نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 17:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإنسانية في الفكر المسيحي – إنسجام المنطق بفعل المحبة.
تتميز المسيحية بتعاليم المحبة كسمة مميزة في الفكر الذي يُشكل بنيتها و التكليف السلوكي المُناط بأفرادها، و يمكن تلخيص الفكر المسيحي التطبيقي بكلمتين اثنتين وردتا في رسالة يوحنا الأولى، الفصل الرابع ضمن الآية الثامنة "الله محبة". و تركز المسيحية في تعليمها الخلاصي على الجانبين اللاهوتي الإيماني، و التشريعي الأخلاقي، و هذا الثاني هو موضوع حديثنا اليوم.
تتسم نظرة المسيح بشمولية إنسانية تتجلى في فكرته الثورية عن "القريب" كما عرَّفته الشريعة الموسوية في سفر اللاوين الفصل التاسع عشر، و قصرته على اليهودي من أبناء الشعب، ليعيد تعريفها ثوريا ً و إنسانيا ً فيُصبح "القريب" في المسيحية هو كل إنسان و ليس فقط قريب الدم أو الدين أو الشعب، و يبرز هذا بوضوع شديد و انسجام فريد مع المنطق البشري في سفر لوقا الفصل العاشر ضمن مثل "السامري الرحيم".
و يُبرز المسيح التضامن البشري كنهج حياة و تكليف للمسيحين و أساس للخلاص الروحي كنهاية حتمية في إنجيل متى الفصل الخامس و العشرين عندما يُظهر نفسه كديّان للبشر في مجيئه الثاني، هذا الدّيان الذي سوف يحكم على البشرية لا من خلال إيمانها بقناعات مثيولوجية أو عقائدية عن حقيقة الكون و الألوهية و قصص النبؤات و الأساطير (و هذا موضوع حديث آخر) لكن من خلال التزام الفرد بإنسانيته و طبيعة تكوينه البشرية و الارتقاء بهما في علاقته مع الآخرين و سلوكه تجاه احتياجات إخوته و أخواته البشر، هذا التشريع و التكليف الذين نجد صداهما واضحا ً في رسالة يعقوب الفصل الأول الآيات 26 و 27، و الفصل الثاني الآيات 2 حتى 6 و 12 حتى 15.
إن ارتكاز المسيحية الأول في بنيتها هو على الجوهر الإنساني الذي تُعرِّفه باعتباره فعل المحبة و السلوك به، و يتجلى هذا في نمط حياة المسيح الكامل، و الذي هو شاهد حي بقوة الفعل المُعاش على تشريع تكليفي إنساني ثوري، ثم في تبشير الرُسل الأوائل و كتاباتهم و كتابات تلاميذهم، و ربما لا نُخطئ الحكم لو أبرزنا أن أعظم َ ما قيل في توصيف علاقات البشر ببعضهم بلغة الناس العادين بعيدا ً عن فلسفات المنطق و سفسطائيات النُخبة، هو توجه بولس الرسول للمسيحين الأوائل بنص الفصل الثالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنتس من الآية الأولى إلى الثالثة عشرة، فيما يُعرف اليوم باسم "نشيد المحبة".
الدعوة نحو الإنسانية في جوهرها لا تكتمل إلا بتطبيق عملي يقوم به أفراد يختارون هذا النهج ، ليستطيعوا بفهمهم الإنساني الانطلاق نحو حاجات الآخرين و تلبيتها، لرفع المعاناة عن البشر إينما وُجدوا و لتحقيق التكامل الإنساني و الارتقاء النوعي لجنس البشر، حتى إذا ما صلى المسيحيون "أبانا الذي في السموات" كانت ضمائرهم مُرتاحة ً و قلوبهم مُدركة ً أن الصلاة الربية السابقة لا تكتمل إلا من خلال صلاة ٍ إنسانية هي بالحقيقة فعل حي ينتج عنه تحقيق الاكتفاء البشري للقريب الآخر، و التضامن الإنساني الكامل.
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟