|
التطرف من زاوية جديدة
أريج النبواني
الحوار المتمدن-العدد: 4269 - 2013 / 11 / 8 - 01:30
المحور:
الادب والفن
نحن حين نقف على حافة الموت ، لا نخاف الريح أن تقذفنا. بل نخشى من توق أرواحنا المتعبة للموت أن يغلب غريزة البقاء. كما تحلل بعض الاتجاهات السيكولوجية فطرة الخوف من الأماكن العالية على أنها انعكاس لميولات انتحارية موروثة في الطبيعة البشرية و على عكس تفسيرات الخوف المكتسب من السقوط و الذي تولده تجارب التطور الطبيعي للجنس البشري ، فإن مفهوم الابتعاد الغريزي عن حواف المباني ما هو إلا اعتراف ضمني بتشوق الإنسان للموت المجهول و الذي خلق ليكون نهاية طبيعية للحياة ، فأصبح الموت غايتها الأولى رداً على جموح الفضول. إذا أسقطنا هذا المفهوم على إيماناتنا الأخرى و التي لا تقل خطورة عن الموت ، كالإيمان المتداول بصيغته الدينية ، فإننا سنجد أن أي تطرف ديني هو فطرياً غاية المسيرة الدينية الفردية و الجماعية. لذلك فاحتراف البعض لمهاجمة الأصولية و التطرف الديني إلى حد مهاجمة وجودية الدين ما هي إلا نفي ضمني لوجود رادع إنساني داخلنا يوقفنا عند حدود الإنسانية بمفهومها الواسع ، يفصل بيننا و بين التطرف الذي هو بطبيعته فعل و فكر لا حدود له. هنا تأتي خطورة الوصاية الدينية التي تتبنى تصحيح مسار البشرية الذي نصوره يومياً بسوداوية نابعة من الخوف أيضاً. السؤال هنا : متى تحول الدين في قراءاتنا و شعاراتنا إلى غول يتطلب من عقولنا المدرية على النجاة و البقاء أن تهرب بنا إلى التقوقع في دائرة خوف محلية الصنع ؟ و هل هذا الخوف حالة فردية اعتلالية أم أنه أصبح منظومة ممنهجة تنطبق على البشر بشكل تيار فكري يستمد وجوده من حجج واقعية بالمظهر و لاهوتية بل و خيالية في المضمون كالفتاوى و ما آلت إليه من شعبية أعطتها مصداقية فضفاضة، بل و جعلت منها تخصصاً تجارياً على أقل تعديل ؟ و هل أصبحت " العلمانية " مركب من لا مركب له حتى نكاد لا نسمع أي منشور أو نقرأ أية خاطرة هاوٍ في محاور التواصل الاجتماعي تخلو من هذا الاصطلاح ؟ لقد تعدى البعض إلى تجاوز المعنى المجرد للكلمة و جعل يتبناها كبديل عن الملاذ الديني الذي بطل سوقه و نجح الواقع الإعلامي الحديث في صبغه بصبغة تقل إثارة عن حاجة البعض للتمرد و التميز و التجديد. أستحضر قطعاً إخبارية بدأت ترمز إلى الإرهاب بأنه إرهاب الزحف الديني إلى الوصاية و العقلية التكفيرية مخصّة الإسلام بحصة الأسد طبعاً و مغذية هذا الافتراض بشواهد ليست غائبة عن أذهاننا من التاريخ الحديث ، و الأدهى أن الردود عليها لم تكن تنفيها أبداً ، بل كانت تؤكد الماهية المفترضة لشعب أضخم عدداً من اتساع دائرة تعريفية واحدة. فوللأسف، البعض تعدى حدود الرأي الحر ليتنبأ بولادة جيل من المرضى المشوهي النفسية تحت الحكم الإسلامي و نسي أن يسمي هذا الحكم بالإسلام السياسي، الأمر الذي يزحف إلى لغة الإعلام شيئاً فشيئاً ليوثق جزءاً من سياسة الإرهاب العالمية و التي تعادي الفكر البشري جملة و تفصيلاً. لا بد هنا أن نعترف أن الدين قديم قدم الإنسان لا لأن الإنسان خلق من آدم و حواء و بقية قصة الخلق الجذابة أدبياً ، و لا لأن الله اعتمد الإنسان خليفة على كوكب الأرض ، و لا لأن كتاب التاريخ و الدين و أمي و جدتي قالت ذلك ، بل لأن الدين جزء من مسيرة الإنسان الفكرية و صعوده سلم التطور الحيوي الدارويني الذي يتوهم بعضنا تنافيه مع مفاهيم الدين القاضية بوجود الخالق. على العكس ، نظرية التطور تعترف بارتقاء الإنسان من ذهنية الصراع من أجل البقاء إلى تفرده بذهنية تحليلية مكنته من اعتلاء رأس الهرم الحيوي بلا منازع ، و ليس الدين إلا منتج ثانوي لتوفر تلك الذهنية . إذاً فمتلازمة الرعب المصطنع من التطرف تشبه في كثير من جوانبها إي خلل عضوي يتسبب في اهتزاز ثقة الكائن البشري بكينونته الإنسانية و إحساسه بفقدانه السيطرة على الوجهة التي تأخذه إليها هذه الطبيعة البشرية . هنا لا بد من الإشارة أن لدي عتباً مضمراً على كل المنظومات التعليمية في العالم الحديث ، و التي إن أعارت اهتماماً للطبيعة البشرية فهو اهتمام منقوص و يرتكز على مبدأ المراقبة السلوكية و تحليل الظواهر لا على التجربة و استثمار الوفرة العددية للبشر . أي أن الطلاب ، و حتى هؤلاء الحاصلين على شهادات الدكتوراة في كثير من العلوم ، قلما يتعرضون لسؤال أنفسهم عن طبيعتهم البشرية. لماذا ؟ لماذا و هذه الطبيعة هي الشيء الوحيد المطلق الذي يرافقنا في اختلافات الزمان و المكان ؟ لماذا و هذه الطبيعة هي التي أعطتنا صفة التعلم أصلاً ؟ فهي المصدر و الشرط اللازم و الكافي لوجود التعليم و المؤسسات التعليمية التي ترد الجميل بإشاحة النظر . هل يعقل أن العالم يعرف عن منظومة عمل الحاسوب ، خصائص العناصر الكيميائية ، علاقات الدول المكونة أصلاً من البشر ، و حتى عادات الجراثيم التي تزورنا مرة في حياتنا أضعاف ما يعرف عن طريقة عمل الدماغ البشري أو ثوابت الطبيعة البشرية المعقدة ؟ حين أذكر الشذوذ الإنساني نحو حدود فكرية أياً كانت ماهيتها ، لا أخص اليمين الفكري فقط ، خاصة بعد أخذه حصته من الإعلام ، فالمغالاة في اليسارية لا يقل جهلاً و شوفينية عمياء عن مقابلته خاصةً بعد الدعوات المتلاحقة للانحلال و إعادة تنظيم المجتمع الشرقي ضمن قشور غربية مستعارة. فالتطرف بكونه انزلاقاً نحو اتجاه لا يعترف بتعقيد الفكر البشري و حاجته إلى الاعتدال و التنوع ، يحتاج لمجرد وجوده إلى قطبين يحددان هويته و مساحة وجوده هذا . القطبان اللذان لا يملأا ولو جزءاً مرئياً من الحقيقة المتعددة الأوجه و الشاملة لأطياف رمادية لا تعد و لا تحصى. التطرف بكونه شداً للحبال الإنسانية ضد طبيعتها المتوازنة و التواقة للتوازن حين فقده لا بد أن يولد شداً معاكساً يلغيه و يبرد من طغيانه على حياة الشعوب، فهو سيولد نهايته و الاثنان سيقتتلان حتى الوصول إلى توازن ما.
#أريج_النبواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية: قصة الخادمة. مارغريت آتوود
-
الاختفاء
-
استقالة
المزيد.....
-
الحكومة الأوكرانية تلزم ضباط الجيش والمخابرات بالتحدث باللغة
...
-
تناغمٌ بدائيٌّ بوحشيتِه
-
روائية -تقسيم الهند- البريطانية.. وفاة الكاتبة الباكستانية ب
...
-
-مهرج قتل نصف الشعب-.. غضب وسخرية واسعة بعد ظهور جونسون في
...
-
الجزائر تعلن العفو عن 2471 محبوسا بينهم فنانات
-
أفلام كوميدية تستحق المشاهدة قبل نهاية 2024
-
-صُنع في السعودية-.. أحلام تروج لألبومها الجديد وتدعم نوال
-
فنان مصري يرحب بتقديم شخصية الجولاني.. ويعترف بانضمامه للإخو
...
-
منها لوحة -شيطانية- للملك تشارلز.. إليك أعمال ومواقف هزّت عا
...
-
لافروف: 25 دولة تعرب عن اهتمامها بالمشاركة في مسابقة -إنترفي
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|