبي تقريبا في مكان مهجور بازوليني يريد الوحدة المطلقة لكل الشخصيات...الوحدة المطلقة هي مفتاح لفهم الفيلم(التوهان/الغثيان/الفراغ) ومن ثم الكنايات الدينية مفتاح آخر قلنا قبل ذلك وفي مكان آخر أن بازوليني يهدم العائلة الصغيرة ولكننا نقول الآن أن هذه العائلة عبارة عن تشكيل اجتماعي مقصود وعام بالنسبة لبازوليني ومرفوض في نفس الوقت،واساسه كبداية هو عند الطبقة البرجوازية... شوارع فارغة تماما...تمثال يقف في الاعلى للمسيح مادا زراعيه الاثنين...الفيلم محمل بالهم الديني أكثر من الهم الطبقي أو السياسي... البنت تصاب بحالة من الهلع،من السكون المفاجئ والامتناع عن الطعام،وهذا تعبير عن اكتشاف وجودي،والتعبير بالنسبة إلى الأب عن هذا الاكتشاف الوجوي في حالة أقرب من للجنون...يخلع ملابسه في مكان عام...يمشي حتى يصل إلى صحراء مقفرة ويهم بالصراخ... هذا الفيلم يثبت فعليا أن بازوليني هو فعلا من اكثر المخرجين تقلبا في الاسلوب،وهذا شيء محسوب لبازوليني ولكن هذا لاينفي أبدا أن نَفَس الفكرة موجود في كل مرحلة من مراحله وكان يعود احيانا إلى نفس الفكرة بين فترة واخرى. الشيء الفعلي المفقود في الفيلم هو النموذج المطروح لشيء اسمه انهيار اجتماعي،والذي من الممكن أن يغض الطرف عن هذا ان الفيلم من الممكن أن يحسب ككناية عن وحدة الانسان وعزلته والذنب الالهي في ذلك،على أن هذا لا يختصر عند بازوليني بجرة قلم واحدة.... بلال سمير الصدّر 14/2/2013
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مانوخوليا 2011 لارسن فون تراير:الحياة ليست ضمن مسارها الطبيع
...
-
1963 RO GO PA G بازوليني صنع فضيحة من فيلم متدني المستوى الف
...
-
عقدة اوديب 1967(بيير باولو بازولييني): البداية الابداعية الس
...
-
يوميات قس قي الارياف 1951(روبرت بيرسون): هل على الانسان اليأ
...
-
ماما روما 1962:التزام بازوليني بقواعد في لعبة لم يتقنها بحذا
...
-
فيلم الخريج للمخرج البريطاني ميك نيكولاس:التبشير بسينما طليع
...
-
الحياة المزدوجة لفرونيكا 1991(كريستوف كيسلوفسكي):من هي فيرون
...
-
كيسلوفسكي وتأكيد الحالة الذهنية:فيلم قصير حول الحب
-
أكاتوني 1959(بيير باولو بازوليني):عن بازوليني و تصوير قسوة ا
...
-
الخطايا العشرة(كريستوف كيسلوفسكي) 1988: كيسلوفسكي يضع الحقائ
...
-
الصدف العمياء 1987(كريستوف كيسلوفسكي):نزعة قوية لسمات مخرج ك
...
-
هروب محكوم بالاعدام 1956 للعملاق روبرت بيرسون: هنا تحت الاحت
...
-
المال 1983(روبير بيرسون): ...(السينما التي يمارسها بيرسون مج
...
-
الأم والعاهرة 1973(جين يوستاش):عن شخصيات تعيش الفراغ الشديد,
...
-
لانهاية 1985(كريستوف كيسلوفسكي):قصة يرويها رجل ميت
-
الهاوي 1979:كريستوف كيسلوفسكي: التعلق بسينما وثائقية ذات معط
...
-
الندبة 1976(كريستوف كيسلوفسكي):شاب سينمائي حقيقي لازال متعلق
...
-
تعريف امرأة1982(مايكل أنجلو أنتونيوني): القضية الوجودية الحق
...
-
نقطة زابرسكي1970(مايكل أنجلو أنتونيوني): مغامرة تختلف عن الم
...
-
قتلة بالفطرة 1995(اوليفر ستون):عن مجنونان بريئان من الجنون ل
...
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|