|
من هو العدو ؟
رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 20:14
المحور:
القضية الفلسطينية
تعددت التعريفات لمفهوم " العدو " ، فأقرب تعريف للعدو هو " الآخر " ، ولكن ليس كل آخر ، بل الآخر الذي يريد أن يسلبك هناؤك وسبل عيشك ويلحق الضرر بك في معيشتك وطريقة عيشك ويضع العراقيل أمام حريتك في الحركة والتفكير . يفهم الكثير من الناس أن العدو هو من يأتي من خارج الحدود السياسية حاملا الأسلحة ومعززا بالدبابات والطائرات والسفن الحربية ويجتاز الحدود ويقتل كل من يتصدى له ويدمر كل العوائق التي تعيق تحقيق مآربه في احتلال البلاد والاستيلاء على خيراتها ، ويفرض نموذجه وقوانينه على شعب البلاد المحتلة . حقا ، إن هذا الفهم للعدو لا نقاش حوله ، فكل من يحتل بالقوة بلادا أخرى ، فهو العدو الحقيقي لكل من يسكن وينتسب الى البلد المحتلة أراضيه . ولكننا نجد أن قطاعا من الناس الساكنين في البلد المحتلة أراضيه يسهلون للمحتل الغازي تحقيق مآربه ، بل ويشاركوه في ارهاب وكسر المقاومة ضد الاحتلال ، وقد رأينا مثل هذا في العراق حيث شارك عراقيون منفيون وداخليون معادون لنظام صدام حسين ، شاركوا الأمريكان أثناء احتلالهم للعراق تحت حجج إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي أثبت التفتيش المتواصل زيفها . وهنا فالعدو ليس فقط من يأتي من الخارج ويهاجم بلدك وينهب خيراتها ، بل يشمل أُناس من داخل البلد يمارسون القهر والسلب ، و يشاركون المحتل على استباحة خيرات البلاد . فالمواطن في بلده يجب أن يتمتع بخيرات بلاده ، وتكون له حرية الحركة والتنقل ، وحرية الكلمة وأن يعيش بأمان هو وأسرته ، وأن تتاح له فرصة التعليم والعمل والتملك والمشاركة الديمقراطية في اختيار نظام الحكم ، فمن يحاول أن يحرم المواطن من هذه المميزات داخل البلد ، فهل يعتبره المواطن صديق ، أو يضعه في خانة الأعداء ، من هذا نفهم أن هناك عدو للبلد وهناك عدو للشعب وقد يكون من داخل البلد . ناهب لخيرات البلد ، ويمارس القهر والظلم لمواطنيه . قد يكون «العدو» مصطلحا نسبيا يستخدم عادة لوصف اي شخص او فئة او دولة تمارس افكاراً مضادة.. وقد يُسرف البعض في تعريف العدو بكونه «الآخر».. لكن التجربة اكدت ان «الآخر» ليس بالضرورة ان يكون دائماً عدواً! ابتكار العدو : كثيرا ما يبتكر الساسة أو نظام الحكم " عدو" ، بل ويجب أ ن يكون هناك " عدو" للتخفيف من حدة التناقضات والكراهية والتذمر الشعبي لنظام الحكم ، ويجري توجيه الشعب نفسيا لتقبل فكرة أن هذا عدو وذاك صديق ، ولكن الحقيقة غير هذه ، فقد يكون هذا الآخر في حالة اختلاف مع نظام الحكم ، فاعتبار أن هذا عدو يكون لمصلحة نظام الحكم الذي قد يكون ديكتاتوري وظالم لشعبه ويسرق خيرات البلاد ويوجهها لغير صالح الشعب , وفي هذه الحالة يكون العدو في حالة عداء لنظام الحكم وليس للشعب ، فبعد تغيير نظام الحكم تنتهي الصورة التي كانت موجودة عن الدولة الجار أو عن من كان يصفهم النظام السابق بالعدو . وفي الربوع العربية نجد أن نعت " العدو " ، أو نعت " أعداء الأمة " قد أصبح من السهولة بمكان بحيث أصبح الأعداء موجودين في كل مكان ، فالمعارضة في البرلمان " عدو " ، والمنتمي لأحزاب غير حزب السلطة "عدو" ، ومن الملاحظ أن الأيديولوجيا الدينية تُكثر من الفئات التي تُصنف تحت خانة العدو ، فعلى المستوى الفردي فإن " الحمو " أي الأخ " عدو " . كما نرى أن أحزاب الاسلام السياسي تعتبر كل من لا ينتمي اليها عدو للأُمة وعدو للدين من علمانيين وليبراليين ومسيحيين وأقباط وشيعة وأتباع المبادئ الأخرى ، كما نرى أن أصحاب المذاهب في الدين الواحد تكفر بعضها بعضا ويعتبرون أتباع المذهب الآخر عدوا ، كما هو الحال بين السنة والشيعة ، ففي العراق وسوريا يحدث القتل على الهوية المذهبية ، ويجري وضع المتفجرات وتوقيتها في الأماكن والمناسبات الدينية التابعة للمذهب الآخر لقتل اكبر عدد ممكن من أتباعه . وهناك أنظمة حكم نحت منحى آخر في ابتكار مسميات متعددة للأعداء فأضافت الشيوعيين والبعثيين والقوميين وجرى ممارسة كل أساليب القهر والاعتقال والحرمان من الوظيفة والنفي وكأنهم ليسوا مواطنين لهم حق المواطنة وحرية التفكير والانتماء الحزبي ، كما جرى اعتبار أن التكفيريين واتباع القاعدة عدواً شرساً يجب استئصاله ، وهنالك من يرى في ايران عدواً خطراً.. وآخرون يرون ان الحكام الطغاة والمستبدين هم اعداء الامة الحقيقيون.. بينما غيرهم يرى في اميركا العدو الحقيقي... وهكذا! وفي الساحة الفلسطينية ، نجد الكثير ممن يُنعتون بالأعداء مؤخراً فلم تعد اسرائيل والصهيونية العدو الأول.. فهنالك إخوان اليهود ممن يهادنون اليهود ، حتى أن أي تواصل من أجل تسهيل الحياة الاقتصادية والحركية أصبحت ضمن التصنيفات القريبة من مفهوم عدو ، وهناك من اصبح يرى في التنظيم أو الحزب المختلف معه في المنهج أو الدين "عدو" ، بل هناك من يعتبر أن كل من لا ينتمي لحزبه عدو ، ويجري تركيز الدعاية الداخلية للأفراد في هذا الاتجاه ويجب التعامل مع الآخر بحذر شديد وعدم اظهار داخليتك له ولا مصادقته بأي حال من الأحوال ، وعلى المستوى الأمني فكل من يقول أن هناك خصوصية تجارية حزبية " عدو " ، وكل من يتعامل بالمخدرات عدو ولا يمكن إصلاحه ، وكل من يتكلم عن المعابر والضرائب الباهظة المفروضة على البضائع " عدو " ، وكل من يتكلم عن الغلاء في الضروريات المعيشية " عدو " ، وكل من يتكلم عن الوظائف وانعدامها وسيطرة الحرفية الحزبية عليها " عدو " ، وكل من يتكلم عن حرية الصحافة " عدو " ، وكل من ينادي بالديمقراطية والانتخابات " عدو " ، وكل من يتكلم عن مظاهر للفساد وانعدام تكافؤ الفرص والمساواة للجميع " عدو " ، وكل من يتكلم عن تملك المساجد " عدو " ، وكل من يقول أن التعليم تسيطر عليه المنهجية الحزبية الخاصة " عدو " ، وكل من يسأل أين ذهبت المساعدات التي دخلت غزة لمساعدة الشعب على الصمود في الحصار " عدو " ، وكل من يطالب بفرض تسعيرة على التجار " عدو " .وكل من يطالب بسرعة انهاء الانقسام وتوحيد الصف الفلسطيني وتخفيف المعاناة عن الشعب ، خصوصا في غزة " ، يجب الحذر منه ، فربما له اتصالات خارجية ، أو يسعى لمصلحة فردية . وبهذا تعددت المسميات التي تدخل تحت مسمى العدو لدرجة أنه اختلط الأمر على المواطن العادي ، فلم يعد يعرف من هو العدو ومن هو الصديق ، وهل جاره يعد من الأعداء أم من الأصدقاء ؟ بل لم يجد جوابا على السؤال : في ظل هذا المناخ المختلط المفاهيم ، ما معنى " وطن " وما معنى " مواطن " ؟ وصار يصرخ بأعلى صوته : أينك يا فلسطين ، ما الذي أوصلنا الى هذا الحال ، ومتى سنتخلص من هذا المستنقع الذي انزلقنا فيه ؟ فهل من مجيب ، أم أننا دخلنا الى المجهول . ولكن هناك علامة فارقة بين الضفة وغزة في التعامل مع العدو الاسرائيلي ، ففي غزة يُنظر الى الهدنة مع العدو الاسرائيلي أنها شكلية ومرحلية والمقاومة في حالة من الجاهزية الدائمة . أما في الضفة ، فالهدنة لها اعتبارات علاقاتية ، والمقاومة المسلحة في حالة من التشتت والضعف ، ويجري التركيز على المقاومة الشعبية والسياسية . فاذا لم نستطع أن نعرف من هو عدونا ، واذا لم نعرف كيف نوحد طاقاتنا ضد عدونا وننهي الانقسام ، واذا لم نعرف كيف نحل مشاكلنا بأنفسنا !!! إذا فنحن " أعداء " أنفسنا =!!!
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المادية الجدلية وعلم النفس
-
لمن أكتب مقالاتي ؟
-
العرب وخداع النفس
-
بين ايمان - أُمي - وايمان الاخوان
-
تاريخ الخوف من المجهول
-
قراءة في كتاب - سقوط العالم الاسلامي -
-
الوجه الآخر للعنف !!!
-
ماذا وراء وصول مصر الى غرفة الانعاش ؟
-
مصر في غرفة الانعاش
-
كشف المستور وراء تجاهل الحنفاء قبل ظهور دعوة النبي محمد !!!
-
الإسلام السياسي وصكوك الغفران
-
هل كان حمورابي نبياً ؟
-
عوامل القوة والضعف في المشروع الصهيوني
-
المرأة المسلمة تستمريء العبودية
-
خواطر محجبة
-
حقيقة الاسلام
-
قالت لي العنقاء
-
العرب ونظرية التطور
-
الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا
-
التعددية والتوحيد وأثرهما الاجتماعي
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|