|
مؤامرة صهيونية لإخراج رمسيس من مصر
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا ينقطع انشغال المتعلمين المصريين فى البحث عن (فرعون) الخروج . وقبل الإدعاء بأنه تحتمس الثالث ، كان السائد أنه رمسيس الثانى . ولكن الرحلة التى قطعها هذا الملك العظيم من القاهرة إلى باريس أخرستهم. والحكاية أنّ الرئيس الفرنسى طلب من الرئيس السادات أنْ يسمح لبعض (العلماء) أنْ يأخذوا مومياء رمسيس ويُقدّمونها فى عرض مسرحى فى باريس. وكانت تلك الحجة أو الحيلة هى العلاج. وكان وراء هذا العلاج المزعوم التأكد من أنّ رمسيس الثانى هو (فرعون الخروج) وذلك من خلال الفحص المعملى ، لمعرفة ما إذا كان قد مات غريقــًا أم لا. وكانت النتيجة (بعد رحلة السفر) هى تشويه المومياء . وذكر أ. سعيد أبو العينين أنّ جريمة خروج المومياء من القاهرة ، كانت بإلحاح من طبيب مغربى يهودى ، كان يُعالج محمود أبو وافيه ، عديل الرئيس السادات. وللأمانة فإنّ د. جمال مختار رئيس هيئة الآثار فى ذاك الوقت (ديسمبر1975) رفض عرض الرئيس الفرنسى وقال له ((هذا شىء صعب. فهذا الملك هو من ملوك مصر العظام . ومن غير المقبول أنْ تـُسافر الجثة لتـُعرض فى فرنسا. وهل تـُوافقون سيادتكم على أنْ نأخذ منكم التابوت أو حتى غطاء تابوت نابليون لنعرضه هنا فى مصر؟)) وذكر د. جمال مختارأنه اتصل بيوسف السباعى (وزير الثقافة وقتها) ونقل له مخاوفه عن ردود الفعل التى يمكن أنْ يُحدثها سفر المومياء إلى باريس . ولكن يوسف السباعى لم يفعل شيئــًا . ثم لجأ د. مختار إلى رئيس الوزراء أيامها (ممدوح سالم) لإقناعه برفض فكرة خروج المومياء من مصر، ولكن ممدوح سالم لم يهتم ، بينما إهتمتْ أستاذة فرنسية بكلية العلوم وعارضتْ الرئيس ديستان . وقالت ((إنّ هذا عبث. وأنّ هذه المومياء التى يُريدون إخراجها من مصر لعرضها فى فرنسا هى لواحد من أعظم ملوك مصر. وأنها سوف تقود مظاهرة تـُندّد بهذا العبث إذا لم يتراجع الرئيس ديستان)) وكان لإثارة القضية على هذا النحو أثره الكبير، فقد تراجع الرئيس ديستان وبعث برسالة إلى الرئيس السادات أعلن فيها أنه تراجع عن فكرة عرض المومياء فى باريس. ونشرتْ الصحف الفرنسية رسالة ديستان إلى السادات. ولكن بعد تدخل أبو وافيه تغير الموقف ووافق السادات على سفر المومياء. وكان أكثر المُتحمسين على خروج المومياء من مصر هو الطبيب الفرنسى (بوكاى) الذى كانت له علاقات واسعة بكثيرين من الشخصيات المرموقة فى العالم (العربى والإسلامى) ويعرف الكثيرين من الشخصيات المسئولة فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى مصر. وتبعًا لذلك صدرتْ توصيات من كبار المسئولين ومن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالاحتفاء به ومساعدته وتلبية طلباته وتسهيل مهمته (العلمية) وبينما لم تهتم الثقافة السائدة فى مصر بخروج المومياء ، فإنّ صحيفة (الهيرالد تريبيون) كتبتْ أنّ ((الضجة التى أثيرت فى الإعلام الفرنسى حول مرض (الفرعون) وضرورة علاج المومياء إلخ لم تكن سوى حيلة لإخراج الملك رمسيس من مصر، لوضعه تحت الفحص والبحث والدراسة لمعرفة أسرار هذه الشخصية)) وقد تعمّد موشيه ديان أنْ يزور المومياء فى المستشفى، وأخذ ينقر على أصابع قدميه بعصا المارشاليه. وقال له بكل حقد اليهود (( أخرجتنا من مصر أحياءً. وأخرجناك منها ميتـًا)) ووصلتْ ذروة المأساة فى التقرير المصوّر فى التليفزيون الفرنسى ومدته 20دقيقة. فى هذا التقرير المصوّر ظهرتْ المومياء عارية تمامًا بعد أنْ نزعوا اللفائف الكتانية التى كانت تحميها. وكان المذيع الفرنسى شديد التعصب لخراريف بنى إسرائيل فقال للمشاهدين ((إليكم فرعون مصر الشهير. إليكم ملك ملوك الفراعنة. إليكم الملك رمسيس الثانى . إليكم الفرعون الذى طارد اليهود قبل ثلاثة آلاف عام إلخ)) هذا التقرير المصوّر فى التليفزيون الفرنسى ، هزّ ضمير الشعب الفرنسى وفى المقدمة المثقفين الفرنسيين ، الذين توجه عدد كبير منهم إلى السفارة المصرية فى باريس وسجـّلوا رفضهم واستنكارهم لهذا العمل المُشين الذى أساء إلى شخصية تاريخية عظيمة. وكتبتْ عالمة المصريات كريستين نوبلكو فى كتابها عن رمسيس الثانى والذى طـُبع منه مليون نسخة بعد صدوره بأسابيع أنّ ((التوراة ظلمتْ رمسيس وكل ما قالته عنه غير صحيح. وظلمتْ مصر والمصريين. وأنّ التوراة كتاب مليىء بالقصص والحكايات التى جـُمعتْ من هنا وهناك. وأنها لا يمكن أنْ تـُعد وثيقة تاريخية وبصفة خاصة بالنسبة لمصر)) وأضافتْ (( إننى أرفض الافتراء على التاريخ وعلى الملك رمسيس. وأنّ الادعاء اليهودى على الملك رمسيس محض افتراء وليس له أى أساس من الصحة. إنّ سِفر الخروج يُشير إلى وقائع لا يوجد لها أى أثر فى كل ما وجدناه من كتابات ونقوش مصرية ، على الرغم من أنّ هذه الكتابات والنقوش كانت ترصد تفصيلات صغيرة جدًا لاتـُقارن بخروج مئات الآلاف من البلاد ، فهناك فى سجلات الحدود تسجيل لكل حركات المرور عبْر الحدود ، حتى إنّ راعيًا ومعه 40رأس غنم يعبر الحدود كان عبوره يُرصد ويُسجّل. وإذا كنتُ فى كتابى عن رمسيس الثانى قد تحدّثتُ عن خروج اليهود من مصر، فقد فعلتُ ذلك للأمانة العلمية. إنّ واجب عالِم المصريات أنْ يقول رأيه بأمانة. إنّ ما تقوله التوراة من أنّ المصريين كانوا يُسخـّرون اليهود لضرب الطوب ، يجعل أى دارس لتاريخ مصر القديمة يبتسم. وأنا أرفض تمامًا الافتراء على التاريخ لإدانة فترة أو زمن بعينه. ولم يكن الفراعنة قساة، لأنّ الساميين الذين كانوا يفدون إلى مصر للعمل بها، كانوا يعيشون حياة هانئة. هذه هى حقائق التاريخ الثابتة. إنّ الشعب المصرى يتمتـّع بحكمة هائلة لا أجدها فى الشعوب الأخرى. كما يتمتـّع بنظرة فلسفية للأمور. وعندما أرى أفلامًا مثل فيلم (الوصايا العشر) إخراج الأمريكى سيسل دى ميل، تـُصوّر المصريين وهم يدوسون فوق رقاب العبيد الساميين ، أشعر بالغضب. فهذا كذب وافتراء)) هذا هو رأى عالمة مصريات فرنسية عن جدودنا. وذكرتْ أنه عند نقل تابوت الملك رمسيس إلى مركب بالنيل تتـّجه به إلى القاهرة ((وقف المصريون على الشاطىء عند الأقصر وكأنهم يُشاركون فى جنازة عصرية ، فالنساء يولولنَ من الحزن وينثرنَ الغبار على شعورهنَ. والرجال يُطلقون النار من البنادق)) 000 بعد أنْ أثبتتْ الفحوص الطبية والمعملية أنّ مومياء رمسيس الثانى ليس بها أى آثار تدل على الغرق، وبالتالى ليس هو(فرعون الخروج) فإذا بالطبيب الفرنسى (بوكاى) يركب رأسه العبرى فى إتجاه مومياء الملك العظيم مرنبتاح، وأنه هو الغريق أى (فرعون الخروج) ولكن د. جمال مختار رفض هذا الرأى وقال إنّ (بوكاى) ليس موضع ثقة وليس مؤهلا علميًا. من هو مرنبتاح؟ لقد اضطر هذا الملك فى العام الخامس من حكمه إلى إرسال حملة عسكرية للدفاع عن حدود مصر الغربية. وبعد علمه أنّ رئيس قبيلة الليبو(ليبيا) غزا حدود مصر الغربية ومعه زوجاته وعددهم 12، الأمر الذى فسّره مرنبتاح أنّ هذا الغزو يعنى الاستيطان فى وادى النيل. فأعدّ جيشًا قويًا من المشاة والمركبات الحربية. واستطاع فى معركة استمرت 6ساعات أنْ ينتصر على اللوبيين وأنْ يأسر9 آلاف منهم . وذكرتْ النقوش المصرية التى ترجع إلى عهده تفاصيل هذه الحرب على أحد جدران معبد الكرنك. وفى أعقاب هذا النصر كــُتبتْ (أنشودة الانتصار) التى ورد فيها عبارة ((وإسرائيل قد انقطعتْ بذرتها)) ويرى عالم المصريات د. عبد العزيز صالح أنّ لوحة إسرائيل التى تتضمن أنشودة النصر قد اعتبرتْ إسرائيل من ((نزلاء فلسطين)) وأنّ مرنبتاح فى هذه اللوحة لم يذكر تتبعه لهم، وهو ما يؤكد أنّ بنى إسرائيل دخلوا فلسطين فى عهده وأنهم خرجوا من مصر- بالتالى- قبل عهده. وإذا كان مرنبتاح حكم مدة عشر سنوات فمعنى ذلك أنه عاش خمس سنوات فى الحكم بعد خروج العبريين . وأنّ هذا الأمر ((يتناقض مع قول التوراة بأنّ (فرعون) غرق فى البحر الأحمر. بل ويتنافر مع قول القرآن بأنّ (فرعون) غرق ((فاليوم نـُنجـّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)) (يونس/92) رغم أنه نصّ فى موضع آخر على غرق (الفرعون) فقال (( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بنى إسرائيل إذْ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحورًا... إلى أنْ يقول فأراد أنْ يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه)) (الإسراء/ من 101- 103) وهو ما تكرر فى سورة الذاريات الآيات من 38- 40. كما أنّ جثة مرنبتاح موجودة وعـُثر عليها فى طيبة. رغم كل تلك الحقائق لجأ الطبيب (بوكاى) إلى التلفيق ليؤكد أنّ مرنبتاح هو(فرعون) الخروج وأنه مات غريقــًا. وكانت الكارثة الأكبر أنّ بعض المجلات (المصرية) نشرتْ هذا التلفيق ووضعتْ صورة بوكاى على الغلاف (سعيد أبو العينين- الفرعون الذى يُطاره اليهود بين التوراة والقرآن- كتاب اليوم- مؤسسة الأخبار- عدد مايو97) وبعد فشل الجرى وراء تحتمس الثالث ثم رمسيس الثانى ثم مرنبتاح، استدار الدماغ العبرى ليبحث عن ملك آخر ليكون هو(فرعون) الخروج فقال إنه أمنحوتب الثالث (صحيفة القاهرة 7/8/2007) ليؤكد خراريف بنى إسرائيل ، ولكن يظل رمسيس الثانى هو(العدو) الأكبر لكل الذين ركــّبوا قصبة هوائية صناعية داخل صدورهم كى يتنفسوا بالعبرى. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التقدم العلمى فى علم الصيدلة فى مصر القديمة
-
التعليم فى مصر القديمة
-
صراع الحب والكراهية حول معشوقة الأحرار: المعرفة
-
حُمّى السيادة على العالم
-
الدولة State والدسلتير
-
اليهود البشر واليهود النصوصيين
-
تركيا من أتاتورك وإسماعيل أدهم إلى أردوغان
-
سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)
-
موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة
-
التوراة بين التاريخ والعلم والأساطير
-
النقد العلمى لأسطورة هيكل
-
مدينة أون والادعاء العبرى
-
اسم مصر
-
قاسم أمين : أحد رموز التنوير
-
شهر مصرى صُغنتوت من خمسة أيام
-
فرح أنطون ومحمد عبده
-
أحمد لطفى السيد
-
قناة الجزيرة والوعى المتأخر
-
متى تتحقق الحرية والعدالة ؟
-
هل تلتقى المذهبية مع التحضر ؟
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|