|
النظام العالمي الجديد ومقاربة الصراع والسلام
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 12:44
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الصراع والسلام مفهومان متناقضان ومتنافران من مفاهيم السياسة الدولية لا يلتقيان الا في أطار مفهوم أمريكا بحربها ضد ما تسميه هي الحرب على الارهاب ,فالى أي مدى يمكن تصور اقرانهما مع بعضهما ليؤديا وظيفة واحدة؟ هذا السؤال الصعب الذي لا يمكن فهمه الا من خلال فهم تركيب بنيوية السياسة الامريكية وصياغاتها البراغماتية,في محوريها المحلي والدولي وتأثير استشعار القوة والاستجابة لهذه التاثيرات تحت مسميات حماية نمط الحياة الامريكية وأسلوب العيش الامريكي الذي يعني في النهاية رؤية أن تنتج القوة أسلوب أمريكا الحياتي على العالم ومن ضمنها أن تصاغ وان يعاد تشكيل الروابط الاجتماعية والفكرية والعقائدية لمجتمعاتنا وفق النمط الامريكي القائم على الحرية المطلقة لقوى المصالح في فرض شروطها ومناهجها على المجتمع دون السماح لاي محدد أخر بضمنها تعارض ذلك بمقومنا التاريخي الاعتقادي وهو الاسلام. إن التسليم بهذه الحيثية ونتائجها دون الالتفات الى استحالة تنفيذها على أرض الواقع تؤشر النقاط التالية المستمدة من خصائص التجارب التاريخية ومن ذاتيات المقدمات الصياغية لها وافتراضات إمكانية التطبيق وحتمية فشلها وهي: • ان التاريخ السياسي قد سجل فشل نماذج مماثلة من قبل اختطت لنفسها خطوط فكرية مشابهة وإنطلقت من نفس القواعد التي إنطلقت منه الرؤية الامريكية في الصياغات والاهداف والوسائل وأقربها تجربة الاستعمار البريطاني للكثير من المجتمعات والدول ابتداءً من الهند الى مصر مرورا بالكثير من البلدان وقبل ذلك الاحتلال البريطاني لامريكا نفسها,لاسيما اذا ما أضفنا لها سياسة فرنسة المجتمعات العربية والافريقية والاسيوية أبان فترات الاستعمار الغربي لها وما ألت اليه هذه السياسة من صراع ادى بالنتيجة الى تحطم الامبرطوريات الاستعمارية ومنها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس حتى اضحت منحصرة في بلادها الذي لا تكاد تشرق فيها الشمس حتى تغيب. • إن المحرضات على المقاومة في زمن الاستعمار الاوربي الغربي للبلدان الناشئة لا زالت حاضرة وبقوة في أن تفعل دورها في محاربة النظام العالمي الجديد الذي صاغته هذه المرة المصالح الامريكية الاقتصادية وأيدلوجيتها القائمة على الصراع مع اتساع قوة تأثيرها من خلال نفس القوة التي يستعملها النظام العالمي الجديد وهو مناخ العولمة وحرية انتقال الاعلام والمعلومة والافكار عبر ما يسمى الفضاء المفتوح وتيسر وسائل الاتصال والوصول الى مصادر الوعي الجمعي والجماعي بما فيها الرأي العام العالمي. • إتساع المؤر الشعبي العالمي من خلال منظمات المجتمع المدني وأثرها المباشر في صياغة مستقبلها بالسلاح الذي يطرحه النظام العالمي الجديد وهو الديمقراطية ونتائج الاحتكام الرسمي والمؤسساتي له في الكثير من البلدان وقد شهدت الكثير من المجتمعات رفض الكثير من مظاهر النظام العالمي تحت شعار الديمقراطية وفرض ارادة الشعوب بهذا السلاح كما حدث في أسبانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول التي رفضت المشاركة بالغزو بل واسقاط رموزه في بلدانها كما حدث في أسبانيا لصالح التوجهات الاقل تحمسا لنظام العالمي الجديد وهذا سلاح أخر يمكن به المساعدة على مقاومة دعاة الصراع من أجل السلام المبني على قوة المصالح لا على مصلحة القوى في تثبيت السلام,وهي نقطة جديرة بالاهتمام والتأمل. • إهمال النظام العالمي الجديد لمستحكمات التغير الطبيعي للمجتمعات وحصرها بالفرض المبني على القوى وتجنب النظر في موضوعية الدافع الشخصي الفاعل في إحداث التغير مما إفشل في افتراض تطبيقات تكتيكات النظام العالمي بما فيها فرض الديمقراطية في مجتمعات تفتقد الى المؤسساتية المطلوبة لنجاح التجربة الديمقراطيو والضغط باتجاه تكوين هذه المؤسسات الهشة والغير قادرة على اثبات وجوديتها والتصاقها بالمصالح الوطنية والقومية لشعوبها مما جعلها تعيش حالة الافتراق والضاد بين هذه المصالح ومتوجبات النظام العالمي الجديد فكانت هذه المؤسسات صورية غير فاعلة في قيادة المجتمع ورفضتها القوى الاجتماعية الحقيقية في بلدانها من خلال عدم الاعتراف بشرعيتها اصلا كما حدث في الانتخابات في افغانستان مرورا بالعراق ومصر النظام المشارك بجدية ومنغمس كليا في لعبة النظام الدولي الجديد عكس النموذج المقاوم الذي وجد تأيدا كاسحا له في حاضنته الطبيعية وبشهادة المراقبين الاوربين والامريكان وعلى رأسهم الرئيس الامريكي الاسبق كارتر وأقصد بذلك الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها حماس أو الانتخابات اللبنانية التي إكتسحت فيها المقاومة وقوى الممانعة المقاعد المخصصة لحاضنتها المفترضة بالرغم من التدخل الامريكي الفاضح بالضد منها. • لم يعد العالم محكوما بقوة القطب الواحد كما يتصور الكثيرين وخاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق بالرغم من تفرد أمريكا في صياغة العالم وفق شروطها وهذا مفهوم غير حقيقي وإن بدا للناظر كذلك ولكنه في حقيقته تشكل نظام دولي جديد في طور النشأة يكون فيه لمصالح الشعوب والامم الحية دورا هاما وحيويا ومؤثرا في تسير عجلة الحركة فيه مع نشوء قوى اقتصادية وعسكرية جديدة لها امكانيات التاثير في مفاصل عديدة من مفاصل السياسة الدولية منها الهند والبرازيل وجنوب افريقيا ودول مجموعة النمور الاسيوية اضافى الى تكامل مؤسسات الاتحاد الاوربي الذي سوف تلعب دورا اقليميا ودوليا موثر مع الصين وروسيا في الحد من التوجهات الامريكية لمرحلة ما بعد مرحلة الامبريالية الجديدة. • إزدياد الفهم وتنامي الوعي بحقية الاسلام كونه دين تسامح ومحبة مع إنكشاف الكثير من الحقائق التي بنت عليها السياسة الامريكية فرضيتها وسوقت تلك الفرضيات كمبرر للحرب منها مثلا ثبوت كذب الادعاءات بوجود أسلحة الدمار الشامل العراقية وارتباط نظام صدام حسين وعلاقته المفترضة مع القاعدة ووعي الشرائح الكثيرة بان السياسات الاسرائيلية والامريكية هي التي تشكل الخطر الاكبر على السلام العالمي وأفتضاح دوافع الاحتلال الامريكي بشقيه الديني العنصري وما عبره عن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن من ان حربه انما هي حرب صليبية جديدة وفي شقها السياسي من كون السيطرة على بترول الشرق الاوسط هو الهدف الحقيقي من وراء الغزو الامريكي للعراق وما يؤشر ذلك من التحكم باقتصاديات الدول الاوربية والاسيوية المشاركة أو الداعمة للغزو الامريكي لعراق وأفغانسان,أثر ذلك في صياغة رأي عام دولي نحو عزل النظام الدولي الجديد والتنبيه من مخاطره ليس على نطاق منطقتنا بل وحتى على المجتمعات الاوربية التي تصنف فكريا ايدلوجيا مع امريكا وسياستها القائمة على الهيمنة والتسلط بما يعزز من قوى الممانعة والمقاومة للمشروع الامريكي وأفشاله. • إن المقاربة الجبرية بين السلام والصراع تكشف عن العنصرية المتأصلة في الفكر الامريكي الذي أختزن وكبت عنصريته تجاه السود الامريكان ليجد لها متنفسا جديدا قادر على تسويقه وتوجيهه بصياغات عصرية تنزع عنها غطاء العنصرية الظاهر ولكن المتفحص المدقق يجدها واضحة للعيان سواء بالوعي التأملي الفكري أو من خلال الممارسة السلوكية الحية وهذه العنصرية الفكرية الايدلوجية محكوم عليها الافتضاح والانكشاف طالما وضعت الاسلام كهدف للمواجهة والمقابلة الضدية مع المصالح وقوتها الايدلوجية وهذا يعني إنكشاف مقولة صراع الحضارات لتتحول الى صراع ارادات من أجل الهيمنة وليس من أجل السلام وهذا ما يعطي للمجتمعات الاسلامية الدعم المادي والمعنوي من قوى السلام والمحبة في العالم بما في بعض القوى المسيحية العالمية التي تعمل من أجل السلام وشيوع قوة السلام مقابل قوة المصالح الاقتصادية وكارتلات المال والنفوذ الاقتصادي مما يعري النظام العالمي الجديد من الاخلاقيات التي نادى بها ويعمل تحت شعاراتها وهي الديمقراطية وحقوق الانسان. إن شعار الصراع من أجل السلام أو الحرب العالمية ضد الارهاب لم تسجل أي نجاح يذكر يعزز مصداقية الشعار أو يثبت نظريته القائمة على خلق عالم جديد تتحكم في الديمقراطية وحقوق الانسان ليس بسبب قلة الامكانيات أو قلة الدعم المادي والمعنوي له وليس بسبب قوة الارهاب واشتدا عزيمته ولكن الفشل متعلق بجوهرية وذاتية هذا النظام الذي قام أساسا على الخداع والمراوغة والتنقل بين الاهداف بعد إنكشاف الكثير من الشعارات العريضة التي رفعها ودعى اليها بعد أن هيأ الاسباب لها ووضع مساراته المسبقة بشريا وماديا وفكريا,وستشهد الاحداث القادمة الكثير من الخداع ومن العزلة التي يلاقيها المشروع ما بعد الامبريالية المسمى النظام الجديد وخاصة بعد الحرب الاسرائيلية على لبان وغزة وفشل المشروع الامريكي في فروض شروطه وإملائاته على قوى المقاومة من خلال القوة الاسرائلية العسكرية وألتها الحربية الضخمة ومن خلفها السياسة الامريكية بشقيها الدبلوماسي والاعلامي والدعم اللوجستي المباشر للكيان الصهيوني ومده بأسباب النجاح الى أقصى حد فما انجلى غبار الصراع الا ليكشف حقيقة الشعارات الامريكية في الديمقراطية وحقوق الانسا وحق الشعوب في تقرير المصير ويكشف هزيمة مدوية لمفهوم القوى وقدرتها على فرض شروطها أمام مقاومة حقيقية مرتبطة بواقعها وحاضنتها وتشهد انهزام ما يسمى بالفوضى الخلاقة لتحل محلها شعار التغيير وهو بحقيقته اعلان موت النظام العالمي الجديد وبخاصة إن شعار التغيير إنطلق من أمريكا حاملة راية النظام العالمي الجديد. إن الصراع الايديلوجي القائم على هدفية المصالح وقوة هذه المصالح الطامعة في ثورات الشعوب لن ولم تصنع سلاما على مر التاريخ ولا في المستقبل لانه يخالف الناموس التاريخي والحضاري الذي يقوم على مبدأ البقاء للاصلح حضاريا وللاصلح للسلام وإن فرضت القوة أحكام خاصة لكن هذه الاحكام سرعان ما تنهار أمام قوانين الحضارة ونواميس التاريخ ,وحتميته التي حسمت الصراعات لصالح الشعوب وقيم الحضارة السامية واعلنت تفكك هذه القوى الغاشمة التي دفعتها المصالح لهذه الفورة الانفعالية فأرتدت على أصحابها بالضد ففككت تلك القوى وحشرته في زوايا الضعف والتمزق والنسيان وليسأل المحافظون الجدد في أمريكا اساتذتهم في جامعات العالم وخاصة في بريطانيا وفرنسا وأسبانيا واليابان عن مصير تلك القوى التي تقاسمت النفوذ على العالم من قبل وأين غابت شموسها وكفى بذلك درسا بليغا للداعين للنظام العالمي الجديد.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرق بين مفهوم القوة والقدرة
-
أثبات ونفي الموت
-
الانضباط والإنضباطية في الفكر الإسلامي الأصيل
-
الأحلام مصدر قلق إنساني
-
الإنسان وليد البيئة
-
الدين قاعدة حقوق وواجبات
-
أشكالية الفكر الإسلامي مع النص
-
الأختلاف في نظرية الحاكمية
-
الأحلام وضروريات العقل
-
البداوة وعقدة أوباما
-
أمركة العالم الكوني , مخاطر وتحديات
-
حتمية الوجود الكوني للانسان
-
خصائص العقل الفطري
-
الحداثة العقلية ومفهوم التفكر
-
خصائص العقل المصنوع
-
الأحلام دراسة في سيكولوجيا العقل
-
مفهوم التصور والتخيل دراسة في المصطلح
-
الاحلام دراسة في سيكولوجيا العقل ج1
-
الاحلام دراسة في سيكولوجيا العقل ج2
-
الوجود والغيب
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|