|
هل تعد السخرية فناً؟
محمد نبيل الشيمي
الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 12:59
المحور:
الادب والفن
يثور جدل بين عموم المصريين حول البرنامج الذي يقدمه الطبيب باسم يوسف والذي أحدث ردات فعل بين مؤيدة ومعارضة لتناوله بعض الشخصيات العامة بالسخرية وتعريضه بالقوات المسلحة ..هناك من أستهجن ذلك النوع من البرامج وأعتبره خروج عن النقد الهادف وأنه بما تضمنه من إيحاءات وتلميحات جنسية وأصوات لا يقبل الحس المصري ترديدها..في حين يري آخرون أن لا قيد علي الممثل والفنان في طرح رؤيته حتي ولو تضمنت خروجا علي المألوف في الحياة المصرية والجدال مازال علي أشده ...وحول علاقة الفن بالأخلاق يمكن التأكيدعلى أنه علي مدى تاريخ البشرية كانت هناك محاولات مستمرة من جانب مفكرين وفلاسفة لربط الفن بالأخلاق فها هو الرسام الفرنسي الشهير جاك لويس ديفيد يقول خلال اجتماع لرجال الثورة الفرنسية "أن الفنون يجب أن تتخذ وسيلة لتربية الشعب ، فإننا إذا عرضنا على الشعب صفات البطولة والفضائل الوطنية عن طريق الفن فإن ذلك يشحذ همته ويولد في نفسه الانفعالات القوية إلى تدفعه إلى طلب المجد وإلى التضحية في سبيل الوطن" . ويعرفه البعض بأنه "نشاط إنساني محض وهو يتأسس على الوعي وعلى الحرية" ويقول هربرت ريد في كتابة معنى الفن أن السؤال عن ماهية الفن لهو من الأسئلة التي حاول كثير من العلماء والحكماء الإجابةعليها غير أن هذه الإجابة لم تكن مرضية للجميع فمثل الفن كمثل الأشياء الموجودة من حولنا في كل مكان كالهواء والتربة لأن الفن ليس مجرد أشياء توجد في المتاحف والمعارض ... ومهما يكن تعريفنا للفن فهو كائن في كل ما نصنعه لإمتاع حواسنا ويضيف ريد عن الفن بإنه الوجدان يتخذ شكلاً جميلاً وتعرفه موسوعة إنيكارتا "بأنه نتاج النشاط البشري الإبداعي الذي يستخدم الوسائل المادية وغير المادية للتعبير عن الأفكار والعواطف الإنسانية" أما الموسوعة البريطانية فتعرف الفن على أنه استخدام التصور والمهارة لخلق نتاجات جمالية أو صياغة تجارب شعورية أو تهيئة مناخات تتميز بحس جمالي" وجاء في الوجيز بأن الفن "مهارة يحكمها الذوق والموهبة والتطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها ويكتسب بالدراسةو المرانة أو هو جملة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة وأيضاً جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر " والفن في كل الأحوال نتاج لكل إبداع إنساني وأحد ألوان الثقافة التي تم اكتشافها أو الاستدلال عليها قبل التاريخ ويمثل عملاً إبداعياً يعتمد على مهارة المبدع وقد يكون محصلة لفكرة فردية أو من خلال فكرة جماعية ـ وهو بهذا التصور عبارة عن محاولات تقوم على التعبير عن مكنونات المبدع لتجسيد المشاعر الإنسانية ذلك أن رسالة الفن تكمن في منحه الإنسان إحساسه المباشر بطبيعته الاجتماعية أويعيد إليه هذا الإحساس حال فقده . والواقع أنه كان ينظر إلى الفن في مرحلة تاريخية على أنه قبل كل شيء نشاط أو خلق لشيىء متميز (أثر) ولم ينظر إليه كوسيلة معرفية متميزة إلا في فترة متأخرة جداً ... وكان السؤال المطروح ... ما الفن ؟ أهو تفكير فني ، معرفة ، إنعكاس ؟ أم هو نشاط وإنتاج .. إن جوهر المسألة كلها يكمن في أن الفن يحوي في ذاته كلا هذين الشكلين من أشكال الوجود الإنساني في وقت واحد ... ولكن من البدهي أن الفن في مختلف مراحل تطوره وفي شتى أنواعه وأجناسه بعطى المقام الأول لجانبه التربوي ـ التعبيري تاره ولجانبه المعرفي ـ الإنعكاسي تارة أخرى . وتعتبر إشكالية العلاقة بين الفن والأخلاق إشكالية قديمة تمتد جذورها قدم الكيانات الفلسفية نفسها وكانت محل اختلاف في وجهات نظر عدد من الفلاسفة فأفلاطون في رفضه للفن كان لاعتقاده أن الفنون فيها ما يستند على الكذب والوهم والملاحظ أنه أكد أنه كي يكون الفن أخلاقياً فيجب أن يقتصر على تصوير المعاني الخيرة وإلا يضع أمام نظر الإنسان إلا الأمثلة الطيبة أما جون راسكن الناقد الفني وعالم الاجتماع المعاصر لحكم الملكة فيكتوريا فقد أعتبر الأخلاق المعيار الأساس للفنون وفي هذا السياق فإن راسكين يؤكد على أهمية أن يستلهم الفنانون أفكارهم من قواعد الدين والأخلاق ويشير إلى أن تربية ذوق الإنسان هي مفتاح لتربية الخلق .. وعندما يعلم الإنسان بأن ما يطالعه من فن يندرج تحت الفن الجميل أنما هو الطريق نحو معرفة الأشياء الطيبة ويميزها . ويرى فيكتور هوجو أن الفن عندما يكون في خدمة الأخلاق فلا شك أنه يكون أكثر جمالاً . ويرى كل من ماركس وأنجلز أن هدف العمل الفني ينبغي أن ينبثق عن العمل الفني نفسه ان تصوير المجتمع القائم على الاستغلال والظلم والكذب تصويراً وثيقاً لابد أن يؤدي للقضاء عليه . ويقول سارتر في كتابة ما هو الأدب لا وجود للفن إلا بالآخرين ولآجل الآخرين" الكتابة نداء موجه إلى القارىء كي يخرج إلى الوجود من البديهي عند مخاطبتي للقارىء إنني أنظر إليه على أنه حرية خالصة وقدره مستقلة على الخلق وإيجابية غير مشروطة إذ لا أستطيع على أي حال أن أخاطب سلبية ما . ويقول الاديب الروسي تولستوي" اوضح ان الفن ينبغي ان يوجه الناس اخلاقيا وان يعمل علي تحسين اوضاعهم ولا بد ان يكون الفن بسيطا يخاطب عامة الناس" وفي دراسة للأستاذ الدكتور / رمضان الصباع تحت عنوان الالتزام في الأدب والفن بين سارتر والماركسية يقول "إن الماركسية ترى أن الكاتب مطالب بالوقوف في صف التقدم حسب التعبير الماركسي في صف الطبقة الصاعدة والفنان الحقيقي هو الذي يدفع المجتمع إلى التغيير والفن وسيلة للسيطرة على الواقع" ومن ثم فإنه يلعب دوراً في تطور الإنسان المتناغم الشامل وهدف الفن العظيم هو تقديم صورة لواقع ينحل فيها التناقض بين المظهر والواقع الجزئي والعام والمباشر والتصوري... إلخ حتى أن الشيئين ينصهران في تكامل تلقائي في الانطباع المباشر للعمل الفني " إن الفن الذي يتسم بأنه أخلاقي هو الفن الذي يحض على القيم الإيجابية في المجتمع ويعمل على إشاعة الألفة والمحبة بين مكونات المجتمع عاملاً على الارتقاء بفكر وذوق الإنسان وتحرير النفوس وتعديل السلوكيات وإطلاق طاقات الإنسان بعيداً عن التعصب وحضة على إيتاء كافة ما يحافظ على قدسية الانتماء والفن الأخلاقي هو الفن الذي يسعى لايقاظ الضمير ويجعل الإنسان يميز الصواب من الخطأ فضلاً عن تأجيج نفوس المواطنين ودفعهم للاحتجاج والمقاومة لكل مظاهر الظلم والقهروالفن من المنظور الإسلامي ليس بالضرورة أن يكون ذلك الفن الذي يدور حول الإسلام بل هو الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود والفن الإسلامي هو الفن الذي يعبر عن العقيدة ومن الأمور المسلم بها . إن الإسلام يركز على ارتباط الفن بالأخلاق الحميدة وهو بذلك يسمو بالإنسان مشاعرا وسلوكا...ويرى بعض المفكرين المسلمين أن الفن الأخلاقي هو ذلك الفن الذي لا يتناول المجون والفسق وكل ما يتعارض مع عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه وايضاً الفن الذي لا يشغل المسلم عن واجباته الدينية والدنيوية ويخلص هؤلاء على أن الفن الذي يحض على الطاعة وتزكيه النفوس لا خلاف عليه .. وغير ذلك فهو فن لا يستند على رؤية أخلاقية وتتنافى مع تعاليم الإسلام . ويقول الدكتور محمد عمارة : الفن مهارة تتعلق بالذوق والوجدان وكي يكون الفن جميلاً لابد ان تكون له رسالة أخلاقية فمجرد المهارة لا تضمن ولا تتضمن الجمال . ...وإذا كانت الفنون وسيلة للترويح عن النفس الإنسانية وتجديد ملكاتها وطاقاتها وإعانتها على أداء تكاليفها الدينية والدنيوية ولم تقترن مجالسها بمحرم أو مكروه فإنها عندئذ تأخذحكم الغايات التي يبتغيها الإنسان فتكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أما إذا اقترنت بالمحرم أو أدت إلى محرم أو صرفت عن الواجبات فإنها تكون مكروهة أو محرمة وفق حكم ما يقترن بها أو ينتج عنها من ثمرات ... "إن القاعدة الفقهية في رؤية الإسلام للفن أن أي عمل طيب تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله ولم يعط لأي من عباده أن يحرم على نفسه أو على غيره شيء من الطيبات . ولا شك أن كل أشكال الفن من الموسيقى والشعر والنثر والفنون التشكيلية والسينما عندما تكون مستندة إلى الأخلاق فإنها تعد أحد أشكال الوعي الحاكمة لتصرف الإنسان والتزاماته ـ إن الفن القائم على الأخلاق هو بمثابة ثورة ثقافية تحرر الإنسان من قيود التخلف ومن هنا من الضروري أن يكون الفن أخلاقياً ,,وأترك للأصدقاء أن يحكموا بأنفسهم هل ما يقدمه باسم يوسف فنا؟.
#محمد_نبيل_الشيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مأزق السلفيين
-
رئيسان وثورتان
-
التوافقية
-
ثورات الربيع العربي ... والمعارضة السياسية
-
الفساد السياسى
-
مصر..وماذا بعد؟
-
الجنيه المصري بين المؤامرة والمقامرة
-
الأخوان المسلمون والنظام الاقتصادي
-
مصر والموقف الملتبس..
-
مصر والمرحلة الفارقة
-
الكويز اتفاق مر الثمرة
-
قراة في الزجل
-
قراءة في خطاب رئيس اخواني
-
السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية 1/3
-
السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية التيارات السلفية في
...
-
السلفيون...الجذور والأفكار: دراسة وصفية 3/3
-
نشأة الاستبداد في الدولة الاسلامية..قراءة أولية
-
الثورة المصرية استحقاقات لم تكتمل وقلق مشروع
-
الثورة المصرية..وهواجسها
-
قراءة في الميزان التجاري المصري
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|