|
معنى أن تكون يسارياً
محمد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 07:14
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
معنى أن تكون يسارياً، يسار الوزراء والأعيان نموذجاً
معنى أن تكون يسارياً، ليس أن تبدي ملاحظاتك الناعمة بعد القسم الغريب! ولا أن تحلم بالمزيد من الكاميرات والبدلات الأنيقة.... معنى أن تكون يسارياً هو أن تخرج أولاً من القاع، من قاع الفكرة وليس قاع المدينة بالضرورة!
كيف يتشكل الموقف من السلطة ؟
الموقف المعارض من أي سلطة (على شاكلة السلطة في الأردن نموذجاً)، هو موقف يتم إنتاجه على أسس فهم العلاقة التناحرية معها. التناحرية تعني أن ليس هناك أي أفق لوجود النقيضين في مكان واحد، إلا في حالة واحدة، وهي بقاء حالة التناقض ذاتها حاضرة ومتقدة (إلى أن ينفي أحدهما الآخر)، أي وجود طرفين دفعتهما موازين القوى للوجود في مكان واحد، ولكنه مكان جديد للصراع (ولفهم الحالة “قد” يكون ذلك المكان هو برلمان وليس مجلس أعيان على كل حال).
الصراع بين هذين النقيضين هو صراع نمطين مختلفين، تصورين مختلفين عن الحياة وأسسها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مساحة التقاطع بين اليسار وسلطة كتلك التي في الأردن هي مساحة صفرية تماماً.
معنى المعارضة الجذرية هي الاستمرار في العمل على تدمير مؤسسات النظام القائم (وهنا لا بد أن نميز بين مؤسسات النظام ومؤسسات الدولة، فمجلس الأعيان بالتأكيد ليس مصفاة البترول!)، عزلها، نفيها، إفقادها معناها التضليلي من خلال كشف محتواها الطبقي الاجتماعي ودورها السياسي والعمل على إفقادها حيويتها.
إحدى هذه المؤسسات، مجلس الأعيان. حتى في سياق الديمقراطية الرائجة التي انساق اليسار خلف تعريفاتها الوهمية، فهذه المؤسسة هي إحدى أكثر تمظهرات الحنين لحقبة الأحكام العرفية القديمة، والإصرار على التمسك بها، فأن تكون عيناً يعني بالضرورة أن لاتكون معارضاً ثورياً.
وإحدى هذه المؤسسات كذلك هي وزارة التنمية السياسية، التي نشأت بالأساس لغايات احتواء العمل الحزبي الحقيقي، وتحويله من منصة ومطبخ للثورات الاجتماعية، إلى منصة للاحتجاجات الناعمة المتكيفة مع القانون وليست المحاربة والمعارضة له (صراع داخل حدود القانون المكتوب باعتباره مسلمة). هذه الوزارة تأسست على أرضية الرضا بأن الأحزاب ضعيفة وقاصرة وعاجزة عن استقطاب جماهير حولها و بالتالي فهي بحاجة إلى “تنمية سياسية”، وبأن الشعوب متخلفة وبحاجة إلى مرشد في آليات المشاركة في العمل السياسي و”التمكين الديمقراطي”، وبالتالي فهي بحاجة إلى “تنمية سياسية”.
بذلك عندما تكون السلطة هي راعية “التنمية السياسية”، بالضرورة يصبح الكائن المنمَى سياسياً طفلاً رضيعاً لا فطام له، فكيف له أن يكون معارضاً ثورياً؟؟
المعنى التضليلي لهذه المؤسسات يترافق مع ترويج تضليلي كذلك للمهرولين خلفها -والذين سال لعابهم خلف مكتسبات الانضمام إليها- لتعريف الواقعية السياسية (ممكنات الواقع، غياب الديمقراطية وكأنها مسألة قابلة للتسول…) والترويج ضد أي موقف راديكالي على أنه عدمي، على أنه قفزة في الهواء، تغريد خارج السرب، “يسارية طفولية”، مثالية غارقة في الأوهام.
المطلوب هو هو انتزاع حتى الواقعية السياسية من أيدي هذه التيارات لصالح التيارات الراديكالية، فلا يكفي أبداً أن تُتهم التيارات الملتحقة بالأعيان والتنمية السياسية على أنها “خذلت قضيتها”، فهي ببساطة لم تخذل قضية لم تمتلكها يوماً. المطلوب هو تأكيد أوهامها، التأكيد على أنها ليست واقعية سياسية أساساً، فالواقعية السياسية هي دراسة لممكنات الواقع والخروج من رحمها وعدم الاستسلام إليها في الوقت ذاته، كل ذلك في سبيل الوصول إلى المحطة النهائية (الاشتراكية، الشيوعية واضمحلال الدولة، أي هدف نهائي مستند إلى بوصلة فكرية بالضرورة)، هذا هو التعريف المختصر لآلية الجسر والمحطة النهائية، فإن كان الجسر هو مجلس الأعيان والتنمية السياسية التي عرفناها بالمختصر سابقاً، فما هي المحطة النهائية إذن؟
سياسة لا سياسية، وعيٌ تقني وليس وعياً ثورياً
كما يقول المفكر يورغن هابرماس، لقد تمكنت الرأسمالية من خلق عالم سياسي بلا سياسة (ويساعد الجهاز التقني العلمي على إفراغ السياسي من السياسة، وإرساء سياسة لا سياسية).
كل هؤلاء “اليساريين”، الذين تعلقوا بحبل مجلس الأعيان ووزارة التنمية السياسية، هم (في أحسن الأحوال) سياسيون مفرغون من السياسة، لا لشيء سوى لأنهم لم يقفوا على أرضية صلبة (النظرية والمنهج).
فهم (في أحسن الأحوال كذلك) لا يدركون معنى (الجسر والمحطة النهائية) ولا (التناقض الأساسي والتناقض الثانوي) ولا (المحتوى الطبقي الاجتماعي للمؤسسات المختلفة ودواعي تأسيسها). هم في خلاصة الحديث واحد من إثنين لا ثالث لهما: إما السياسيين المفرغين من السياسة ، وإما الانتهازيين بيقينية عالية.
تطبيقات وملاحظات لا بد منها
هرولة الدكتور خالد الكلالدة خلف وزارة التنمية السياسية لحكومة تمتلك الأجندة الأسوأ على الإطلاق لا يختلف أبداً عن انضمام مصطفى شنيكات لحكومة رفع أسعار الخبز “حكومة الكباريتي”. كلتا الحالتين تعبران عن “سياسي بلا سياسة، بلا نظرية أو منهج”، فالأول الذي تنقل بين أفكار التنظيم الحديدي إلى فشل الماكينة العشوائية بحجة “اليسار الجديد” لم يكن يعبر عن حالة ديناميكية في فهم الواقع بقدر العجز عن فهمه، والثاني الذي مازج بين أفكار اليسار ورفع سعر الخبز كذلك الحال.
لم يكن هناك أي معنى للهجوم على الدكتور خالد الكلالدة في قبوله الحقيبة الوزارية، فهذه الخطوة متسقة تماماً مع “السياسي بلا سياسة” ومتسقة تماماً مع الفهم التقني لإشكاليات المجتمعات، ومتسقة تماماً مع الأطروحات الإصلاحية لبنية النظام كذلك. لم تكن تلك الخطوة مفاجئة، بل كان الاستغراب منها هو المفاجئ!
فالدكتور وحال وصوله إلى الوزارة أكد على أهمية مشاركة المعارضة في نقاشات تتعلق بمجمل النظام الاقتصادي في الأردن. ومن قال أن “الطرفين” المتناقشين يريدان تغيير مجمل النظام الاقتصادي؟ هل يمكن للمعارضة أن تغيره من خلال النقاش فقط ودون الاستناد لقوة اجتماعية، أم أن ليس لها سوى خيار وحيد وهو أن تفرضه من خلال القوة الاجتماعية نفسها، وقد يكون الحوار عندها إحدى الممرات المحتملة، ولكن حوار مؤسس على علائق القوة، وليس كما هو الحال اليوم على أساس المسيطر والتابع.
قبول بعض الشخصيات “اليسارية” لعضوية الأعيان دليل دامغ آخر، ليس فقط على تفشي الانتهازية في صفوف اليسار (فقد يكون هذا أبسط الإشكاليات الممكن علاجها)، وإنما دليل على سيطرة العقل التقني على فكر المعارضة (الذي تمظهر في أوضح أشكاله في حالات المباركة للوزراء والأعيان الجدد)، وتمسك السلطة بأيديولوجيا الرأسمالية المعتمدة على التفكيك.
ففي الوقت الذي يعتقد فيه هؤلاء “اليساريين” أنها لخطوة باتجاه العقد الاجتماعي الجديد مع السلطة ، يعتبر المعارضون “الأقل حدة” أن انتقاء هؤلاء “اليساريين” تحديداً يعبر عن انتصار التيار الليبرالي داخل النظام على البيروقراط (تفكير تقني آخر). وحدها السلطة في الأردن التي تعي الأشياء بشمولية إلى اللحظة، وحدها التي تسر لنفسها بمغزى مؤسساتها، الأعيان والتنمية السياسية!
#محمد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الإمبريالية (1-4)
-
المانفستو الرأسمالي والمانفستو الشيوعي (2-2)
-
المانفستو الشيوعي والمانفستو الرأسمالي (1-2)
-
في التهديد الأمريكي لسوريا
-
في هدم النموذج الإخواني
-
الحرية والتكنولوجيا
-
أوهام الحرية في ظل الرأسمالية
-
-جهاد النكاح”| الجنس في الاشتراكية والرأسمالية والدين
-
“جهاد النكاح”| الجنس في الاشتراكية والرأسمالية والدين
-
الرأسمالية والاتفاقيات الزائفة | كيوتو نموذجاً
-
الحرية في عصر الاغتراب والاستلاب
-
مشروع الهيمنة بأدوات التمويل و”المجتمع المدني”
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
-
كيف يهاجمنا الرأسماليون؟ لودفيغ ميزس نموذجاً
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (1-2)
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|