|
سْحِير الليل .قصة قصيرة
عبد الرحمن باجي الغزي
الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 09:39
المحور:
الادب والفن
سْحِيّر الليل :بقلم عبــد الرحمــن باجـي الغـزي اسرد عليكم حكاية حدثت معي منذ سنوات طويلة ولكنها لاتزال تسكن مخيلتي .تم سوقنا الى الخدمة العسكرية وكانت وجهتنا الاولى معسكر المحاويل لغرض التدريب وتلك ايام لا تنسى حيث ودعنا حياة المدنية واصبحنا تحت رحمة ما يسمى عريفي .فهذا صاحب الخيوط السوداء الثلاثة هو الامر الناهي ويتحكم بنا وفق ما يشاء .كانت ساعات التدريب طويلة ومرهقة تتخللها بعض اوقات الراحة نتناول خلالها الطعام والماء ومن ثم العودة الى التدريب حتى غروب الشمس لنعود الى القاعات منهكين سرعان ما نغط في نوم عميق جراء التعب والارهاق الذي اصابنا من ساعات التدريب الطويلة ولم يكن هناك ليل اقصر من الليل الذي كنا نشعر به كأنه دقائق لا ساعات اذ سرعان ما نقفز من نومنا مرعوبين على صوت البوق عند تباشير الفجر معلنا يوما تدريبيا جديد .وكانت الايام طويلة وثقيلة باستثناء يوميّ الخميس والجمعة اللذان يمران مر السحاب لأننا نكون في اجازة قصيرة لدى الاهل نعود بعدها بواسطة القطار الذاهب الى بغداد حيث تكون المحطة المقصود هي الحلة ونستقل منها السيارات المتجهة الى معسكر المحاويل لنبدأ اسبوعا من التدريب .كان القطار فارها ومن القطارات الحديثة التي تم استيرادها من فرنسا .لذا كنا نطلق عليه القطار الفرنسي وكنا لا نجلس على المقاعد اذ نتخذ من الممر مكانا للنوم لتعويض قلة النوم التي نعاني منها .وهنا تبرز مشكلة اذا يجب ان يكون احدنا يقظا خوفا من ذهاب القطار بنا الى بغداد لذا كنا نعتمد على احد الركاب الذي نبادره بالسؤال هل تنام ام لا ؟ لكي يقوم بإيقاظنا عند الوصول الى الحلة ونستقل منها السيارة المتجهة الى معسكر المحاويل لنبدأ اسبوعا من التدريب .في احد الاجازات كنت مرهقا ولم انم خوفا من ان يفوتني القطار اذ كان يصل من البصرة الى الناصرية حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وكنت اٌمني النفس بنومة مريحة في القطار الدافئ .بقيت في البيت اتابع التلفاز حتى حانت الساعة الواحدة والنصف قمت بعدها بارتداء ملابسي العسكرية وحملت حقيبتي متجها صوب محطة القطار التي لا تبعد عن دارنا سوى ربع ساعة . وصلت المحطة لأجد عددا من المدنيين والعسكريّن جالسين على المقاعد الممتدة بموازاة سكة القطار. جلست اتفحص وجوه المسافرين وكأني ابحث عن وجه مألوف ممن معي في المعسكر ولم افلح بذلك . جاء صوت القطار لتبدأ الحركة في المحطة استعدادا للصعود عند وقوفه الذي لا يستمر سوى دقائق معدودة ليطلق بعدها صافرته معلنا عن انطلاقة. استقلت احدى العربات لأجدها مكتظة بالمسافرين رجالا ونساءا وعدداً من العسكر الذين كانوا اما مجازين عائدين الى عوائلهم ومنازلهم او ممن كانوا يقصدون الالتحاق الى وحداتهم في العاصمة بغداد او المحافظات القريبة منها. بدأت اتفحص الوجوه عليّ اعثر عمن يوقظني عند وصول القطار الى الحلة. ولفت نظري جندي ضخم الجثة له شوارب كثة مرتديا بدلة انيقة وواضعا عددا من الجرائد والمجلات على منضدة صغيرة ملتصقة بالكرسي مع علبة من السجائر الفاخرة. اقتربت منة وبادرته بالتحية فرد التحية بلهجة بغدادية مبادرا ان كنت في حاجة الى شيء فأجبته اني اريد النزول في الحلة واخاف ان يغلبني النوم فيذهب بي القطار الى بغداد واتعرض الى العقوبة جراء ذلك .فهل تستطيع ايقاظي من النوم عند وصول القطار هناك .فرد عليّ بلهجة واثقة .نم مطمئنا فأخوك (سْحِير الليل ) أي الخفاش يقصد نفسة أي انه ممن لا يذوق طعم النوم ليلا . شعرت بالراحة ووضعت حقيبتي في الممر متخذا منها وسادة لي سرعان ما غلبني النوم. وبين اليقظة والحلم تناهت الى سمعي أصوات نسائية مع ذرات من الغبار اقتحمت انفي لأنهض مرعوبا. فتحت عيني لأرى امرأتين امامي وهن يقمن بتنظيف العربة من النفايات التي تركها الركاب! التفت صوب الجندي الذي طلبت منة ان يوقظني عند الوصول الى الحلة لأجده يغط في نوم عميق! نعم كان القطار متوقفا في المحطة العالمية في بغداد وقد غادره الركاب ألا انا وصاحبي (سْحِير الليل ) الذي أيقظته بجذبة عنيفة من يدي قفز على اثرها مرعوبا وبادرته بلهجة كلها اسى وحرقة ماذا فعلت بي (سْحِير الليل ) .وصلت الى المعسكر حوالي الساعة الثامنة حيث كانت بركة المياه الأسنة بانتظاري عقوبة لي جراء تأخيري .
#عبد_الرحمن_باجي_الغزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين النادي والشارع
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|