|
جنود من بطيخ !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3 - 06:32
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في مشهد الأحداث الجارية في العراق الآن يختلط الحدث المفجع ، التراجيدي ، بالحدث المضحك ، الكوميدي ، حتى يُخيل للناس قريبهم ، وبعيدهم أن مخرج تلك الأحداث أصيب بهوس ما بعده هوس ، وجنون لم يدانَ بجنون ، فرغم أن الموت في صوره المفزعة قد عرفته شوارع ، وبيوت العراق على مختلف تلك الصور التي كان من أبرزها صورة الموت بالسيارات الملغمة التي أباح بها الارهابيون دماء العراقيين رجالا ونساء ، صغارا وكبارا ، وتلك ، لعمري ، صورة واحدة من صور عديدة حصدت أرواحا كثيرة . لقد كان العراقيون القدامى والمعاصرون ، وعلى امتداد تاريخهم المثقل بالقتل ، قد شهدوا صورا مبتكرة للموت في كل عصر من العصور التاريخية التي مرت عليهم ، فالقدامى منهم قد شهدوا كيف شُد الحسن الأعسم ، أحد أشهر قادة القرامطة ، على خشبة مسرح في بغداد ، ومن ثم قام جند الخليفة بتقريض جسده بمقاريض أعدت لهذا الغرض من قبل ، مثلما شهد الحاضرون منهم كيف رمى صدام ضحاياه أحياء للكلاب الجائعة ، لتلتهمهم خلال ثوان . وفي اتساق طرق الموت المبتكرة هذه قتلت جعدة بنت الاشعث بن قيس زوجها ، وخليفة المسلمين بعد استشهاد أبيه ، الامام الحسن بن علي ، وذلك حين جندت هذه المرة العسل بعد أن خلطته بسم زعاف ، قاتل ، وباتفاق مع خليفة المسلمين ، معاوية بن أبي سفيان فيما بعد ، ذاك الاتفاق الذي أبرمه بخسة ارستقراطيو الكوفة ، وأغنياؤها الذين كانوا يتخذون من المال دينا على عادة عباد المال في كل زمان ومكان . لقد تضمن اتفاق الموت المبتكر هذا أن تكون جعدة بنت الأشعث زوجة ليزيد بن معاوية بعد قتلها لزوجها الحسن ، مع مبلغ كبير من المال اختلف الرواة في عده ومقداره تسلمته من معاوية نقدا ، مثلما تسلم قبلها أغنياء الكوفة من أمثال : عمروبن خريث ، والاشعث بن قيس ، وحجار بن ابجر ، وشبث بن ربعي ، أموالا طائلة منه ، ليخذلوا قائدهم الامام الحسن ، وهم وجوه معروفة في جيشيه الذي كان يتهيأ لملاقاة جيش معاوية ، ورغم خذلانهم الكبير هذا للحسن ، لكنهم ومعاوية ما ارتضوا إلا بقتله رغم قبوله بالصلح ، وذلك بطريقة موت مستحدثة عبر عنها خليفة المسلمين ، معاوية بن أبي سفيان ، مشركا الله في ارتكابها معهم ، وذلك حين علق بعد أن بلغه خبر قتل الامام الحسن بقوله : إن لله جنودا من عسل ! واليوم يتفنن الارهابيون في العراق في ابتكار العديد من طرق الموت هذه ، وعلى هدى من السلف الصالح ! ولا ينسى كل طرف من أطراف الحرب الدائرة فيه أن يشرك الله البريء منهم جميعا معه في تلك الحرب الضروس التي أستخدمت فيها أحط الوسائل وأقذرها . لقد جند ارهابيو اليوم في حربهم تلك صنوفا من السيارات التي صنعت لخدمة الانسان ، وليس لموته ، مثلما جندوا الحيوان البريء الذي لا ذنب ، ولا مصلحة له في حرب تدور بين وحوش البشر ، فكم من مرة حملت فيها الاخبار الينا تفخيخ حمار لا يعلم أنه يحمل موتا له ، وللآخرين على ظهره ، ينفجر حسبما يريد بنو آدم ، وحينما يقررون ذلك ، ومثلما أخذت الحمير نصيبها من تلك الحرب ، كان للكلاب نصيب هي الأخرى من هذا الموت المبتكر ، فقد تفجر منها في طرقات العراق أكثر من كلب ، تماما مثلما تفجر أكثر من حمار ، وأكثر من انسان ، وأكثر من سيارة ، وإذا كان الانسان يسير بخطاه الى الموت في هذه الحرب القذرة مقتنعا ، فما ذنب بهيمة تموت دونما قناعة منها ، وأمام أنظار جمعيات الدفاع عن حقوق الانسان والحيوان على حد سواء ! ؟ وعلى هذا المنوال لم ينقطع سيل الدماء في عراق العهد الأمريكي ، مثلما لم تنقطع براعات اختراع الموت فيه ، فقد حملت حقيبة الاخبار في اليومين الماضين من هناك هذا الخبر الظريف ، الكريه ، المضحك ، المبكي في آن واحد ، إذ يقول في عنوانه ، ونصه ما يأتي : وفاة جندي عراقي إثر توزيع مجهول لبطيخ مسموم على الجنود . ( أعلنت الشرطة العراقية اليوم وفاة جندي عراقي وادخال تسعة اخرين إلى المستشفى اثر حالة تسمم اصيبوا بها أمس بعد ما قام مجهول بتوزيع بطيخ تبين أنه كان مسموما على الجنود المتمركزين على ستة حواجز تابعة للجيش العراقي ممتدة من الشرقاط باتجاه الكيارة في مدينة الموصل شمال بغداد. ) وبذا يكون الانسان العراقي ، والجندي منه على وجه الخصوص ، قد عرف طرقا عديدة للموت ، لكنه ، والحق يقال ، لم يتبادر الى ذهنه أنه سيقتل في يوم من الايام بسلاح هو سلاح البطيخ ، تلك الفاكهة اللذيذة التي تستهوي القلوب قبل العيون ! من يستطيع أن يقدر أن نهايته تكون بقطعة قدت من جسد بطيخة تنشر أريجها ذات اليمن ، وذات الشمال ، قد قدمت له من عابر سبيل خبيث ، مجرم ، يستسهل الموت ، ويتهكم على الآخرين به ؟ ألم تكن هذه بلية من البلايا العديدة التي تنزل اليوم على الناس في العراق ، وأشرها ما يُضحك منها ؟ تلك البلايا التي تجسدت في أن يقسم نواب الشعب بقسم اليوم ، ليعود بعد يوم ليقسموا بقسم آخر ، أو أن يقوم رئيس الوزراء الجعفري اليوم بخط أمر ، وبقلمه الأحمر ، يتضمن اطلاق سراح السجناء الايرانيين في العراق بناء على طلب صادر من وزير الخارجية الايرانية الزائر ، مع علمه بأن الايرانيين هؤلاء قد ارتكبوا جرائم ، أقلها اجتياز حدود العراق من دون أذن من السلطات العراقية ، لكنه يعود بعد يوم ، ويلغي أمر الاطلاق ذاك ، وبقلمه الأحمر كذلك . ومن تلك البلايا التي تضحك بشرها هو أن يُعين رجل محافظا يحكم البصرة ، ويسكن ايران ! وأخيرأ أما يحق لكل واحد منا ، وبعد سماعه خبر بلية الموت بالبطيخ ، أن يستعير التعليق المتهكم لخليفة المسلمين ، معاوية بن أبي سفيان ، بعد ألف وخمسمئة سنة ، مشركا الله البريء فيه ، ليقول : إن لله جنودا من البطيخ ! ؟
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ويسألونك عن الزرقاوي !
-
حكومة دونما حكم ودولة دونما حدود !
-
حرب الأحزاب الطائفية بدأت في العراق !
-
الشيعة العرب هم الخاسرون !
-
إثنتان أرعبتا صداما وواحدة أرعبت صولاغا !
-
البعثية تهمة صارت تطارد عرب العراق سنة وشيعة !
-
حلفوا بقسم مزور !
-
العراق في العهد الأمريكي !
-
مواعيد صولاغ !
-
الحكومة البتراء !
-
الموت خبط عشواء !
-
الكربلائيون يتظاهرون ضد الهيمنة الايرانية !
-
نطقت عن اليمن وصمتت عن الأحواز !
-
هكذا تكلم رامسفيلد !
-
ملا رسول : المثيولوجيا والواقع !
-
دولة على ظهر حمار !
-
اللوبي الإيراني : اجتثاث البعث أم اجتثاث العرب ! ؟
-
الأعجميان وفوضى الحكم في العراق !
-
البصرة وضراط القاضي !
-
شيوعيون في ضريح الامام الحسين !
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|