|
حول أسباب تعثر الثورة عن تحقيق أهدافها
صلاح عدلى
الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 15:38
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
يلفت النظر بشدة أن الثورة الوطنية الديمقراطية المصرية من خلال حلقاتها الأساسية في الثورة العرابية 1882، وثورة 1919، وثورة يوليو 1952، وصولاً إلي ثورة يناير 2011، أي طوال أكثر من 130 عاماً لم يستطع الشعب المصري تحقيق أهداف هذه الثورة بشكل كامل، وتتلخص الأهداف الثلاثة في: الاستقلال الوطني وإنهاء التبعية، الديمقراطية والحريات الأساسية، تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة وذلك من أجل القضاء علي التخلف والجهل والفقر والاستغلال. ورغم ما قدمه الشعب وطبقته العاملة وفقراؤه وكادحوه من تضحيات جسيمة خلال نضاله الطويل لكنه لا ينطلق إلي الأمام، بل حدث تأخر في العديد من مظاهر التطور الاجتماعي والاقتصادي، وحدثت ردة ثقافية وحضارية كبيرة عند مقارنة الأوضاع في نهاية القرن العشرين بالأوضاع عشية ثورة 1919 في مجال حرية ونهوض المرأة وتقدم الفنون والآداب والفكر والفلسفة وغيرها من مناحي الحياة الفكرية والعلمية. والحقيقة أن انجازات هذه الثورات لم تكن جذرية بالقدر الذي يحمي ويؤصل وجودها وبقاءها في المجتمع.. ولقد سعي العديد من المناضلين والمفكرين والمؤرخين لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء إخفاق الثورة الوطنية الديمقراطية المصرية وعجزها عن تحقيق أهدافها وقدموا إجابات وتفسيرات مختلفة حسب اختلافهم الفكري والأيديولوجي وموقعهم الطبقي ولكن هناك أسباب شائعة ويتم ترديدها في وسائل الإعلام فهناك نظرية المؤامرة الاستعمارية منذ عهد محمد علي وحتي الآن بسبب موقع مصر ودورها، وهناك أيضاً نظرية عجز البرجوازية المصرية عن قيادة الثورة ومسئوليتها عن فشلها بسبب نشأتها في حضن الإقطاع وتبعية الرأسمالية الكبيرة للامبريالية العالمية، وهناك من يحمل المسئولية أساسا إلي عجز الأحزاب الثورية والتقدمية عن تنظيم الطبقات الاجتماعية التي تعد الحامل الاجتماعي للثورة وعدم قدرتها علي توحيد صفوفها لقيادة الثورة. ورغم أن هذه الأسباب كلها مسئولة بشكل أو بآخر عن تأخر الثورة المصرية، ويضاف إليها أسباب أخري لكنني أري أن قضية فصل الدين عن الدولة في الدستور وفي الممارسة كانت ومازالت عائقاً أساسياً وحجر عثرة أمام رغبة الشعب المصري في تحقيق أهداف ثورته وخاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013.. حيث تم استغلال هذه الجماعات المتاجرة بالدين لصرف أنظار الجماهير عن النضال الوطني ضد إسرائيل والامبريالية وتحويله إلي مجرد صراع ديني وطائفي، وكذلك صرف أنظارها- وذلك هو الأهم- عن الصراع الطبقي والنضال الاجتماعي والاقتصادي ضد أسباب شقائها وبؤسها والمسئولين عنها من انصار وممثلي الرأسمالية الكبيرة والتابعة والدول الامبريالية العالمية. ولقد نجحت كل القوي المعادية للثورة- الاستعمار البريطاني ثم الأمريكي وكل النظم المستبدة المتعاقبة والنظم الرجعية العربية والرأسمالية الرثة المحلية- في استخدام هذه القضية وسخرتها بكل الوسائل لعرقلة مسيرة تطور الثورة المصرية، ولضرب الحركة الوطنية والديمقراطية المصرية بشكل مستمر.. ألم يصف الخليفة العثماني بإيعاز من الاستعمار البريطاني الزعيم «احمد عرابي» بأنه «مارق» و «خارج عن الملة» أي تكفيره لعزله عن الجماهير، كما قاموا بأكبر حملة تشهير وافتراء عليه لتشويه صورة هذا الرجل العظيم. وبعد نهوض الحركة الثورية المصرية في ثورة 1919 ساهمت المخابرات البريطانية والسراي في مصر والسعودية في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين لتكون أكبر شوكة في ظهر الحركة الوطنية المصرية والحركة الثورية طوال أكثر من 85 عاماً ففي الثلاثينيات والأربعينيات.. تم استخدامها لإجهاض ثورة 1952 ومؤامرة اغتيال زعيمها عبد الناصر.. ثم استخدمهم السادات بمباركة الولايات المتحدة وبالطبع السعودية ودول الخليج الرجعية لضرب الحركة الشيوعية والناصرية في السبعينيات ومباركة تحوله إلي سياسة الانفتاح وخدمة مصالح الرأسمالية المصرية التابعة والامبريالية العالمية.. ثم استخدمهم مبارك كفزاعة باعتبارهم بديلاً لحكمه، رغم تخديم نظامه عليها اقتصادياً وسياسياً وتسليمه عقل البلاد لمناخ غيبي وسلفي ومتطرف، وكلنا يعرف كيف تم استخدامهم من أمريكا والغرب لضرب ثورة يناير 2011 وتركيع البلاد لخدمة مخططاتهم. كل هذا لم يكن يتحدث عنه قبل ثورة يناير 2011 سوانا نحن الشيوعيين وقسم من اليساريين وكنا نواجه خصومة حتي من المثقفين والليبراليين وتأكيدهم بصراحة لنا علي "وطنية الإخوان" لتبرير تحالفاتهم الانتهازية معهم.. أما اليوم فيتحدث الجميع عن دور هذا التيار غير الوطني والعميل للاستعمار والمعادي للثورة.
وأنا أري مهمة فصل الدين عن الدولة وضرورة مواجهة هذه الجماعات الفاشية الدينية، ليست مهمة ثقافية فقط، ولكنها مهمة نضال طبقي (اجتماعي واقتصادي وثقافي) بامتياز لأننا حين نواجه هذه الجماعات ونهزمها بشكل حاسم ونهائي نكون قد هزمنا أكثر شرائح الرأسمالية الكبيرة طفيلية ورجعية وفاشية وعنصرية ودموية مما سيفتح الباب أمام إمكانات كبيرة لتطور النضال السياسي والاقتصادي بشكل واضح بين اليسار واليمين وسيجعل الخيارات أمام الناس بين بدائل لخدمة مصالحهم في الأساس، والأهم أنه لا يمكن تحقيق نهضة علمية أو تعليمية أو فنية أو أدبية أو في مجال البحث العلمي والأكاديمي أو في مجالات الطب والهندسة والتكنولوجيا دون تحرير العلم والفلسفة والفن والأدب والإبداع من قيود القداسة الزائفة لرجال الدين المغلقة عقولهم ومواجهة هذه المسألة "فصل الدين عن الدولة والسياسة" وحسمها دستورياً وسياسياً وديمقراطياً وثقافياً ومن خلال الممارسة، تلك المسألة التي حسمها الغرب والدول الرأسمالية منذ أكثر من 250 عاماً بعد الثورة الفرنسية، حيث لم تكن هذه الدول قادرة علي إحداث أي نهضة اقتصادية وعلمية وثقافية وفنية بدون حسم هذه المعركة مع الكنيسة المتحالفة مع الإقطاعيين ورجال الدين الذين كانوا يحاربون أي تقدم للدفاع عن امتيازاتهم. ولقد تأخر حسم هذه القضية لدينا مما سبب- إلي جانب أسباب أخري- عائقاً أمام تحقيق أهداف ثورتنا وانجاز مهامها، ومن وجهة نظرنا فإن الرأسمالية في مرحلة الإمبريالية تحولت إلي طبقة احتكارية رجعية وسعت إلي تكريس التخلف باسم الدين في مستعمراتها واستخدمت الجماعات الدينية ورجال الدين لتبرير الاستعمار والتخلف والقهر بعد أن حاصرتها في بلدانها ووضعت الدين ورجال الدين في مجالهم الطبيعي، والسبب الثاني أن البرجوازية المصرية ونتيجة نشأتها من رحم الإقطاع وتبعيتها للرأسمالية العالمية وخوفها من الطبقات الشعبية خلال الثورات الوطنية الديمقراطية فإنها هادنت هذه الجماعات ورجال الدين ولم يحسم مفكروها ومنظروها مسألة فصل الدين عن الدولة ولم تتحقق مسألة الإصلاح الديني بشكل جذري في أهم المؤسسات وهي الأزهر، ولعل مواقف رجال النهضة الكبار غير الجذرية في هذه القضية تؤكد هذه الحقيقة.
غير أن فصل الدين عن السياسة والدولة وتحرير العلوم الطبيعية والاجتماعية والفن والأدب من هيمنة هذا الفكر المتعصب والقيود التي تفرضها فتاوي رجال الدين المتطرفين، لا يعني فصل الدين عن المجتمع وعدم احترام وتقدير دور الدين والقيم الدينية، واستلهام الدين وقيمه السمحة في تطوير المجتمع، ومن المهم أن يكون للدين مجاله الحيوي ويكون في الوقت نفسه للسياسة ومصالح الناس اليومية، وللعلم الطبيعي والاجتماعي مجالاتهم الخاصة الحر ة دون أي قيود تعوق تطورها. وأود أن أؤكد في ختام هذا المقال ضرورة استمرار معركتنا لفضح هذا التيار بكل فروعه وكشف حقيقة مواقفه لأن المسألة ليست فقط من يحمل السلاح ومن يمارس الإرهاب، ولكنها في الأساس مسألة فكر ديني متطرف وفكر اجتماعي متخلف، وفكر علمي ملئ بالخرافات، ومعاداة للمرأة ولحرية الفكر والاعتقاد وللثورة والكادحين والإبداع، ولابد من ثورة جريئة وحقيقية عليه بشكل علمي مقنع دون استعراض أو إثارة أو قفز في الهواء، وهذه المعركة هي جزء من معركتنا الاقتصادية والاجتماعية من أجل حقوق الكادحين والعمال وامتلاك منظماتهم ونظريتهم الثورية التي سوف تساعد في تحررهم الشامل من اسر الاستغلال والقهر والفقر والتخلف.
#صلاح_عدلى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع جريدة -نامه مردم- لسان حال الحزب الشيوعي الإيراني (ت
...
-
الاولوية لمواجهة خطر الفاشية الدينية
-
تصريح اعلامى من سكرتير الحزب الشيوعى المصري
-
قراءة نقدية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية في البرنامج الانت
...
-
انتخابات 2010 أسوأ انتخابات تمت فى تاريخ مصر
-
صلاح عدلى في حوار مفتوح استثنائي مع القارئات والقراء حول: ال
...
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|