سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 12:01
المحور:
الادب والفن
في إحدى الليالي الموحشة كنت أحرث في تضاريس الغياب والمدارات، مثل إرتحالات طيور الاهوار حين تهاجر بعيداً وتحلق في زرقة السماء وترسم في الفضاء لوعتها الى الاعشاش النائمة بين قصب البردي وهي تبحث عن سماوات أخرى وضفاف أخرى .أو مثل يرقات الضوء حين تنعتق من خلية الشمس.
فكانت تترآى لي أفقاً بعيداً من وراء نوافذ ذاكرة الطفولة وأنا أحاول أن أعيد صدى مرور
قوافل الابل المحملة بالحنطة والشعير والقادمة من القرى الى المدينة والمفعمة بروائح العوسج والرمال
فيعلو رغاء الابل مع رطين الجمالين .
....
كنا حينها مجاميع من الصبيان ننتظر لدى بوابة المدينة قدوم القافلة كي نتعقبها وصراخنا يتعالى بنزق ونحن نتربص ونتسابق لارتشاف حليب النوق من فوق آثار خف الابل، فنضع البنصر على الاثر ونمتص الحليب الوهمي من ابهاهمنا. وكآن للحليب طعم يبقى مذاقه طيباً وعالقاً في أفواهنا طول اليوم.
ثم يستفيق بنا نزق أخر حين تمر االباصات الخشبية وهي تتجنب
الابل رصيف قافلة
نحو حافة الشارع الاخر.
فنتوقف حينها عن ملاحقة قافلة الابل
كي نطلق العنان الى أقدامنا الحافية الصغيرة نحو الباصات الخشبية حتى نلحق بها ثم نتسلق العتبات الخلفية بحذر وفرح ونحن نتقرفص بخفيّة كي نتجنب إنتباه السائق لوجودنا، وكآننا نتشاطر فرح التحليق فوق أعمدة الكهرباء وقباب الجوامع مثل عصافير المدينة. وبعد الرحلة حول المدينة
كان يقفز أغلبنا الى الارض أثناء تباطؤ سرعة الباص أمام مطبات الطرق ويبقى الكبار المشاكسون وهم يعتلوا سقف الباص متباهين بمغامراتهم ..
أو يرحلون خارج المدينة كي يختبئون على جانبيّ الشارع العام مثل قطاع الطرق وهم ينتظرون قدوم الشاحنات الكبيرة المحملة برقي سامراء والكوت والقادمة جنوباً الى الناصرية أو البصرة .. وبمهارة وجرأة يتسلق أحد الصبيان وأحياناً يكون له مساعد مؤخرة الشاحنة ثم ينطا فوق أكوام الرقي. وسرعان مايلقي الصبيان ببعض الرقي بسرعة وحذر الى أصحابهم الذين يتعقبون الشاحنة.
وبعد رحلات المغامرات اليومية يعود الصبيان الى بيوتهم بملابسهم المتسخة والممزقة بعد أن فقد اغلبهم أزرار دشاديشهم وقمصانهم.
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟