|
ما الأدب؟
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 02:21
المحور:
الادب والفن
ما الأدب؟ تأتي دراسة الصديق خورشيد شوزي، والتي عنونها ب" الأدب عبر التاريخ" كباكورة لمؤلفاته التي شاء أن يدفعها إلى المطبعة، قبل ما أنجزه من كتب أخرى، من قبل، وأعرف ذلك، من خلال اطلاعي على تجربته، منذ أن دخلت في طور النشر، والتواصل مع متلقيه، وقد فاجأني المؤلف- حقاً- بالمستوى الذي أحرزه، لاسيما أنني على علم أنه ومنذ بضع سنوات- في أقل تقدير- اشتغل في هذا المجال الذي استهواه، وهو مغامرة وضع الأدب تحت المجهر النقدي، ليس لمعرفة كنهه، وماهيته، ومواده الأولية، وهي مهمة سواه، أو مهمته في خارج حدود هذا الكتاب، ولا لمعرفة ظروف نشأته وتحديد انطلاقته، ولا للوقوف عند الأشكال الأدبية التي ظهرت على امتداد تاريخ الأمم والشعوب، وليس لمعرفة وظيفة الأدب، كرديف، ونتاج لحالة الوعي الإنساني، بل من أجل كل ذلك معاً-كما يخيل إلي الآن- وأنا أتنطع لكتابة هذه التقدمة المتواضعة لكتابه الذي قرأت فصوله، واحداً تلو الآخر، كي يعيدني إلى الوراء: تارة إلى مضامين تلك الكتب التي مررت بها في إلماحة أو تأن، إما في إطار نشأة الأدب، وبعض تفاصيلها، من العناوين الأولى للكتب الأدبية التي وصلتنا، مدونة، خارج إطار الشفاهية - وهي أحد أنواعها أيضاً- وإن كنا سنجد أمات الكتب، أو الإبداعات، ضلت طريقها إلينا، بعد أن أنجزها مبدعوها. والإجابة عن سؤال من قبيل: ما الأدب؟، هو أحد الأسئلة الأكثر إشكالاً، وذلك ليس لأن أنواعه، وأشكاله، متشعبة، وإنما لأن عالم الأدب شاسع، هائل، لا يمكن الإحاطة به، حتى في حدود ذلك المدون منه، فلدى كل أمة، وشعب، الكثيرون من الأدباء الذين اشتغلوا في مجالات الأدب -عامة- وإننا-ضمن هذا التوصيف- لأحوج- إلى بيبلوغرافيا لدى هاتيك الأمم والشعوب، كل منها على حدة- إذ أن طرح سؤال من قبيل: ما الأدب الإنكليزي؟، أو ما الأدب الفرنسي؟، أو ما الأدب الروسي؟، أو ما الأدب الأمريكي؟، أو ما الأدب الإفريقي؟، أو ما الأدب اللاتيني؟، أو ما الأدب العربي؟، أو ما الأدب الفارسي؟، أو ما الأدب الكردي؟، أو ما الأدب الآشوري؟، أو ما الأدب التركي؟...إلخ، إن التوقف عند خصوصية كل أدب من آداب هذه الشعوب وحدها، إنما هو محفوف بالمصاعب الجمة، في ما إذا كانت تفاصيل لوحة هذا الأدب، واضحة المعالم. وإذا كانت كلمة الأدب التي أصطلح عليها، في اللغة العربية تعني بالإنكليزية و تعني بالفرنسية، فإن هذا المصطلح في العربية حديث العهد، لأن الكلمة قد انزاحت عن جذر الفعل الثلاثي:" أ-د-ب" فإن الأدب- كمصطلح-عام، بات يتناول أنواعاً إبداعية عدة، تتوزع بين الشعر والسرد، في آن معاً، حيث يعد الشعر أدباً، كما تعد المسرحية أدباً-رغم الاختلاف على ذلك من قبل بعضهم- كما تعد القصة أدباً، وتعد الرواية أدباً، ناهيك عن أن هناك المقال الأدبي الذي طالما كتبه، ويكتبه بعض الأدباء، ويدخل في إطار الأدب نفسه، ما استجد، أو يستجد من أشكال أدبية، محدثة، تندرج بين أحد أقنوم النثر والشعر، وبهذا المعنى، فإن النص المفتوح الذي قد يتزاوج فيه كلا هذين الفنين الكتابين، لينتمي- هو الآخر-في صمم الأدب، مادام أن أداة عمارته اللغة، إلى جانب سواه من شروط الكتابة الإبداعية، بل إن ثورة الاتصالات التي نشهدها الآن، من شأنها، أن توجد أشكالاً أدبية أخرى، لاسيما أننا أمام عقود زواج شرعية، ولا شرعية بين أنواع إبداعية مختلفة، كما هو الحال مع استفادة الشعر من السينما، أو التشكيل إلخ، وهو أحد موضوعات النقد الحديث....! والحديث عن نشأة الأدب- كمجرد ملمح في فضاء هذا السفر- يواجه تحديات شتى، ضمن إطار عام الأدب الواحد للشعب الواحد، وعلى سبيل المثال، فإن النص الأول في اللغة الواحدة، قد يكون امتصاصاً لنصوص سابقة عليه، غير مدونة لحظة البدء، لأنه من المحال تحديد- من هو الأديب الأول الذي كتب النص الأدبي الأول لدى هذا الشعب أو ذاك- حتى ولو كان واحداً مثل شكسبير يعد أبا الأدب الإنكليزي، أو حتى لو كان مؤلف إحدى الملاحم الكبرى، محدد الاسم، والولادة، والبيئة، والفضاء الزمكاني، لأن الأسئلة الكثيرة التي تولد مثل: هل ألف هذا النص مؤلف واحد؟، وهل لمن نسب إليه النص من علاقة به حقاً؟- وهنا نتحدث عن نصوص ما قبل التدوين- بل و هل أن هذا السفر الإبداعي، خاص، بهذا الشعب الذي نسب إليه، على أنه مؤلفه منتم إليه، لاسيما وأن هناك روائع أدبية خالدة، نسبت إلى شعب معين، بيد أن هناك وقائع تدل على أنها لشعب آخر، كما حال ملحمة"خجي وسيامند"، حيث أن آداب الأمم تداخلت مع بعضها بعضاً، وما أكثر ذلك النص الذي يعد- في المقابل- نتاج تفاعل بين وجدان أكثر من شعب، وليس أكثر من مؤلف فحسب...! طبيعي، أن الأدب هو في تعريفه الأكثر شيوعاً، وقبولاً به، إبداع فردي، من قبل أحد المبدعين، وأن له شروطه، وتكاد شروط النص الواحد تتقارب على نحو كوني، وذلك بفضل انتشار الترجمة، وإن كنا سنجد أن الرواية اليابانية تختلف عن رواية أمريكا اللاتينية، وأن للشعر العربي بعض خصائصه، نتيجة طبيعته، بما يجعله مختلفاً-مثلاً- عن الشعر الإسباني، وإن كنا نجد في قنوات التواصل بين الشعوب: التجارة- الهجرة- الحروب- الأديان، ما كان يسهم في التلاقح بين آداب الأمم والشعوب، ما جعل مهمة الأدب المقارن واسعة النطاق، وهو يتابع نقاط الالتقاء بين هذا الأدب وغيره، بل وهو يبين سطوة أدب ما على ما سواه. ما يقدمه الصديق شوزي، في حدود مؤلفه-هذا- هو عبارة عن جولة بعيني باحث وأديب على عدد من الآداب، من خلال قراءته إما لبعض ما وقع بن يديه من الأعمال والأسفار الأدبية الكبرى، أو من خلال اطلاعه على بعض الدراسات التي وضعت بعدد من اللغات، إما عن طريق اللغة العربية، أو بعد أن ترجمت إليها، ناهيك عن تلك النصوص والدراسات المكتوبة عن الأدب الكردي- إما عبر هذه اللغة الأم، لغة أديبنا، أو بوساطة اللغة العربية ذاتها- التي يكتب بها دراسته، هذه الدراسة التي تغني القارئ الكريم عن قراءة الكثير من الدراسات النقدية والمقارنية، في حدود نصوص وإبداعات عدد من شعوب العالم. يسجل لهذا الكتاب أنه يضع بين يدي القارئ بوصلة من نوع مدهش، جذاب، ليدله على مجرد نقاط مهمة، من فضاء هائل، حيث أن كل نقطة من هاتيك النقاط، إنما تنتمي لهطل الأدب الذي بات يغذي أرواحنا، ويضيئها، وهو يتحول إلى نسغ يومي، نواجه به الكثير من القبح الذي يحيط بنا، في عالم يتم السعي لخلخلة أطراف معادلته، عبر الحروب، ولغة القتل، والفساد. إنه محاولة لاستفزاز من يشاركه المغامرة الممتعة، وإن كان كل فصل من الفصول التي توقف عندها-وهي غيض من فيض- من الممكن أن يتحول إلى مجلدات هائلة، كما أشرت إليه، في ما يخص الأدب الكردي، الغريب إلى حد ما عن شريكه المكاني، قارئ العربية، كما سواه من شركاء الخريطة في المنطقة، والعالم، إذ يقدم – وربما من موقع المحايد المستعرض إلى حد ما- لتفاصيل ملامح هذا الأدب أو ذاك، كي يحيلنا إلى المتون، والأصول، التي لا غنى عنها البتة.
*مقدمة كتاب"الأدب عبرالتاريخ"-خورشيد شوزي- تحت الطبع
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشعل التمو: بورترية أول
-
البُعد الرابع
-
لماذا التراث؟
-
عاصمة الياسمين
-
-استعادة طه حسين:
-
ثقافة الخلاص
-
استنساخ -سانشو-
-
مختبرات دهام حسن للتحليل النفسي
-
جحيم الثقافي فردوس السياسي
-
ملحمة النسر
-
سلالم النفس
-
التاريخ..1
-
صناعة الألم:
-
موت الذاكرة
-
-دائرة الطباشيرالقوقازية-
-
حبكة القص حبكة الواقع
-
جيل الاغتراب الأكبر.........!
-
الطفل الذي قدم أدوات قصته:
-
كرد ستريت ترصد آراء المثقفين والسياسيين الكرد حول انضمام الم
...
-
أطفالنا والحرب: من يوميات أيان
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|