أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نضال الربضي - تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء















المزيد.....

تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 14:29
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء

ترددت كثيرا ً أن أكتب في الفيديو الذي يُظهر أحد عناصر الإرهابين التكفيرين و هو يُدلي بتصريح عقائدي قبل أن يحطم تمثال السيدة العذراء على الأرض في إدلب سوريا، ثم بعد لحظات يستدرك نسيانه للتكبير فيطلب منهم على عجاله و هو يخطو أول خطواته خارج نطاق تصوير الكاميرا أن يكبروا، هذا التكبير الذي أصبح بمثابة ختم اكتمال دورة الفعل التكفيري و إشهار وهم تفوقهم المريض.

http://www.youtube.com/watch?v=KlX_4k6jnqE

لماذا ترددت؟

ترددت لأن تكسير تمثال حجري من الجبصين أو أيا ً كان نوع الحجر لا يُقارن أبدا ً بفظائع الجرائم في سوريا، و التي يقوم بها الجميع على حد سواء ٍ من النظام و الجيش الحر و زبالة النصرة و نفايات داعش و كل مرتزقة الأرض، و لا يصح أن تقوم مقاربة من أي نوع كان بين اغتيال الإنسان السوري و تدمير الدولة السورية كاملة ً من مؤسسات و بنى تحتية و مدارس و جامعات و مستشفيات و رياض أطفال و متنزهات و آثار و أمن و جيش و تكنولوجيا و اقتصاد و حضارة بدأتها أوغاريت العظيمة وبين تحطيم قطعة من الجبصين مدهونة باللون الأزرق.

لماذا قررت ُ أن أكتب إذا ً؟

قررت ُ الكتابة لأن قراءة َ فعل التكسير و رمزيته و الرسالة التي يبعث بها هي في حد ذاتها شهادة على اغتيال الإنسان السوري و الدولة السورية كاملة ً، فالتمثال المحطم هنا ليس العذراء، فهي الأم ّ ُ الوالدة ُ السيدة ُ المحبوبة ُ المُصانة ُ المُرتفعة عن تفاهات هذا الأحمق تعيش في قلوبنا و لا يُضيرها أو يُضيرنا تحطيم تمثال الجبصين المدهون بالأزرق، التمثال المحطم هو سوريا.

أما فعل ُ التحطيم نفسه فهو الذي يجب أن نقف عنده كثيرا ً لأنه ملخص للعقيدة التكفيرية و إطارها، تلك العقيدة المريضة التي ترى في نفسها وهم تفوق هذياني على العالم أجمع، تفوق ذهاني غير منطقي لا سند إنساني له و لا أساس، هش ٌ لا يصمد أمام أي مراجعة لعقيدة السلفي التكفيري أو نقد لثوابته و دوافعه و آليات فعله و منهجه.

كيف نقرأ المشهد؟

يُطل علينا من المشهد رجل ٌ كثيف اللحية غير سوري، يرتدي الزي الأفغاني الذي أصبح رمز المجاهدين و أحد أجزاء هويتهم، مُعتمرا ً على رأسه "قمطة" كما نسميها عندنا، يحمل بين يديه تمثالا ً للسيدة العذراء. ثم يُطالعنا بتصريحه العقائدي الناري و بعدها يحطم التمثال، ثم يبدأ بالخروج من المشهد و يكبرون و ينتهي المقطع.

بداية ً لا بد أن نُدقق و نُحلل معنى وجود هذا الشخص غير السوري مُقاتلا ً السورين على أرض سوريا.

لماذا خرج؟ لأنه يحمل فكرا ً لا يعترف بالسيادة الوطنية و لا بالقومية و لا بمفهوم الوطن............ (تأمل رقم 1)
من الذي أخرجه؟ فتوى من شيخ ٍ يرى نفسه فوق قانون الدولة التي هو فيها، له قانونه الخاص، فلا اعتراف بدولة و لا قانون وضعي و لا دستور ............ (تأمل رقم 2)
كيف دخل سوريا؟ تسهيلات من الدول التي أتى منها ناتجة إما عن تقصير أو غض طرف متعمد لتصفية حسابات سياسية دون أدنى اعتبار لأسس العلاقات الدولية و لمستقبل المنطقة ككل............ (تأمل رقم 3)
كيف يعيش في سوريا و هو لا يعمل؟ بتمويل من أطراف مصلحتها استدامة الصراع ، مما يدل على عالمية الصراع عكس ما يحاول الجيش الحر الترويج له، و باعتراف زبالة النصرة و نفايات داعش أنفسهم............ (تأمل رقم 4)

لننتقل الآن إلى ملبس هذا المخبول الأحمق مغيب العقل. إن الزي الأفغاني أضحى اليوم هو جزءا ً من الشكل الجهادي يرتديه مجاهدو الحور العين و مخربو البلدان مفجري أنفسهم في الأسواق و المولات و قتلة النساء و الأطفال، و السؤال الذي ينطح نفسه بشده هو: ما علاقة زي أفغانستان الشعبي بالعقيدة الإسلامية؟ على الرغم من عدم وجود ترابط بين الموضوعين إلا أن سنوات الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان قد أعطت المجاهدين هوية ً مُرتبطة بكهوف و جبال أفغانستان و زي قبائلها فأصبحت رمال مكة و كعبتها و زي أهلها أقل ذات أهمية في عقل المجاهد مقارنة ً بأهمية أفغانستان و زيه الذي يدل على المرجعية التي يحتكم إليها الجهادي و يحن لموضع تشكيلها الأول و مكان بدايتها الحديث.

هذه البداية الجهادية التي أصبحت في عقله هي تكرار الزمن البدئي الأول المقدس و الطاهر، و من يدرس بعض أدبيات الجهاد و ينظر في تاريخ أٌمرائها كأبي مصعب الزرقاوي يجد أنهم جميعا ً يقصدون أفغانستان في محاولة لإعادة إنتاج المجتمع الإسلامي الأول الذي فشلوا في استدامته في أرض الحرمين أو أي بلد من بلاد الإسلام، فأصبحت أفغانستان اليوم هي مكة الجديدة و الزي الأفغاني الشعبي هو لباس المجاهدين، هذا التحول الذي هو بحق ارتداد إلى سلفية مفقودة غير قابلة للتحقيق العملي في أي دولة متحضرة.

يُطلق هذا المعتوه تصريحا ً قادما ً من قلب الصحراء يعود لما قبل 1400 عام، مكنونه يُلخص في الأفكار التالية:

- العبادة لله وحده.
- في سوريا سيعبد الله وحده.
- لا مكان لأي شخص أو عقيدة لا تعبد الله.
- سيتم فرض هذه العبادة بالقوة.

إن خطورة هذا التصريح تنبع من كون الذين يؤمنون بها ينصبون أنفسهم مشرعين يحددون ما هي العبادة الصحيحة و ما هي العبادة الخاطئة، ثم قُضاة ً يحددون من يُمارس العبادة الصحيحة و من يُمارس العبادة الخاطئة، ثم يُنفذون الحُكم الشرعي فيمن يخالف العبادة التي شرَّعوها و كانوا قُضاتها، في أيدولوجية شمولية جامعة ترى نفسها فقط و لا تعترف بالآخر بل و تتمادى لتسعى سعيا ً واضحا ً عنيفا ً عنف قول و عنف فعل نحو إنهاء وجوده و استئصاله أو تحويله جزءا ً منها خاضعا ً لها ذائبا ً فيها فيتدمر و تتدمر هويته و يصبح مجرد مورد جديد من موارد استدامة هذه العقيدة المريضة الوحشية التي تترفع عنها حتى أحط وحوش الغاب.

هؤلاء المخابيل لا تعنيهم سوريا كأرض حضارة منذ أوغاريت الأول مهد الإنسانية و منبعها، و لا يعنيهم التاريخ السوري الأنثروبولوجي الطويل و لا يعنيهم التفاعل الإنساني منذ آلاف السنين على أرض سوريا و لا تعنيهم الآثار الشاهدة على المسيرة التاريخية الإنسانية و المساهمة الحضارية المستمرة و لا يعنيهم التنوع الإنساني و الحضاري و الديني و الإثني على الأرض السورية، و لا تعنيهم الإنسانية في شئ، كل ما يعنيهم هو نشر عقيدتهم الفاسدة و تمكين دولتهم كما يفهمونها و تحكيم ما يسمونه "شرع الله" و إقامة الدولة الإلهية و إقامة الحاكمية لله و تطهير هذه الدولة من أي شئ فيه ولاء لـ و أو تشبه بـ أو تماثل مع الكفار و الذين هم بالمناسبة أي إنسان غيرهم.

التصريح العقائدي الذي أدلى به ذلك المجرم في حق الحضارة و الإنسانية و سوريا هو فعل كره للحياة فعل كره للإنسان فعل كره للبشرية فعل هروب من الطبيعة البشرية التي ديدنها الاختلاف و انتكاس إلى بربرية المجموعة و وهم غناها التام عن أي شئ من خارجها لأنها الغنية القيومة القائمة بقوتها المستغنية ُ عما في خارجها الكاملة ُ المكتملة غير المحتاجة لأي شئ من خارجها و الرافضة لكل شئ في خارجها و القاصدة ُ تدمير أي شئ يهدد هذا الوهم الهذياني الذهاني الذي تعيش فيه.

ثم بعد ذلك يضرب الرجل التمثال بالأرض و يحطمه أجزاء ً، و يبدأ بالمشي للخروج من المشهد. فعل التحطيم بحد ذاته هو رسالة معناها أن التصريح العقائدي هو أيدولوجية فاعلة تُترجَم من معتنقيها في أفعالهم و يتم تفعيلها في سلوكهم و حياتهم و علاقتهم مع الآخر. التحطيم رسالة معناها القصد و التعمد و التطبيق كخصائصَ لهذه الأيدولوجية نابعة ٍمنها و تابعة ٍلها ومميزةٍ لشكلها و مُعتمدة ً كمنهج و آلية تطبيق غير قابلة للمراجعة.

التحطيم هو صوت القبيلة الصارخة "إنا إذا نزلنا بساح قوم ٍ فساء صباح المنذرين" صرخة الحرب "أمت أمت" ضربة الرامي الذي يرى أن الله رمى بيده و أنه مجرد أداة في يدي الله بل قل إنه الله الفاعل بيدي البدوي القابض على سيفه أو الضارب برمحه، هذا التحطيم الذي يراه السلفي التكفيري تجسيدا ً لله نفسه و لإرادته و نرجسية دعوته التوحيدية غير القابلة للتعايش مع أي شئ حتى مع نفسها، أولا ترون اختلاف النصرة مع داعش و اختلاف حماس مع الجماعات الإسلامية في غزة؟ هذه التحطيم الذي على عكس ما يفشل دوما ً في تحطيم الآخر (دلوني على دولة سقطت بإرهاب هؤلاء المخابيل، لن تجدوا) ينجح في تحطيم نفسه لأن بذوره تحمل في جيناتها شروط التدمير الذاتي و منهجيته.

يخرج الرجل من المشهد لكنه في أول خطوة - و قد سار و رأسه ينظر للأرض - يتذكر أن عليه أن يوقع هذه الوثيقة التصريحية الشاهدة عليه و على فكره، فيقول في عجاله "تكبير" و يرددون من خلفه "الله أكبر"، هذا التكبير الذي هو الختم و الشاهد و الوكيل في ذات الوقت.

نضحك على المشهد؟ لا، هذه المأساة لا تُضحك في شئ على الرغم من تفاهة الأداء.

نبكي على سوريا الأرض و سوريا الإنسان ؟ نعم.
لساني نظيف في 95% من الحالات، و قد تفلت مني بين الحين و الآخر شتيمة، أريد أن أشتم الآن، لكن عيب، أحترم القارئ و أحترم الموقع و أحترم نفسي، لكنني أريد أن أشتم، مش قادر أسكت. شتمت لكن في سري، ألا تشتمون معي؟



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية
- المُشترك الأعظم – الإنسانية
- الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
- الرجال و مرآتان لهوية التعريف
- الإخوان المسلمون و العلم الأردني و إشاره رابعة
- Tell me why بين الإيمان و الإلحاد
- ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
- الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
- قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
- رسالة إلى السيكلوب
- من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
- السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
- قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكش ...
- السينما بين السبكي و الأخوين واتشسكي – طرفا البعد الإنساني
- -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد ...
- الشرق العربي حين ينبش ليقتلع الأساس - هجرة المسيحين العرب
- الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
- نجيب محفوظ – ما بين الفينامولوجيا و الأنثروبولوجيا الدينية و ...


المزيد.....




- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نضال الربضي - تمثال العذراء المكسور – رمزية الاعتداء