هانى جرجس عياد
الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 13:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسى
نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع – جمهورية مصر العربية
تعرفون أنه فى يوم 26 يوليو 2013 نزل الملايين من المصريين إلى الشوارع تلبية لدعوتكم بتفويض القوات المسلحة لمواجهة الإرهاب، وقد كان بينهم جزء كبير مرتابا فى الدعوة، غير مرتاح لها ولا لما وراءها، حيث مواجهة الإرهاب لا تحتاج إلى تفويض، فهى إحدى أهم وظائف القوات المسلحة والشرطة، لكن المجتهدين وقتها اجتهدوا باعتبار «البحث عن تفويض» رسالة موجهة إلى الخارج، الذى تشكك ثم راح يشكك فى حقيقة ما جرى يومى 30 يونيو 3 يوليو، وما إذا كان انقلابا عسكريا، أم ثورة شعبية استجابت لها القوات المسلحة ونفذت مطالبها.
ووراء «تشكك وتشكيك الخارج» قصة أخرى تعود تفاصيلها إلى رخاوة سلطة 3 يوليو وترددها فى التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وتوابعها وذيولها باعتبارها تنظيمات إرهابية معادية للدولة، وهو ما أتاح لهم فرصة استيعاب الضربة الأولى (التى لم تكن حاسمة بما يكفى)، ثم استرداد بعض توازنهم، والانتقال إلى مرحلة التوسع والانتشار، فأصبح لدينا بؤرتان إرهابيتان، بدلا من واحدة (رابعة والنهضة)، وخرج الإخوان وذيولهم من جحور تواروا فيها يوم 3 يوليو ليشيعوا فى الشوارع ترويعا وقتلا وإرهابا للمواطنين، وبما بدا معه أن الزمام قد أفلت أو كاد من سلطة 3 يوليو، فأصبحت تحتاج من جديد إلى تأكيد أنها سلطة شعب خرج ثائرا يوم 30 يونيو مطالبا بإسقاط حكم المرشد، وكذلك جاءت دعوة «التفويض» ولذلك خرجت الملايين يوم 26 يوليو.
وسواء صحت القصة أو لم تصح، وهى مجرد اجتهاد بين اجتهادات عديدة، فالمؤكد أن الجماهير التى خرجت فى «يوم التفويض» كانت تطلب من الدولة موقفا حاسما فى مواجهة إرهاب الإخوان وتوابعهم، وليس فى مواجهة الشعب ومطالبه المشروعة، لكن المؤسف أن العكس كان هو الصحيح تماما، حيث وجدت «جماهير التفويض» نفسها فى مواجهة حكومة مرتبكة غرقت فى متاهات التردد ما بين مصالحة الإخوان أو مطاردتهم، ولم يعد بوسعها (وربما كان فوق قدراتها أو خارج دائرة مهماتها) تلبية الحد الأدنى من مطالب الناس التى بقيت أكثر من 30 شهرا فى الشوارع تهتف من أجل «الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش والكرامة الإنسانية».
كانت «يد الحكومة» رخوة ومرتعشة فى مواجهة إرهاب الإخوان، بينما قوية وحاسمة فى مواجهة تحركات جماهير لا تطلب سوى لقمة عيش بعد ثورة الثلاثين شهرا، وفى مواجهة صحفيين لا يسعون إلا وراء حقيقة كان غيابها أحيانا وتزييفها فى أحيان أخرى من أبرز أسباب ثورة 25 يناير 2011، ثم بلغت المفارقة ذروة مأساوية عندما تمادت سلطة 3 يوليو فى تكميم الأفواه وقررت منع عرض برنامج «البرنامج» بعدما تضمن فى حلقة سابقة نقدا لاذعا لأداء حكومة مرتعشة ولممارسات سلطوية من الجيش والشرطة لا علاقة لها بمواجهة الإرهاب، الذى فوضكم المصريون لمواجهته، بل بدت وكأنها (سلطة 3 يوليو) تسعى إلى، أو تحاول إعادة عقارب الساعة إلى وراء، حيث زمن مبارك والعادلى وحسن عبد الرحمن.
الفريق أول عبد الفتاح السيسى
لقد كان لقراركم يوم 3 يوليو 2013 بالانحياز إلى الشعب وتلبية مطالبه، أكبر الأثر فى انحياز الملايين إليكم وحبهم لكم (وقد بلغ فى احيان كثيرة حد الهوس الخارج عن العقل والمنطق)، ورفعوا صورتكم عاليا إلى جانب صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتطلع الكثيرون منهم إليكم لتولى منصب رئيس الجمهورية، باعتباركم الأقدر على العبور بالبلاد تلك المرحلة العصيبة فى تاريخها، لكن المؤسف أن حصاد أربعة شهور -منذ 3 يوليو- وحصاد أقل قليلا من 3 شهور -منذ فض بؤر الإرهاب فى رابعة والنهضة- يبدو حصادا مرا، زاد فى مرارته الإيغال فى تكميم الأفواه ومنع عرض برنامج ناقد، وهو ما يستحيل تبريره ببعض تجاوزات اتسمت بها حلقته السابقة، كان يمكن علاجها وتلافيها، ولا يمكن فهمه (وقف البرنامج) إلا فى إطار بدء مرحلة ديكتاتورية لا تحتمل أى نقد، وصناعة ديكتاتور لا يقبل المراجعة والسؤال.
الفريق أول عبد الفتاح السيسى
فى حواركم مع جريدة المصرى اليوم قلتم أنكم عندما ترون الجماهير ترفع صورتكم إلى جانب صورة الزعيم الرحل جمال الراحل «أتمنى أن أكون جديرا بهذه الثقة»، وأظنكم تعرفون جيدا أنه عندما منعت الرقابة على المصنفات الفنية –فى الستينيات- فيلم «شيء من الخوف» لأنها رأت فى شخصية البطل (عتريس – محمود مرسى) إسقاطا على شخصية جمال عبد الناصر، كان أن طلب عبد الناصر مشاهدة الفيلم، وبعدها قال «لو أننى فعلا عتريس، ولو أن الحكومة هى عصابته، فنحن جميعا نستحق الحرق، لا منع الفيلم» ثم أمر بعرض الفيلم كما هو دون أى حذف.
ثم أظن أنكم تعلمون جيدا أن عبد الناصر (الذى تتمنون أن تكونون جديرين بثقة الناس فيكم مثل ثقتهم فيه) لم يأمر بمنع عرض أعمال أحمد غانم أو إسماعيل ياسين، أو غيرهما، ممن أمطروا البلاد بسيول جارفة من النكات والأفلام التى طالته (عبد الناصر) شخصيا، وطالت معه الحكومة وممارساتها، بل قدم الكثير من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للناس التى أحبته ووثقت قيه.
وعبد الناصر الذى تتمنون أن تكونون قدر قامته، هو من طلب من الأستاذ محمد حسنين هيكل أن تصدر مؤسسة الأهرام مجلة الطليعة الشهرية لتستوعب الشيوعيين واليساريين بعد 1965، بكل أرائهم ورؤاهم الحادة فى نقدها للسياسة والاقتصاد ونظام الحزب الواحد، كما فتحت مجلة الكاتب أبوابها للكتاب الشيوعيين واليساريين، فتجاوز النقد حدود نكات أحمد غانم وسخرية إسماعيل ياسين، ليصل إلى مستوى كتابات نقدية رصينة وجادة فى مختلف مناحى الحياة، لكتاب ومفكرين فى قامة لطفى الخولى وميشيل كامل وأديب ديمترى وزكى مراد ونبيل الهلالى وأبو سيف يوسف، وغيرهم.
الفريق أول وزير الدفاع
الجماهير التى احبتكم، وتجاوزت طويلا عن ممارسات لم يكن ممكنا –فى ظروف أخرى- تجاوزها أو غض النظر عنها، لم تتوقع وقف عرض برنامج تلفزيونى، لكنها انتظرت تحقيق مطالبها فى الحرية والكرامة الإنسانية، وما لم تتحقق مطالبها، فسوف تعود مجددا إلى الشوارع والميادين حيث أسقطت منها ثلاث سلطات قبلكم فى ثلاثين شهرا (سلطة مبارك – سلطة طنطاوى – سلطة مرسى)، وليس عسيرا عليها إسقاط السلطة الرابعة، حتى وإن كان الثمن دماء، فالدماء سالت بالفعل، ولم تزل تسيل، ولم يعد ثمة ما يخشاه المصريون، فلم يعد لديهم ما يخسرونه سوى قيودهم، وفى ذلك ربح لهم، ولعلكم تعرفون ذلك أكثر من غيركم.
لقد كان مقتل الرئيس السابق محمد مرسى، وجماعة الإخوان وذيولها، فى مواجهة الإعلام (رغم أنه لم يمنع عرض برنامج «البرنامج» ولا غيره)، بدلا من تلبية مطالب الناس وتحقيق مصالحها، وقيل فى رؤساء مصر السابقين (عبد الناصر – السادات – مبارك) أن مقتلهم كان فيمن أحاطوا بهم من منافقين ومطبلين وخبراء صناعة الديكتاتور والديكتاتورية، وأظن أنه ليس من الحكمة فى شيء إعادة إنتاج وتجميع «مقتل» كل العهود السابقة، فى عهد واحد، وكأننا نتمثل مقولة أينشتاين الخالدة «الأغبياء وحدهم هم من يعيد تكرار ذات التجربة وينتظرون نتائج مغايرة فى المرة الثانية»، ويضعنا بالقطع أمام إعادة إنتاج، أو استكمال الثورة.
الفريق أول عبد الفتاح السيسى
السيد القائد العام للقوات المسلحة
برنامج باسم يوسف ليس سوى القشة التى قصمت ظهر البعير، و«القشة» تستدعى الآن بالضرورة وقبل فوات الأوان، إعادة نظر شاملة فى حكومة متخبطة وفى سياسات مرتبكة، فإما إن تعيدوا الثورة إلى الشعب، وإما أن الشعب سوف ينتزع ثورته، وليس ثمة طريق ثالث. ولكم فيما فعله الشعب مع عصابة الإخوان التى سرقت ثورته عبرة ودرسا.
#هانى_جرجس_عياد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟