|
تلكؤ الدول العربية في الإصلاح ، و فشل ضغط الغرب في تحقيق أي نجاح
محمد البندر الهيلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتردد هذه الأيام، في وسائل الإعلام الأكثر تحرراً، موضوع سجن الإصلاحيين الليبراليين في السعودية لمدد تصل الى تسع سنوات ، لمجرد نقد شفهي لوضع يعترف به كل أحد، وهو الفساد الإداري و الغياب الدستوري، و انعدام شفافية آلقضاء، و يتردد في الوسائل تلك سكوت الولايات المتحدة المبالغ فيه عن هذا الظلم، في زمن تلقي فيه الولايات المتحدة و بريطانيا بثقلهما، و مقدراتهما البشرية و المالية، في أتون حرب محرقة في العراق ليس لأن الأخير قدم دعما لوجستياً للقاعدة بل لأنه أوقف الحياة تقريباً بسب الممارسات الديكتاتورية لنظامه الذي ذبَح مؤسسات المجتمع المدني، و ما نجم عن ذلك من زيادة الطلب الشعبي على مساحة أكبر من الحرية و ما نتج عنه من إبادات فاشية للشعب العراقي الأعزل المسالم. إن سكوت أمريكا عن هذا الإصرار، العربي، و السعودي خصوصاً، على المضي الى الوراء في مجال إعطاء الإنسان السعودي، و لو، قدراً يسيراً من الحرية ، سكوت مثير للريبة و الشك،و إنذارٌ بتقدم و نجاح لأعداء الحرية مما يحدو بمؤيدي نظرية المؤامرة ، و هم كثير، الى التصديق بما يشاع أن نشر الديمقراطية في العالم العربي كانت من إعداد القسم الإعلامي في الجيش الأمريكي لغرض تخفيف الخسائر التي تنتج من المقاومة آلشعبية الواسعة و التي قد تستمد فكرها من سمعة التاريخ الاستعماري و العون الذي تلاه من الغرب لاحتلال الأراضي العربية. قد يظن إن الديمقراطياتية، المزعومة، ماهي الا صورة أخرى لما ردده نا?ليون حين غزا مصر و الانجليز حين استعمروا الشرق، فالهدف آنذاك لم يكن نهب الثروات، حسب زعم المستعمرين، بل إشاعة روح القانون ، و تحسين المستوى التعليمي و المعيشي لدى شعوب فاتها ظلمآً ركب الحضارة الانسانية. لم يعد هذاالزعم ينطلي على الجميع و لكن يبدو انه هذه المرة تم تصديقه، و الاحتفال به، ربما لأن الشعوب سريعة التصديق أكثر لما يتماشى مع أحلامها، و ربما لان الناس يدركون أن أمريكا بلاد تقدم مصلحتها و التي منها أن لا تحس الشعوب بالاضطهاد و القهر اللذان، دعمتهما أمريكاً سنيناً في بلداننا،و ربما يظن الناس أنهما سوف يؤججان من مشاعر العداء و تزايد الأعمال الإرهابية ضد مصالح الغرب الذي بات اقتصاده حساساً للأحداث حول مناطق العالم و بالأخص تلك التي تحصل في مناطق التوتر. لكن ما يظهر على مستوىً أمريكي بشكل خاص و غربي بشكل عام من سكوت مخجل و مستهجن عن العبث بالدستور في مصر،مما أدى الى تفصيله على مقاس الرئيس مبارك و ابنه من بعده، و قمع و حبس و تعذيب لمعارضي قانون الطوارئ المصري، وكذلك صمت أمريكا الرهيب عن السعوديين الاصلاحيين، كل هذا، يعيد للاذهان الدعايات الاستعمارية التي ذكرتها أعلاه، و يربطها بالاصلاحات الأمريكية.
و مع هذا فالأمريكيون شعب عظيم، و يحسب لهم نقاط بيضاء في تاريخهم منذ مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية و دحرهم الفاشية و بناءهم لأورو?ا ،و المساهمة في انقاذ المسلمين في البوسنة من التطهير العرقي، و أمور أخرى مشرفة مثل كون البلاد نقطة انطلاق الغاء الرق الإنساني، و تميزها على الصعيد العلمي، و الفكري. لكنهم يتميزون، في نفس الوقت ، بقصر الذاكرة، و كذلك بالتلكؤ و عدم التنفيذ في الوقت المناسب لأفكارهم الخلاقة، خاصة فيما يخص أخطاءهم هم، الا بعد فاقد كبير في الأرواح و الممتلكات. فنجدهم مثلا بعد عشرات السنين يبكون ، و باخلاص فيما يظهر ، على مافعلوه مع الافارقة، و يتألمون بصدق مع ما فعلوه مع السكان الأصليين من إبادة و احتلال قراهم. حتى في الوقت الحالي، يظهر أن موجة أخرى من موجات الندم المتأخرة كثيراً باتت تتشكل بخصوص ما فعلوه في أمريكا اللاتينية، من إنشاء معسكرات تدريب للميليشيات الأمريكية الجنوبية ، و حتى دعمهم المنقطع النظير للجيش الجمهوري الأيرلندي للقيام بعمليات إرهابية ضد حليفتهم بريطانيا. نخشى أن يتكرر هذا مع العالم العربي، و الذي دعمت أمريكا قواه الرجعية و انظمة حكمه الشمولية ، عقوداً ، الى درجة لم تعد تسمح للجماهير باحداث تغييرات بدون مساعدة من صنع تلك الانظمة. أما نظرية المحاولة و الخطاً التي يتم تطبيقها الآن فما هي إلا لعبٌ بالنار، و استهانة بأرواح الأبرياء الذين حصدتهم أفعال الإرهاب من أمريكيين و غيرهم. إن مجرد التهاون أو التفكير في التهاون مع الديكتاتوريات العربية إنما هو قتل لآمال الناس في زحزحة الحجر الاستبدادي عن صدورهم و هو تأصيل للفكر الاصولي و الذي بات هو الخيار الأوحد إذا انعدمت ثقة الانسان العربي في أمريكا و كذلك في الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أكثر تلكؤاً من أمريكا فيما يخص عمليات الطواريء مثل انقاذ الناس من الابادات الجماعية في يوغوسلافيا و غيرها. هناك نزعة انسانية، بلا شك، في أميركا للخير و لكن الانظمة الشمولية العربية استطاعت السيطرة على تلك النزعة بالالتفاف حولها بمبادرات لا تخدم مباشرة الهدف الذي خُطط لتحقيقه و من مبادرات الحكام تلك، التصالح مع اسرائيل و إعطاء المرأة مزيد من الحقوق، أو ارضاخ الفلسطينيين أكثر، و اقتراح منع التيارات المتطرفة من الحصول على مقاعد تمثيل في حكومة السلطة الفلسطينية، و المساعدة في ذلك، و غير ذلك مما كان يشتري به الحاكم العربي نفسه، من أميركا المتغافلة آنذاك عن العالم العربي الذي كان لا يعدو كونه محطة لتمويل الوقود و مصدر إيذاء للضحية الاسرائيلية، كما يحب الاسرائيلون أن يصورا انفسهم في أمريكا، و ذلك لكي يظل عرش هذا الحاكم و استبداده سليمين من التغييرات التي تنذر بالمجيء الى منطقتنا.
و بطبيعة الحال، فاللوم ليس على أمريكا وحدها، خاصة و أن حكومتهاالحالية، و هي الحكومة المتدينة اليمينية، ربما تؤمن بما يروى عن السيد المسيح عليه السلام " إن الله يساعد فقط أولئك الذين يساعدون أنفسهم ". إننا نشارك، نحن العرب، بالجزء الأكبر من المسئولية عن تدهور الأوضاع في عالمنا العربي، و ذلك بدون استثناء لأحد من مهنيين و مفكرين، بكافة قوانا ،- و إنني اتحفظ هناعلى تصنيف تلك القوى يمينا أو يسارا، بحكم الغياب الكامل للمحتوى الديمقراطي و المحك الذي يمكن عليه فحص التوجهات السياسية و الفكرية، ممتنعا عن تصنيف هذه القوى على أسس و تعريفات غربية خاضعة، خضوعاً طبيعياً لخطاب ثقافي- أخلاقي و تاريخ محددين و ليس بالضرورة أن ينطبقا على حالتنا- لن نستطيع أن نساعد أنفسنا كشرط مسبق لمساعدة الغير لنا الا إذا استطعنا تشكيل جبهة ضغط لا يساوي عزمها الصفر، تعمل في اتجاه و احد لإيجاد ذلك المحتوى الديمقراطي ، و تمنع، او تؤجل على الأقل، الصراعات الثانوية فيما بينها قدر الإمكان، الى أن نصل الى ذلك الهدف الذي سوف يؤهلنا للتصنيف، تغايراً و تجانساً، تحت ظل حكم أكثر تحضراً و شرعية من شرعة الغاب الحالية التي يستحيل تحديد يمينها من يسارها. علينا الآن أن نفكر في خروج من المأزق الذي وضعتنا فيه تلك الأنظمة الشمولية، سواء مع الغرب أو مع الاسرائليين، أو مع القواعد الجماهيرية، و افكارها الضرورية لنجاحنا. بدأذلك المأزق حين دعمت تلك الأنظمة الفكرالأصولي عندما كان بذرة فامتدت عروقه سرطانا لا يبقي و لا يذر تذهب ضحيته اليوم حضارتنا، و ثقافتنا التعددية و بالتالي امتنا بدينيها الاسلامي و المسيحي اللذين ضربا مثالاً للتعايش مع كافة الافكار تعايشاً لم يستدعِ قط اللجوء لمحاكم تفتيش، أو إحراق جسد عالم أو كتاب فيلسوف، بل و لا هدم معبد أو تفجير تمثال تاريخي، أو قتل لغة أو الغاء أقلية. لنتذكر أننا كمثقفين صمتنا يوماً صمت القبور حين كان العسكر في مرحلة ما يعيثون في البلاد فساداً و ظلما و ظلامية، بل ان بعضنا اشتغل بوقاً لسلطاتهم يزيد من الهاب سياطها لجلود ابناء جلدته. و هانحن اليوم نبدي حنيناً لعادة السكوت تلك حين يُعبث بقانون مصر العظيمة لكي يُفصل ثوبا لرجل شاءت أهواؤه غير المبررة أن لايجرب الجلوس في المنزل و التقاعد بل ليكون رئيساً سرمدياً حياً دائماً بصرف النظر عن التبعات الكارثية التي سيخلفها عدم تداول السلطة في وطنه. إن التضامن مع، و طلب النصرة من، كل الشعوب المحبة للخير و السلم هو ما ينبغي التعويل عليه و ليس على بنادق المارينز التي جاءت لتنقذ الشعوب فتحولت بفعل دهاء الحاكم العربي، و خبرته المصقولة بسنين الاستبداد الكثيرة، الى آلة تحصد من زعمت أنها جاءت أصلا لتنقذهم، و توظيفها لصالحه لتصفية خصومه، الذين ارسل الأصوليين منهم ليحاربوا الأمريكيين في العراق، لإطالة أمد الحرب، لا شعال المشتعل، و اشغال المشتغل، ثم ارسل الليبراليين منهم الى سجون القمع والاذلال تحت بند مساهمته في مكافحة الارهاب، و لقد اسمعت لو ناديت حياً.
#محمد_البندر_الهيلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-حلم بعد كابوس-.. أمريكية من أصل سوري تروي لـCNN شعور عودتها
...
-
بوتين يتوعد العدو بالندم والدمار!
-
لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك
...
-
كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أس
...
-
بين حماية الدروز وتطبيع العلاقات.. ماذا يخفي لقاء جنبلاط بال
...
-
الشرع يطمئن أقليات سوريا ويبحث مع جنبلاط تعزيز الحوار
-
الشرع: تركيا وقفت مع الشعب السوري وسنبني علاقات استراتيجية م
...
-
أمير الكويت ورئيس الوزراء الهندي يبحثان آخر المستجدات الإقلي
...
-
قديروف يتنشر لقطات لتدمير معدات الجيش الأوكراني في خاركوف
-
لوكاشينكو يدعو الشيخ محمد بن زايد لزيارة بيلاروس
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|